السياسة الألمانية في ميزان منظمة العفو الدولية

وجَّهت الرئيسة الجديدة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا، سلمين جاليشكان، الألمانية من أصل تركي، انتقادات حادة إلى الحكومة الألمانية حول قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بتصدير الأسلحة واستقبال اللاجئين السوريين وممارسة الشرطة للعنف في ميونخ، كما انتقدت المظاهر العنصرية في ألمانيا تجاه الأجانب، في حوارها التالي مع فيكتوريا غروسمان و أوليفر داس غوبتا.

الكاتبة ، الكاتب: Victoria Großmann | Oliver Das Gupta

السيِّدة جاليشكان، لنقل وبكلِّ صراحة: هل تشعرين بالخوف والقلق وأنت مقبلة على عملك الجديد كرئيسة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا؟

سلمين جاليشكان: لا يوجد لدي أي شعور بالخوف أو القلق، بل لدي رغبة في أن أضطلع بمهامي! وفي الحقيقة من الممكن وضعي في أي مكان - فحتى الآن تمكّنتُ دائمًا من إنجاز شيء ما. كم هو رائع أن نشمِّر عن سواعدنا للعمل مع منظمة العفو الدولية.

من بين مشاريعك الأولى هناك مشروع غير موجَّه إلى الدول القمعية. لماذا تحتاج ألمانيا إلى "هيئة لمراقبة حقوق الإنسان"؟

جاليشكان: لا تزال ألمانيا تدعم حتى الآن مشاريع من دون التحقّق قبل ذلك إن كانت هذه المشاريع تتطابق مع معايير حقوق الإنسان. ولكن من الأفضل التحقّق قبل بدء هذه المشاريع مما إذا كانت تتم مراعاة هذه المعايير ومدى انطباقها.

تخطِّط حاليًا وزارة التنمية لإحداث مثل هذه "الهيئة لمراقبة حقوق الإنسان". ولكننا كذلك بحاجة إلى مثل هذه الهيئة في كلّ من وزراة الدفاع والاقتصاد والداخلية.

ولكن في الحقيقة لقد لاحظت أثناء عملي السابق، على سبيل المثال فيما يخص أفغانستان، مدى صعوبة التعاون بين مختلف الوزارات الألمانية الاتِّحادية.

إذًا ما هو المشروع الذي يتجاهل معايير حقوق الإنسان؟

جاليشكان: من الممكن أن يكون مثل هذا المشروع على سبيل المثال بناء مدرسة مهنية لا تقبل سوى الذكور. وعلى الأقل يتعيَّن في الوقت نفسه فعل شيء ما من أجل حقِّ الإناث في التعليم. وكذلك تدريب أفراد الشرطة والجنود في أفغانستان.

وضمن هذا السياق يجب أن يتم إدراج المزيد من مواد التثقيف الخاصة بحقوق الإنسان على المناهج الدراسية. وإلاَّ فإنَّ المجنَّدين المدرَّبين حديثًا لن يأبهوا هم أيضًا بالمدنيين الذين يجب عليهم حماية حقوقهم.

وكذلك تمثِّل تجارة الأسلحة موضوعًا رئيسيًا أخر يتعلَّق بهذا الموضوع وتوليه حاليًا منظمة العفو قدرًا كبيرًا من الاهتمام.

فتيات في أفغانستان. دويتشه فيله
تقول الرئيسة الجديدة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا، سلمين جاليشكان إنَّه لا بد من القيام بشيء ما من أجل حقّ الإناث في التعليم في أفغانستان. وتدعو كذلك إلى ضرورة إدراج المزيد من مواد التثقيف الخاصة بحقوق الإنسان في المناهج الدراسية عند تدريب أفراد الشرطة والجنود.

​​

في شهر آذار مارس الجاري 2013 تتشاور هيئة الأمم المتَّحدة في نيويورك حول معاهدة دولية لمراقبة تجارة الأسلحة. فكيف تقيِّمين دور الحكومة الألمانية في هذه المفاوضات؟

جاليشكان: حتى الآن لعبت الحكومة الألمانية الاتِّحادية دورًا إيجابيًا. وعلى وجه الخصوص يجب على الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يتحرَّك، لكي يتم أخيرًا إقرار معاهدة ملزمة يمكننا الاستناد إليها.

أرسلت منظمة العفو الدولية عشرين خبيرًا من مختلف أنحاء العالم إلى نيويورك من أجل الدعوة في المحادثات إلى تشديد القواعد والقوانين بقدر الإمكان وسدّ الثغرات. ولكن نحن نطالب هنا في ألمانيا أيضًا بفرض رقابة أفضل على صادرات الأسلحة.

حتى الآن لا يزال مجلس الأمن الألماني الاتِّحادي الذي يعقد جلساته بصورة سرية ويتألف من أعضاء في الحكومة هو مَنْ يقرِّر في شؤون بيع الأسلحة الألمانية إلى الخارج...

جاليشكان: لا يمكن القبول بوجود نادٍ سري يقرِّر مَنْ هي الدول التي يُسمح لها الحصول على الدبابات والأسلحة الألمانية.

ولكن يجب كذلك إخضاع وزارة الاقتصاد، التي تصادق على الكثير من صادرات الأسلحة من دون استشارة مجلس الأمن الاتِّحادي، إلى رقابة أفضل.

هل تقوم الحكومة بتزويد البرلمان بقدر قليل من المعلومات؟

جاليشكان: هذا صحيح في بعض الأحيان. وعلى سبيل المثال لم يتم إخبار البرلمان في الوقت المبكر وبما يكفي من المعلومات قبيل تمديد فترات عمل القوَّات الألمانية في أفغانستان. أشعر أنَّ ذلك فضيحة لديمقراطيتنا.

وكذلك في صفقات تصدير الأسلحة لا تقوم الحكومة الاتِّحادية بتزويد البرلمان بمعلومات شاملة وفي الوقت المناسب.

سوف نعزِّز في السنة الانتخابية 2013 طرح هذا الموضوع وكذلك موضوع السياسة المتعلِّقة باللاجئين. سوف تعمل منظمة العفو على وضع الأحزاب على محكِّ الانتخابات لقياس مدى توافق سياساتها مع حقوق الإنسان.

احتجاحات على تصدير ألمانيا لدبابات إلى الرياض. د أ ب د
"لا لتصدير الدبابات إلى الرياض" - مظاهرة أمام مبنى البرلمان الاتِّحادي في برلين ضدّ صادرات الأسلحة الألمانية إلى المملكة العربية السعودية. تنتقد أيضًا سلمين جاليشكان الأداء الحكومي وعدم قيام الحكومة الاتِّحادية بتزويد البرلمان بمعلومات شاملة وفي الوقت المناسب حول صفقات تصدير الأسلحة.

​​

أين تبدئين عملك من أجل التأثير السياسي؟ لدى النوَّاب البرلمانيين أم لدى كبار المسؤولين السياسيين وكبار الموظَّفين؟

جاليشكان: نحن نجري محادثات مع الجميع. وكثيرًا ما يكون الموظَّفون الذين في الصفوف الثانية مهمين أكثر بالنسبة لنا. وذلك لأنَّهم هم الذين يحدِّدون ميدانيًا الأعمال اليومية. ومن الضروري هناك أن يكون لنا وجود.

ولكن الاتصالات مع كبار المسؤولين السياسيين تعتبر مهمة أيضًا. وقبل فترة تم على سبيل المثال إجراء حوار مع رئيس الجمهورية.

تشهد سوريا حاليًا حربًا أهلية شرسة، وهناك أعداد لا تحصى من المشرَّدين واللاجئين. فهل تعتبر المساعدات الإنسانية التي تقدِّمها الحكومة الألمانية الاتِّحادية كافيةً؟

جاليشكان. لا تعتبر هذه المساعدات فيما يتعلَّق باللاجئين كافية على الإطلاق. وما تفعله ألمانيا غير كافٍ. ومع ذلك من السهل جدًا مساعدة الكثيرين من المتضرِّرين. إذ ينبغي تمكين السوريين الذين لديهم عائلات وأقرباء في ألمانيا من السفر إلى هنا بسرعة ومن دون بيروقراطية.

ولذلك يجب على الحكومة الألمانية الاتِّحادية الإسراع في العمل. ومن الممكن أن يرسل هذا الإجراء أيضًا إشارة تضامن مع الدول المجاورة لسوريا - هذه الدول التي بلغت الآن مع وجود نحو 900 ألف لاجئ سوري لديها حدود طاقتها الاستيعابية.

لكن الحكومة الألمانية الاتِّحادية تقوم على أية حال بتقديم مساعدات مالية من أجل رعاية الكثيرين من اللاجئين السوريين في المنطقة...

جاليشكان: يجب عليها الاستمرار في هذا العمل. وبالإضافة إلى ذلك يتم في الوقت الراهن هنا في ألمانيا وبشكل دائم تقريبًا منح حقِّ الحماية للسوريون المتقدِّمين بطلبات لجوء.

ولكن مع ذلك فإنَّ معظم اللاجئين السوريين يضطرون إلى الهرب عبر طرق خطيرة وأحيانًا غير قانونية، لكي يتمكَّنوا في النهاية من تقديم طلب للجوء في ألمانيا.

وكذلك لا يحصل اللاجئون الذين يرغبون في إيجاد مأوى لهم لدى أقاربائهم السوريين في ألمانيا على تأشيرة سفر. وببساطة فإنَّ الحواجز القانونية التي تواجه معاملة لَمِّ شمل أفراد الأسرة تعدّ عالية جدًا. ولذلك فنحن نطالب بمزيد من السخاء في قبول اللاجئين السوريين الذين لديهم أفراد من أسرهم في ألمانيا.

ويتعيَّن على الحكومة الألمانية الاتِّحادية أن تتَّخذ الآن مثل هذا القرار وتدعو في الاتِّحاد الأوروبي من أجل ذلك، بدلاً من الانتظار حتى تبدأ كلّ دول الاتِّحاد الأوروبي باستقبال اللاجئين السوريين.

مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن. أ ب
مأساة لجوء غير متناهية - سوف يصل قريبًا بحسب معلومات الأمين العام لهيئة الأمم المتَّحدة، بان كي مون، عدد اللاجئين الهاربين من الحرب الأهلية في سوريا إلى مليون لاجئ. ولذلك تطالب جماعات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، دول الاتِّحاد الأوروبي بإصدار قرارات سريعة لاستيعاب اللاجئين.

​​

أنت أوَّل امرأة ألمانية ذات أصول مهاجرة تشغل منصب الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا. فهل ستصبح منظمة العفو أكثر دوليةً معك؟

جاليشكان: منظمة العفو تعتبر الآن منظمة دولية. ولكنني آمل مع ذلك في أن أتمكَّن من الإسهام في إشراك المزيد من الناس في عمل منظمة العفو الدولية في ألمانيا - وخاصة الأشخاص من الأسر المهاجرة.

هل ترغبين في الحديث حول تركيا؟

جاليشكان: بطبيعة الحال. إذا سألتني وسائل الإعلام التركية فسوف أتحدَّث أيضًا عن انتهاكات حقوق الإنسان والأحوال السيئة هناك. سوف أذكر سجن الصحفيين وكذلك التمييز بحقِّ الأقليَّات العرقية أو نقص الحرَّيات الدينية للمسيحيين والعلويين.

السيَّدة جاليشكان، لقد بدأت ممارسة العمل الاجتماعي في سن الصبا. ما الذي أثار اهتمامك بالعمل السياسي في مرحلة مبكِّرة؟

جاليشكان: جاء والداي في بداية الستينيَّات إلى ألمانيا. وقد صادفا انفتاحًا، وكانت توجد لدينا اتصالات كثيرة مع أسر ألمانية. ولكن لقد تغيَّر هذا المناخ في نهاية السبعينيَّات مع "إيقاف تشغيل" العمال الأجانب. وكان آباؤنا يتناقشون كلَّ ليلة فيما إذا كان يجب عليهم قبول تعويض إنهاء الخدمة والعودة إلى تركيا.

ونحن الأطفال كنا نرتعش خوفًا من ذلك، لأنَّ ألمانيا كانت وطننا. لقد نشأت وكبرت مع عبارة: "في العام المقبل سوف ننتقل إلى تركيا".

صحيح أنَّ هذا لم يحدث في النهاية، ولكن هذا الخوف جعلني في سنِّ العاشرة أو الحادية عشر أفكِّر بوضعنا وكذلك بدور الشابات والنساء في العائلات التركية. وبعد فترة قصيرة بدأت الاهتمام بمصير اليهود الألمان.

كيف تكوَّن اهتمامك كفتاة ذات جذور تركية بهذا الموضوع؟

جاليشكان: كان ذلك في المدرسة. لقد أثَّر بي المعلمون والمعلمات في المدرسة الثانوية - هؤلاء المبشِّرون بجيل عام 1968. وفي تلك الأيَّام قرأنا كتابًا عنوانه "لقد كان في تلك الفترة فريدريش".

هذا الكتاب يروي قصة صبي ألماني لم يعد يُسمح له فجأة دخول المسبح، لأنَّه يهودي. يرتبك هذا الصبي، وذلك لأنَّه من البديهي بالنسبة له: "أننا ننتمي إلى هذا البلد!". وأنا بدوري شعرت بهذا الارتباك عندما كنت أواجه بالرفض والعداء. كان هذا هو الدافع الذي دفعني إلى العمل في السياسية.

ما نوع التمييز الذي تعرَّضت له؟

جاليشكان: في كثير من الأحيان كنا لا نستطيع استئجار إلاَّ الشقق المحتاجة إلى ترميم. وكان والدي عاطلاً عن العمل بشكل متواصل، لأنَّه كان من الواضح أنَّ مكتب العمل لا يقدِّم له - لهذا الرجل التركي، فرصة عمل إلاَّ بعد الألمان والأجانب أبناء الاتِّحاد الاوروبي.

وحتى قبل عشرة أعوام لم أحصل بدوري على شقة في برلين، لأنَّهم أشاروا لي وبكلِّ وضوح أنَّهم "لا يؤجِّرون شققًا للأتراك". بعض الناس لديهم ببساطة حصار في الرأس. ومهما يكن اندماجك في المجتمع، فهذا لا يهمهم.

 

حاورها: فيكتوريا غروسمان و أوليفر داس غوبتا
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2013

ولدت سلمين جاليشكان عام 1967 لأسرة تركية مهاجرة في مدينة دورين في ولاية شمال الراين فيستفاليا. كانت تساعد المهاجرين وهي لا تزال في المدرسة، ثم أسَّست فيما بعد ملتقى بين الثقافات للشابات في مدينة بون.

عملت جاليشكان عدة أعوام لصالح منظمة المرأة "ميديكا مونديال"، ومن ثم عملت في أفغانستان لصالح الهيئة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ). وابتداءً من الأوَّل من آذار/مارس 2013 بدأت جاليشكان، وهي أم لابنة بالغة، عملها رسميًا كأمينة عامة لفرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا.