"الحزب السري" يخطو قدما نحو اكتساب السلطة المطلقة

جمهورية إسلامية أم دولة إسلامية؟ هذا هو السؤال المطروح آنيا لنقاش ساخن ظل قائما منذ انطلاق الثورة الإسلامية عام 1979 بدون الإجابة عليه على نحو جلي غير قابل للتأويل. تقرير أعده بيهزاد كشميري بور.

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الصورة: فارس
دل الفوز الذي أحرزه أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة على أنه جاء نتيجة لخطة أعدها أشخاص استطاعوا ببراعة فائقة تنظيم حركتهم الواقعة خارج إطار الصراع السياسي التقليدي

​​جمهورية إسلامية أم دولة إسلامية؟ هذا هو السؤال المطروح آنيا لنقاش ساخن ظل قائما منذ انطلاق الثورة الإسلامية عام 1979 بدون الإجابة عليه على نحو جلي غير قابل للتأويل. فالسلطة السياسية الحالية في إيران تقوم على هياكل متناقضة تعود جذورها إلى هذا السؤال، أي على الوضع الغريب المتناقض المرتبط بوجود نظام دولة لديه نواب منتخبون من الشعب ولكنه نظام خاضع بصورة مطلقة للدين أو تحديدا لنظرية الإسلام الشيعي المسيّس. تقرير أعده بيهزاد كشميري بور.

جرى استئناف هذا النقاش حول خيار تحول الجمهورية الإسلامية إلى "دولة إسلامية" على يد آية الله محمد تاجي مصباح يازدي وهو من القادة الروحيين لحركة المحافظين اليمينيين وكان قد رفض في كلمة ألقاها مؤخرا أمام تلامذته وأنصاره شرعية السلطة المبنية على الانتخابات. فقال في معرض التطرق إلى الاقتراع الذي تم من خلاله انتخاب رئيس الدولة إن "الشعب يقوم عبر التصويت بمحض اقتراح شخص الرئيس".

وأضاف قائلا "أدرك خميني الجمهورية كشكل مرحلي من أشكال الدولة لكنه لم يدع بالتحديد إلى تبني هذا الشكل". يرى مصباح الذي يترأس في قم "مدرسة الإمام خميني" و"معهد الأبحاث" في نفس الوقت بأن السلطة العليا لصنع القرار تناط بـ"القائد" أو "المرشد" ولهذا فإن أي انتخاب لا يصبح نافذ المفعول ما لم يصادق هذا عليه.

مهدي كروبي مرشح الرئاسة الذي نال ثالث أفضل نتيجة في تلك الانتخابات واتهم منافسيه بتزوير نتائج الانتخابات على نحو فاضح وباستخدام أساليب التدليس والخداع في الحملة الانتخابية يفسر أسباب إصرار مصباح على تسخير فكر آية الله خميني للدفاع عن أفكاره على النحو المحدد التالي، حيث قال في مقابلة صحفية أجريت معه مؤخرا "إن الشباب المسلمين المتدينين يمجدون خميني ويدافعون عن ذكراه...

فخميني بالنسبة لهم بحكم المقدس، لذلك فعندما يقول أحد لهم إن خميني لم يكن يؤمن بالانتخابات يتحول التصويت الشعبي بالنسبة لهم إلى أمر لا قيمة له . أما إذا قال لهم أحد ما إن مصباح نفسه لا يؤمن بالانتخابات فسوف يقول هؤلاء الشباب المتدينون حسنا، هذا رأي من مجموعة آراء لكننا لا نشاطره هذا الرأي".

القوة الثالثة

بعد بداية هذا الجدل أخذ السياسيون وغيرهم من أصحاب المناصب الحكومية ينتقدون مواقف مصباح بشدة ويحذرون من أخطار ولوج أنصاره إلى أعلى جهاز سياسي في الدولة أي إلى مجلس الخبراء الذي تكون أهم مسؤولياته انتخاب "المرشد".

نساء إيرانيات ينتخبن رئيسا جديدا، الصورة: أ ب
قال آية الله محمد تاجي مصباح يازدي إن"الشعب يقوم عبر التصويت بمحض اقتراح شخص الرئيس" - نساء إيرانيات ينتخبن رئيسا جديدا

​​وقد استخدم الرئيس السابق خاتمي مؤخرا عبارة "القوة الثالثة" التي نشأت بجانب جبهتي الإصلاحيين والمحافظين اللتين هما التياران السياسيان الرئيسيان في البلاد، حيث قال "أرى نظرا لتوزيع القوى القائم اليوم خطرا واضحا يستهدف مستقبل الجمهورية الإسلامية وقيادتها. هذا يعني أن مجلس الخبراء قد يتوجه في اتجاه يدعو إلى القلق وأن القوى التي لا تتبنى بشكل واضح دقيق أهداف الثورة (1979) قد تستلم زمام القيادة".

وقد أوضحت انتخابات الرئاسة الأخيرة بصورة مكتملة الوضوح بأن توزيع القوى السياسية يسوده الاضطراب وافتقاد الوضوح مما يجعل من الصعب تقسيم هذه القوى إلى مجرد كتلتين رئيسيتين. وقد دل الفوز غير المتوقع الذي أحرزه أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة على أنه جاء نتيجة لخطة أعدها طيلة سنوات عديدة أشخاص استطاعوا ببراعة فائقة تنظيم حركتهم الواقعة خارج إطار الصراع السياسي التقليدي.

وقد ارتفعت من قبل الأوساط المقربة لآية الله مصباح أصوات تقول بصريح العبارة إن التوغل في الطريق نحو استلام زمام السلطة بشكل مطلق بات معبدا على وجه حسن وقد تم بغرض الوصول إلى هذا الهدف المشي خطوة تلو الأخرى.

وهكذا فبعد استلام زمام السلطة في المجلس البلدي لمدينة طهران وانتخاب أحمدي نجاد عمدة لطهران في عام 2003 حازت هذه المجموعة على أغلبية الأصوات في البرلمان كما أنها أحرزت الانتصار في انتخابات الرئاسة التي جرت في صيف عام 2005. هذا ويخطط ما يسمى "الحزب السري" المؤلف من تلاميذ مصباح وأنصاره في المرحلة القادمة لبسط نفوذه على مجلس الخبراء ليكون ذلك وسيلة لتبوء القيادة العليا للبلاد.

الولاء المطلق للحكام الجدد

بعد أن أقسم أحمدي نجاد اليمين الدستورية وجه لكافة الحكومات التي سبقته تهمة ارتكاب أخطاء جسيمة. ولم يحتفظ إلا بعدد ضئيل جدا من الكوادر القديمة وعمد إلى إجراء حملة تطهير كبيرة غير معهودة. فقد جرى توقيف كبار الموظفين عن العمل في كافة الوزارات وفصل ستة من مدراء المصارف العليا كما سحب أحمدي نجاد بقرار واحد سفراء إيران في كل الدول المهمة واستبدلهم بأشخاص آخرين.

أما توزيع المناصب فقد كان مقياسه وما يزال الولاء وتطابق الآراء مع الحكام الجدد أكثر من الكفاءة في حد ذاتها.ويرى الكثيرون من المحافظين الذين كانوا قد عمدوا إلى دعم أحمدي نجاد ولو عن غير قناعة حقيقية بأنه قد غبن حقهم في ما يتعلق بتوزيع تلك المناصب. من هنا جاء أشد النقد الموجه لأحمدي نجاد اليوم من برلمانيين تابعين في أغلبهم إلى جناح المحافظين.

كل هذه المؤشرات تدل بالتالي على ظهور قوة جديدة في البلاد لا تريد أن تقبل بشيء أدنى من حيازة السلطة المطلقة. هذه القوة تكاد منذ الآن أن تخضع كافة أجهزة الدولة لسيطرتها ، هذا ما عدا أقوى هذه الأجهزة نفوذا وهو منصب المرشد الديني العام للدولة. وتبتعد جمهورية إيران الإسلامية بصورة أكبر من الماضي من القيم التي تتسم بها الديموقراطيات الغربية بحكم تبنيها لفكرة إنشاء دولة إسلامية.

لكن الحكام الجدد لا يعبأون على ما يبدو بهذا الأمر. فذلك يتمشى تماما مع فكرة الدولة الإسلامية الرافضة لكل القيم الغربية انطلاقا من أرضية الرغبة في العودة إلى "العهد المجيد لظهور الإسلام".

هل هذا من الأسباب التي تدفع أحمدي نجاد إلى إصدار تصريحات يستفز من خلالها الغرب على نحو دوري؟ هل يتيسر إنشاء الدولة الإسلامية على نحو أفضل في حالة قطع إيران لكافة العلاقات مع بقية دول العالم؟ سوف يتبين ذلك في موعد أقصاه عام واحد عندما يتم انتخاب مجلس الخبراء.

هذا وإن أصبح توغل "الحزب السري" في أجهزة الدولة منذ الآن حقيقة واقعة. نتيجة لذلك بدأ الإصلاحيون وحتى بعض المحافظين الذين لم يفيقوا بعد من وقع صدمة انتخابات الرئاسة يتحدثون عن ضرورة إعادة تنظيم صفوفهم.

بيهزاد كشميري بور
ترجمة عارف حجاج
© قنطرة 2006

قنطرة

نقص في التجربة السياسية
يتمنى الرئيس الإيراني على ما يبدو أن تعود عجلات التاريخ إلى الوراء وتحديدا إلى الأيام التي تلت انطلاق الثورة الإسلامية في إيران، هكذا يمكن تفسير تصريحات ومواقف أحمدي نجاد الأخيرة تجاه المجتمع الدولي. تعليق بيتر فيليب

مفاوضات الملف النووي أمام طريق مسدود
الاحتجاجات الدولية جعلت الرئيس أحمدي نجاد محط الأنظار وبدأ ينظر إليه في صفوف مؤيديه على الأقل على أنه "بطل" يجرؤ على التصدي للولايات المتحدة الأمريكية ولإسرائيل وعلى التضامن مع الفلسطينيين ورفع علم الإسلام عاليا. تحليل بهمان نيرومند

الرئيس الإيراني الجديد بين الوعود الانتخابية والواقع السياسي
يتوقع الملايين في إيران أن يوفي أحمدي نجاد بوعوده التي أعطاها قبل الانتخابات، وهي مكافحة الفقر والفساد والبطالة والمساواة في توزيع إيرادات البترول. الكاتب والصحفي الإيراني فرج سركوهي يشك في مدى إمكانية تحقيق ذلك.