"يوميات أمير منبوذ"...مذكرات الأمير المغربي الأحمر

نشر الأمير المغربي مولاي هشام العلوي المقيم خارج المغرب كتابا، صدر في باريس، يحمل عنوان "يوميات أمير منبوذ"، عرض فيه مذكراته الشخصية عن حياته في القصر الملكي المغربي ومنفاه خارج المملكة المغربية، مثيرا الاستياء في القصر الملكي. الصحفية أستريد كامينسكي تستعرض هذا الكتاب لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Astrid Kaminski

الدين والمَلَكية والصحراء الغربية - ثلاثة محرَّمات شبه رسمية، يمكن لمَنْ يتجنَّبها أن يعيش في المغرب من دون متاعب سياسية. ولكن مع ذلك هناك عضو بارز من أفراد العائلة المغربية المالكة بالذات، يهتم منذ عدة أعوام في المقام الأوّل بواحد من هذه المحرَّمات، وهو: وضع المملكة.

يعتبر الأمير مولاي هشام العلوي ابن عم الملك الحاكم في المغرب محمد السادس الذي يُطلق عليه أيضًا باللهجة المغربية الدارجة لقب "ميم 6". والاثنان لهما العمر نفسه تقريبًا وقد تربيا سوية. أمَّا الأمير هشام العلوي فهو يحمل وبسبب قربه النسبي - ونشدّد على كلمة نسبي - من الشعب لقب "الأمير الأحمر"، في حين أنَّ لقب مولاي يرمز إلى أنَّه من سلاسة النبي.

وفي الأعوام الأخيرة وجّه الأمير هشام أكثر من مرة في الصحافة الفرنسية وخاصة في صحيفة لوموند ديبلوماتيك عدة انتقادات إلى سياسة وطنه. وفي واحد من أشهر مقالاته تنبأ لسنة 2018 بثورة طوباوية أطلق عليها اسم "ثورة الكمون". وتكمن السمة الأساسية لهذه الثورة في سعي الشعب وكذلك المؤلف نفسه إلى الملكية البرلمانية. وقد قام الأمير هشام بتلخيص وجهات نظره في كتاب صدر باللغة الفرنسية تحت عنوان: "Journal d’un Prince Banni. Demain, le Maroc" يوميات أمير منبوذ - المغرب غدًا.

تشير العلاقة بين العنوان الرئيسي لهذا الكتاب وعنوانه الفرعي إلى أنَّه يحتوي على موضوعات كثيرة ستتم معالجتها دفعة واحدة. إنَّ أي كتاب يوميات يمثّل في البداية نظرة إلى الماضي، ولكن من المفترض في الوقت نفسه أن تكون هذه اليوميات رؤية للمستقبل. يمكن للمرء أن يفهم ذلك على النحو التالي: يعتقد الأمير هشام العلوي أنَّ قناعاته التي أدَّت إلى نفيه من القصر من قبل ابن عمه، سوف تكون هي الأساس لمغرب المستقبل. وقد صاغ ذلك أيضًا كخلاصة لكتابه الذي ينتهي بعبارة "لقد انتهى الأمر". 

Fotomontage Buchcover Moulay Hicham el Alaoui: "Journal d’un Prince Banni. Demain, le Maroc"
Abrechnung mit dem tiefen Staat und der Allmacht des Königshauses: politisches Ideal ist neben der parlamentarischen Monarchie eine Auflösung des Makhzen.

يقول الأمير هشام إنَّه علم بنفيه من القصر في العام 1999، وذلك عندما كان يريد الحديث حول موضوع التحول الديمقراطي للبلاد مع ولي العهد، الملك محمد السادس، بعد وفاة عمه الملك الحسن الثاني.

مدافع عن حركة 20 فبراير الديمقراطية

ومنذ ذلك الحين يعيش مؤلف هذا الكتاب مع أسرته في الولايات المتَّحدة الأمريكية. درس الأمير هشام العلوم السياسية، وتخرّج من جامعة برينستون وستانفورد، وأسَّس مؤسَّسة خيرية نخبوية خاصة به، وهو كذلك رجل أعمال. وبالإضافة إلى نشاطه لصالح منظمة هيومن رايتس ووتش عمل لصالح أمير أردني وفي العام 2000 عمل تحت إدارة برنار كوشنير في كوسوفو. وفي عام 2011 دعم حركة الشباب الديمقراطية المغربية 20 فبراير. بالإضافة إلى الملكية البرلمانية فإنَّ مثله السياسي الأعلى هو تفكيك المخزن- ذلك المزيج المكوّن من أجهزة السلطة الملكية ومن "الدولة العميقة".

وفي المقابل يعتبر الملك محمد السادس بالنسبة للبعض بمثابة مصلح "تدريجي" - ومصلح "وهمي". فقد صحّح بعض أخطاء والده، مثل الإفراج عن المعتقلين، وإنشاء لجنة لتقصي الحقائق من أجل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في عهد أبيه، وكذلك اتَّخذ بعض التدابير لمواجهة الفساد المتفشي في جميع أنحاء المملكة. وبالإضافة إلى ذلك فقد رفع من شأن ثقافة الأمازيغ ولغتهم، أي البربر الذين يمثّلون السكَّان الأصليين في المغرب. وبعد الاضطرابات السلمية نسبيًا في عام 2011، قام الملك محمد السادس بإصلاح الدستور. ومن مآثر هذا الملك أنَّه ينفي عن نفسه قُدسيته الدستورية. ولكنه لا يزال شخصية مُقدّسة.

على الأرجح أنَّ الملك محمد السادس لن يتصالح مع ابن عمه بعد نشر يومياته. ولكن وعلى العكس مما كان متوقعًا في البداية، لم يتم بشكل رسمي في المغرب حظر هذا الكتاب الذي صدر عن دار نشر غراسيه الفرنسية. وعلى الرغم ذلك فإنَّ المغاربة يفضِّلون قراءة النسخ المقرصنة من هذا الكتاب. وحتى في مجلة تيل كيل المغربية تعامل المرء بشكل أقرب إلى التحفّظ مع تقييم هذا الكتاب.

"الليدي دي في ثوب أمير مغربي"

ومن ناحية أخرى لا يتعيَّن على الملك في الواقع أن يخاف كثيرًا من هذه "اليوميات". إذ إنَّ حساسيات مؤلفها تصيب مصداقيَّته السياسية إلى حد كبير بالشلل. إذ يبدو هذا الكتاب كنوع من حديث "الليدي دي في ثوب أمير مغربي" - رجل من المفترض أن تُعيد له وسائل الإعلام ما يدين له القصر من اهتمام. وحتى أنَّه يستخدم في بعض الأحيان شائعات مثل تلك المتعلقة بقضية السياسي المعارض المهدي بن بركة الذي اغتيل عام 1965 في باريس. 

Marokkos König König Mohammed VI.; Foto: picture-alliance/dpa
Zwischen demokratischen Konzessionen und Scheinrefoemen: König Mohammed VI. spricht sich zwar selbst seine konstitutionelle Heiligkeit ab. Unantastbar aber ist er immer noch", schreibt Kaminski..

يلتزم المؤلف الصمت التام عندما يتعلق الأمر بالأوضاع المالية الخاصة بالقصر وكذلك الخاصة به. لكن في المقابل هناك العديد من الحكايات حول موضوع المال: مثل واحدة تدور أحداثها حول قيامه شخصيًا ذات مرة بمحاولة يائسة من أجل زيادة ميزانية دراسته المقدّمة من قبل الملك الحسن الثاني، وذلك من خلال سرقته الرمل من منزله على الشاطئ وتركه الشرطة تعيد شراءه؛ أو كيف كان الملك الحسن الثاني يريد في مرحلة من التقارب كسبه كشريك عمل، وذلك من خلال دفعه للأمير حصته البالغة خمسة ملايين دولار أرسلها له نقدًا في سيارة.

بيد أنَّ الأمير وجد هذا العمل مثل أعمال المافيا وأمر بإعادة السيارة بما فيها إلى الملك. ولكن مع ذلك فقد بقيت علاقته الصعبة وكذلك الانفعالية مع الملك الحسن الثاني قائمة حتى وفاته - واستمرت على ما يبدو حتى بعد ذلك، على الرغم من المحاولات العديد لقطع شريان هذه العلاقة. يحتوي كتاب "يوميات أمير منبوذ" على جزء كبير من بورتريهات خاصة للملك الحسن الثاني، وضمن هذا السياق يعرض صورة مناقضة للملك محمد السادس.

الخروج من كنف السلطة

إذا قرأنا هذا الكتاب على أنَّه محاولة يقوم بها رجل حاصل على تعليم عالٍ من أجل الخروج من ظلّ السلطة، فهو بالتأكيد كتاب مفيد. ولكن مع ذلك فإنَّ الأمير هشام العلوي يبدو في هذا العمل ساذجًا تقريبًا في صراحته. وأحيانا يثير ذلك شعورًا بالتقارب، ولكنه يثير في بعض الأحيان شعورًا بالدهشة والاستغراب.

يذكر الأمير هشام أنَّه عندما مدحه الممثّل الأعلى لدى منظمة الأمم المتحدة لكوسوفو، برنار كوشنير أمام مجلس الأمن في نيويورك في نهاية مهمته في كوسوفو، كان ذلك بالنسبة له "واحدة من أعظم لحظات" حياته: "للمرة لأولى شعرت بأنَّني مواطن عالمي ومفيد لأخوتي البشر".

ولكنه في المقابل باء بالفشل في أثناء مهمته إلى العراق. ففي فترة قصيرة من التعاون مع الملك الحسن الثاني، تولى مهمة اكتشاف إن كان العراق يمتلك أسلحة كيماوية. وكان حينها يدفع لمخبريه سيارات ولياليَ في فنادق فاخرة. ولكن في نهاية المطاف أصبح ذلك مكلفًا جدًا بالنسبة للملك.

من الصعب القول إن كانت هناك سخرية ذاتية تدخل في تصويره الأحداث. وذلك لأنَّ أسلوب الأمير هشام العلوي في الكتابة أحادي النمط يفتقر كثيرًا إلى التنوّع. فلو أنَّ كاتبًا مثل شكسبير قد اهتم بهذه المادة لكان من الممكن بالتأكيد أن تكون النتيجة مسرحية عظيمة.

 

أستريد كامينسكي

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

مولاي هشام العلوي: يوميات أمير منبوذ - المغرب غدًا "Journal d’un Prince Banni. Demain, le Maroc"، صدر عن دار نشر غراسيه Éditions Grasset، باريس 2014، في 362 صفحة.