مشاريع تنموية في حاضنة القوات الأجنبية

أظهرت دراسة حديثة أنَّ السكَّان في شمال شرق أفغانستان يرون أنَّ العمل الدولي يشكِّل عاملاً مهما من أجل الأمن والتنمية في البلاد. وهذه الدراسة تشير بشكل إيجابي قبل كلِّ شيء إلى أنَّ القوات العسكرية الأجنبية أنهت طغيان القادة المحليين وجورهم. أولريش فون شفيرين حاور مؤلف هذه الدراسة، يان كولر.

مشاريع التنمية في أفغانستان ضحية للفساد وعرضة لضربات طالبان...

​​ قمت في عامي 2007 و2009 بإجراء استطلاع لآراء المواطنين الأفغان في ولايتي قندز وتخار في شمال شرق أفغانستان حول تقييمهم للعمل الدولي في البلاد. ونتائج هذا الاستطلاع تبيِّن على نحو مفاجئ أنَّ هناك تقييمًا إيجابيًا لهذا العمل في المنطقة.

يان كولر: بالفعل، فقد كنت شخصيًا مندهشًا إلى حدّ ما من هذه النتائج، وذلك لأنَّني أجريت من قبل بحثًا في شرق أفغانستان واكتشفت هناك أنَّ السكَّان المحليين يشعرون أنَّ القوات الدولية تعتبر جزءًا من المشكلة الأمنية أكثر من اعتبارها جزءًا من حلِّها. وهناك كانت الثقة الكبيرة التي كان ما يزال يتم حتى عام 2004 منحها للتدخّل الأجنبي، كانت قد استُنفدت وانعدمت. ولذلك فقد اندهشنا من أنَّ خمسة وتسعين في المائة من الأسر التي تم استطلاع آراؤها في قندز وتخار في عام 2007 أوضحوا أنَّ الأوضاع الأمنية قد تحسَّنت في السنتين الأخيرتين وعزوا ما نسبته ثمانين في المائة من هذا التحسّن إلى الوجود العسكري الدولي.

هل لمست في الجولة الثانية من الاستطلاعات وجود تغيير في موقف السكَّان تجاه القوات الأجنبية؟

حياة تحكمها مصاعب يومية جمة ومخاوف أمنية مستمرة...

​​ كولر : في جولة الاستطلاعات التي أجريتها في عام 2009 وعدت منها قبل شهرين فقط، وتم الآن تقييم نتائجها الأولى، كانت الآراء حول مسألة الأمن متحفِّظة نوعًا ما، وذلك لأنَّه كان هناك انطباع بأنَّ الهجمات ازدادت في ولاية قندز وأنَّ ضغط القوى الخارجية على السكَّان المحليين قد ازداد، في الوقت الذي تم فيه تهديد سكَّان القرى الذين كانوا يعملون لصالح الدولة. وهذا يفسِّر تقييم الحالة الأمنية تقييمًا أقلّ إيجابية، ولكن لا بدّ من التأكيد على أنَّه ما تزال تتم ملاحظة وجود تحسّن في الأوضاع بالمقارنة مع عام 2007، كما يتم تقييم مساهمة القوات الدولية في استتباب الأمن تقييمًا إيجابيًا.

كيف يمكن تفسير هذا التقييم الإيجابي لعمل القوات الدولية؟

كولر: ثمة نقطة مهمة تكمن في أنَّ مناطق شمال شرق أفغانستان لم تعرف السلام والاستقرار مع حركة طالبان؛ وكثيرًا ما يتم في يومنا هذا تناسي ذلك، غير أنَّ حركة طالبان كانت في الأصل قوة للحفاظ على السلام في هذه المنطقة، كانت تقاوم القادة المحليين الذين أقاموا في أجزاء كبيرة من البلاد نظامًا تعسفيًا جائرًا. ولكن حركة طالبان لم تتمكَّن - وعلى عكس ما كانت عليه الحال في مناطق أخرى من البلاد، من فرض قوَّتها وقوانينها في شمال شرق أفغانستان، وذلك لأنَّ تحالف الشمال حافظ على وجوده هناك حتى النهاية. وبالتالي لقد استمرَّت سلطة القادة المحليين في المنطقة ولم تنقطع. وهكذا لم يتغلَّب على جورهم واستبدادهم سوى القوات الدولية بعد العام 2001.

وهل يعني هذا أنَّه لا يتم اعتبار الوجود الأجنبي حكمًا أجنبيًا؟

الصورة: يان كولر
التنمية مفتاح الاستقرار في أفغانستان، لكن الاستقرار الأمني يبقى الهاجس الأول للجميع

​​ كولر : ما قاله لي زعيم سابق في حركة طالبان يكشف ذلك؛ فقد قال لي إنَّ الناس في شمال شرق أفغانستان لديهم من حيث المبدأ مشكلة مع الوجود العسكري الأجنبي، بيد أنَّهم يعلمون أنَّ الألمان إذا ذهبوا الآن فسيعود القادة المحليون للتناحر فيما بينهم من جديد وثم سيهجمون على أتباع حركة طالبان السابقين، مثلما فعلوا ذلك بعد عام 2001. ولكن في الحقيقة هذا لا يعني أنَّ الناس يقرّون بالقوانين الأساسية الخاصة بالقوات الأجنبية. ويظهر هذا أيضًا من استطلاعات الرأي التي قال فيها ثلاثة وأربعون في المائة ممن استطلعت آراؤهم إنَّ الوجود العسكري يشكِّل خطرًا على القيم الإسلامية والمعايير المحلية.

إلى أي مدى يمكن لهذه النتائج المستنتجة من كلا الولايتين اللتين تقعان في المناطق الشمالية الشرقية الهادئة والمستقرة إلى حدّ أن تنطبق على باقي مناطق البلاد؟

كولر: من الممكن بطبيعة الحال أن تنطبق هناك فقط بشكل محدود، وذلك لأنَّ الحرب مندلعة في حقيقة الأمر في المناطق الأخرى. ولكن من ناحية أخرى فإنَّ هذه الدراسة تظهر وعلى العكس من الصورة المتنامية في بعض وسائل الإعلام وفي المسارح السياسية - أنَّ هناك من دون ريب ولايات تسنّى فيها فرض السلام والأمن العام. ففي آخر المطاف لا يمكن النظر إلى هذا البلد على أنَّه وحدة متكاملة، بل لا بدّ من النظر إلى كلِّ ولاية من ولاياته على حدة.

هل يمكن مع ذلك استنتاج دروس من هذه الدراسة بالنسبة لمناطق أخرى من البلاد؟

كولر: سمعنا مرارًا وتكرارًا أنَّه كان يتم تقييم عمل القوات العسكرية الألمانية بصورة إيجابية عند ظهورها، على الرغم من أنَّه كان لديها حسب تقديرات شركائنا الأفغان الفرصة من أجل فرض سلطتها بطريقة غير تعسّفية وغير شرسة. وعلى العكس تمامًا من القادة المحليين أو - حسب تصوّر شرائح كبيرة من المواطنين الأفغان - على العكس من القوات الأمريكية؛ المعرَّضة للخطف وللإصابة بخسائر جانبية. كما أنَّ خوف الألمان من أن يتم اتِّهامهم بالجبن يعتبر بعد كلِّ الذي سمعناه على الأقلّ لدى السكَّان الأفغان خالٍ من أي أساس. ولكن مع ذلك يتم لدى قوات الأمن الأفغانية انتقاد الألمان على أنَّهم يتركون للقوات الأفغانية القيام بالعمل القذر.

جندي ألماني في أفغانستان
الوجود الألماني في أفغانسان يركز بشكل أساسي على عملية إعادة الإعمار

​​ ولكن أليس من المحتَّم على الألمان في الواقع، إذا كانوا يريدون فرض سلطة الدولة، أن يتَّخذوا إجراءات أكثر شدة ضدّ أصحاب السلطة المحليين؟

كولر: تكمن استراتيجية الألمان في تأمين القوات الأفغانية ومساندتها، وكذلك في بقائهم في الظروف الأخرى على الخطوط الخلفية. والألمان اختاروا عن قصد عدم المخاطرة بتقبّل السكَّان المحليين لهم على المدى الطويل، من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل. فقد كان لديهم من دون شكّ القدرة من أجل صدّ الهجمات الصاروخية على معسكرهم، وذلك من خلال تدميرهم المواقع التي كان يتم منها إطلاق هذه الصواريخ. ولكنَّهم لا يفعلون ذلك، لأنَّهم يعرفون أنَّ هذا غير ممكن من دون وقوع ضحايا بين المدنيين.

أَلا يتضمَّن نجاح العمليات العسكرية أيضًا المخاطرة بالفشل، أي استغناء اللاعبين الدوليين في البلاد عن الدولة الأفغانية واستبدال دورها؟

كولر: في الواقع هذه مشكلة حقيقية، لأنَّ جميع التحسينات التي تم تحقيقها في مجال التنمية باستثناء مجال التعليم لا يتم تسجيلها للدولة الأفغانية، ولكن لموظَّفي الإغاثة والجنود الأجانب. وعندما تكون بالذات السلطات المحلية غير فعَّالة وفاسدة، فسيكون الإغراء كبيرًا بالنسبة لمنظَّمات التنمية، من أجل تجنّب الهياكل والهيئات المحلية بشكل تام، وتنفيذ المشروع بمفرها. وبطبيعة الحال هذا لا يفيد كثيرًا، إذا كان المرء يسعى إلى دعم الهياكل والهيئات الإدارية المحلية.

يان كولر
"السيناريو المحتمل هو أن تبقى أفغانستان دولة تابعة تعتمد على المساعدات المالية والعسكرية من دول الخارج"

​​ ما الذي تستطيع فعله القوى الدولية من أجل زيادة مشاركة الدولة الأفغانية في عملية التنمية؟

كولر: المشكلة الأساسية لسياسة التنمية تكمن في أنَّه لا تتم مساءلة الممثِّلين الأجانب إلاَّ أمام مانحيهم العمل، ولكن ليس أمام السكَّان المحليين؛ كما أنَّ مانحي العمل لا يهتمون إلاَّ بالنتائج القابلة للقياس، وليس بالآثار غير المباشرة على الحكومة والثقافة والمجتمع - والتي كثيرًا ما تكون على نفس القدر من الأهمية. ومع ذلك توجد في شمال شرق أفغانستان جهود جديدة من أجل إشراك المؤسسات الحكومية المحلية والبلديات في عمليات منح عطاءات مشاريع التنمية بشكل شفاف.

ما الذي يجب أن يحدث حسب رأيك من أجل استقرار أفغانستان بشكل دائم؟

كولر: السيناريو المحتمل هو أن تبقى أفغانستان دولة تابعة تعتمد على المساعدات المالية والعسكرية من دول الخارج، ولا تحظى لدى المواطنين إلاَّ بقدر قليل من الشرعية - وتظل طبقًا لذلك غير مستقرة. ومن الممكن تصوّر سيناريو آخر، هو أن تنشأ حكومة معترف بها من قبل المواطنين، وتتمكَّن من فرض إرادتها على أصحاب السلطة المحليين. ولكن على الأرجح أنَّ هذه الدولة ستكون دولة إسلامية قوية، لا تتوافق بالضرورة مع تصوّراتنا عن الديمقراطية وسيادة القانون.

أجرى الحوار أولريش فون شفيرين
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

يان كولر باحث مساعد يعمل في مشروع "أنظمة الحكم في مناطق تتسم بمحدودية سيادة القانون" في الجامعة الحرة في برلين.

قنطرة

حوار مع وزير الخارجية الأفغاني رانجين دادفار سبانتا:
"لن ندع حركة طالبان والإرهابيين يخيفوننا"
يتحدث وزير الخارجية الأفغاني، رانجين دادفار سبانتا، في هذا الحوار الخاص مع لؤي المدهون عن عدة قضايا تتعلق بحاضر أفغانستان ومستقبلها، لاسيما الانتخابات الرئاسية المقبلة والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في البلاد ومعضلة التعامل مع حركة طالبان، بالإضافة إلى المجتمع المدني في أفغانستان.

مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان:
المساعدات الدولية ضحية لعنة الفساد وكابوس طالبان
في مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان وعد المجتمع الدولي كابول بمنحها مساعدات سخية يصل حجمها إلى نحو 21 مليار دولار. ومن المقرر أن يتم صرف هذه الأموال في الأعوام الخمسة القادمة بطريقة أكثر شفافية وأكثر توجهًا نحو الأهداف المرجوة مما كانت عليه الحال حتى الآن. الخبير بالشؤون الأفغانية مارتين غيرنر يستعرض هذه الوعود والآمال.

حديث مع السفيرة الأفغانية في ألمانيا مليحة ذو الفقار:
الناس في أفغانستان يريدون تغييرات ملموسة
مليحة ذو الفقار، السفيرة الأفغانية في ألمانيا تتحدث في هذه المقابلة التي أجراها معها مارتن غيرنر عن مراحل حياتها في الوطن والمهجر، حيث عاشت في أميركا ودرست في ألمانيا وعن مهمتها كدبلوماسية تمثل بلادها.