إعادة تأويل القرآن في ألمانيا بين المبادرة والممانعة

الجدل في ألمانيا حول مهند خورشيد مدير مركز الفقه الإسلامي بمدينة مونستر الألمانية يزداد حدةً. ولا يتعلق انتقاد الجمعيات الإسلامية له وجوهر خلافها معه بتعاليم الإسلام "الصحيحة"، بل بسعي هذه الجمعيات إلى إظهار قوتها للجهات السياسية الألمانية، وهو ما قد يكون له عواقبه على مجال تعليم الفقه الإسلامي الحديث العهد في جامعات هذا البلد الغربي، كما ترى جنان توبتشو في توضيحاتها التالية لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Canan Topçu

كانت الفرصة مواتية لتركيز النقاش على المحتوى والمضمون في مؤتمر عُقد مؤخرا في ألمانيا تحت عنوان: "الإسلام في ألمانيا - تحديات ترسيخ فقه إسلامي"، ودعا إليه كلٌّ من جمعية "شورى هامبورغ" و"مركز هامبورغ الإسلامي".

وكان من المفترض أنْ يكون البروفيسور في الفقه الإسلامي مهند خورشيد وممثلو الجمعيات الإسلامية من بين المشاركين في ندوات هذا المؤتمر. بيد أنَّ مندوبي الجمعيات الإسلامية لم يحضروا لأنهم لم يريدوا المشاركة في فعَّاليةٍ يحضر فيها مهند خورشيد. وهذا الغياب المقصود يُعبِّر مرةً أخرى عن مدى التعقيد الذي بلغته قضية خورشيد في الوقت الحالي.

الخلاف حول مدير معهد الفقه الإسلامي في جامعة مونستر يدور في الغالب عبر وسائل الإعلام في ألمانيا. إلا أنَّ الإلمام بالأسباب الفعلية لهذا الجدل يستحيل على المراقب من خارج دائرة الخلاف.

تأويلٌ للإسلام غير محبَّب

 تأويل مهند خورشيد للإسلام يثير بوضوحٍ حفيظة البعض، وتفضي انتقادات قيادات الجمعيات إلى تهمٍ خطيرةٍ تقضي بأنَّ مهند خورشيد يخالف من خلال تأويله للقرآن مبادئ المسلمين الفقهية ويتملق لمجتمع الأغلبية في ألمانيا.

Bekir Alboga; Foto: dpa/picture-alliance
kkkkk

علاوة على ذلك هنالك تشكيك في كفاءاته الفقهية وتحصيله الجامعي وكذلك انتقادات لأساليب عمله العلمي أيضًا. فقد جاء التالي في  تصريح بكر البوغا في إحدى المقابلات التلفزيونية مؤخرًا: "نحن في حاجةٍ في المقام الأول إلى تأسيس دراساتِ فقهٍ إسلاميٍ في الجامعات (الألمانية) متينةٍ وموثوقةٍ، وعلى أساس هذه القاعدة الجيدة يمكن أن تتصادم الآراء بعد ذلك". البوغا، أحد القيادات في جمعية ديتيب الإسلامية ومتحدث باسم "مجلس تنسيق المسلمين" (KRM)، لا يَعتبِر خورشيد عالم دين بل باحثًا في علم الاجتماع.

ولكن لماذا لم تشكك الجمعيات بكفاءات مهند خورشيد إلا بعد أربعة أعوامٍ على تعيينه في إحدى الجامعات الألمانية؟ ولماذا لم تعترض إلا بعد عامٍ على نشره كتابه عن التعاليم الفقهية "الإسلام رحمة"؟ ولماذا تصمت الدائرة الأكاديمية في المراكز الإسلامية على اتهامات مجلس تنسيق المسلمين الموجهة إلى زميلٍ، في حين يدلي رجال الدين المسيحي بدولهم علنًا في الأمر؟

لا يمكن الحصول على إجابات عن هذه الأسئلة إلا وراء الكواليس... إنْ وُجدت أساسًا، فجزءٌ من أعضاء هيئة التدريس الجامعي لا يستجيب نهائيًا للاستفسارات، وجزءٌ آخر لا يتكلم إلا بعد ضمان عدم الكشف عن هويته، ذلك لأنَّ الكثيرين لديهم مخاوف شديدة من أنْ يحلَّ غضب الجمعيات عليهم.

كثيرون من أعضاء هيئة التدريس الجامعي لديهم عقود عمل مؤقتة وبالتالي لا يريدون أنْ يخاطروا بمسارهم المهني الجامعي جراء تصريحاتٍ حول قضية مهند خورشيد. بيد أنَّ هناك من يؤاثر الصمت، كما يتوارد إلى الأسماع، "لأنَّ كثيرين ليسوا علماء في الفقه الإسلامي أصلاً" كما يُقال. ويلخِّص باحثٌ شابٌ الأمر على النحو التالي: "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمِ الناس بالحجارة".

عدة مستويات تختلط في قضية خورشيد، فهناك من جهة الجمعيات الإسلامية التي تسعى لإظهار قوتها إزاء الجهات السياسية على حساب الأستاذ الجامعي. 

درس تعليم القرآن في ألمانيا. Foto: Joerg Koch, dapd
"تصريحات ممثلي الجمعيات الإسلامية القائلة بأنَّ تأويل خورشيد للقرآن يتعارض مع تصورات المسلمين في ألمانيا لا تعكس الواقع، فهنالك الكثير من المسلمين ممن يشعرون بنعمة رؤية أنَّ الله رحمة، كما يصفه خورشيد".

ويوضح الباحث الشاب الأمر على النحو التالي: "أصبحت الجمعيات الإسلامية مصابة بجنون العظمة، فهي تريد أنْ يتم التعامل معها على غرار التعامل مع الكنيسة الكاثوليكية"، ويضيف قائلاً إنَّ الجهات السياسية ساهمت في دفع الجمعيات إلى ذلك من خلال إيلائها أهمية تفوق ما تستحقه فعليًا.

نهج غير ثوري

ويُقال إنَّ نهج مهند خورشيد غير ثوري بالشكل الذي يراه مجتمع الأغلبية، لا بل أننا نجد نهجًا مماثلاً أيضًا لدى علماء فقهٍ إسلاميٍ آخرين مثل الأستاذ الجامعي عمر أوزسوي الذي يُدرِّس في جامعة فرانكفورت، إلا أنَّ أوزسوي لا يعير اهتمامًا للشهرة، كما يقال.

ويرى أولئك الذين لا يجدون إشكالات في تفسيرات خورشيد الفقهية أنه قد بالغ في حضوره الإعلامي. وهذا الحضور الإعلامي وتأويله للقرآن صارا بمثابة غصة في حلق البعض.

يقول الباحث إبراهيم سلامة: "ينبغي على من يعمل في جامعةٍ ألمانيةٍ أو أية جامعةٍ أخرى في العالم أنْ يظهر بوصفه باحثًا وليس نجمًا إعلاميًا. والشرط المطلق الواجب أن يلتزم به من يريد تدريس الفقه الإسلامي هو أنْ تكون لديه المؤهلات والشهادات الملائمة مثل الماجستير والدكتوراه والأستاذية الجامعية. كما أنَّ العلماء الذين نالوا تعليمًا جيدًا يتميزون بتواضعهم".

وبهذا القول يكون إبراهيم سلامة الباحث في معهد الفقه الإسلامي في جامعة أوسنابروك الألمانية قد لخّص في جملةٍ واحدةٍ ما يفكر به نقَّاد خورشيد في مراكز الفقه الإسلامي دون أنْ يقولوه علنًا. لكن مثله قلائل.

Canan Topçu; Foto: Christoph Boeckheler
kkkkk

إنَّ حيثية حصول مهند خورشيد على تأييد علماء دين مسيحيين ممن قاموا بفحص تقرير الخبرة الذي قدمه مجلس تنسيق المسلمين أو بفحص التُّهم الأخيرة التي تقول بأن خورشيد اقتبس معلومات عند إعداده أطروحات تأهيله العلمي دون أنْ يذكر المصدر، هي حيثية تؤكد لإبراهيم سلامة وكذلك لنقّاد آخرين ادِّعاءهم بأن خورشيد يتملـَّق للمسيحيين.

مهند خورشيد نفسه بات يتحدث اليوم عن مكائد تحاك ضد شخصه. عبد الحكيم أورغ مدير الدراسات في قسم الفقه الإسلامي والتربية الدينية في جامعة علوم التربية في فرايبورغ وجّه مؤخرًا اتهامات تقول إن خورشيد اقتبس معلومات عند إعداده أطروحات تأهيله العلمي دون أنْ يذكر المصدر وإن خورشيد أخذ بأفكار المفكّر السوري محمد شحرور، بحسب ما ادعى عبد الحكيم أورغ.

 توماس أمبرغ المختص بالدراسات الإسلامية من جامعة هايدلبرغ والمطلع على كتابات شحرور رد على هذه الاتهامات سريعًا مُبيّناً أنها "خبيثة ليس إلا" نظرًا للحجج الملتبسة وغير المقنعة. وأضاف أن "أوجه الشبه بين مهند خورشيد ومحمد شحرور من حيث المحتوى تأتي فقط من تشابه مواضيع البحث". أما خورشيد فلن يقبل التشهير بشخصه بعد اليوم وقد أعلن عن عزمه القيام بخطوات قانونية بهذا الشأن.

تنافس على النفوذ على عدة مستويات

ولكن ما هو جوهر قضية مهند خورشيد حقيقةً؟ هل هو الموقف الفقهي أم موقع أستاذ الجامعة الأكاديمي؟

لا يمتد الخط الأمامي لجبهة التنافس على النفوذ بين الجمعيات الإسلامية ومركز الفقه الإسلامي في مونستر وحسب، إنما يمتد ليصل أيضًا بين مونستر وأوسنابروك. وليس سرًا أنَّ مديري الموقعَين التابعَين لمركزٍ واحدٍ، يبدو مركزا واحداً وموحّداً في الظاهر، لا يتفق بعضهما مع بعض: فالأستاذ الجامعي بولنت أوجار يمثل الفقه الإسلامي المحافظ وبالتالي الأكثر قبولًا لدى الجمعيات الإسلامية في ألمانيا، وبالرغم من عدم تعليقه على قضية خورشيد، فإنَّ دعوة معهده في منتصف يناير/ كانون الثاني لأيمن مزيك، وهو من قيادات "المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا"، للحديث عما "تتوخاه الجاليات الإسلامية من تعليم الفقه الإسلامي في ألمانيا"، يمكن تفسيره كاستهداف لخورشيد.

إدارة جامعة مونستر تؤيِّد مهند خورشيد وتدعمه بشكلٍ كاملٍ، وقد أعلنت أنَّ الاتهامات والانتقادات التي وُجهت إليه باطلة. وترى أنَّ مدير المعهد يقوم بمهمته في مجال النقاش الفقهي على أكمل وجه.

 

 

جنان توبتشو

ترجمة: يوسف حجازي

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014