مخاطر العولمة من منظور عربي

مجموعة "ناشطو مناهضة العولمة في سوريا" تكافح من أجل الحفاظ على القطاع العام وعلى دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي. حوار مع أحد مؤسسي المجموعة سلامة كيله عن المخاوف العربية والسورية من العولمة.

سلامة كيله، الصورة: لاريسا بندر
"الوطن العربي يشهد أقل نشاط مناهض للعولمة رغم تأثر المنطقة العربية أكثر من غيرها بمشكلات العولمة"

​​

كثيرا ما يقال إن الدول العربية ترفض العولمة. هل المخاوف من العولمة نابعة من الشعوب أم من الأنظمة العربية؟

سلامة كيله: الأنظمة العربية اندمجت، منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، بالعولمة حتى قبل تشكلها؛ وذلك من خلال اتباعها لشروط صندوق النقد الدولي. هذه الشروط هي المقدمة للعولمة لأن الأخيرة تضمنت في إطار السياسة الليبرالية الجديدة كل الشروط التي كان صندوق النقد الدولي يفرضها. فالعولمة ليست مشكلة للأنظمة العربية لأنها أصبحت أنظمة تابعة في إطار النمط الرأسمال العالمي.

النقطة الأخرى هي أن الوطن العربي يشهد أقل نشاط مناهض للعولمة رغم تأثر المنطقة العربية أكثر من غيرها بمشكلات العولمة. الحركات الاجتماعية في أوروبا وفي مختلف بلدان العالم كانت أقوى في التعبير عن ذاتها في مواجهة العولمة. وهذا له علاقة بإشكاليات وضع الأنظمة الاستبدادية وتدمير الحركة السياسية وانهيارها وعجزها الذي جعل الحركة الاجتماعية ضعيفة.

فالأنظمة لا ترفض العولمة، الشعوب ترفض العولمة لأن العولمة تؤدي إلى انهيار الوضع المعيشي للناس عبر انهيار اقتصادي شامل. وهذا ما يلاحظ الآن في مصر التي بدأت تتكيف، منذ سبعينات القرن الماضي، مع شروط صندوق النقد الدولي. الاقتصاد المصري يكاد يعاني من انهيار وربما يحدث انفجار حركة شعبية نتيجة الأزمات الاقتصادية العميقة بسبب التكيف مع الرأسمالية العالمية وسيطرة اقتصاد السوق والليبرالية الجديدة.

النظرة للعولمة في أوروبا تختلف إذ لا يعتبرها الجميع سلبية. فما هو شكل العولمة الذي يثير مخاوفكم؟

كيله: الشكل الأمريكي الذي يقوم على الدور العنيف، على القوة وعلى الحروب، وبالتالي تغيير الأنظمة وفرض أنظمة بديلة تابعة وملحقة بالولايات المتحدة. هذه هي العولمة التي بدأت تتحقق منذ انهيار المنظومة الاشتراكية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.

وهي تعني إعادة إخضاع بلدان الجنوب عموماً ومنها الوطن العربي، وخصوصاً البلدان التي حاولت أن تحقق التقدم في مرحلة الحرب الباردة، لآليات السيطرة الرأسمالية. من هذا المنطلق انعكاسات العولمة على البلدان المتخلفة هي انعكاسات سلبية بالضرورة سواء عبر الحروب والتدمير أوحتى عبر الآليات الاقتصادية؛ لأن السيطرة الرأسمالية ستعني انهيار قطاعات اقتصادية كاملة في البلدان المتخلفة سواء في مجال الزراعة أو في الصناعات المحدودة التي تشأت خلال الخمسين سنة الماضية.

من هذا المنطلق أعتقد أن من الضروري أن يكون هناك موقف جدي في مواجهة العولمة بهذا المعنى، بمعنى أنها السياسات التي تتبعها الرأسمالية في أميركا والبلدان الأوروبية واليابان من أجل فرض هيمنتها من جديد بشكل كامل على البلدان المتخلفة.

أما فيما يتعلق بالتكنولوجيا فإنني اعتبرها مسألة تقدمية هامة لا يجوز أن تطرح على أنها مجال خلاف وهي بالتالي مسألة تفيد البشرية. وأعتقد أن الحركة المناهضة للعولمة تستفيد منها بشكل جدي من أجل تنظيم تشاط فعلي ضد العولمة.

هل تعتقد أن هناك مخاوف خاصة في الدول العربية من فقدان الهوية بسبب العولمة؟

كيله: لا، لا أعتقد. أنا لا أخاف على الهوية. الحركات الأصولية تخاف على فقدان الهوية لأنها تعتقد أن ثقافتها القديمة هي الثقافة الوحيدة التي يجب أن تسود. وهي تعتبر أن أي قيم ثقافية جديدة تدخل إلى المجتمع هي قيم غريبة يجب أن تنتهي. لهذا السبب تحارب الحركات الأصولية في العولمة الجانب الثقافي فقط ولا تحارب جانبها الاقتصادي أو لا ترى على الإطلاق الجانب الاقتصادي، الذي هو الجانب الأخطر، لأنها أيضا تقوم على دعم الرأسمال الخاص والملكية الخاصة واقتصاد السوق.

وبالتالي هي موضوعيا تندمج في العولمة ولا تقف موقفاً جدياً ضدها، ولكنها تحارب الإطار الثقافي، وليس فقط الإطار الثقافي الأمريكي الاستهلاكي، الذي تأخذ الحركة المناهضة للعولمة موقفاً جدياً منه، بل تحارب مجمل الثقافة الرأسمالية الحديثة بمختلف تلاوينها. هذه الثقافة التي تُمثّل خطوة تقدمية هامة إلى الأمام ولكنها كذلك تنفي الفكر الأصولي لأنها تجاوزته.

أنتم أسستم مجموعة تطلق على نفسها "ناشطو مناهضة العولمة في سوريا"، ما هي أهدافكم؟

كيله: نحن نهدف لرفض آليات العولمة التي تُفرض عالمياً، نرفض السياسات الليبرالية الجديدة والحروب التي تقودها الرأسمالية سواء في الوطن العربي أو في مجمل العالم. من هذا المنطلق ندعم كل الحركات المجتمعية التي تواجه العولمة على الصعيد العالمي، مثل حركات البيئة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، مجموعات الضغط من أجل إلغاء ديون العالم الثالث.

ولكن حددنا لنا دوراً في واقع سوريا انطلاقا من هذه الرؤية العامة يتمثل في مواجهة كل السياسات التي يتبعها النظام للتكيف مع العولمة القائمة، التي تتمثل بشكل أساسي في إلغاء القطاع العام أو إلغاء دور الدولة الاقتصادي – التراجع عن مجانية التعليم ودعم التعليم، التراجع عن دعم قطاع الصحة وقطاعات الضمان الاجتماعي، التراجع عن دور الدولة في الاستثمار. وبالتالي نسعى إلى كشف وتوضيح مشكلات هذه السياسات حالما تقع.

من هذا المنطلق نحاول أن نلعب دوراً توضيحياً داخل سوريا يتعلق بالموقف من العولمة، خصوصاً أن عدم اندماج سوريا تماماً في العولمة كما حدث في مصر أو في الأردن أو في المغرب العربي يجعل فهم العولمة في سوريا أكثر التباساً من أي منطقة أخرى في الوطن العربي أو في العالم. لأن الناس لم "تلمس" العولمة ولم تلمس مشكلاتها، أي لم تلمس آثار إنفتاح السوق ودور الرأسمال الإمبريالي.

وفي نفس الوقت هي تلمس مشكلات النظام الشمولي القائم الذي يشكل القطاع العام قاعدته الأساسية الاقتصادية. لهذا نجد قطاعاً من المثقفين يميل إلى قبول إلغاء دور الدولة الاقتصادي وتعميم الخصصة والاندماج في العولمة القائمة، انطلاقاً من أن هذا سيؤدي إلى تأسيس نظام ديموقراطي.

ولكني أعتقد أن هذه المسألة ستقود إلى أزمات مجتمعية عميقة تالية تتعلق بانهيار الاقتصاد سواء في الزراعة أو في الصناعة أو في الخدمات وستؤدي إلى انخفاض هائل في مستوى المعيشة للناس وبالتالي إلى أزمات مجتمعية حقيقية.

من هذا المنطلق نرفض سياسات إلغاء دور الدولة الاقتصادي ولكننا أيضا ننقد شكل سيطرة الفئة الحاكمة على مجمل القطاع العام وآليات نشاطه؛ لأن هذه السيطرة أدت و تؤدي إلى نهب واسع للقطاع العام وبالتالي تخريبه من الداخل. ولكن لا نعتقد أن هذه المشكلات، ورغم جديتها، يجب أن تدفعنا إلى المطالبة بإلغاء القطاع العام.

كيف تنشطون في دولة مثل سوريا، أعني كيف تعبرون عن أفكاركم هذه؟ هل لديكم نشرة أو مجلة توزعونها؟

كيله: بالطبع لدينا نشرة وصدر منها حتى الآن واحد وعشرون عدداً هي نشرة "البديل"، تحاول أن توضح إشكالية العولمة العالمية. لهذا كتبنا أكثر من موضوع لتوضيح أي عولمة نناهض، لأننا ووجهنا بملاحظات من بعض القوى السياسية فرضت علينا أن نجيب على هذا السؤال. أيضاً حاولنا أن نكشف أسباب الحروب التي تقوم بها الدولة الأمريكية سواء كانت في أفغانستان أو في العراق وربطها بالعولمة نفسها.

هناك أيضاً موقع على الإنترنت تنشر فيه المجلة – النشرة – أولاً، ثم نحاول أن نختار مجموعة من موضوعات أساسية توضح معنى العولمة ومشكلاتها وانعكاسها على تجارب بلدان أخرى، مثلا على مصر أو على المغرب العربي. وسنحاول أن نعزز هذا الجانب لأن آليات العولمة واحدة أينما تحققت.

من هذا المنطلق سنحاول أن نستمر في توضيح انعكاسات العولمة في البلدان المختلفة التي طبّقت فيها. الآن نحاول أن نطور الموقع من أجل أن يكون في إطار حواري: آراء، ملاحظات، نقاش حول العولمة. بالإضاقة إلى مشاركتنا العملية في النشاطات التي تقام في سوريا، وخصوصا المظاهرات التي كانت تقوم ضد الحرب على العراق، دعم الانتفاضة الفلسطينية، ومن ثمة الآن لطرح بعض القضايا المطلبية داخل سوريا التي تتعلق بحقوق الإنسان والديموقراطية بشكل أساسي. وأيضاً على صعيد القضايا الطلابية.

لكن في سوريا كل المنتديات أو الجمعيات ممنوعة. فكيف تنشطون في دولة تمنع كل ظواهر المجتمع المدني؟ كيف توزعون نشرتكم؟ ألا تخافون؟

كيله: نحن ننشر كل المقالات بأسمائنا الصريحة. نحن حركة اجتماعية تحاول أن تلعب دوراً في الإطار الاجتماعي لهدف محدد هو مناهضة العولمة وانعكاساتها في الإطار السوري. طبعا في سوريا ليس هناك سماح لنشاط علني للجمعيات والمنتديات والأحزاب عدا أحزاب الجبهة.

ولكن هناك أمر واقع فُرض خلال الفترة الماضية سمح بأن تتشكل بعض الحركات المجتمعية وأن تستمر في لعب دور ما. والسلطة حتى الآن تحاول أن تغض النظر عن هذا النشاط، ولكنها أيضا تحاول أن تُشعِر دائما أن هذا النشاط يجب أن يكون محدودا وضيقا. وإلا تحاول أن تمارس الاعتقال. ولقد تشدّد هذا الميل في الفترة الأخيرة حيث باتت تُمنع اللقاءات والإجتماعات، وزادت من عمليات الإعتقال.

هل حصلت مضايقات لمجموعتكم؟

كيله: بالطبع. ففي مجال نشاطنا الطلابي اعتقل عدد من الطلاب. السلطة لا تسمح بأن يتطور هذا النشاط، ولهذا كلما شعرت أن هناك إمكانية لأن يتطور تلجأ للاعتقال والضغط والمتابعة.

هل لديكم علاقات مع جمعيات مناهضة للعولمة في البلدان العربية الأخرى أوفي أوروبا، مثلا مع "أتاك"؟

كيله: هناك بداية علاقات على الصعيدين العربي والعالمي. محاولات تنسيق عمل في الإطار العالمي مع "أتاك" ومع مجموعة منتدى إلغاء ديون العالم الثالث الذي نحن عضو فيه. وكانت لنا مشاركة في المنتدى الاجتماعي العالمي في بومباي بالهند سنة 2004 وأيضاً في بورتوأليغري سنة 2005، وسنصبح مداومين في حضور هذا المنتدى.

أما على الصعيد العربي، فهناك محاولة لتشكيل منتدى اجتماعي عربي وشاركنا في اجتماع اللجنة التحضيرية بالقاهرة. كما شاركنا في التحضير والتأسيس للمنتدى الإجتماعي المتوسطي الذي إنطلق في حزيرا سنة 2005 من برشلونة في إسبانيا.

هل تحصلون على دعم مالي من الخارج؟

كيله: لا ليس هناك دعم مالي حتى الآن. هناك تبرعات من الاعضاء ولم نطرح على أنفسنا إلى الآن قبول الدعم المالي. النقطة الأخرى هي أننا لا تقبل أن نُموّل من جهات يمكن أن يكون لها شروط ويمكن أن تكون مع العولمة في الأساس.

هناك ضغوط أمريكية على سوريا. كيف تتصرفون في هذه الحالة؟ هل تجدون أنفسكم في جهة واحدة مع "العدو"؟

كيله: قانون محاسبة السورية لا يساعد أهدافنا لأنه يمكن أن يعطي للسلطة مبررا لاتهام أي قوة معارضة أو مختلفة معها بالعلاقة مع الخارج. بالتالي هو يخدم إلى حد ما السلطة. فالسلطة تستفيد منه للحفاظ على ذاتها، بعدم الميل لقبول الآخر والانفتاح.

نعرف أن السياسة الأمريكية عموماً لا تخدم أي هدف من الأهداف التي نسعى إليها وهي تطرح قضايا ربما تتعلق أحيانا بحقوق الإنسان والديموقراطية والإصلاح كما طُرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي وافقت عليه مجموعة الثمانية مع بعض التعديلات. نعتقد أن ليس هناك جدية حقيقية عند الأمريكان بتحقيق هذه المسائل وإنما تطرح من باب الديماغوجيا أو لتغطية سياسات أخرى وأهداف أخرى تتعلق بالهيمنة و السيطرة.

هناك اتهامات أن المجموعات المناهضة للعولمة مثل "أتاك" لا تأخذ بعين الاعتبار القيم التي نشأت في الدول النامية، أي أنها جمعيات مركزية أوروبية. ما رأيك؟

كيله: ربما يكون كذلك عند بعض المجموعات. مثلا "أتاك" تصر على أن تؤسس تنظيما عالميا له فروع في كل البلدان. نعتقد أن هذا خاطئ لأن وضع فرنسا أو وضع أوروبا بما يتعلق بالعولمة يختلف تماما مع الوضع في الجنوب. فأي استراتجية تُرسَم انطلاقاً من وضع أوروبا لن تكون مفيدة إلى حد كبير لدول الجنوب.

من هذا المنطلق هناك بعض الإشكاليات في الموضوع لم نلمسها مباشرة حتى الآن لأن علاقتنا لا زالت في أولها. ولكن أعتقد أن هناك قدرا من التطور في الوعي العام في أوروبا بمشاكل الجنوب يمكن أن يُسهل عبر الحوار لبلورة استراتيجية عالمية موحدة تستوعب كل مشكلات الجنوب وكل مطالب الجنوب.

أجرت الحوار: لاريسا بندر
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

العولمة
الهم الذي تتقاسمه أوروبا والعالم الإسلامي يتعلق بالعولمة المتزايدة لعالم المال والاقتصاد والثقافة. ويخشى العرب من التغريب الثقافي في المقام الأول. نقدم من خلال هذا الملف فرصة للأصوات العربية والأوروبية للتعبير عن آرائها.

www

albadil.net