"عرض الواقع بدلاً من تمثيله"

رؤيا سادات، من مواليد هيرات عام 1981، كان حلمها الكبير أن تصبح مخرجة سينما، وهذا ما استطاعت تحقيقه رغم الصعوبات الهائلة. فهيمة فارساي تحدثت مع المخرجة عن السينما الأفغانية والعمل السينمائي.

رؤيا سادات، الصورة: بيت الفيلم كولونيا
تقول المخرجة الشابة إن اللغة السينمائية الأفغانية لم تتبلور بعد.

​​رؤيا سادات، من مواليد هيرات عام 1981، كان حلمها الكبير أن تصبح مخرجة سينما، وهذا ما استطاعت تحقيقه اليوم رغم الصعوبات الهائلة. فهيمة فارساي تحدثت مع المخرجة عن السينما الأفغانية والعمل السينمائي .

فيلم "ثلاث نقاط" هو باكورة أعمالها في الإخراج السينمائي، وقد عرِض في مهرجان الفيلم الأفغاني، الذي أقيم في دار الفيلم في مدينة كولون في نيسان/أبريل الماضي. تعلمت رؤيا حرفة السينما من خلال الممارسة.

اهتمت بأسس الفن السابع النظرية منذ سن المراهقة. في تلك السنوات جلست وحيدة في غرفة صغيرة في هيرات، وقرأت مراجع عن صناعة السينما وكتب أخرى للمؤلف الأمريكي سيد فيلد –كان قد ترجمها مترجمون ايرانيون إلى الفارسية– بينما كان أتباع طالبان يحاولون بصرامة شديدة تحويل أفغانستان إلى منطقة خالية من الفن والأفلام.

بعد انهيار هذا النظام البربري مباشرة، شرعت رؤيا للتواصل مع السينمائيين الأفغانيين القلائل، الذين بدأوا إعادة البناء الثقافي في العاصمة الأفغانية كابول.

المخرج صدّيق بارماك، الذي كان آنذاك منشغلاً بإنجاز فيلمه "أسامة"، الذي نال لاحقاً شهرةً عالمية، وجد أن مشاريع أفلام سادات جديرة بالدعم، واختارها لكتابة السيناريو لفيلمين قصيرين، وتوسّط لها للحصول على مساعدة مالية، من إحدى شركات الإنتاج اليابانية، لفيلمها الطويل "ثلاث نقاط".

قصة حزينة

يروي "ثلاث نقاط" قصة حزينة عن إمرأة لا معيل لها تدعى غول أفروز، تعيش لوحدها في قرية في شمال غربي أفغانستان على الحدود الايرانية، وتحاول إعالة أطفالها الثلاثة البائسين. تجبَر غول على الزواج من محارب مسن له سلطة الخاقان في المنطقة، على الرغم من أنها مخطوبة لفيروز الذي تحبه.

في أسر براثن التركيبة التقليدية يرسلها الخاقان إلى ايران كساعية لتهريب مخدرات الأفيون إلى هناك. تُخفِق العملية و يُلقى بالقبض عليها. بصور تتسم بالواقعية، تعرِض سادات القَدَر العسير لهذه المرأة، التي تهرب من العَوْز والبؤس والجفاف والجوع، وينتهي بها الأمر في نهاية المطاف في سجن ايراني.

هل تُعتبر حياة جول أفروز نموذجاً لحياة النساء الأفغانيات اللاتي يعشن في الريف؟

رؤيا سادات: كان في هذه المنطقة كثير من النساء الفقيرات، اللواتي كافحن من أجل مواصلة حياتهن، في زمن الجفاف الذي استمر في افغانستان لأكثر من ستة أعوام. ولم يكنَّ معرضات لقوى الطبيعة فحسب، بل أيضاً لظلم واستبداد الخاقانات، أصحاب الأمر والنهي في المنطقة، حيث أجبرهن قادة الحرب على العمل بتهريب المخدرات.

كما سبب لنا أتباع الخاقانات المتاعب أثناء تصوير الفيلم. إذ أجبرَنا العديد من محاربي القبائل المسلحين، في يوم التصوير السادس، على مغادرة المنطقة. متحججين بأننا غرباء ونؤثر على نسائهم سلباً. تفتقد هذه المنطقة حتى للتلفاز، ولم يكن للقبائل خبرة بطواقم تصوير الأفلام، حيث يعمل الرجال والنساء سويةً.

ما هي طبيعة العمل المشترك بين الرجال والنساء في طاقم فيلم أفغاني؟

سادات: تماماً كما هي في كل أنحاء العالم وفي أي طاقم للأفلام ذي تجهيزات ضعيفة، غير مكتمل ويعاني من نقص في مهنيته. لم يكن لدينا إلا شجاعتنا وإيماننا. كان ينقصنا كل شيء تقريباً: التمويل والإضاءة والدعم المختص. إضافة لذلك كنت مضطرة أحيانا لتولّي الطبخ للطاقم! أما المضايقات فقد كانت متوفرة بكثرة وهذا من البداية.

ما هي طبيعة هذه الصعوبات؟

سادات: لقد بحثت طوال سنتين عن إمرأة تقوم بتمثيل الدور الرئيسي. وتحت شرط عدم السماح لغول أفروز بالقيام بمحادثات طويلة مع الرجال في الفيلم، أبدى زوج الممثلة موافقته على دورها. إلا أنه بدل رأيه بعد عشرة أيام من التصوير فكان عليها أن تعود إلى المنزل. ولكنها تابعت التمثيل، وتمكنَت بعدها أيضاً من حلِّ مشكلتها الزوجية. لولا إرادتها القوية والتزامها لكان قد حُكِمَ على مشروعنا بالفشل.

بغض النظر عن المشاكل التقنية في فيلمك، يعتمد "ثلاث نقاط" على التوثيق. هل هناك نزعة في السينما الأفغانية بهذا الاتجاه؟ وهل توجد لغة سينمائية أفغانية عموماً؟

سادات: لا زال من المبكر جداً الحديث عن سينما أفغانية. وسيستغرق الأمر فترة من الزمن حتى تكوِّن السينما الأفغانية ذاتها وتصبح قابلة للتعريف. اللغة السينمائية الأفغانية لم تتبلور بعد، لكن إذا انطلقنا من المضمون الموضوعي للفيلم، لربما استطاعنا التحدث عن سينما أفغانية.

أقصد بذلك الأفلام التي تعالج واقع مجتمعنا وتعرضه من غير هوادة، كما هو الحال في فيلم "أسامة" على سبيل المثال. لكن السينما الأفغانية تحاول، في الحقيقة، عرض الواقع بدلاً من تمثيله حالياً، إذ أننا نمر الآن في مرحلة تحوّل. لذلك نتوجه لمعالجة الواقع الذي يتسم للأسف بطابع العوز والبؤس والجور في معظم الأفلام.

هل هناك تأثيرات خارجية على تطور السينما الأفغانية –على سبيل المثال من الفيلم الايراني؟

سادات: المؤكد أن السينما الإيرانية أكثر عراقة من السينما الأفغانية وأكثر منها تقدميةً. لكن صانعي الأفلام الأفغان لا يقلدون زملاءهم الإيرانيين. بالإضافة إلى ذلك تمتلك إيران وأفغانستان من وجهة نظر تاريخية، ثقافة متشابهة ولغة مشتركة. ومن المحتمل إعادة التشابهات الجمالية إلى هذه العوامل المشتركة. أنا متأكدة من أن السينما الأفغانية ستُطور لغتها السينمائية الخاصة وهويتها الواضحة عمّا قريب.

أجرت المقابلة فهيمة فارساي
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

المهرجان الأول للسينما الأفغانية
تم إحياء المهرجان الأول للسينما الأفغانية في مدينة كولون الألمانية. تقرير فهيمة فرسائي عن اللغة الصورية الأفغانية الجديدة والشروط الصعبة لصناعة السينما في أفغانستان

السينما الإيرانية
تحصد الأفلام الإيرانية منذ سنوات في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية جوائز متميزة. قنطرة تتناول في الملف التالي سر هذا النجاح وتطرح السؤال عن جودة السينما الإيرانية