كتاب "إخوة السلاح"...الرقة في ظل الأسد وداعش

"حين كان عمري 9 سنوات ظننت أن حافظ الأسد رئيس العالم بأكمله". ذكريات شخصية وتغيرات مصيرية، وقعت بمدينة الرقة السورية بين عامي 2011 و2016، يستكشفها الصحفي السوري مروان هشام في كتابه "إخوة السلاح"، الذي أكملته ببراعة رسومات مزاجية للفنانة الأمريكية مولي كراب أبل، بما فيه من قضايا أزلية: كالنشوء منذ الصغر وتمرد المراهقة ومآزق أخلاقية حتمية. مارسيا كويلي قرأت الكتاب لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marcia Lynx Qualey

تضرب أمواج من الأدب السوري ما بعد عام 2011 على شواطئ اللغة الإنكليزية، سواء مكتوبة بالإنكليزية أو مترجمة. وتتراوح الكتب بين أعمال مثل مذكرات من قلب الأحداث لسمر يزبك (تقاطع نيران، العبور) إلى رواية الغرافيك المسلية لحميد سليمان، مشفى الحرية. وأغلب هذه الأعمال ليست لمجرد متعتنا الجمالية، بل هي محاولات للتدخل مباشرة في الأحداث العالمية. ومع ذلك، ولأن الحرب السورية مستمرة، فالعديد منها يبدو قديماً بشكل مسبق.

أما كتاب "إخوة السلاح" للصحفي السوري مروان هشام، والذي يعرض أيضاً رسومات للفنانة والكاتبة الأمريكية مولي كراب أبل، فهو قراءة من نوع مختلف. فالرقة في عام 2010، من خلال عيون الراوي، هي حالة ركود ثقافي ومحظوظة إن حصلت على مقهى واحد لائق. وتتحول من مدينة تنفِّس غضبها على متظاهريها في عام 2011 إلى واحدة تحتضنهم.

وللحظة، تستمتع الرقة بـ "ذاك الفجر المقتضب بين النظام وتنظيم الدولة الإسلامية"، ومن ثم يستولي تنظيم الدولة الإسلامية عليها ويتخذها عاصمة لحكمه القمعي الذي لم يدم طويلاً. ويتحول المؤلف نفسه من مراهق يحتقر مسقط رأسه إلى شاب غير قادر على مغادرتها.

"إخوة السلاح" مذكرات شخصية عن الرقة في انتفاضة سوريا - كتاب عن مدينة الرقة في ظل الأسد وداعش:  للصحفي السوري مروان هشام ورسومات للفنانة والكاتبة الأمريكية مولي كراب أبل.  (published by One World)
من حالة ركود ثقافي إلى معقل لتنظيم الدول الإسلامية: فالرقة عام 2010، وفقاً لهشام، هي محظوظة لو حصلت على مقهى واحد لائق. وللحظة، تستمتع الرقة بـ "ذاك الفجر المقتضب بين النظام وتنظيم الدولة الإسلامية" ومن ثم يستولي تنظيم الدولة الإسلامية عليها. ويتحول هشام من كونه مراهقاً يحتقر مسقط رأسه إلى شاب غير قادر على مغادرتها.

والكتاب هو قرين حيوي لرواية "في سوق السبايا" لدنيا ميخائيل (2018)، المترجَمة من قِبَل ميخائيل وماكس ويس، والتي تروي قصة نساء اختطفهن تنظيم الدولة الإسلامية. فقد أُحضرت هؤلاء النساء وبِعْنَ بوصفهن سبايا، يُؤخذن أحياناً من العراق إلى أسواق الرقة في سوريا.

وبينما يروي كتاب ميخائيل قصص النساء. تختفي، في كتاب هشام، النساء بشكل كبير بعد أن يستولي تنظيم الدولة على الرقة لنسمع قصص الرجال. بيد أنه حين تظهر سبايا تنظيم الدولة، فإن المؤلف، الذي مر بسنوات من الحرب، يواجه مشكلة في استيعاب الوضع.

المراهقة والاحتجاج

يتطور كتاب "إخوة السلاح" في معظمه وفقاً لتسلسل زمني. إذ يبدأ حين يكون هشام صبياً يافعاً: "حين كنت في التاسعة من عمري، ظننت أن حافظ الأسد رئيس العالم بأسره".

ورغم أن الرقة المرتبطة بطفولة هشام لم تكن شاعرية، إلا أنها تبدو جنة مقارنة بالمدرسة الداخلية الدينية العفنة التي أرسله إليها والده الملتزم.

فالطعام سيء، والمدرسون مملون وحماس الطلاب يجعلهم موضع شك.

وفي مرحلة ما، يسأل هشام مدرسه للغة العربية لما لا يستطيعون قراءة ترجمة مسرحية تاجر البندقية في الصف فكانت ردة فعل مدرسه بأن سحب المسرحية من مكتبة المدرسة.

وبين التعاليم الدينية البرنامجية والجافة والعنف المحتد في درس مادة القومية، كان الكاتب ممتناً للهروب إلى منزله في فصول الصيف.

وبعد المدرسة الثانوية، أصبح "نائل" -صديق طفولة المؤلف- طالب فنون جميلة في دمشق بينما يذهب هشام إلى مدينة سورية الثانية "حلب" ليدرس الأدب الإنكليزي.

ويقوم هشام بعمل جميل في تصوير الحواجز التي تنمو بينهما حين يبدأ نائل بتمضية الوقت مع حشد من طلاب الفنون ليشعر المؤلف أنه تُرِك في الخلف.

يجتمع كل من المؤلف ونائل في الرقة من أجل الاحتجاجات في صيف عام 2011، غير أن هناك فجوة بينهما. فنائل، كما يكتب المؤلف ساخراً، ذهب لـ "يشتري زوجاً من الأحذية الرياضية من الممكن أن تساعده على الهرب من الشرطة لكن هدفه الحقيقي كان أن يبدو متظاهراً جذّاباً بشكل خطير".

وتماشياً مع جاذبيته الخطيرة، ينضم نائل إلى إحدى مجموعات المعارضة المستقلة الأولى. إذ يصوّر كتاب "في إخوة السلاح"، في الأيام الأولى للانتفاضة السورية، مزيجاً متحولاً من المجموعات، مشيراً إلى أن لقب "الجيش السوري الحر" كان "أقرب إلى اسم تجاري" أكثر من كونه هيكل قيادة مركزية.

لا ينضم المؤلف لأحد. بيد أنه لا يفر مع عائلته كذلك. ولفترة من الزمن، يعمل كمزارع كفاف. وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة، وحين أصبح الوصول للانترنت محدوداً، يدير مقهى إنترنت يحتشد فيه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية. وفي النهاية، أصبح صحفياً عرضياً لأنه، كما يقول، الشخص الوحيد الذي يغرّد على تويتر من الرقة باللغة الإنكليزية.

من الركود إلى عاصمة والعودة مرة أخرى

[embed:render:embedded:node:31067]

عاصمة الخلافة العباسية، الرقة في القرن الحادي والعشرين -في كتاب إخوة السلاح- هي حالة ركود ومحافِظة ميؤوس منها. كما أن عائلة المؤلف طبقة عاملة ومحافِظة إلى حد كبير، رغم أن عمه كان فناناً. وفي عام 2010، يبدأ عمه العمل على مقهى سيكون من شأنه أن يجمع بين الفنون السورية المعاصرة والتقليدية.

بيد أن المقهى، كما يكتب هشام، أصبح جاهزاً أخيراً في عام 2012. وهنا فإن رسومات كراب أبل فعالة بشكل خاص. إذ أننا نقلب الصفحة لنصادف مقهى الأحلام هذا، بنوافيره وقببه المندفعة، ونباتات مزهرة ومقاعد جلوس جميلة في الهواء الطلق.

ومع ذلك، يكتب المؤلف، "كان من الصعب أن يكون التوقيت أسوأ". فلم يمضِ الكثير قبل أن يتحطم زجاج النوافذ المزخرف بالقنابل المتساقطة. وفي كانون الثاني/يناير من عام 2013، يطالب زعيمُ مجموعة معارضة محلية برشوة فيهرب عم هشام إلى تركيا ومنها إلى اليونان.

خلال الاحتجاجات الأولى، كما يقول هشام، لعن الناسُ المتظاهرين وأسموهم أطفالاً متمردين، ومن جانب هشام، لم يكن ذلك بعيد عن الصواب بالكامل. كان غضبه على الدولة وغضبه على مجتمعه المحافظ متشابكين. وعند وصف مشاركته في الاحتجاجات الأولى، فإنه يكتب: "تحت مسمى ’تباً لذلك’ أُطلِق عناني".

تغيرت الأمور بالنسبة لمدينة الرقة بعد مقتل الشاب علي البابنسي. ففجأة، تجمّعت المدينة كلها للاحتجاج. وحين يردُّ النظام، يتجمع حشد من مجموعات مختلفة لمقاتلته. وبينما كانت المدينة تُقصف، يتحصّن المؤلف في منزله، حيث "يعرف القليل، بمقدار ما يعرف أي محلل غربي". فاستيقظ ليجد المدينة تنتمي لتنظيم الدولة الإسلامية.

 

ومع تزايد عدد البلدان الضالعة في الحرب، يكتب هشام، "استُبعِد السوريون من الكلام". ورغم أن ابن شقيق هشام وجاراً له انضم كلاهما إلى معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية لمدة من الزمن، إلا أنه يصوّر تنظيم الدولة الإسلامية بوصفه قوة أجنبية في غالبه: "لقد وُلِد هؤلاء الشباب في أوروبا من عائلات أوروبية ولم يكن أياً منهم، أستطيع أن أقول بكل ثقة، قد سمع عن الرقة بتاتاً قبل عام 2013".

وبسبب تغريداته باللغة الإنكليزية، يتواصل هشام أولاً مع كراب أبل ومن ثم يبدأ تقديم التقارير لوسائل الإعلام الغربية. وفي مرحلة ما، وبينما كان يقدم تقاريره في حلب، يسخر رجل مما يقوم به المؤلف. ويسأله الرجل:"هل تعتقد أن صورك ستُحدِث فرقاً؟".

ولبرهة من الزمن، يبدو هشام مذهولاً. إلا أنه بعد ذلك يقول: لا، فهو لا يعرف إن كانت صوره وأعماله ستُحدِث أي فرق. بيد أن ما يهم في نهاية المطاف، كما يكتب: "الفن الخالد والكلمات الخالدة". وفي حين قد يكون الخلود احتمالاً بعيداً، فإن كتاب "إخوة السلاح" يسمو عن المعتاد ويستحق أن يُقرَأ لسنوات مقبلة.

 

 

مارسيا لينكس كويلي

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de