"نظام الأسد أصل الإرهاب في سوريا..حان الوقت ليعامل الغرب الثوار كحلفاء حقيقيين"

في سوريا تؤدي الضربات الجوية المخطط لها من جانب واحد وغير المنسقة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى تحويل الأهالي إلى ضحايا، بدلا من جعلهم شركاء في الحرب على الإرهاب. الصحفية والخبيرة الألمانية كريستين هيلبيرغ ترى أن التحالف الدولي -من أجل أن يكسب السوريين إلى جانبه- عليه التعامل مع المتمردين والناشطين السوريين على أرض الواقع كحلفاء. وترى، في تعليقها التالي لموقع قنطرة، أن دعم الأكراد وعدم إهمال العرب وجعل السُّنة حلفاء وعدم نسيان أن الأسد هو أصل الإرهاب هو ما قد يحول الضربات الجوية العشوائية إلى استراتيجية مستدامة.

الكاتبة ، الكاتب: Kristin Helberg

في هذه الأيَّام في سوريا يخسر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتَّحدة الأمريكية ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي معركة حاسمة. ليست معركة كوباني، لا، بل إنَّه يخسر دعم السوريين - المدنيين والناشطين والمتمرِّدين. فبدلاً من منح الناس الشعور بأنَّ التحالف الدولي يساعدهم ويقتال إلى جانبهم، تقوم الولايات المتَّحدة الأمريكية بإلقاء القنابل حيثما يناسبها وتغلق عينيها عن معاناة الأهالي في أماكن أخرى.

وبدلاً من تنسيقها مع المقاتلين والناشطين على الأرض، من أجل تحديد الأهداف والمواقع العسكرية الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية، تقوم الولايات المتَّحدة الأمريكية بتدمير البنية التحتية، مثل مصافي النفط وصوامع الحبوب. وبدلاً من قيامها بتسليح المتمرِّدين المعتدلين الذين كثيرًا ما يتم ذكرهم (الجيش السوري الحرّ والأكراد) بأسلحة حديثة والعمل بمساعدتهم في الوقت نفسه من الجو وعلى الأرض ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية، فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية لا تُبلغ هؤلاء المتمرِّدين حتى حول أهداف ضرباتها الجوية.

تتم قيادة الحرب في سوريا ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية حتى الآن بشكل غير مقنِع ومن جانب واحد - ولهذا السبب فإنَّ هذه الحرب لا تعتبر غير فعَّالة وحسب، بل هي حرب ذات نتائج عكسية. فكلما ترسَّخ لدى الناس انطباع بأنَّ هذه الهجمات الجوية تعتبر في الواقع حربًا على الإسلام والمسلمين السُّنة -ولا تستثني الأسد وحسب بل هي حرب متَّفق عليها معه في السر- ازداد الإقبال على الإرهابيين.

سياسة الغرب الانتقائية تجاه سوريا

لماذا يرى الكثيرون من السوريين ذلك على هذا النحو؟ السبب بسيط للغاية: يمارس الأوروبيون والأمريكيون في سوريا سياسة انتقائية - فنحن في الغرب نرد على بعض الأشياء باشمئزاز وضجّة، بينما نرد على أشياء أخرى ببرود ولامبالاة وصمت - وهذا من ثلاثة جوانب.

Explosion in der Stadt Kobane nach einem IS-Selbstmordattentat am 20. Oktober 2014; Foto: Getty Images
Türkeis Außenminister Mevlut Cavusoglu gab die Erlaubnis an irakisch-kurdische Kämpfer, die syrische Grenze zu überqueren um in Kobane gegen die IS-Miliz zu kämpfen. Die Vereinigten Staaten sendeten Unterstützung in Form von Flugzeugen, beladen mit Waffen, Munition und medizinischen Hilfslieferungen.

أولاً: يجب علينا التمييز بين عنف الدولة والعنف غير الحكومي. فنحن لم نعد نلاحظ بالكاد عنف الدولة، أي عنف النظام، على الرغم من أنَّ معظم المدنيين يسقطون ضحايا لعنف النظام. ففي شهر أيلول/ سبتمبر 2014 بلغ عدد ضحايا النظام 1707 أشخاص ثلثهم من النساء والأطفال. وفي المتوسط يموت عشرة أطفال كلَّ يوم بقنابل الأسد.

غير أنَّنا ننظر فقط إلى ما يفعله تنظيم الدولة الإسلامية على أنَّه أمر "بشع" و"غير إنساني". من المفترض أنَّنا نخوض الحرب ضدَّ الإرهابيين "من أجل إنقاذ حياة الناس" - ولكن لا أحد يريد سماع أنَّ بإمكاننا في سوريا إنقاذ المزيد من الناس من خلال إيقاف إرهاب الأسد. مع أنَّ جرائم الدولة موثَّقة توثيقًا ذا مصداقية من قبل الناشطين وجماعات حقوق الإنسان المحلية وكذلك من قبل المنظمات غير الحكومية الدولية وهيئة الأمم المتَّحدة.

وعلى سبيل المثال فقط نذكر من هذه الجرائم في الوقت الراهن: استخدام غاز الكلور في جوبر والقنابل العنقودية في كلّ من محافظة حلب وحماة وإدلب ودرعا، وتجويع وقصف حي الوعر في حمص، والبراميل المتفجِّر في حلب وإطلاق الصواريخ على الغوطة الشرقية في ريف دمشق وكذلك في سراقب في إدلب. ومَنْ أراد فبمقدوره أن يشاهد كلَّ يوم تقريبًا كيف يتم سحب الأطفال الصغار المغطاة أجسادهم بالغبار من بين جبال الأنقاض - مرّة أمواتًا ومرة وهم أحياء. غير أنَّنا في الغرب لا نريد المشاهدة.

ثانيًا: نحن نعمل في المقام الأوَّل من أجل ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية، الذين ينتمون إلى أقليات دينية. عندما استولى الجهاديون (كان لا يزال اسمهم حينها "الدولة الإسلامية في العراق والشام") في صيف عام 2013 على مدينة الرقة السورية، مركز محافظة الرقة، وأسّسوا نظامهم الإرهابي هناك، لم يهتم لذلك أي شخص - ففي آخر المطاف أغلب مَنْ يعيشون في الرقة هم من السُّنة. ولم تكن حينها الإعدامات العلنية ورجم امرأتين والعقوبات البدنية الوحشية تكاد تستحق الذكر في نشرات الأخبار. وفقط عندما تم في شمال العراق إخراج المسيحيين من مدينة الموصل وهرب الإيزيديون إلى الجبال، اكتشف الغرب تنظيم الدولة الإسلامية.

سارعت الولايات المتَّحدة الأمريكية لمساعدة الأقليات الدينية في العراق، ولكنها لم تفعل ذلك من أجل الأغلبية السُّنية في سوريا. وفي حين كان العالم ينظر مذهولاً إلى جبل سنجار، ذبح تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور السورية سبعمائة فرد من أفراد عشيرة الشعيطات (السنية)، من بينهم الكثير من النساء والأطفال. ومرة أخرى لم يأبه أي أحد في الغرب بهذه المذبحة.

في سوريا يعتبر معظم ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية حتى الآن من السُّنة، وذلك لأنَّهم يشكِّلون أغلبية السكَّان في البلاد ويعيشون في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. ويزداد لدى هؤلاء الأشخاص الشعور بأنَّهم ضحايا من الدرجة الثانية بالنسبة للمجتمع الدولي.

US-Kampfjet F/A-18 Hornet auf dem US-Flugzeugträger USS George H.W. Bush im Persischen Golf; Foto: picture-alliance/dpa
استراتيجية عسكرية أمريكية مشبوهة - يزداد باستمرار المعارضون والناشطون والمقاتلون الذين يجدون أنفسهم مجبرين على انتقاد الهجمات الجوية الأمريكية، مثلما تكتب كريستين هيلبيرغ: فحتى الآن تصيب طائرات التحالف في الدرجة الأولى البنية التحتية مثل مصافي النفط وصوامع الحبوب، التي تعتبر بالنسبة للسوريين ضرورية للحياة.

ثالثًا: نحن نعزِّز الآن علاوة على ذلك بوعي أو من دون وعي الانقسام بين العرب والأكراد. فمنذ حصار كوباني يتحدَّث الجميع حول الأكراد. وهذا أمر جيِّد، لأنَّ الأكراد يشعرون وعن حقّ بأنَّ العالم قد نساهم وخانهم. سواء في عام 1920، عندما وعدهم الأوروبيون بدولة خاصة بهم ولم يتحقَّق أي شيء من ذلك، أو في عام 1962، عندما سحبت دمشق من عشرات الآلاف من الأكراد السوريين الجنسية السورية، أو في عام 2004، عندما تمرَّد الأكراد على نظام الأسد ولم يتضامن معهم أي أحد سوى بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان.

زيادة حجم انعدام الثقة المتنامي إلى كراهية واضحة

يزداد حجم انعدام الثقة بين العرب والأكراد منذ أعوام، والآن يتحوَّل إلى كراهية واضحة - هذه مأساة بالنسبة لسوريا. على الإنترنت يتساءل العرب السوريون، لماذا ينظر الجميع إلى معركة حزب الاتِّحاد الديمقراطي الكردي في كوباني ولا ينظرون إلى مقاومة مجموعات الثوَّار الأخرى ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية في كلّ من حلب ودير الزور والرقة. وفي هذا الصدد يقول عقيد من الجيش السوري الحرّ: لم يأتِ أي أحد لمساعدة مقاتليه، مع أنَّ الجيش السوري الحرّ يقاتل ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية "بالنيابة عن كلِّ العالم".

من وجهة النظر السورية يعتبر سلوك الولايات المتَّحدة الأمريكية غير مفهوم. فقد وصفت واشنطن رسميًا وحدات معيَّنة من الجيش السوري الحرّ كحلفاء في الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن في الواقع لا يتم التعامل معهم كحلفاء. إذ يتم إبلاغ الأسد حول الضربات الجوية، ولكن لا يتم إبلاغ الجيش السوري الحرّ. ولهذا السبب فإنَّ الأهالي ينظرون إلى المتمرِّدين على أنَّهم عملاء للغرب وخونة.

يزداد باستمرار المعارضون والناشطون والمقاتلون الذين يجدون أنفسهم مجبرين على انتقاد الهجمات الجوية الأمريكية، حتى لا يفقدوا الدعم من أبناء بلدهم. وحتى الآن تصيب طائرات التحالف في الدرجة الأولى البُنى التحتية مثل مصافي النفط وصوامع الحبوب، التي تعتبر بالنسبة للسوريين ضرورية للحياة، حتى وإن كان يسيطر عليها مؤقتًا تنظيم الدولة الإسلامية. وهكذا فقد تضاعفت في الرقة أسعار بعض السلع اليومية منذ الهجمات الأمريكية، مثلما يقول الناشطون، وكذلك يتضامن الناس هناك وعلى نحو متزايد مع "الدولة الإسلامية".

لكن على أية حال فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية تقوم الآن بإلقاء أسلحة من الجو لوحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتِّحاد الديمقراطي، المحاصرة في كوباني. وعلى الرغم من أنَّ هذا الحزب، شقيق حزب العمَّال الكردستاني، لا يتكوَّن من ديمقراطيين مثاليين ويضطهد كذلك أصحاب الآراء المخالفة، بيد أنَّ مَنْ يتحالف في الحرب ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية مع دولة مثل المملكة العربية السعودية، يتعيَّن عليه ألاَّ يكون شديد الحساسية مع حزب الاتِّحاد الديمقراطي أيضًا. ففي آخر المطاف هذا الحزب يقاتل منذ عام قتالاً فعَّالاً ضدَّ الجهاديين.

YPG-Kämpfer im syrischen Qamishli; Foto: Reuters/R. Said
يقاتل حزب الاتِّحاد الديمقراطي منذ عام قتالاً فعَّالاً ضدَّ جهاديِّي تنظيم "الدولة الإسلامية". وبما أنَّ هذا الحزب قد دخل في تحالف مع الجيش السوري الحرّ وتجاوز بذلك الحدود العرقية والدينية، فيجب أن تتم مكافأته - بحسب رأي كريستين هيلبيرغ - بالدعم الفوري وتزويده بالمال والسلاح.

خمس خطوات من أجل استراتيجية مستدامة

دعم الأكراد وعدم إهمال العرب وجعل السُّنة حلفاء وعدم نسيان أنَّ الأسد هو أصل الإرهاب - من هذه الاستنتاجات يمكن استخلاص خمس خطوات ضرورية، من الممكن أن تُحوِّل الضربات الجوِّية العشوائية إلى استراتيجية مستدامة.

أولاً: يجب الاتِّفاق على الضربات الجوية ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية مع الناشطين والمتمرِّدين على الأرض وكذلك جمع المعلومات حول الأهداف المناسبة. ثانيًا: يجب إشراك مجموعات الثوَّار السورية التي تم تحديدها بالفعل في الحرب ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك من خلال تزويدها بأسلحة حديثة، من أجل التقدُّم على الأرض ضدَّ الجهاديين. ثالثًا: سيكون من المستحسن ألاَّ تقوم الطائرات المقاتلة الأمريكية بإلقاء القنابل فقط، بل كذلك إلقاء المساعدة الإنسانية للمواطنين السوريين المحتاجين، الذين يعتبر الغرب في أمسِّ الحاجة إلى تعاطفهم.

رابعًا: إنَّ كلَّ مبادرة تتجاوز الحدود العرقية والدينية - مثل التحالف بين الجيش السوري الحرّ وحزب الاتِّحاد الديمقراطي الكردي في حلب - هي مبادرة تستحق الدعم الفوري بالمال والسلاح. إذ يجب أن يكون التفاهم مجديًا ومربحًا! لأنَّ الهدف هو توحيد السوريين وليس زيادة الانقسام بينهم.

وخامسًا: المناطق التي يتم إخراج تنظيم الدولة الإسلامية منها، يجب أن تتم حمايتها على المدى الطويل من غارات النظام بمنطقة حظر جوي، وذلك لكي يتمكَّن هناك المعارضون (العرب والأكراد) من بناء هياكل حكومية بديلة.

وفي سوريا بالذات يجب أن يراعي كلُّ عمل عسكري الأهالي ويأخذهم بعين الاعتبار، إذ إنَّ محاربة الإرهاب المخطط لها من جانب واحد وغير المنسَّقة لا تؤدِّي إلاَّ إلى دفعهم إلى أحضان تنظيم الدولة الإسلامية.

 

كريستين هيلبيرغ

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

عملت الصحفية كريستين هيلبيرغ منذ عام 2001 وحتى عام 2008 مراسلة صحفية حرّة في دمشق. صدر كتابها "سوريا - بؤرة توتر. نطرة في عمق بلد منغلق"، في شهر أيلول/ سبتمبر 2012 عن دار نشر هيردر، وفي طبعته الثانية المحدَّثة والموسَّعة في شهر شباط/ فبراير 2014.