حول الخلط بين العمليات الإرهابية، وبين الإسلام، وكيفية التصدي له

ما هي الاستراتيجيات التي على المسلمين في أوربا وعلى وسائل الإعلام الغربية وعلى الفرد في أوربا اتباعها بعد الإعتداءات في لندن وشرم الشيخ؟ تحليل الباحثة الإعلامية الألمانية سابينه شيفر

صبي يقرأ القرآن في جامع لندن، الصورة: أ ب
ما هو مستقبل الجالية الإسلامية في أروبا؟

​​.

إن العمليات الإرهابية المروّعة التي حدثت في لندن قد بينت على الأقل مسألتين، ألا وهما أن الإرهابيين والمتعصبين الذين يحتقرون البشر يستعملون العنف في كل مكان، وأن بينهم وبين ما يسمى بالإرهاب الإسلامي صلة ما.

وعلى الرغم من كثرة التصريحات البينة التي تصدرها السياسة البريطانية إلا أن الإعلام لا يزال يكرر ذكر الإرهاب "الإسلامي"، وعلاوة على صور المسلمين المصلين تُعرض التقارير التي تُبث عن العمليات الإرهابية مصحوبة بصور عن المتفجرات ومشكلة الإرهاب والخطر الذي يحيق بـ"المدنيين".

ومن ثم فإن المرء - إذا لم يتمكن من استيعاب العلاقات التقنية - لا يكاد يستطيع أن ينكر الصلة بين "الإسلام" كدافع وبين "الإرهاب". ويلاحظ المرء الآن وجود اتجاهين لا يمثلان إحباطا فقط، بل أيضا تشجيعا من أجل دفع عجلة التفاهم لأولئك الذين يضلوا الطريق في طموحاتهم.

في الخامس عشر من يوليو/تموز جاء في النشرة الإخبارية المسائية في القناة الأولى للتلفاز الألماني أن جميع المنظمات الإسلامية الهامة استنكرت كل أعمال العنف وطالبت أعضائها بالوقوف ضد التيارات التي تسعى إلى نشر الأفكار المتطرفة.

كما كان هناك توجيه ضمني بالتعاون مع السلطات من أجل ذلك. وقد كانت هذه إشارة ذات أثر فعال وحدثا جديدا، حيث تُبث مثل هذه الآراء في وقت البرامج الرئيسية، الشيء الذي كان في الغالب لا يلق اهتماما.

إزالة الفوارق

وقد كان لهذه الإشارة أثر على المسلمين وغير المسلمين على السواء وغطت على الفوارق المعنية هنا، لأنه بات من الواضح أن اهتمام الجميع ينصب في رفض التطرف بجميع أشكاله. وسوف تُزال تلك الفوارق المحسوسة إذا أتيح لهذه المنظمات أن تأخذ مكانها الصحيح مثل المنظمات الأخرى.

وإذا ما اتخذت موقفا وعبرت عن رأيها تجاه الموضوع كصوت من داخل ألمانيا فسيُظهر ذلك أنها من المنظمات الألمانية. ومما يؤسف أن النشرة الإخبارية لنفس القناة التي بثت بعد ساعتين عادت بنا إلى ما وراء هذا الإنجاز حيث أوردت – إلى جانب تلك التصريحات الرسمية – سلسلة من الصور المألوفة وربطتها بالنص، مثل أناس يصلون في المسجد أو امرأة تلبس النقاب وطرحت موضوع الإستعداد للعنف والمقدرة على التغلغل.

ومع أن عدد المتفرجين أمام التلفاز يكون قليلا في هذه الساعة، إلا أن الآثار التي تخلفها معاني الصور المعروضة على الشاشة لا يزال يستهان بها بشدة. هنا يجب بذل الكثير من الجهد وإيقاظ الشعور بالثقة الذاتية، لأنه سوف يتبين يوما ما أن التخمينات السيئة وغير المتروية التي تُستنتج من تقرير واقعي تؤدي إلى نتائج خادعة.

ونحن كجمهور ليس أمامنا إلا هذا، ولا نستطيع في الغالب سبر أغوار هذه الميكانيكية – خاصة إذا لم نكن معنيين – ومن ثم نستسلم لمثل هذه المشاهد المرعبة.

استغلال الرموز الدينية

وقد استمر الربط بين العنف والتأخر والأسلمة والراديكالية وما شابه ذلك وبين الرموز الإسلامية عقودا عديدة، وذلك خاصة بعد استيلاء آية الله خميني على السلطة في إيران. ويمكننا اعتبار الحجاب واللحية والصلاة والمساجد ضحية تلك البرامج، وهذا يفسر الأسباب المفتعلة في مسألة الجدال حول الحجاب.

ولعله إذا انعدمت المبالغة في أهمية هذه القطعة من القماش كرمز ديني لدى الإعلام والإسلاميين على حد سواء، لكان من المحتمل للسياسة أن تتعامل مع الموضوع دونما حساسية، مما يوضح أيضا السبب في إدراج كل من يظهر بصورة مسلم متدين إلى زاوية الإسلاميين على الفور.

والحق أنه لم تعد هناك زاوية خاصة بالإسلام بعد أن محاها جدلنا والأحاسيس الرافضة للدين عامة، تلك التي أصاب السيد أيدن خير الدين في تسميتها بالعلمانية. وكل هذا يدور في العقل الباطن، وله علاقة بالإعتقادات الباطنية غير الدقيقة، وهذا مما يجعل التغلب عليه صعبا.

وعلاوة على هذا فمن الملاحظ حاليا أن كثيرا من وسائل الإعلام تتكلم بلسان المتطرفين وتساهم في إحداث الفرقة في المجتمع من خلال التركيز على المشاهد غير العادية وما يثير الخوف. وهنا نجد أننا بحاجة إلى شعور بالثقة الذاتية، مما يتطلب وقتا طويلا.

ضرورة تفهم موقف الصحفيين

ولا يصح أن يتقهقر المرء ولا أن ينتظر حتى يصبح العالم مملوء بالعدل، قبل أن يكون كل فرد مستعد لأداء ما عليه من واجبات. ونحن، غير المسلمين - سواء كنا صحفيين أم لا - نحتاج أولا إلى المساعدة من جانب المسلمين في معرفة الفرق بينهم وبين المتطرفين الذين يرتادون المساجد أيضا.

وإذا ما تقصى المرء الحقائق، فإما أن يستمع لإجابات مسهبة أو لا يسمع إجابة البتة. وهذا يعني أن المسلمين إما أنهم يعرفون تماما الفرق بين الشتائم الهينة وبين المشاكل الخطيرة، أو أنهم لم يدركوا تماما الصعوبات التي يعيشها الصحفيون عندما يتعاملون مع أقوال معينة لبعض الأفراد.

وليس في استطاعة كل فرد أن يفهم ذلك على أنه رأي فردي وليس على سبيل التعميم. والأشياء التي تتفق مع ما يتوقعه المرء، يقل الإهتمام بنقدها تلقائيا، وتلق قبولا سريعا لأنها كانت قد ذكرت من ذي قبل.

وهنا بات من الضروري وضع حدود فاصلة من جانب من عليهم إعداد الموضوع للإعلام، وأيضا من جانب المسلمين المتضررين عامة. ولا يكفي أن تشير المنظمات الإسلامية إلى عدم شرعية تلك الأعمال، عندما يستند بعض الراديكاليين فعلا إلى مصادر إسلامية صريحة وينجحون بذلك في التأثير على الشباب المسلم المظلوم.

اليمين المتطرف

وهنا يمكننا أن نتعلم شيئا من شخصية المجرمين الذين قاموا بالعمليات المروعة التي كانت موجهة ضد الأجانب في روستوك ومولن وزولنغن بألمانيا في التسعينيات. وقد نفذ تلك العمليات شباب راديكالي كان يعتقد بأنه لزاما عليه أن يفعل ما يتقول به الآخرون، مثل:

"الأجانب المتطفلون" و"الأتراك الإرهابيون"، ويتحدثون أيضا عن كل هؤلاء الذين "يسلبونهم وظائفهم وأخيرا يبتزون الإعانة الإجتماعية". وبينما كان البالغون يناقشون المسألة في المقابلات المألوفة وفي الإعلام والبيوت ويذكرون المشاكل مع الآخرين، كان الشباب يشعر بأن عليه فعل شيئ من هذه الأفعال.

وهذه الظاهرة كثيرا ما يلاحظها المرء، حيث يتواجد أشخاص من السهل التأثير عليهم بفعل ما يقوله الآخرون. وهذا الخطر موجود دائما وفي كل مكان ويتطلب نظرة ناقدة من كل الأطراف، مثل البيت والمدرسة والإعلام.

وهنا أيضا تكمن وظيفة الأقلية المسلمة وبالضبط قدرتها - وهذه منفعة عامة تشمل أيضا الجماعة المسلمة - على كشف المحرضين. ولا يمكن أن نطالب من الإعلام "غير المسلم" ورجال السياسة "غير المسلمين" أن ينجحوا في وضع حد فاصل بين الإسلام والصحوة الإسلامية والتطرف، وهذه المهمة الصعبة تقع على عاتق المسلمين.

تحمّل المسؤولية

ولا يجب على الأقلية المسلمة أن تستسهل الأمر وتلقي اللوم على الآخرين، في البلقان أو تركيا أو الجزيرة العربية أو إيران أو باكستان. لا، إن الجميع مطالبون حقا بالمشاركة، لأنها مشكلة كل مجموعة داخل الأمة، ويتضح ذلك من أن المسلمين الألمان يشعرون بأنهم مطالبون "بالجهاد".

وإذا ما دقق أحد النظر واضطر لاثبات المشاكل- مثل مبررات الابتعاد عن الآخرين والعنف التي يسردها الشباب الناشئ في عالم إعلامي متضارب - فإنه سوف يرى الصعوبات التي تواجه الأطراف غير المعنية بهذه المسألة.

وللمرء أن يعيب فقدان الثقة بـ"المسلمين"، في حين أن زيادة الثقة قد تساعد على التعاون في الوقت الحاضر، ولن يفيد اللوم. إن من يفقد شجاعته بسبب تصريحات وزير مقاطعة بافاريا غونتر بيكشتاين أو من يتغافل الحوارات التي بدأت بالفعل، فسوف يكون قد أيّده في سياسته.

ولا بد هنا من تحد لتلك التصريحات ومواصلة الحوار بقدر الإمكان. إننا بحاجة إلى اتخاذ موقف صريح تجاه التصريحات المريبة، كما أننا بحاجة إلى أسئلة توضح التصريحات الإجمالية الغامضة.

إننا بحاجة إلى المزيد من الوعي للقيام بالأعمال السلمية، لا سيما في هذا العالم غير المتوازن. إننا لسنا بحاجة إلى المثالية أو الإطمئنان الخاطئ إلى الأمن، بل إلى مناقشة الآراء الفردية وعلى وجه الخصوص وضع الشباب في الإعتبار، الشباب المثقل حاليا بالبحث عن آفاق مستقبلية. وإذا انعدمت الآفاق المستقبلية، فسوف تكون العاقبة وخيمة، وهذا مما يعد موضع اهتمام الجميع.

سابينة شيفر
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع سابينة شيفر 2005

قنطرة

الإسلام في الإعلام الألماني
أصبح الإسلام منذ مقتل المخرج الهولندي فان كوخ محورا لاهتمام أجهزة الإعلام من جديد. ولكن من الملاحظ أن الكثير من التقارير عن المسلمين والإسلام تفتقد إلى الدقة في البحث وتتسم بعرض أنصاف الحقائق. تحليل سابينه شيفر.

أين الجوانب الإيجابية للاندماج؟
عندما يتطرق المرء إلى قضية ما غالباً ما يتم ذكر الجوانب السلبية والايجابية، ولكن الأمر يختلف بالنسبة لموضوع اندماج المهاجرين المسلمين في ألمانيا، إذ تركز وسائل الأعلام غالبا على الجانب السلبي فقط مما يثير حفيظة الخبراء