"الثقافة جسر صادق لأي حوار حضاري فاعل"

يرى الشاعر العربي قاسم حداد وعلى هامش مشاركته في فعاليات برنامج الديوان الشرقي الغربي في برلين أن من شروط الحوار الحضاري الناجح الاعتراف بالآخر والابتعاد عن الإملاءات والقراءات الاختزالية النمطية. محمد مسعاد حاور الشاعر قاسم حداد في برلين.

الشاعرالبحريني قاسم حداد، الصورة: محمد مسعاد
الحوار مع الذات ضرورة قبل الذهاب إلى الحوار مع الآخر، كما يرى الشاعر قاسم حداد

​​كانت إقامتك في ألمانيا في إطار برنامج" الديوان الشرقي الغربي" للتبادل الثقافي. كيف عشت هذه التجربة شخصيا وأدبيا؟

قاسم حداد: لقد عشت أياما عظيمة الفائدة والمتعة والمعرفة. لم يكن لي موقف مسبق من المكان والتجربة، لكنها طبيعة ذاتية في مسألة الغياب عن البيت. تلك التجربة علمتني درسا جديدا، مفاده أنه ليس من الحكمة تفادي الذهاب بجرأة في مهب المكان الجديد. كان برنامج الديوان حيويا ومريحا بدرجة عالية من الرقي والعناية. كما أن اللقاء مع التجارب الأخرى كان حرا وحميماً.

قبل ذلك لم أكن أطمئن لما أكتبه خارج البيت لأنني كنت طوال تجاربي في السفر لا أطمئن للكتابة في حالة السفر التي تفرض جوا من السرعة والإيقاع المتعجل. في هذه التجربة اكتسبت خبرة جديدة، جعلتني أبتكر آلية كتابة مختلفة؛ آلية لا تخضع لحالة الإيقاع السريع ولا تفرط في التقاطع مع حالات الكتابة.

تعرفت على تجارب أدبية وفنية في حقول مختلفة، حتى إنني لم أشعر بوطأة حاجز اللغة الذي يربكني غالباً. لقد اكتشفت أن ثمة طرقاً كثيرة تتيح لك الاتصال بالآخر. في برلين لمست متعة الاتصال بالعالم من خلال محاورة الشخص الجديد، فالكائن الإنساني ينطوي على جوانب تظل متاحة وتنتظر الاكتشاف وتبادل أنخاب المعرفة.

"لست ضيفا على أحد" هو عنوان الكتاب الذي يلخص تجربة إقامتك في برلين. لماذا هذا العنوان القاسي؟

​​حداد: مثلما تكون في بيتك ولا تعود تفكر أنك ضيف على أحد في هذا البيت. هل تسمي هذا الشعور (قسوة) ؟ هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله في عنوان كتابي. وعندما تحمل هذا الشعور في مكان لا تعود فيه عرضة للارتباك ولا تكون مضطرا لمجاملة أو تحفظ يتوجب أن تبوح بذلك بالطريقة التي تناسبك. الصداقة تستدعي الصدق والتعبير عنه، فعندما تحب شخصاً لا معنى لحبك إذا لم تخبره بذلك.

والحق أن هذا الشعور بالضبط قد جعلني أذهب إلى فسحة التفرغ الطويلة في برلين بشغف حقيقي. فأنا في الأصل لست ممن يغيبون عن بيتهم وعائلتهم فترات طويلة ولولا أنني شعرت بالاطمئنان للمكان وأهله لما ولد هذا العمل الأدبي.

ما الجديد الذي أضافته هذه التجربة لمشروعك الأدبي؟

حداد: لا أعرف بالضبط كيف يمكنني توصيف ذلك. ربما يتوجب أن نتريث بعض الوقت لاكتشاف تجليات هذه التجربة النوعية في مستقبل الكتابة والحياة للأديب. غير أن ثمة أفقا من الصداقات الجديدة بمكونات بالغة التنوع يمكنني تلمس اتصالها وحنوها على تجربتي الأدبية والإنسانية وهذا بالضبط ما يعنيني دائما، كلما تعلق الأمر بالآخر: الغنى الجوهري للتجربة الإنسانية والصداقات الجديدة هي بالنسبة لي ما يستدعي ترك البيت والسفر والمزيد من الكتابة، كل ذلك من أجل أن تغتني روحك بالآخر وتتعلم معه درس الحب بقوة.

من خلال قراءة الكتاب يكتشف المرء أنه بقدر ما كنت قلقا من هذه المغامرة بقدر ما التصقت بها و أحببتها حد الجنون؟

حداد: الشاعر يكتشف العالم كل يوم كالطفل. هذا ما يمكن أن يفسر ما يحدث لي عند كل نص. واكتشاف العالم، كما تجربة برلين، هو بمثابة نصوص متتالية جديدة أذهب إليها بشهوة المعرفة الإنسانية. ولعل في قلقي الدائم ما يجعل رغبتي في الاكتشاف أكثر طرافة ومتعة.

يشكل الكتاب تجاوزا للنظرة الكلاسيكية لأدب الرحلة. هل نحن أمام محاولات جديدة لإحياء هذا الأدب؟

حداد: لا أعرف. عندما كنت أسجل ملاحظاتي وأكتب نصوصي لم أكن أفكر في شيء مما تقوله الآن. يظل انطباع الآخر عن ذلك الكتاب مصدرا لعنايتي اللاحقة لكي اكتشف، مع القارئ، كنه ما فعلت.

يتناول الكتاب أيضا إشكالات الترجمة ودورها الحيوي في تواصل الثقافات. كيف تقيم أنت الترجمة خصوصا بين العربية والألمانية؟

حداد: لستُ مؤهلا تقنياً للكلام عن تجربة الترجمة؛ فأنا لا أملك اللغة الأخرى، لكنني أرقب، كقارئ، شغفَ القراء المعنيين، على الجانبين، بالتعرف الأفضل كلٌ بقرينه في اللغة الثانية.
وربما كان على ألمانيا أن تجرب معرفة العرب بوسائط غير السياسة، لأن الثقافة خارج التخوم الحكومية الرسمية تظل الجسر الصادق لتفعيل حوار حضاري رصين. لذا من الضروري
نوعياً ومنهجياً إعادة النظر في تجربة الترجمة المتعثرة بين الطرفين.

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه التجربة في دعم الحوار بين الثقافات؟ وماذا عن دور الجهات الرسمية العربية في دعم هذا الحوار؟

حداد: لا أرى في الدور الرسمي ما يبعث على الاطمئنان. أعرفُ ويعرف غيري، العديد من التجارب المتواضعة، لئلا نقول الفاشلة، التي صدرت عن الجهات الحكومية العربية والأوربية، خصوصا عندما تمر هذه التجارب عبر نفق السفارات كقرار سياسي أو دبلوماسي. ليس لديّ موقف مسبق من الاجتهادات الرسمية، لكنني أرى أن يكون للمثقف والأديب رأي فيما يتعلق بحقله المهني والإبداعي.

وإذا أردنا الكلام عن حوار الحضارات، علينا أولاً أن نصدر عن وعيّ بما يحدث من حوار داخل هذه المجتمعات بالدرجة الأولى، فأنت لا تستطيع الزعم بالمشاركة والإسهام في حوار حضاري، فيما يغيب أو يتعثر أو يجري امتهان حق الحوار في بلادك.

فإذن، لكي تذهب إلى أي حوار حضاري لابد أن تشعر بأنك تشارك في الاقتراح والبرنامج والتنفيذ. وعندي أنه يتوجب علينا أن لا نذهب إلى العالم بوهم تلقينه الدروس أو بوهم الانتشار الإعلامي ولكن برغبة صادقة لمعرفة الخبرات وتبادلها وإقامة العلاقات الإنسانية وتنشيط عضلة القلب والفكر.


محمد مسعاد
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

منظمة الخوذات الخضراء
الحوار يعني الإحترام المتبادل
قبل أكثر من عام أسس روبرت نويديك منظمة "الخوذات الخضراء Grünhelme " بهدف دعم الحوار المسيحي-الإسلامي من خلال مشاريع إغاثية في العراق و أفغانستان – وذلك بنجاح متنامي. تقرير بِترا تابلينغ.

غاليري "أرت نوي لاند" في برلين:
ثلاث ثقافات تحت سقف واحد
في فناء خلفي لبناية في برلين إفتتحت الفنانة الإسرائيلية ياعيل كاتس بن شالوم م غاليري "آرت نوي لاند" الذي يضم أعمال فيديو وتصوير ضوئي تستهدف من ورائها تشجيع الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي في ألمانيا. تقرير من ايغال أفيدان.

تناقض
لا الحجاب ولا السفور من صميم نهضة الأمة
يرى المفكر البحريني محمد جابر الانصاري أن مسألة الحجاب والسفور ليست هي المحك ولا في قمة الأولويات بالنسبة لمحنة العرب والمسلمين الراهنة.