2000 عام من التاريخ المشترك بين الشرق والغرب

في دراسته المنهجية قام المستشرق الألماني الفريد شليشت بالتعرف على كَمّ العلاقات التاريخية بين العرب والأوروبيين، مؤكدا أن التاريخ المشترك بين العرب والأوروبيين ينطوي على محطات مشرقة وتفاعلات تبادلية مختلفة لا تخلو من الصراع في الوقت ذاته. سباستيان سونس يعرفنا بهذا الكتاب.

 كنيسة المهد، الصورة: ا.ب
التفاعل بين المسيحية والإسلام تم على مدى فترات وعصور مختلفة

​​ عمد الفريد شليشت، المتخصص في الدراسات الشرقية والمستشار الثقافي في وزارة الخارجية الألمانية، في كتابه "العرب وأوروبا" بتحليل العلاقات المتبادلة بين العرب وأوروبا والتي لم تخل من الصراعات واختلاف الرؤى على مدى ألفَي عام. وقد بدأ في كتابه بدراسة الاحتكاكات الأولية في العصور العربية والأوروبية القديمة، وأتبع ذلك بالفتوحات الإسلامية التي وصلت حتى اسبانيا. وركز في الدراسة أيضا على تحليل الحروب الصليبية والمواقف التي لا تتماشى مع الدين. كما قام بوصف العلاقة بين "الشرق" و"الغرب" من فترة الخلافة العثمانية حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001.

كولومبوس: صورة نمطية بحتة من التناقضات

وركز شيليت في دراسته بوجه خاص على الإسلام في أسبانيا، ومرّ في هذه الفترة مرور الكرام على الآثار السيئة التي خلّفتها الفتوحات الإسلامية وحروب استرداد أسبانيا، وألقى الضوء على المؤثرات الدائمة للحكم العربي الإسلامي الطويل على التاريخ الأسباني المليء بالصراعات والتبادل الثقافي.

كولومبوس، الصورة: ا.ب
"عندما يذكر شيليت أن كريستوف كولومبوس استلهم رحلاته الاستكشافية من الاسلام فإنه يقول ذلك عن علم"

​​ وعندما يذكر شيليت أن كريستوف كولومبوس استلهم رحلاته الاستكشافية من الإسلام فإنه يقول ذلك عن علم. بيد أن الباحث الألماني لم يقصد لفت الأنظار حول "الإسلاموفوبيا" الكاذبة في الوصف التاريخي من خلال الإشاعات المشبوهة في نيويورك ومدريد ولندن. وبدلا من ذلك حاول أن يوازن بين الدوافع العربية والأوروبية. وفي هذه النقطة يتعلق الأمر صراحة بـ"الوصف التاريخي بالمعنى الضيق"، كما أكد شليشت في المقدمة.
ولا يمكن أخذ التاريخ الفكري في الاعتبار إلا بصورة بدائية، لهذا يجد المرء أن القارئ تلقّى عرضا تاريخيا جيدا قويا ودقيقا عن الأحداث العسكرية والسياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد افتقد المعالجة القوية للصلة مع النخبة المثقفة.

مصر: لا تَقدُّم من دون أوروبا

من معرض الشارقة، الصورة: غيورغ أوسنباخ
"العلاقة بين العرب والأوروبيين تتسم اليوم بالمتناقضات بين تعاون وشك وبين حروب وتحالف وبين تبادل ورفض"

​​ويرى الكاتب أن التطور الآخر للعالم العربي لا يمكن فهمه دون أخذ التأثير الأوروبي بعين الاعتبار. وتمكن من خلال التأثير الأوروبي فقط أن يدرك كيف ترقّى الضابط محمد علي ليصبح أهم رجل في مصر والذي كان على قناعة أن الشرق لا بد أن يتعلم من الغرب. فهذه القناعة جعلته يستطيع التخلص من المعايير والتقاليد المألوفة وأن يشق طريقا جديدة لتخليص مصر من الرقابة العثمانية. ويقول شليشت أن تقدّم مصر لم يكن ممكنا دون التأثير الأوروبي عليها وبهذا "أصبحت أوروبا لأول مرة قدوة في بلد عربي ونموذجا للتجديد والتغلب على 'الرجعية'".

وفي الباب التالي كرّس المستشرق الألماني نفسه لدراسة فترة الاستعمار. وبينما كان مصطلح الاستعمار يُفسر تلقائيا بالرقابة والسيطرة الأجنبية فنّد شليشت الآثار الايجابية الأولية، منها الاندماج في السوق العالمية والازدهار الاقتصادي والتقدم الثقافي. بيد أن ذلك تبدل بسرعة وأصبحت أوروبا تنظر إلى العالم العربي على أنه مسرح لمصالحها الشخصية ولم يعد بعد شريكا لها. ذلك لأن "أوروبا تعني بالنسبة للعالم العربي تحديا وارتباكا وخطرا وفرصة لإنعاش الفكر والاستفزاز الثقافي".

الصراع الشرق أوسطي: ليس صراعا دينيا

غلاف الكتاب
كتاب " العرب وأوروبا" 2000 عام من التاريخ المشترك

​​ ثم أتبع شيليت ذلك بدراسة الصراع الشرق أوسطي كعبء كبير على العلاقات الأوروبية العربية في القرن العشرين. وأكد أن الصراع الشرق أوسطي لم ينتج بأي حال من الأحوال من الصراع الديني أو العقائدي ولكن من الصراع حول الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي هذا السياق انتقد شيليت ألمانيا بوصف أن "الظلم الذي وقع على اليهود الألمان أدى إلى ظلم الفلسطينيين (...) ولم يشأ المرء الانتباه لذلك (...) وصرف المرء بكل سهولة الأنظار عن 'ضحية الضحايا'". ويرى شيليت أن سياسة ألمانيا الخارجية استطاعت مع الوقت أن "تتخلص من قيودها"، وأصبح النقد يُوجّه إلى السياسة الإسرائيلية دون التفكير الدائم في شبح الماضي النازي.

الرجوع إلى الإسلام: "رد الفعل تجاه النفوذ الأمريكي الأوروبي"

ويصف البحث الألماني العلاقات الحالية بين العرب وأوروبا على أنها خليط بين التعاون والمواجهة. ويرى أن "الحوار الثقافي" والإرهاب و"الأصولية الإسلامية" والبحث عن الهوية الشخصية أضحت اليوم موضوعات تحدد معالم الشرق والغرب، كما أن "الرجوع إلى الإسلام نتج كرد فعل تجاه النفوذ الأمريكي الأوروبي". وأوضح شيليك في دراسته أن العلاقة بين العرب والأوروبيين تتسم بالمتناقضات بين تعاون وشك وبين حروب وتحالف وبين تبادل ورفض. وفي هذا حاول شيليت ألا يتخذ موقفا يمت للماضي بِصلة أو للوسط الأوروبي كصورة نمطية ولكن حاول التفريق بين ما أمكن علاجه في تلك الفترة. علاوة على ذلك استطاع شيليت بنظريته الواضحة وبراهينه القوية أن يرسم صورة تثبت تغاير الحقيقة التاريخية وتنوعها وأن "الإسلام والمسيحية ليسا أخوين وحسب، بل هما توأمان".

سباستيان سونس
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

Schlicht, Alfred: Die Araber und Europa. 2000 Jahre gemeinsame Geschichte, Kohlhammer, Stuttgart 2008, 226 S., ISBN: 978-3-17-019906-4.

قنطرة

المعرض الفوتوغرافي "محور الشرق" في الشارقة:
رحلة فوتوغرافية في ربوع الماضي
افتتح في إمارة الشارقة معرض "محور الشرق" الذي يضم ما يزيد عن مائتي صورة فوتوغرافية تاريخية من العالم الإسلامي كله. هذه الصور قام بالتقاطها مصورون أوروبيون في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وهي تتنوع بين العمارة الشرقية ومناظر الحياة اليومية. غيورغ أوسنباخ يعرفنا بهذا المعرض وموجوداته.

المسلمون ما بين أميركا وأوروبا:
قصة قارتين في مواجهة التطرف
على الرغم من أن الولايات المتّحدةِ كَانتْ هدفاً للمتطرّفين، فإن المسلمين فيها هم أكثر إندماجا بمجتمعهم، بعكس مسلمي أوروبا الأقل إندماجاً والأكثرَ إنجذاباً إلى الإرهاب. شذى إسلام تحلل الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.

الجدل حول "القيم الأوروبية":
أيديولوجيا لتحصين أوروبا وعزلها ؟
هل تعتبر القيم التي بنيت عليها حقوق الإنسان خاصية من خواص الحضارة الأوروبية التي تعزل القارة الأوروبية عن مناطق العالم الأخرى؟ تراوغوت شوفتهالر يلقي نظرة ناقدة على آراء مراكز الأبحاث والمؤسسات الأوروبية.