تقارير صحفية من العراق

بعد النهاية "الرسمية" للحرب قامت الصحافية والمناضلة التونسية من أجل حقوق الإنسان سهام بن سدرين بزيارة إلى العراق. "مهزومون محرَّرون" هو عنوان الكتاب الصادر أخيرا في ألمانيا والذي يضم تحقيقاتها الصحفية. فيرا رويش تقدم لنا هذا الكتاب.

الصورة: أ ب
سهام بن سدرين

​​

"إن الاحتقار الذي يعاملوننا به أمر محبط للعزائم. يقولون إنهم جاؤوا إلى هنا من أجل أن "يعلموننا الديمقراطية "! فهل ينبغي على المرء أن يعلم مولودا جديدا كيف يتنفس؟ إن الحرية أمر طبيعي بالولادة في كل كائن بشري، ونحن لا نحتاج إلى أسياد يوضحون لنا كيف ينبغي علينا أن نتنفّس، ولا نريد سوى أن يدعنا الناس وشأننا."

هكذا يصف ماجد، وهو رسام شاب، المناخ النفسي داخل العراق. وهو ليس الوحيد الذي يفكر هكذا. تصور الصحافية التونسية سهام بن سدرين في تحقيقاتها ببغداد شخصيات متنوعة ومختلفة. إلاّ أن هؤلاء جميعا يشعرون بخيبة أمل وبشيء من المرارة، ويحسون بأنفسهم محبطين ومنسيين من العالم كله.

"مهزومون محرّرون"

هناك ذلك الدكتور الاختصاصي في مسائل البيئة الذي كان في ما مضى يشتغل لحساب منظمة الأمم المتحدة والذي يجلس اليوم عاطلا عن العمل في إحدى المقاهي، لأنّ الأميركيين لا شاغل لهم بمسائل البيئة، وهم لا يثقون في المثقفين العراق على أية حال.

وهناك الطالبات اللاتي لا يغادرن بيوتهنّ خوفا من أن يقع اختطافهن من طرف المجرمين، وهناك الصحافيون الذين يشتكون من الأميركيين الذين لا يسمحون سوى لوسائل الإعلام "ذات النوايا المناصرة" بالاشتراك في الندوات الصحفية.

أو ذلك المزارع الذي تولى بمبادرته الشخصية حماية مقبرة جماعية على أمل أن تبدي الولايات المتحدة أو منظمة الأمم المتحدة في يوم ما اهتماما بهؤلاء الذين وقعوا ضحايا لقمع صدام حسين ويستخرجون جثثهم من هناك.

تصور بن سدرين بطريقة مثيرة لقاءاتها مع هؤلاء "المهزومين المحررين" والتجارب التي عاشوها مع سلطة الاحتلال. لكنها تسجل أيضا وبكل انتباه المضاعفات الاجتماعية والنفسية المتأخرة المنجرة عن دكتاتورية صدام حسين وتغامر ببعض التشوفات المستقبليّة: تسجل تخوفها من التشظيات السياسية المحتملة التي يمكن أن تصدع البلاد، وتتوقع تأثيرا متزايدا للقوى الدينية، الأمر الذي يمكن أن تنجر عنه مضاعفات كارثية على أوضاع المرأة بالخصوص.

وجهة نظر عربية

تمثل سهام بن سدرين علامة بارزة داخل المعارضة التونسية لنظام بن علي. وكانت هذه الصحافية عنصرا نشطا في الحركة النسوية، وقد ساهمت في تأسيس منظمات حقوقية وصحيفة إلكترونية بعنوان كلمة قد تم غلقها من قبل السلطات التونسية.

وبسبب نشاطاتها السياسية المتنوعة تعرضت للمتابعة والتهديدات وللإيقاف والتعذيب في العديد من المرات. وحاليا تقيم السيدة البالغة 53 سنة من العمر بألمانيا بدعوة من "مؤسسة همبورغ لدعم الملاحقين السياسيين".

بن سدرين تتمتع كصحافية عربية ومناضلة من أجل حقوق الإنسان بأكثر ثقة في العراق مما يتمتع به ممثلوا وسائل الإعلام الغربية، وبوسعها رؤية والتقاط أشياء أكثر من هؤلاء، وبإمكانها بالتالي التوصل إلى إعطاء صورة أكثر دقة عن الأوضاع هناك.

لكن، وفي الوقت نفسه كان عليها أن تتحمل عبارات اللوم التي تلقى عليها: "أين كنتم أيها الإخوة العرب عندما كانت تسحقنا جزمات الدكتاتورية ؟" تقذف في وجهها أستاذة عراقية. وبما أن الكاتبة لم تحيّد ولا هي غطت على مثل هذه التناقضات، فإن ذلك مما يرفع من رصيدها ويضفي على تحقيقاتها مصداقية كبرى وقدرة على الإقناع.

فيرا رويش، قنطرة 2004
ترجمة علي مصباح

حوار مع سهام بن سدرين في قنطرة
موقع كلمة هنا