"هل أدركتم الآن لماذا لا أسمع الأغنية العربية ؟"

الموسيقار عبد الوهاب الدكالي هو فنان المغرب العربي الكبير. أكثر من خمسين سنة من العطاء المتواصل أعطى فيها للأغنية أبعادا جديدة لم تكن مألوفة من قبل في الساحة الغنائية العربية. في هذا الحوار الذي أجرته معه ريم نجمي يتحدث عميد الأغنية المغربية عن دور الموسيقى في التقريب بين الثقافات وعن تأثيرات المرجعية الموسيقية الغربية على مساره الفني.

الصورة  ريم نجمي
"الموسيقى هي اللغة المشتركة بين الشعوب وهنا يمكن استخدام الأغنية كسلاح في التقريب ما بين الثقافات والشعوب"

​​ برأيك أستاذ عبد الوهاب الدكالي كيف يمكن للموسيقى أن تلعب دورا في التقريب بين الثقافات والشعوب؟

عبد الوهاب الدكالي: الموسيقى هي الحياة و أول من وضع نوتة موسيقية هو داود عليه السلام، الريح موسيقى، الرعد موسيقى، أصوات الطيور موسيقى، الكلام موسيقى...و كل هذه الأصوات يمكن تدوينها موسيقيا. زيادة على أن الإنسان بطبعه يغني، خاصة إذا كان في أحسن حالاته و يتجاوب مع الأغنية إذا لاءمت مناخه.إذاً الموسيقى هي اللغة المشتركة بين الشعوب وهنا يمكن استخدام الأغنية كسلاح في التقريب ما بين الثقافات والشعوب.

نظرا لرسالتك الإنسانية وإسهامك الفني في نشر قيم المحبة و التسامح حظيت بتكريم من قداسة بابا الكنيسة بينيدكت السادس عشر، كيف تلقيت هذا التكريم كفنان عربي ومسلم؟

الدكالي: بالنسبة لي كان هذا التكريم مفاجأة عظيمة، لأنه ليس لي أي صلة بالكنيسة أو ببابا الكنيسة إلا كوني أحترم جميع الديانات خاصة السماوية منها والتي أوصاني بها القرآن كتابي العظيم، الأنبياء الآخرين أعتبرهم أنبيائي كذلك، بما فيهم النبي عيسى والنبي داود وغيرهم من الأنبياء...وأنا أعتقد أن تكريمي من أعلى سلطة دينية كاثوليكية والتي يؤمن بها الملايين من البشر وينتمي إليها مفكرون وكتاب وفلاسفة، جاء تتويجا لدوري على المستوى الإنساني والاجتماعي، والذي له صدى طيبا على البشرية ككل. منذ ذلك التكريم ازداد احترامي و تقديسي للرسالة المسيحية ولهؤلاء الناس الذين تخلوا عن الماديات في سبيل حب الله. بالمناسبة رسمت لوحة زيتية عبارة عن بورتريه لقداسة البابا وأتمنى أن أسلمها له يوما ما يدا بيد.

كوكب الشرق أم كلثوم، الصورة ويكيبيديا
"عمالقة الأغنية العربية أمثال محمد عبد الوهاب، أم كلثوم... صنعوا مجد الموسيقى العربية بحب كبير، لكن مع الأسف هؤلاء رحلوا ولم تبق سوى أقلية"

​​فتحتَ حوارا من خلال أغانيك مع المرجعية الموسيقية الغربية ما الذي تمثله لك هذه المرجعية الموسيقية الغنية؟

الدكالي: طُرح علي سؤال في مهرجان القاهرة من طرف مجموعة من الشباب الصحفيين:" لماذا يا أستاذ تستمع للموسيقى الغربية وتهتم بها؟" قلت إنني منذ 25 سنة لم أعد أسمع الموسيقى العربية لأني أسمع فقط الأشياء التي يمكن أن أستفيد منها، فالموسيقى العربية لم يعد بإمكاني أن أتعلم منها شيئا.الناس الذين كان بإمكاني أن أتعلم منهم كمحمد عبد الوهاب رحلوا. الآن أسمع الأغنية الأنكلوساكسونية. و سأقول لك سرا من أسراري الموسيقية: عندما تنجح أي أغنية لفنان عالمي وتحقق شهرة كبرى، أسمعها وأحاول أن اكتشف جوانب النجاح فيها، طبعا بغض النظر عن الدعاية التي لها دور فعال وكبير في نجاح الأغنية. أنجح تقريبا في اكتشاف نحو 60 في المئة من مقومات نجاح هذه الأغاني. بعد فوزي بالجائزة الكبرى بمهرجان القاهرة جاء نفس الشباب لتهنئتي فقلت لهم "هل أدركتم الآن لماذا لا أسمع الأغنية العربية ؟ ! " أنا ينبغي أن أتعلم كل يوم وأستمع فقط للأشياء التي تأتيني بما هو جديد.

ما زلت تتعلم برغم أكثر من خمسين سنة من الحضور اللامع والخبرة الفنية ؟

الدكالي: طبعا، من الأشياء العظيمة التي لا أنساها جملة قالها الموسيقار العظيم بيتهوفن: " مع الأسف في اليوم الذي بدأت أعرف فيه الموسيقى سأرحل". نحن لا نستطيع أن ندرك في حياتنا كل المعارف والعلوم، سنبقى دائما نتعلم من الكتب ومن الآخرين... محمد عبد الوهاب كان كذلك متأثرا بالآخر سافر مع أحمد شوقي واكتشف الموسيقى والثقافة الغربيتين وانفتح على عوالم أخرى لم يكن يعرفها في مصر.أنا كذلك كل يوم أتعلم وكلما أسمع رنة جميلة أسجلها. بالنسبة لي أنا، اليوم فقط سأبدأ.

عملت في مسارك الغنائي والفني على مواضيع احتفت بالقيم الإنسانية وقيم التسامح وهي قيم ذات أبعاد كونية ، فخرجت عن المواضيع المألوفة في الغناء العربي لماذا هذا التوجه؟

أحد مسارح كزبلانكا، الصةرة ا.ب
تنوع المشهد الفني في المغرب ما بين الأصالة والمعاصرة

​​

الدكالي: أغلب الفنانين في العالم العربي باختلاف تعبيراتهم الفنية يتطرقون إلى موضوع الحب أو العشق. لكن بالنسبة لي هناك أشكال أخرى من الحب: حب الله أو حب الإنسان أو حب الوطن...أنا وبحكم سني- فأنا لم أعد مراهقا وإن كنت كذلك وسأبقى كذلك- كلما تقدمت في العمر تتغير نظرتي للأشياء التي حولي.الآن الإنسان يتخبط في مشاكل كبرى وعويصة كالحروب والمجاعات وانتهاك حقوق الإنسان، فرغم رفع شعارات حقوق الإنسان فهي تبقى في النهاية مجرد شعارات بالنسبة لي. و لأني أحب الإنسان، خصوصا ذلك الضعيف الذي لا يقوى على الدفاع عن نفسه، فأستخدم قوتي والتي تتجلى في غنائي ولحني لنقل معاناة وحالة هذا الإنسان على لساني.وليس من قبيل الصدفة أنني حينما شاركت بأغنية "سوق البشرية" في مهرجان القاهرة الدولي حصلت على الجائزة الكبرى، فالموضوع الذي تناولته موضوع كَوني ويلامس جميع البشر، زيادة على أن لحن الأغنية كان ذا طابع عالمي حتى تتمكن الأذن الغربية كذلك من استيعاب الرسالة.

تميز مسار ككذلك بأغاني وطنية ذات شحن سياسي تتغنى بالقضايا الوطنية المغربية. اليوم توقفتَ عن هذا النوع من الإنتاج الغنائي لماذا؟

الدكالي: فقط كان هناك طلب ولم يعد هناك طلب.

ألا يؤلمك أن هذه الأغاني كانت من الناحية الفنية واللحنية أغاني جميلة ولم تعد تذاع في الإعلام المغربي الرسمي؟

الدكالي: فعلا هذه المسألة من الأشياء التي تؤلمني،لأن هذه القطع الغنائية تطلبت مني جهدا كبيرا وليال من العمل والسهر والآن ضاعت وتبددت.إنما سوف أضع هذه الأغاني في قالب جديد وسأتكلم عن هذا الموضوع حينما يكتمل هذا المشروع.

الأستاذ عبد الوهاب الدكالي كفنان عربي كبير عاصر جيل العملاقة في الغناء ولازلت حاضرا ومتتبعا للساحة الغنائية العربية الراهنة، كيف تنظر لوضعية الأغنية العربية اليوم؟

الدكالي: لابد أن أشير أولا إلى أن الأغنية لها مقومات حتى تكون أغنية مكتملة. لابد من كلام جميل وهادف والألحان لابد أن تكون صادقة ومركزة، زيادة على الأداء الجيد.كل هذه المقومات التي ذكرتها كانت حاضرة في عصر عمالقة الأغنية العربية من محمد عبد الوهاب، أحمد رامي، عبد الحليم حافظ، مرسي جميل عزيز، أم كلثوم...هؤلاء صنعوا مجد الموسيقى العربية بحب كبير، لكن مع الأسف هؤلاء رحلوا ولم تبقَ سوى أقلية. من قبل كان الفن يأتي قبل التجارة والآن صار العكس التجارة قبل الفن.وصارت اليوم الصناعة الموسيقية بين يدي المشارقة وعلى رأسهم اللبنانيين الذين هم كما هو معروف من أصل فينيقي، والفينيقيون عُرفوا بالتجارة.فصاروا يخترعون نجوما يستمرون لمدة معينة حتى يُستنفدوا ويصيرون مستهلَكين ويتم إعادة اكتشاف نجوم آخرين وهكذا...وهذه طريقة أمريكية معروفة.إضافة إلى انتشار فضائيات تعرض أعمالا لفنانات خارقات الجمال لم يعد من الضروري أن يغنين يكفي أن يتكلمن فقط.إذن الفن صار اليوم عملية تجارية يتحكم فيها منطق السوق.

أجرت الحوار: ريم نجمي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

يعد عبد الوهاب الدكالي عميد الأغنية المغربية، وهو من مواليد 1941، وله أكثر من خمسين سنة من العطاء الفني. وفي عام 1997 حصل على الجائزة الكبرى لمهرجان القاهرة الدولي للأغنية.

قنطرة

المغنية المغربية زهرة هندي:
بدوية تطوف ما بين المغرب وأوروبا
تمثِّل المغنية المغربية زهرة هندي الوجه الجديد لجيل شاب ولمؤلفات أغانٍ عالميات في شمال أفريقيا. وسيصدر ألبومها بعنوان "Hand Made" في نهاية شهر شباط/فبراير. شتيفان فرانتسن التقى المغنية زهرة هندي في باريس ويعرفنا بها.

لدورة العاشرة لمهرجان شارع الموسيقيين الشباب:
مشهد موسيقي بديل في الدار البيضاء
يعدّ "بولفار الموسيقيين الشباب" في الدار البيضاء بمثابة ثورة صغيرة. أصبح هذا المهرجان الموسيقي في عامه العاشر ومنذ فترة طويلة نقطة تبلور لاتجاه ثقافي بعيد عن الثقافة السائدة في المغرب. يبدو المرء في هذا المشهد الثقافي واثقًا مما يعجب الشباب ومنتقدًا لما يزعج الحكومة. تقرير من دافيد زيبرت.

رواية "نجم الجزائر" لعزيز شوكي:
رحلة موسيقية في متاهات العتمة الفنية
في روايته الأخيرة "نجم الجزائر" يجسد عزيز شوكي، الجزائري المقيم منذ سنين في باريس، قصة موسيقار موهوب بدأ حياته الفنية في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن العشرين التي اندلعت فيها الحرب الأهلية. ولم يكتب شوكي رواية كبيرة حول الموسيقى وحسب، بل أيضا نصا مؤثرا حول الإحباط الفني والبشري. كيرستين كنيب يعرفنا بهذه الرواية.