مصر لا ينقصها المال بل حسن التخطيط

يبدي رجل الأعمال والناشر المصري صلاح دياب قلقه على مستقبل بلاده، مؤكدا أن الأوضاع السياسية تدفع المستثمرين الأجانب إلى النفور منها وأن مصر لا تزال في حاجة إلى تصورات سياسية واقتصادية تخرجها من الأزمة، في الحوار التالي مع الصحفي الألماني كيرستين كنيب.

السيد دياب، بصفتك مؤسس صحيفة "المصري اليوم" التي تعد من أهم الصحف اليومية في مصر، والصحيفة الأسبوعية Egypt Independent الصادرة بالإنكليزية. كيف تصف الخط التحريري لهاتين الصحيفتين؟

صلاح دياب: إنها صحيفة مستقلة هدفها مصلحة جميع المصريين، تقوم بتغطية كل الأوضاع المتردية إعلامياً، لكننا نحاول أيضاً تقديم الحلول والمقترحات. لهذا السبب تعد الصحيفة بالنسبة لكل من يشارك في الحكم –بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الإيديولوجي - كمنبر معارض.، فممثلو الحكومة يفهمون النقد أساساً على أنه معارضة. وهذا الأمر كان يسري على نظام مبارك، وبات ينطبق الآن أيضاً على الإخوان المسلمين، إذ أنهم يرون في صحيفتنا صحيفة معارضة، وليس كواحدة تهتم بمصلحة جميع المصريين، ومن الطبيعي أن يكون موقفنا نقدياً. ولأن النجاحات تتحدث عن نفسها، نفضل صب الاهتمام على الأوضاع المزرية في البلاد.

كيف تنظر إلى الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في مصر؟

خلال حكم نظام مبارك كان هناك مقدار نسبي من حرية الصحافة. آنذاك كان هناك الكثير من الأوضاع المزرية التي شكلت مدعاة للانتقاد. لكن اليوم يجب علينا انتقاد كل شيء، أو على الأقل أكثر بكثير مقارنة بالماضي. ومثال ذلك خطب الرئيس محمد مرسي، التي غالباً ما تكون غامضة، وكذلك الاتهامات التي يوجهها: فمثلاً يزعم مرسي أن ثلاثين أو أربعين عائلة تتحكم في ثروات مصر، لكننا إذا ما سألنا المصريين أنفسهم، فسنسمع عدداً لا ينتهي من الأسماء.

كما يدّعي مرسي أنه يعرف بعض الأشخاص الذين يريدون التأثير على سياسة البلاد واستقرارها. على العكس من ذلك فإنه لا يلتقي رجال الأعمال المصريين، ولذلك هم يغادرون البلاد. وفي ضوء هذه التطورات لا يمكن تحفيز المستثمرين الأجانب على الاستثمار في مصر، فكيف يمكن لمستثمر أجنبي أن يأتي إلى البلاد، في الوقت الذي يهجره المصريون؟ مناخ عدم الأمان يعد من أهم أسباب الكارثة الاقتصادية التي تشهدها مصر.

يعاني الاقتصاد المصري من حالة انهيار. كما أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض باءت بالفشل. والبلاد تعاني من بطالة وصلت نسبتها إلى 13 في المئة بحسب الإحصاءات الرسمية المعلنة، فيما تجاوزت نسبة البطالة في صفوف الشباب، الذين يتراوح عمرهم بين 14 و 29 عاما، السبعين في المئة. كيف تنظر إلى مستقبل مصر الاقتصادي؟

عامل نظافة في القاهرة. Getty Images
مصر لاتزال تعاني من البطالة والفقر وانحسار السياحة وضبابية السياسة.

​​

المشكلة تكمن في أن لا أحد منا كان مستعدا للثورة. ونظام مبارك لم يكن يتوقعها، وحتى المعارضة نفسها. كما أن جماعة الإخوان المسلمين فوجئت بقيامها. والمشكلة الأخرى تكمن في أنه ليس لدينا أي نموذج يمكننا الاقتداء به. فيما يتعلق بمشاكل البيئة وحقوق الإنسان والقطاع المصرفي لا يوجد أي شخص يمكنه معرفة الطريقة التي يمكننا من خلالها مواجهة التحديات المرتبطة بهذه المجالات. ولهذا السبب فإننا في حاجة إلى سياسي لديه رؤية وتصور واضح لمستقبل البلاد، فبعد 1989 كان بإمكان ألمانيا الشرقية السابقة الاقتداء بنموذج نظيرتها الغربية، أما نحن فينقصنا هنا مثل هذا النموذج.

وماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل مصر؟

يتوقف مستقبل مصر على التعامل مع مشاكلها، إذ لا يمكن الاستمرار على هذا الحال، فالمشاكل أكبر من تجاهلها وهي تنعكس على كل مواطن مصري. لم يسبق أن كان لدينا مثل معدلات التضخم هذه أو هذا الكم من الفوضى أو المشاكل الأمنية التي نعيشها اليوم. المشكلة تكمن في أنه تم استبدال الأشخاص المسؤولين فقط، لكن الهياكل لا تزال على حالها من دون تغيير.

هل يمكن للغرب المساهمة في دعم مصر لتحديد معالم مستقبلها؟

الغرب يمكنه المساعدة فقط من خلال الاستشارات المتعلقة بتحديد معالم مستقبل مصر أو تعريف مصر بمؤسسات الاتحاد الأوروبي مثلاً. على عكس ذلك فإننا لسنا في حاجة إلى مساعدات مالية بالمليارات، لأنها ستُصرف خلال شهر أو حتى أسبوعين ربما. لسنا في حاجة إلى الأموال، لأننا خبراء فيما يتعلق بسرعة فقدان هذه الأموال من جديد. طالما كانت تنقصنا خطة ما، فإن هذه المساعدات المالية ليس لها أي نفع. نحتاج إلى نموذج أو وصفة ما يمكننا إتباعها.

 

 

حاوره: كريستن كنيب
ترجمة: عماد غانم
تحرير: شمس العياري

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013

يشغل صلاح دياب منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة پيكو العاملة في قطاعي الطاقة والزراعة بشكل خاص. وقد أسس صحيفة "المصري اليوم" التي باتت من أهم الصحف اليومية في مصر.