مبادرة جنيف حلٌ ممكن

ما هو الطريق الذي من الممكن أن يؤدي إلى السلام في الشرق الأوسط، عنوان مؤتمر عقد في برلين أخيرا بدعوة من مؤسسات ألمانية، بمشاركة شخصيات سياسية بارزة. في برلين كان هذا اللقاء مع الوزير الفلسطيني قدورة فارس، أحد مُعدي وثيقة جنيف.

الصورة: أ ب
عبد ربه وبيلين في جنيف

​​ما هو الطريق الذي من الممكن أن يؤدي إلى السلام في الشرق الأوسط؟ عنوان مؤتمر عقد في برلين في حزيران/يونيو 2004 بدعوة من مؤسسة فريدريش إبرت القريبة من الحزب الإشتراكي الألماني الحاكم ومؤسسة كونراد أدِناور القريبة من الحزب المسيحي الديمقراطي (حالياً في المعارضة) وتحت رعاية رئيس الجمهورية الألمانية يوهَنِس راو الذي افتتح المؤتمر. وشارك فيه عدد من الشخصيات السياسية الألمانية والفلسطينية والإسرائيلية وممثل عن الرباعية وممثل الإتحاد الأوروبي في برلين والسفير الأمريكي. على هامش المؤتمر كان هذا اللقاء مع الوزير الفلسطيني قدورة فارس، أحد مُعدي وثيقة جنيف

ربما تختلف عن شريكيك في مبادرة جنيف: ياسر عبد ربه ويوسي بيلين، لأنك في موقع القرار، لاسيما في السلطة وفي حركة فتح. هما عملا على الوثيقة من موقع المثقف الذي يريد أن يدفع بالسياسي نحو رؤية هو عاجز عن بنائها كما يقولون. لكن مشاركتك جاءت نصف سرية او نصف علنية فالقيادة الفلسطينية لم توافق بشكل علني على مشاركتك في المؤتمر الذي أنجب مبادرة جنيف.

قدروة فارس: لم أكن أمثل الحكومة الفلسطينية بل كنت أمارس قناعة شخصية تبلورت لدي منذ زمن: لا حل إلا عن طريق المفاوضات. تعاملت مع روح قرارات المجالس الوطنية والمجلس المركزي وأعتقد أنني كنت أحاول الاقتراب من موقف حركة فتح المنصوص عليه في كل الوثائق الحركية تقريباً وأن أكون قريب من موقف منظمة التحرير.

لكن طبيعة مشاركتك رافقتها إلتباسات عدة؟

فارس: فيما يخص الظهور العلني أو السري فلم يكن لدي نوايا أن أختفي أو أظهر في هذا المؤتمر. كانت لدي إرادة وما زالت حتى الآن تتلخص في أن نقدم للشعب الفلسطيني وللشعب الإسرائيلي نموذج حل. بالأخص أن القيادة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية كانت تتحدث في أجواء المواجهة الدامية الجارية منذ فترة طويلة. كان لديهم إنطباع، عمموه، مفاده أن قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، معقدة لدرجة لا يمكن معه أن يتبلور أي تصور لحل. وأعادوا ذلك للتعقيدات في القضايا الأساسية المتداخلة: الإعتبارات التاريخية والدينية ولكون مساحة فلسطين التاريخية صغيرة، والكلام عن دولتين لشعبين عليها ليس بالأمر السهل الخ. أنا أعتقد أن مسؤوليتنا في جنيف كانت ان نصنع الأمل وأن نقدم نموذجاً.

إذا صدقت الإرادة والنوايا لدى المسؤوليين أصحاب القرار السياسي الرسمي وأنا اتحدث هنا عن إسرائيل لأن الرئيس ياسر عرفات قدم الإشارات الكافية ليوضح وجهته المستقبلية من خلال دعمه لهذه المبادرة في الإجتماعات الفلسطينية وفي بعض وسائل الإعلام...

الأخبار التي تسربت في حينه كانت تقول أنه رفض أن يوقع لك رسالة التكليف بالمشاركة. هذا رفض صريح وواضح.

فارس: على العكس! لكن الصحيح أنني كنت في اللحظات الأخيرة سأعدل عن المشاركة في مؤتمر جنيف بسبب محاولات التبرؤ من هذه الوثيقة لتبدو كما لو انها لقيطة.

تقصد من السيد ياسر عرفات؟

فارس: لا ليس من عرفات بل من اللجنة المركزية لحركة فتح. ياسر عرفات طلب مني شخصياً مرتين بأن أذهب للمشاركة قبل أن تنجز الاتفاقية وبعد إبرامها وفي لحظة الإعلان عن الوثيقة وبسبب الجدل الصاخب الذي كان داخل حركة فتح وقف ياسر عرفات الى جانبي بقوة وطلب مني المشاركة والبقاء للحظة الأخيرة.

على مستوى القرار الفلسطيني هناك موافقة على مبادرة جنيف كما تقول. إيهود باراك قال إن "خارطة الطريق في حالة موت سريري". مبادرة جنيف جاءت لتنقذ خارطة الطريق ولتعطي رؤية مستقبلية لحل. ما هي آفاق تنفيذ هذه المبادرة على أرض الواقع مع ملاحظة أن الإسلاميين واليسار الفلسطيني يرفضان هذه المبادرة؟ وما هي إمكانية تطبيقها؟

إذا توفرت قيادة في الجانب الإسرائيلي تحديداً مستعدة للتعامل مع قضية السلام بجدية ومستعدة لدفع إستحقاقات السلام فسيكون تطبيق الوثيقة أمرا ممكنا جداً. لكن قيمة هذه الوثيقة وأنا لا أوافق تماماً على أن خارطة الطريق قد ماتت لكن حتى لو قدر لخارطة الطريق أن تختفي ستبقى وثيقة جنيف حاضرة في أية مفاوضات مستقبلية جدية لأنها الوثيقة الوحيدة التي صاغها الفلسطينيون والإسرائيليون مع بعض، ولم تأتي من طرف خارجي.

وضع الجانبان في الوثيقة التصور لشكل الحل النهائي مع كل التفاصيل. ولا يوجد أي خيار آخر للشعب الفلسطيني ولا الإسرائيلي إلا الجلوس على طاولة المفاوضات ليبحثوا عن حل. عندها ستكون وثيقة جنيف أحد الأوراق أو بالأحرى الورقة الرئيسية التي ستُدرَس في أية مفاوضات جدية مستقبلية.

كيف تسعون كقيادة فلسطينية لإقناع الشارع الفلسطيني بالمبادرة بالأخص أنها مرفوضة من قبله؟

فارس: أنا لا أوافق على هذا التعميم. هناك نسبة من الفلسطينيين توافق على مبادرة جنيف وجرى أكثر من استطلاع للرأي أظهر أن ليس غالبية الشعب الفلسطيني مع المبادرة إلا أن الكثيريين مقتنعيين بأن الظروف الدولية الراهنة لا يمكن أن تعطي الشعب الفلسطيني أكثر مما تعطيه مبادرة جنيف. لكنهم أيضاً مقتنعون أنه طالما أن الشريك الإسرائيلي ليس في الحكم وأن هذه الوثيقة ليست للتطبيق الفوري فلماذا العجلة والإعلان عن تأييدها. أنا تقديري أنه لو طُرحت هذه المبادرة كوثيقة رسمية للتنفيذ السريع فسيكون هناك غالبية فلسطينية تؤيدها بكل تأكيد.

تكلمت عن الحلول النهائية في مبادرة جنيف. أحد هذه الحقوق تمس حق العودة للفلسطينيين. يوسي بيلين أوضح اليوم أنه تمت عملية مقايضة مفادها أن الفلسطينيين يتنازلون عن حق العودة مقابل أن تكون لهم السلطة على القدس العربية. كيف ستقنعون خمسة ملايين لاجئ فلسطيني بالتخلي عن حق العودة؟

فارس: يوسي بيلين كما تعود ان يخاطب الشارع الإسرائيلي جاء إلى هنا ليتكلم فيما يتعلق بحق العودة والقدس الشريف. لكن المقايضة لم تكن بهذا الشكل ...

كيف كانت إذاً أو كيف فهمت المقايضة أنت؟

فارس: لم تكن مقايضة إطلاقاً في جنيف. تم تناول كل موضوع على حدة. ومن ثم تم الحديث عن بنية الوثيقة بمعنى أنه كان هناك فريق يناقش موضوع الحدود، وفريق قضية اللاجئيين وآخر قضية المقدسات وقضايا اقتصادية وقضايا المعتقلين الخ. الآن فيما يخص قضية اللاجئين فتنص الوثيقة على أن يحل وفقاً للقرار 194 ووفقاً لمبادرة السلام العربية التي أطلقت في مؤتمر القمة قبل الأخير في بيروت.

هذه المبادرة تتحدث عن حل عادل ومتفق عليه من الطرفيين، وقد وافقت م ت ف والرئيس الفلسطيني على المبادرة العربية ومعه كل الزعماء العرب. ما معنى حل متفق عليه؟ هو يعني إعطاء إسرائيل حق الفيتو على أي تصور للحل. لأننا سنتتفق على حل مع إسرائيل. إذا كان موافقة إسرائيل يعتبر شرطاً فبإمكاننا ان نتصور شكل الحل.

هل نفهم من ذلك أنك ضد هذا الفهم للحل؟

فارس: هذا ليس الحل العادل ولكنه الحل الممكن الذي يحتوي قدراً من العدل. إذا أردنا أن نتوصل إلى حل سياسي قائم على أساس مفهوم دولتين لشعبين لا يمكن في نفس الوقت وأنا أعلم أن الإجماع الإسرائيلي يرفض عودة 5 ملايين لاجئ إلى إسرائيل، بحكم قلقها الوجودي الذي تعاني منه لاعتبارات نفسية أكثر منها موضوعية، وأنه لا يمكن في سياق الحل أن تبنى دولة فلسطينية وأن يعاد الخمسة مليون فلسطيني الى إسرائيل مع المليون ونصف الموجودين حالياً هناك ليصبحوا بالتالي أغلبية ويسيطروا على الكنيسيت ثم تُعلن دولة فلسطينية ثانية. هذا حل لا يأتي بالمفاوضات بل بحرب ضروس ينتصر فيها الفلسطينيون. أما طاولة المفاوضات فهذا ما يمكن أن تأتي به.

الولايات المتحدة تقف بالكامل الى جانب إسرائيل. أوروبا لها موقف مختلف نسبياً فما هي أمنياتكم وتوقعاتكم من السياسة الأوروبية عموماً والألمانية خصوصاً؟

فارس: أعتقد أن أية تطور حصل في الوعي الجماعي الفلسطيني أو الإسرائيلي وفي المواقف السياسية لم يكن معزولاً عن طبيعة التوجهات الدولية وتحديداً الأوروبية. على سبيل المثال يلاحظ أي سياسي أن هنالك تأييداً أوروبياً للمبادرة سيؤثر هذا على موقفه مستقبلاً. لذلك فإن تنظيم لقاءات أخرى كهذا المؤتمر مع مجموعات أخرى من الأوساط القيادية الإسرائيلية والفلسطينية سيساهم في إنضاج العقل في الأوساط السياسية للإقتراب من الحلول.
لم يكن من الممكن أن نصل إلى ما توصلنا له في جنيف لولا سلسلة اللقاءات التي سبقته.

قدورة فارس، وزير في حكومة قريع وعضو منتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني مسؤول حركة فتح في منطقة رام الله وهو من المجموعة التي عملت على صياغة وثيقة جنيف.

أجرى الحوار يوسف حجازي، قنطرة 2004

المزيد عن مبادرة جنيف هنا