الرئيس التونسي منصف المرزوقي: نحن بحاجة للمساعدة وليس للصلاة من أجلنا

يقول الرئيس التونسي منصف المرزوقي إنَّه يجب على المرء أن يتعاون من أجل السلم الاجتماعي مع الإسلاميين، على الرغم من أنَّ بعضهم يرفضون مبدأ الديمقراطية. الصحفيان إي كريستا وأر فيزلر-إسكندراني إلتقياه وأجريا معه الحوار التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Edith Kresta & Renate Fisseler-Skandrani



سيادة الرئيس، تتصدَّر تونس حاليًا العناوين العريضة في الصحافة العالمية؛ حيث تم اغتصاب فتاة تونسية من قبل رجلين من رجال الشرطة ومن ثم وجِّهت لها تهمة "التجاهر بعمل فاحش". فما رأيكم في هذه القضية؟

منصف المرزوقي: لقد رحبت بهذه الفتاة واستقبلتها هي وصديقها في المقر الرئاسي. وهذا هو جوابي.

هل يواجه بلدكم في المجتمع نموذجين مختلفين: نمودج المجتمع الحديث المستنير وكذلك نموذج المجتمع الإسلامي الأبوي؟

المرزوقي: لقد كانت الحال دائمًا هكذا. هناك قسم من المجتمع له جذور قوية راسخة في الثقافة العربية الإسلامية وقسم آخر منفتح جدًا وغربي. ونحن نعيش في صراع هوية متواصل بين التقاليد والحداثة يحمله كلّ تونسي في داخله. كما أنَّنا لا نستطيع التلاعب بهذين الجانبين لمصلحتنا.

هل يحدث ذلك في الوقت الراهن؟

الصورة رويتر
التعامل بحزم مع الإسلاميين المتطرِّفين - يقول منصف المرزوقي: "لا بدّ من معاملة هؤلاء الأشخاص مثلما يتعامل المرء في أوروبا مع اليمينيين المتطرِّفين؛ يجب أن توضع لهم حدود واضحة وأن يتم تطبيق القانون ضدَّهم".

​​المرزوقي: لدينا مجموعتان من المتطرِّفين - أي السلفيون الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنَّهم عرب مسلمون تقليديون ولا يريدون معرفة أي شيء عن الحداثة، ومن ناحية أخرى الحداثيون الذين ينبذون كلَّ ما هو ديني وتقليدي ولا يريدون أن تكون لهم أية علاقة به. ومهمتي هي التوفيق بين التونسيين وذلك بالتعاون مع الترويكا التونسية (الائتلاف الثلاثي الذي يشكِّل الحكومة الانتقالية التونسية المكوّن من حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية العلماني CPR وحزب الاتِّحاد بالإضافة إلى حزب النهضة الإسلامي.

قلت في أثناء زيارتك مؤخرًا للولايات المتَّحدة الأمريكية إنَّك تفاجأت بعدد السلفيين الكبير الذين يتبنّون الفكر الوهابي في تونس. من المعروف أنَّ السلفيين يسيطرون على ما لا يقل عن أربعمائة مسجد في تونس من أصل ألفي مسجد، ألا يثير ذلك دهشتك أيضًا؟

المرزوقي: لم نتفاجأ بالعدد، بل إنَّ ما يثير دهشتنا هو حجم العنف الذي يمكن أن يستخدمه هؤلاء الأشخاص. لقد تم ولفترة طويلة استبعاد جزء من مجتمع تونس المحافظ الملتزم بالدين استبعادًا تامًا عن الحياة السياسية. واليوم يجب علينا التعاون مع الإسلاميين من أجل الديمقراطية في بلادنا والسلم الاجتماعي. لكننا نسينا أنَّ هناك قسمًا من الإسلاميين يرفضون الديمقراطية رفضًا تامًا ويستخدمون العنف. وهم يعتقدون أنَّ الديمقراطية كفر.

ما تزال ردود الحكومة حذرة ومتحفِّظة على عنف السلفيين وحتى بعد الهجوم على السفارة الأمريكية. فما السبب؟

المرزوقي: لقد أعطينا أنفسنا بعض الوقت للرد، وكنا نرغب في التفاوض مع هؤلاء الأشخاص. ولأنَّنا من المدافعين عن حقوق الإنسان وبما أنَّ معظم أعضاء الحكومة الحالية كانوا في السجون وتعرَّضوا للتعذيب، يصعب علينا التعامل بعنف مع هذه المجموعات. غير أنَّنا أدركنا الآن أنَّهم غير مستعدين للتفاوض. والآن يجب علينا اتِّخاذ القرارات.

هل يفكِّر أعضاء حزب النهضة الإسلامي مثلك؟

رويتر
"يشتكي الكثير من المواطنين التونسيين من الوحشية وزيادة العنف في البلاد" - مظاهرة احتجاجًا على اغتصاب فتاة تونسية من قبل رجلين من رجال الشرطة التونسية.

​​المرزوقي: نعم. فبعد الحادث الذي تعرَّضت له السفارة الأمريكية أدركوا هم أيضًا أنَّه لا يمكن لنا أن نستمر على هذه الحال وأنَّ السلفيين يلحقون أضرارًا كبيرة ببلدنا وبسمعة البلد. كما أنَّ حزب النهضة يعاني من مأزق أكبر بكثير، وذلك لأنَّ جناحه اليميني يتبنَّى تقريبًا الأفكار نفسها مثل المتطرِّفين. والفرق الوحيد هو أنَّهم يحاولون فرض مصالحهم الرجعية من دون استخدام العنف. توجد أزمة حقيقية في داخل الحركة الإسلامية، أزمة انقسام غالبًا ما تتجاهلها القوى العلمانية؛ إذ لا تدور الآن المواجهة الحاسمة بين القوى العلمانية والإسلاميين، بل بين الإسلاميين المعتدلين الذين يمثِّلون الغالبية العظمى وبين الإسلاميين المتطرِّفين.

ما الذي تنوي القيام به ضدّ المتطرِّفين؟

المرزوقي: يجب أن تتم معاقبة هؤلاء الأشخاص بالقانون. لقد قلت دائمًا إنَّه لا بدّ من معاملة هؤلاء الأشخاص مثلما يتعامل المرء في أوروبا مع اليمينيين المتطرِّفين؛ يجب أن توضع لهم حدود واضحة وأن يتم تطبيق القانون ضدَّهم. ولكن لا يجوز لنا الوقوع في الخطأ مثل الديكتاتور زين العابدين بن علي وتعذيبهم وسجنهم.

تتم الآن في تونس محاكمة امرأة بتهمة "التجاهر بعمل فاحش" وفنَّانين بتهمة ارتكاب جنحة ضدَّ النظام العام كما تتم إعاقة الصحفيين في عملهم. هل يحاول حزب النهضة الحاكم من خلال مثل هذه الأعمال التي يقوم بها باسم الإسلام فرض سيطرته على حياة الناس الخاصة والاجتماعية؟

المرزوقي: نعم، هذه المحاولة موجودة وأنا أحاربها وأرى أنَّه يجب على المرء فرض وجهات نظره وآرائه ضمن إطار الحوار والقانون. وعندما يخرج المرء عن هذا الإطار فإنَّه يخرج عن التوافق الوطني.

ما رأيك في محاولة تعريف دور المرأة في الدستور على أنَّها مكملة للرجل؟

المرزوقي: هذا غباء لا معنى له على الإطلاق. أنا مع المساواة بين الجنسين، مع المساواة. وهذا كل شيء.

إذًا هل انتهى هذا الموضوع؟

المرزوقي: نعم ولن يكون لهذه الكلمة أي وجود في دستورنا.

ألا يحزنك أنَّ الكثير من الناس وخاصة النساء يقولون الآن إنَّ الخوف قد عاد إلى البلاد؟

المرزوقي: أعتقد أنَّ هذه مبالغة؛ لأنَّ من يهدِّد النساء مجموعات صغيرة وليست الحكومة. ولكن صوت هذه المجموعات مرتفع وكثيرًا ما يكتب عنهم.

ورد في مقدِّمة برنامج حول نشاط فنِّي في مدينة تونس: "يا لها من مفارقة لأنَّ وضع الفنَّانين في تونس اليوم أصبح أصعب بكثر من ذي قبل". فهل أنت مع هذا الرأي؟

المرزوقي: لا. أنا كمدافع عن حقوق الإنسان مع حرِّية التعبير عن الرأي وحرِّية الفنّ حتى وإن كانت هذه الحرِّيات مؤلمة في بعض الأحيان. لقد عانيت كثيرًا في عهد الدكتاتورية والرقابة. والمشكلة لا تكمن في الحكومة بحدّ ذاتها، بل في أقلية صغيرة تشكِّل بدورها مشكلة للحكومة.

ومن هي هذه الأقلية؟

المرزوقي: السلفيون.

دخل الصحفيون العاملون في صحيفة "دار الصباح" في إضراب عن الطعام لأنَّهم يعتقدون أنَّه قد فرض عليهم مدير عام غريب عن قطاع الصحافة ومدعوم من حزب النهضة. ما رأيك في ذلك؟

المرزوقي: تتم حاليًا إعادة بناء جميع مؤسَّساتنا. وفي مثل هذه المرحلة يسعى كلّ حزب والعديد من القوى السياسية وكذلك أيضًا الحكومة إلى السيطرة على الوضع. وفي مرحلة إعادة البناء هذه وإعادة الهيكلة يمارس كلّ طرف ضغوطات.

يشتكي الكثير من المواطنين التونسيين من الوحشية وزيادة العنف في البلاد...

المرزوقي: لسوء الحظ جميع المجتمعات البشرية عنيفة وفي الفترات الانتقالية يزداد العنف. لكنني أؤكِّد لكم أنَّ تونس في عهد الدكتاتورية كانت بلدًا فيه الكثر من العنف. وكان لدينا كثير من حالات الانتحار التي كان يتم التستّر عليها مثل كلِّ شيء آخر ليظهر المجتمع إلى الخارج بصورة مستقرة. عندما كنت أستاذًا جامعيًا لمادة الصحة العامة أردت إعداد بحث حول معدل حالات الانتحار في تونس. ولكن لم يسمح لي ذلك. فقد كان يوجد الكثير من هذه الحالات والكثير من حالات الاغتصاب التي تم التستّر عليها. والآن حيث يكشف كلّ شيء تظهر كلّ هذه الأوساخ.

بماذا تستطيع المساهمة في بناء تونس الجديدة من خلال دورك كرئيس للبلاد؟

ا ب
يقول الرئيس منصف المرزوقي مؤكِّدًا على أهمية إعداد الدستور الجديد في أقرب وقت ممكن: "آمل أن تتمكَّن الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور من تقديمه هدية للشعب التونسي في الذكرى الثانية للثورة في الرابع عشر من شهر كانون الثاني/يناير".

​​المرزوقي: أنا رئيس هذه العملية الانتقالية. وقصر قرطاج مفتوح اليوم للجميع. وعلى سبيل المثال أدعو في كلِّ يوم جمعة المعارضين والمثقَّفين من أجل تبادل الآراء بصفة غير رسمية في القصر.

هناك الكثير من النساء التونسيات اللواتي يقلن إنَّ العملية الديمقراطية في تونس مشلولة. ما رأيك في ذلك؟

المرزوقي: لا تعاني البلاد من حالة شلل، بل من حالة حيرة واضطراب. توجد لدينا الكثير من القوى المختلفة، وكلّ واحدة من هذه القوى تحاول السيطرة على البلاد. ونحن نمر الآن في عملية الانتقال والنزاعات. كما أنَّ الفترات الانتقالية تكون دائمًا صعبة من دون وجود هياكل واضحة. ولهذا السبب أريد وضع دستور جديد للبلاد بأسرع ما يمكن وتشكل حكومة منتخبة حديثًا، بغية التمكّن في آخر المطاف من التعامل مع المشكلات الاقتصادية الكبيرة. والشهور القادمة ستكون هي الأصعب.

متى سيتم إنجاز الدستور الجديد؟

المرزوقي: آمل أن تتمكَّن الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور من تقديمه هدية للشعب التونسي في الذكرى الثانية للثورة في الرابع عشر من شهر كانون الثاني/يناير.

كانت الثورة التونسية قبل كلِّ شيء ثورة اجتماعية. ما هي المبادرات التي تم إطلاقها لمحاربة الفقر؟

المرزوقي: في هذه الفترة الانتقالية يتردَّد المستثمرون الأجانب. ولكنني أعتقد مع ذلك أنَّ تونس لديها فرص جيِّدة وستحصل على الكثير من الدعم. ونحن بحاجة أيضًا إلى هذا الدعم وبحاجة كذلك إلى أسس اقتصادية جديدة. لقد قمت بإلقاء نظرة على برامج مكافحة الفقر في البرازيل. ولكن لن يحدث لدينا هنا سوى القليل طالما لم يتم تشكيل حكومة تستمر فترة طويلة.

لكن ذلك سيستغرق وقتًا طويلاً بالنسبة للفقراء...

المرزوقي: هذا إرث ورثناه من الخمسين عامًا الماضية. ونحن الآن منذ ثمانية أشهر فقط في الحكومة. ونحن ندعم في الحكومة منظَّمات المجتمع المدني في جميع المناطق للمساهمة معهم في إدارة مشاريع المساعدات الاقتصادية. ونحن نخطِّط لمشاريع من أجل توليد الطاقة وتنمية الزراعة وتطوير الصناعة في المناطق النائية. ولكننا لن نهزم الفقر بين ليلة وضحاها.

سيادة الرئيس، لقد زرت كلاً من الولايات المتَّحدة الأمريكية والبيرو والبرازيل. فكيف كنت تقدِّم بلدك تونس في هذه الدول؟

المرزوقي: باعتبارها بلدًا لديه مشكلات وصعوبات، ولكن كذلك باعتبارها بلدًا يحاول بناء الديمقراطية بعد خمسين عامًا من الديكتاتورية وفي ظلّ حالة اقتصادية صعبة ومحيط صعب - أي ليبيا وسوريا والأزمة الأوروبية. بلد لديه مجتمع مدني شجاع. وأنا واثق كلّ الثقة من أنَّ تونس سيكون لديها بعد عامين أو ثلاثة أعوام نظام ديمقراطي مستقر. ولذلك نحن بحاجة إلى المساعدة وليس للصلاة من أجلنا.

 

أجرى الحوار: إي كريستا وأر فيزلر-إسكندراني
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: صحيفة دي تاغز تسايتونغ/قنطرة 2012

يبلغ الرئيس منصف المرزوقي من العمر سبعة وستون عامًا، وقد انتخب في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2011 من قبل الجمعية التأسيسية التونسية ريئسًا مؤقتًا لتونس. وهو مؤسِّس "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" (CPR) الذي حصل على ثلاثين مقعدًا في الجمعية التأسيسية ويعدّ ثاني أكبر حزب فيها ويشكِّل مع حزب الاتِّحاد العلماني (حصل على واحد وعشرين مقعدًا) وحزب النهضة الإسلامي (حصل على تسعين مقعدًا) الائتلاف الحاكم الذي يطلق عليه اسم الترويكا.

درس المرزوقي الطب في مدينة ستراسبورغ الفرنسية وحصل فيها على الدكتوراه في عام 1973. وفي عام 1979 عاد إلى تونس حيث عمل من عام 1981 وحتى عام 2000 أستاذًا للطب في جامعة سوسة، وفي تلك الفترة أسَّس في أحد الأحياء الفقيرة مركزًا طبيًا، ومنذ عام 1992 كان يناضل من أجل وضع نظام رعاية صحية عامة لصالح الفقراء.

وفي عام 1981 انضم إلى الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وأصبح في عام 1987 نائب رئيسها قبل أن يصبح رئيسًا لها في الفترة من عام 1989 وحتى عام 1994. وأمضى المرزوقي في عام 1994 أربعة أشهر في السجن، وذلك بعد محاولته خوض الانتخابات الرئاسية ضدّ الطاغية زين العابدين بن علي. وفي عام 2000 اضطر إلى مغادرة جامعة سوسة لأسباب سياسية، وفي عام 2001 انتقل إلى منفاه في فرنسا. عاد إلى تونس في الرابع عشر من شهر كانون الثاني/يناير 2011.