"الحوار الكاثوليكي الإسلامي خطوة نحو شراكة قيمية"

بمبادرة من الجانب الإسلامي عُقد في مطلع شهر نوفمبر/ ‏تشرين الثاني‏‏ الجاري في الفاتيكان أول منتدى للحوار الكاثوليكي الإسلامي. الراهب اليسوعي وأستاذ العلوم الإسلامية كريستيان ترول شارك في المنتدى ويتحدث في حوار مع لويس غروب عن حرية الاعتقاد الديني في أوروبا والعالم الإسلامي والتحديات التي يطرحها التنوير بالنسبة إلى الدين.

البابا في استقبال عدد من المشاركين في الحوار الكاثوليكي الإسلامي، الصورة: ا.ب
"المبادرة انطلقت كلها من الجانب الإسلامي وأن تلك المجموعة من المسلمين أرادت أن تتحدث بنبرة مختلفة"

​​ ما النجاح الذي أحرزه المنتدى الكاثوليكي الإسلامي؟

ترول: كان المنتدى بداية إيجابية، كما كانت الأجواء التي أُجريت فيها المحادثات أجواء طيبة. الجديد هو أن المبادرة كلها انطلقت من الجانب الإسلامي، وأن تلك المجموعة من المسلمين أرادت أن تتحدث بنبرة مختلفة، وهو ما قامت به بالفعل عندما سلطت الضوء على وصية المحبة التي تحتل أهمية مركزية في المسيحية. لقد استشهد المسلمون المشاركون بالآية الواردة في العهد القديم وفي إنجيل متي: "أحب الرب إلهك، وأحب قريبك كنفسك"، وانطلاقاً من هذه الآية راحوا يشرحون أن وصية المحبة تحتل أهمية مركزية في الشريعة الإسلامية أيضاً – وبذلك تكون لدينا قاعدة مشتركة جديدة، وانطلاقاً منها نريد أن نحاول معالجة الموضوعات المطروحة معاً.

الأساس الذي انطلقنا منه كان إذن غير سياسي. لقد قمنا، عن وعي، بالتركيز على أحد التعاليم الدينية وبذلك وضعنا الأساس لنظرية شيقة. لو قال المشاركون المسلمون: إن الله غفور رحيم، وهذا هو الأساس بالنسبة لنا، وعلى البشر كذلك أن يتحلوا بالرحمة، لما كان ذلك مفاجئاً لنا. ولكن هذا الجانب - جانب الحب: حب الله للإنسان وحب الإنسان لله – هو أمر في غاية الأهمية . وهو يضطلع كذلك بدور مهم في التراث الصوفي مثلاً، ولذلك من الممكن أن نقول إن أغلبية المسلمين الذين قاموا بتلك المبادرة هم من المتأثرين إلى حد كبير بالصوفية.

هل كان هناك مشاركون في هذا اللقاء من المملكة العربية السعودية؟

ترول: كلا، لم يشارك أحد من العربية السعودية. أغلب المسلمين في الوفد الذي جاء إلى روما كان من المسلمين المعروفين في الغرب.

لقد دعا البابا في ختام اللقاء مرة أخرى إلى مساندة حرية ممارسة العقيدة في العالم كله. هل تعتبر هذا التحذير ملائماً في تلك الحالة، لاسيما وأن المشاركين في هذا المنتدى الديني يأتون من المجال الأكاديمي في المقام الأول ويكاد يكون تأثيرهم منعدماً على السياسة.

البروفيسور كريستيان ترول، الصورة: سانت جورج
ركز الراهب اليسوعي وأستاذ العلوم الإسلامية كثيرا في كتاباته على أهمية الحوار بين الديانات والثقافات

​​ ترول: لا نستطيع في عالمنا المعاصر أن نفصل بسهولة بين المجالين، إن المجالات المختلفة متشابكة تشابكاً كبيراً مع بعضها بعضا. وبالمناسبة، لقد كان رأي الفاتيكان منذ البداية، أي منذ التحضيرات لإقامة هذا المنتدى في شهر مارس/ آذار من العام الجاري، أنه ليس من المفيد تسليط الأضواء على موضوع لاهوتي بحت. لحسن الحظ أنكم وضعتم موضوع حب الله وحب القريب في مركز الاهتمام، هكذا تردد في دوائر الفاتيكان، وهكذا تفرغنا في اليوم الأول من المنتدى لدراسة هذا الموضوع. غير أن ما يهمنا في المقام الأول هو كرامة الإنسان واحترامه، وكذلك حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد الديني، وفي هذا الصدد تقوم أوروبا بدور مهم للغاية أيضاً بالنسبة للمسلمين.

إن حرية المعتقد الديني تحتل أهمية كبيرة في الشرق الأوسط، ولكن من منظور آخر، مثلاً فيما يتعلق بالمسيحيين والأقليات الأخرى، ناهيك عن وضع البهائيين في إيران! لكل لهذه المشكلات أبعاد عالمية اليوم، ولذلك طرحت على جدول أعمال اليوم الثاني من المنتدى.

من ناحية أخرى، لا يمكن أن نتحدث عن كرامة الإنسان واحترام حقوقه دون أن نتحدث عن حرية ممارسة العقيدة. وللعلم، لقد شارك في المنتدى أربعة أساقفة من بلاد أغلبية سكانها مسلمون، وهم الأسقف مولتان من باكستان، والمبعوث البابوي إلى أبو ظبي الذي يرعى الشؤون الروحية للمسيحيين في ستة أو سبعة بلدان عربية يعيش فيها مليونان ونصف مليون كاثوليكي، ثم أسقف كركوك في العراق، ورئيس أساقفة حلب. هؤلاء الأساقفة تبنوا مواقف حازمة بالطبع فيما يتعلق بحرية ممارسة المعتقد الديني، وقد أصغى الجانب المسلم لهذه الآراء بانتباه تام، كما أيد معظمها رجل مثل مصطفى تشيرتش لأنه يطالب بالشيء نفسه للمسلمين الذين يعيشون في أوروبا.

ولكن لم يشهد المنتدى جدالاً ساخناً في هذا السياق ...

ترول: نعم، بالطبع! ولكن ماذا يعني جدال ساخن؟ إنني أرى أننا لا نستطيع في لقاء كهذا أن نضع الأساس لعلم تأويل جديد. كل ما نستطيعه هو الإشارة إلى نقاط محددة، وكل مؤمن ذكي – أياً كان الدين الذي يعتنقه – سيلاحظ بالطبع أنه يواجه هنا مشكلة كبيرة في التأويل. ولكن مثل هذه الموضوعات لا يمكن أن نقتلها بحثاً في منتدى مثل هذا.

لقد كتبتَ يوماً أن لقاءات الحوار الكاثوليكي الإسلامي مهمة أيضاً بالنسبة للجانب المسيحي لأنه يحتاج إلى النقد الجيد القادم من الخارج – في أي نوع من النقد كنتَ تفكر وأنت تكتب تلك الكلمات؟

مدرسة تابعة لهيئة المعروف والنهي عن المنكر السعودية، الصورة: أ.ب
"الإصلاح الديني يتطلب أيضا إصلاحا سياسيا"

​​ ترول: على المستوى العملي والسياسي لا يمكن أن نتخيل صدور ورقة مثل تلك التي ألفها الأساقفة الألمان في نهاية سبتمبر بخصوص بناء المساجد من دون إجراء حوار مع المسلمين. لقد ازداد الوعي بهذا الموضوع، وبأن علينا في أوروبا أن ندعم الحقوق الدينية الأساسية للأقليات، وللمسلمين، إذا أردنا أن نصل في بلاد كالسعودية واليمن إلى تغييرات في مثل هذه الموضوعات – ينص عليها الدستور –، أو في البلاد العربية ذات الأغلبية المسلمة عموماً. هذه بالطبع عملية تِعلُّم، بالنسبة لنا أيضاً.

ولكن هناك أيضاً مستوى آخر – مستوى القيّم. فلنأخذ على سبيل المثال قيمة العائلة التي فقدت في الغرب أهميتها. هنا بإمكان الكنيسة أن تعمل بالاشتراك مع المسلمين على إحياء القيم الأساسية المرتبطة بالعائلة.

بالإضافة إلى ذلك فإننا نجد في القرآن قيماً شبيهة بالقيم التي وردت في الوصايا العشر. هذا الموضوع كان في لقاء روما محل نقاش مكثف أيضاً، وهو بالتأكيد المجال الأهم الذي يتفق حوله الطرفان. وأخيرا وليس آخراً نذكر كمثال العديد من المسلمين الذين يمارسون شعائر دينهم بشجاعة، بل ويفعلون ذلك علناً ورغم كل العوائق – إني أفكر مثلاً في الالتزام بأداء فريضة الصلاة لدى المسلمين.

هناك نُقّاد مثل حامد داباشي يعتقدون أن المسيحية لم تشهد عملية إصلاح إلا بعد أن مورس عليها ضغط سياسي، وبعد أن كسرت حركة التنوير احتكار الكنيسة للسلطة. كيف تصف العلاقة بين الإسلام والتنوير؟

ترول: إن التحديات التي يضعها التنوير والتكفير النقدي والعلوم الإنسانية الحديثة أمام الدين كبيرة، وهي تدفعه إلى إعادة النظر في مصادر الدين وإلى تحليلها تحليلاً جديداً – هذا الطريق بدأت المسيحية السير عليه منذ أكثر من 200 عام. في الاستهلال الذي كتبته لعدد نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة "صوت العصر" اقتبست فقرة طويلة مما قاله البابا في خطبته يوم 22 ديسمبر (كانون الأول) 2006، وفيها يتعرض البابا إلى هذا الموضوع تحديداً وهو يقول إن هذا التحدي ما زال على معظم المجتمعات الإسلامية أن تواجهه.

هناك توجه في الجانب الإسلامي، وأيضاً بين المتصوفين، لإضفاء سمة المثالية على العصر الذهبي في الإسلام والنظر نظرة سلبية على الحداثة ووصمها بالانحلال الأخلاقي. أما موقف الكنيسة الكاثوليكية بهذا الشأن فهو أكثر تفرقة وتمييزاً. فمن ناحية يمكن القول إن التنوير يمثل تحدياً أتى بخيرات كثيرة – مثلاً تأكيد الحرية الفردية وأن الإيمان لا قيمة له ما لم ينبع من قناعة شخصية واختيار فردي. من ناحية أخرى هناك ظواهر انحلال أخلاقي في المجتمعات الحديثة، وبالتالي من الممكن جداً أن نفكر معاً في كيفية مواجهة ذلك. إن هذا الموضوع – الإيمان، أو بمعنى أدق: الإيمان وفق الإنجيل والقرآن في مواجهة تحديات الحداثة – هو بالتأكيد من المجالات التي يمكن تحقيق تقدم بشأنها في منتدى مثل هذا.

أجرى الحوار: لويس غروب
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

يحمل كريستيان ترول لقب أستاذ كرسي في جامعة القديس جيورجيان للاهوت والفلسفة في فرانكفورت، كما كان عضوا حتى العام 2005 في اللجنة الخاصة بالعلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم الإسلامي.

قنطرة
المساجد في ألمانيا:
"النقد مسموح والتحريض ممنوع"
أعلن الأساقفة الكاثوليك عن مبادرة خاصة تتعلق ببناء المساجد في ألمانيا، يسعون من خلالها إلى المساهمة في جعل الجدال الدائر حول المساجد موضوعيًا. وهم يقدِّمون بهذا جوابًا بالرفض لجميع الذين يعيِّنون أنفسهم منقذين للغرب المسيحي وكذلك لأولئك الذين يحذرون من "أسلمة أوروبا". كلاوديا مينده تعرفنا بهذه المبادرة ودلالاتها.

الإسلام والعلمانية:
هل هناك تضارب بين الهوية الإسلامية ومبدأ العلمانية الفرنسية؟
الفصل بين الدين والدولة يعزز ويكرس الوجه الإلهي الروحي للإسلام ويمنع في نفس الوقت إساءة استخدام الدين كوسيلة لبسط النفوذ والسلطة، هذا ما يقوله مفتي مرسيليا صهيب بن شيخ في الحوار التالي

الأندلس
تعايش الأديان في الماضي
يدعو مارك كوهين، أستاذ في جامعة برنستن الأمريكية، المسلمين واليهود إلى إعادة اكتشاف الثقافة المشتركة التي كانت تجمعهم في العصور الوسطى. ويعرض في مقاله أسباب اختلاف تعامل المجتمع الإسلامي والمسيحي مع الأقلية اليهودية في تلك الحقبة