''على الفلسطينيين تبني خيار المقاومة الشعبية السلمية''

يرى الأمين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي الذي اختارته مجلة السياسات الدولية الشهيرة "فورين بوليسي" ضمن 100 أهم مفكر عالمي لهذا العام أن عملية السلام قد انتهت وأن على الفلسطينيين تبني المقاومة الشعبية السلمية كخيار رئيسي. مهند حامد التقى المفكر والناشط البرغوثي في رام الله وأجرى معه هذا الحوار.

الكاتبة ، الكاتب: Muhannad Hamed



بعد تعثر الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن بعدم الحصول على 9 أصوات للتصويت على طلب العضوية الكاملة، ما هي الخطوات القادمة التي يجب اتخاذها في الأمم المتحدة؟

مصطفى البرغوثي: علينا التوجه بعد الحصول على عضوية اليونسكو إلى منظمة الصحة العالمية وباقي الهيئات التابعة للأمم  المتحدة وبهذا نفرض عضوية فلسطين من القاعدة إلى القمة ونضع الأطراف التي ترفض حقنا من غير وجه حق في موقف حرج. وأعتقد أن هذا الشكل الأمثل لاستمرار المقاومة الدبلوماسية، والتوقف الآن في منتصف المعركة أمر خاطئ والاقتصار على مجلس الأمن كذلك توجه خاطئ لأن أمريكا تستطيع أن تجمد العضوية إلى الأبد.

هناك توقف للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ما هو السبيل لاستئنافها؟

البرغوثي: لا يوجد مخرج للمفاوضات الحالية، ونحن نؤيد موقف الرئيس الفلسطيني في وجوب وقف الاستيطان والتزام إسرائيل بالمرجعيات الدولية التي تنص على حدود عام 67. الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يمكن أن توافق على هذه المطالب وهي تحتمي بموقف الولايات المتحدة الأمريكية وبشلل وتردد المجتمع الدولي الذي يرفض الضغط على إسرائيل، وبالتالي علينا أن نفكر بإستراتجية وطنية بديلة تتمثل برأينا بتغيير موازين القوة للبدء بمفاوضات فعاله.

وتغيير موازين القوة يتم في أربع وسائل: أولها، المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة السلمية، وثانيا حملة دولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وثالثا إعادة الوحدة الوطنية وتشكيل قيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني، ورابعا تغيير السياسة الاقتصادية جذريا للسلطة الفلسطينية، بحيث تعيد التركيز على ما يؤدي إلى صمود الناس، لاسيما صمود الفئات المتعرضة للأذى من الاستيطان والجدار الفاصل وخاصة مناطق القدس والخليل .

أنت تحدثت عن بدائل لاتفاق أوسلو وعملية السلام ، ما هي هذه البدائل وهل سيراهن عليها الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي؟

الصورة مهند حامد

​​البرغوثي: نحن طرحنا البدائل وأهمها المقاومة الشعبية السلمية. والشعب الفلسطيني يؤيدها وحتى القوى الفلسطينية الأخرى التي كانت تعترض عليها أو لا تؤمن بها وتشكك بجدواها الآن  تعترف الآن بأن المقاومة الشعبية هي شكل النضال الرئيسي للفلسطينيين. وهذا اعتراف بالخط الذي اقترحناه منذ تسع سنوات وهذا مصدر تقدير للرؤية التي حملتها المبادرة الوطنية الفلسطينية وهي رؤية صحيحة، فطرحنا المقاومة شعبية لكل القوى التي باتت تؤمن بها الآن، طرحنا المقاومة الدبلوماسية في الأمم المتحدة وجرى تبني هذا النهج وكذلك دعونا إلى تشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة والآن الجميع ينادي في هذا المسعى. وهذا يشعرنا بالراحة بأن الرؤية التي نحملها صحيحة ويجب علينا أن نواصلها ونحن نسعى الآن لتطويرها باقتراحات عملية ملموسة للانتقال  بالوضع الفلسطيني إلى الأمام .

تم توقيع أكثر من اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس لإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني وأنت شاركت في هذه الحوارات ولكنها لم تطبق، هل ستشهد الحوارات والاتفاق الحالي تطبيقا على أرض الواقع ، وما الذي يدعو الطرفين لتطبيق ذلك؟

البرغوثي: أنا أرى أن الوضع الحالي هو صراع بين ثلاثة مؤثرات حول موضوع الوحدة: المؤثر الأول، اقتناع جميع القوى الفلسطينية بما فيها فتح وحماس يجب أن ما يوحدنا أكثر مما يفرقنا، إذ كان البعض يتحدث فقط عن المفاوضات والآن لا يجود مفاوضات والبعض كان يتحدث عن العمل المسلح والآن لا يوجد عمل مسلح، فموضعيا لم يعد هناك سبب لخلاف بما أن الطرفين يقران بمبدأ الدولة المستقلة وبتبني المقاومة الشعبية الجماهيرية.

ومن ناحية ثانيه هناك عامل سلبي آخر يمنع المصالحة هو استمرار المنافسة على السلطة بين فتح وحماس، على سلطة تحت الاحتلال وعدم الإدراك بأن كل هذه السلطة لا تستحق كل هذا التنافس، والمهم هو تنافس في ضمن نضال حركة التحرر الوطني وإذا أقرينا بأننا ما نزال في إطار حركة التحرر الوطني فعلينا التركيز على جبهة وطنية موحدة وقيادة وطنية موحدة لهذا النضال، وليس التنافس على السلطة. والعامل الثالث السلبي أيضا هو الضغط الذي تمارسه إسرائيل وبعض الأطراف الدولية الخارجية ضد الوحدة الوطنية ولإعاقتها وهي تأثير سلبي على حدوث مصالحة.

والجمهور الفلسطيني أصبح متشككا، إذ يقول إذا كنتم قد اتفقتم على الإفراج عن المعتقلين السياسيين لماذا يوجد الآن معتقلون في السجون؟ الناس تتساءل ما معنى هذا التمسك بوجود حكومتين وكيف يمكن أن نتحدث عن وحدة بدون حكومة موحده خاصة أن بعض الحكومات تعاني من أزمات عميقة. ما زلنا ضمن صراع، حيث هل ستسير الوحدة أو لا تسير وكل ما مر وقت أكبر دون تطبيق لبنود اتفاق المصالحة، زاد شك الجمهور الفلسطيني في صحة النوايا تجاه الوحدة الوطنية.

هل ستشهد الأراضي الفلسطينية حكومة وحدة وطنية جديدة قريبا؟

الصورة مهند حامد
ناشطون إسرائيليون وغربيون يعبرون عن تضامنهم مع الفلسطينيين

​​البرغوثي: نحن ندعو إلى حكومة مستقلين وهدفها الرئيسي الإشراف على الانتخابات القادمة هذه الحكومة هل ستتشكل أو لا هذا ما سيظهر في الاجتماعات والحوارات القادمة ونحن دعينا في المبادرة الفلسطينية إلى اجتماعات القاهرة، حيث ستجتمع جميع الفصائل في 22 الشهر وسنرى ماذا سوف يحدث.

هناك تخوف في المجتمع الدولي من صعود التيارات الإسلامية إلى الحكم في الدول العربية، هل ترى هذا التخوف مبرر؟

البرغوثي: أنا لا اتفق مع أي تخوفات. أنا مع حق الشعب في الاختيار إذا اختار التيار الإسلامي فليختر وإذا اختار التيار الليبرالي فليختر. المهم  هو أن تتكرس الديمقراطية في العالم العربي وإذا جرت الانتخابات وفاز الطرف "ألف" لا يعني أنه سوف يفوز للأبد وهذا يعرضه لامتحان الانتخابات التالية. والتداول السلمي يجب أن يقر كمبدأ وإذا فاز حزب لا يعني شطب الأحزاب الأخرى ومنعها من العمل. بالعكس الديمقراطية تعني فتح الباب للمشاركة والتنافس في حرية كاملة للجميع ولكن الخيار الديمقراطي الذي يختاره الشعب يجب أن يُقبل.

كيف ترى دور الاتحاد الأوروبي في عملية السلام ؟

البرغوثي: دور أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية بدون شك ولكن للأسف ما زال غير قادر على أن يكون مستقلا تماما عن الولايات المتحدة ويعاني من صعوبة ومشكلة كبيرة في الإجماع على أي موقف من 27 دولة في نفس الوقت .

ما هي دعوتك للاتحاد الأوروبي؟

الصورة مهند حامد
البرغوثي يؤمن إيمانا عميقا بالمقاومة الشعبية السلمية

​​البرغوثي: آمل ألاّ أرى الاتحاد الأوروبي يستعمل معايير مزدوجة مع إسرائيل وأن مطالبه للحرية والديمقراطية في كل بلدان المنطقة أن تطبق على فلسطين. وأتأمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإجراءات ضد إسرائيل بما أنها تخرق القانون الدولي والاتحاد الأوروبي يعلم بهذا الخرق مثل ضم القدس غير الشرعي والتوسع الاستيطاني غير الشرعي. فعلى الاتحاد الأوروبي أن يناصر حق الفلسطينيين في الحرية والديمقراطية مثل ما يناصر حق الشعوب الأخرى في هذا الحق.

هل تعول على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والإسرائيلي في القيام بدور مهم في عملية السلام بين الطرفين؟

البرغوثي: المجتمع المدني كان دائما له دور أساسي في النضال الوطني الفلسطيني وقوى السلام الإسرائيلية المناصرة لحقنا كانت تظهر في المجتمع المدني الإسرائيلي ولذلك هذا الدور مهم جدا ويجيب أن يصان. فهناك مؤسسات جيده تتظاهر معنا ويتعرض المتظاهرون فيها للضرب والاعتقال كما نتعرض نحن له. هؤلاء الأشخاص يجب احترامهم وتقديرهم مثل منظمات "بتسليم" وأطباء من أجل حقوق الإنسان، ويجب تعزيز مثل هذا التعاون وأن نتوحد جميعا في معركتنا ضد سياسات التمييز لأنه يلحق الضرر بالآخر وبنا جميعا.

تم اختيارك من قبل مجلة "فورين بولسي" من بين أفضل 100 مفكر في العالم، ماذا يعني هذا التقدير والاختيار لك؟

البرغوثي: أنا فخور بالأسباب التي من أجلها اختارتني مجلة "فورين بولسي" والتي تحدثوا فيها عن الدور الطليعي في المقاومة الشعبية، ودور طليعي في مباحثات الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي، واستعادة الديمقراطية والتركيز على حقوق الإنسان الفلسطيني. هذه الأسباب تشير إلى بداية اعتراف العالم بنمط المقاومة الشعبية الجماهيرية الفلسطينية. وأنا أعتبر هذا مكافأة لكل فلسطيني وفلسطينية شاركوا في النضال قي المقاومة الشعبية، خاصة مثل أولئك الذين منحوا حياتهم لهذا النضال مثل جواهر أبو رحمه وآلاف المناضلين الذين كانوا كل يوم يخرجون في مسيرات سلميه. هؤلاء يستحقون هذا الشرف وأنا مجرد ممثل عنهم. وهذا تقدير لكل الشعب الفلسطيني قبل أن يكون تقديرا شخصيا .

ستجري انتخابات رئاسية في مطلع السنة القادمة هل ستترشح للرئاسة؟ وهل سنشهد انتخابات ديموقراطية نزيهة؟

الصورة مهند حامد
"أنا أثق بإنسانية البشر وأنا أثق بأن غالبية الناس يحملون قيما إنسانية إيجابية ولذلك أنا مقتنع إذا عرفوا الحقيقة سيتضامنون بالكامل مع الشعب الفلسطيني"

​​البرغوثي: هذا الموضوع لم يناقش بعد، ولقد ترشحت من قبل للرئاسة في عام 2005 دائما أقول "أنا الوحيد في العالم العربي الذي نافس على الرئاسة أعلى سلطة قائمة ولم ينتهِ به المطاف في السجن حتى الآن". ولكن عندما ترشحت في عام 2005 قومنا بدور كبير في شق الطريق الديمقراطي. ويمكن أن هذا من الأسباب التي أدت الى اختيارينا في مجلة "فورين بولس"، ولكن نحن فتحنا الطريق وكانت هناك مشاكل في انتخابات 2005 ولكن لولا انتخابات 2005 ما كانت لتكون انتخابات التشريعي في عام 2006 في درجه من النزاهة والشفافية. وكانت فلسطين في مقدمة العالم العربي. ولكن اليوم للأسف نتيجة للانقسام والحصار الذي تعرضت له حكومة الوحدة الوطنية في عام 2007 أصبحنا نفتقد إلى الديمقراطية وخسرنا المجلس التشريعي وخسرنا نظام فصل السلطات، وأصبحت لدينا سلطات مركزيه تتمركز بها كل الصلاحيات. وهذا هو الخطأ، لذلك أهم شيء الآن ليس من سيترشح ولكن لماذا يترشح؟ هل سيترشح لموقع ديمقراطي حقيقي؟ وهل ستكون انتخابات ديموقراطيه حقيقية تشمل كل الفلسطينيين أم لا؟ وكيف نضمن أن تجري هذه الانتخابات بحريه وديمقراطية؟ عندما تترسخ هذه الأمور سنبحث في الأمر.

ما هو تأثير الثورات العربية على القضية الفلسطينية؟

البرغوثي: هناك تأثير مهم وإيجابي للثورات العربية على القضية الفلسطينية لأسباب منها: أنها فتحت باب التضامن مع الشعب الفلسطيني وحررت الشعوب من قمع الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تمنع شعوبها من التضامن مع الشعب الفلسطيني، وأتوقع موجات صاعدة للتضامن مع شعبنا قريبا. كما أنها غيّرت موازين القوى في المنطقه. كما أعتقد أيضا أن التغيير الذي جرى خاصة في تونس ومصر أثبت قوة المقاومة الشعبية السلمية وهذا كان له تأثير مباشر فوري في إقناع كل القوى بقوة المقاومة الشعبية السلمية.

ما هي آمالك من الشعوب الأوربية وأنت تتمتع باحترام وثقه كبيرة لدى الكثير من الأوروبيين؟

البرغوثي: أتمنى من الأوروبيين ومنهم الألمان أن ينظروا إلى الحقيقة وأن يعرفوا الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون، أن يأتوا هنا إلى فلسطين ليروا بأم عينهم وأن يفتحوا آذهانهم لحقيقة ما يجري هنا. أنا أثق بإنسانية البشر وأنا أثق بأن غالبية الناس يحملون قيما إنسانية إيجابية ولذلك أنا مقتنع إذا عرفوا الحقيقة سيتضامنون بالكامل مع الشعب الفلسطيني.

 

أجرى الحوار: مهند حامد
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011