القدس....مدينة السلام وأنشودة الوئام

أنتج جوردي سافال ومونتسيرات فيغيراس، وهما مختصان بشؤون موسيقى القرون القديمة ألبوما موسيقيا يحكي التقاليد الموسيقية لمدينة القدس عبر العهود اليهودية والمسيحية والإسلامية. لويس غروب يعرفنا بهذا المشروع الموسيقي الرائد.

الصورة د.ب.ا
ألبوم "القدس مدينة السلامين" يصور تفاصيل الخلفية الموسيقية التاريخية للمدينة

​​ تشكّل مدينة القدس نقطة مرجعية مركزية للديانات التوحيدية الثلاث. لقد جعل الملك داود المدينة العاصمة السياسية والدينية لإسرائيل، فخلق مركزاً لليهودية داخل المنطقة وخارجها. وتُعتبر القدس مدينة مقدّسة للمسيحيين كونها مكان تعاليم المسيح الناصري ومكان صَلبه وقيامته. وفي هذه المدينة كذلك أعلن المسيحيون الأوائل عن ديانتهم. أما بالنسبة للمسلمين فتُعتبر المدينة تقليدياً ثالث أقدس بقعة في الإسلام بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد وجّه المسلمون صلواتهم نحو القدس قبل أن يوجهوا القبلة في صلاتهم باتجاه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.

وخلال تاريخها الذي يمتدّ عبر 4000 سنة، جرى تدمير المدينة ونهبها وسرقتها أكثر من 40 مرة. وتقدّم القدس اليوم، والتي كان من المفترض أن تشكّل رابطاً مشتركاً ذا تاريخ مشترك وقداسة للأديان الثلاثة، ولسوء الحظ صورة من الخلاف ونقطة نزاع لأناس لهم مطالب متناقضة في التأثير الديني. غير أن هذه المدينة تحمل بذور السلام في اسمها. فكلمة "أورشليم" العبرية يمكن ترجمتها لتعني مدينة السلامَين، مشيرة إلى السلام الدنيوي والسلام السماوي اللذين بشّر بهما أنبياء العهد القديم. سوف يُدرك من يملك قوة ملاحظة لغوية أن كلمة "شالوم" في اسم المدينة، وتعبير "سلام" المكافئ له بالعربية، كلاهما يعنيان الأمر نفسه: السلام.

مشروع "القدس مدينة السلامين"

صورة للقدس، عام 1493، الصورة ويكيبيديا
يتم افتتاح الحقبة المسيحية في ألبوم "القدس مدينة السلامين" بترنيمة قاتمة تأمّلية لمريم العذراء، تعود إلى الإمبراطور ليو السادس (886 – 912

​​

انطلاقاً من هذه الفكرة، أنتج جوردي سافال ومونتسيرات فيغيراس، وهما أخصائيان في موسيقى القرون القديمة وفنانان من أجل السلام حسب تسمية اليونسكو لعام 2008، مشروعاً موسيقياً غير معهود، "القدس مدينة السلامين". في هذا الألبوم الموسيقي الذي يرافقه كتاب يضم 400 صفحة تضع تفاصيل الخلفية الموسيقية التاريخية للمدينة، يستكشف الفنانان تقاليد موسيقية من عهود القدس المختلفة، اليهودية والمسيحية والعربية والعثمانية.

جمع سافال وفيغيراس، من أجل مشروع القدس الذي يرتكز على الحوار، موسيقيين يهود ومسلمين ومسيحيين من دول عديدة تركت آثاراً على تقاليد القدس الموسيقية عبر القرون: إسرائيل، فلسطين، اليونان، سوريا، أرمينيا، تركيا، انجلترا، فرنسا، إسبانيا وإيطاليا.

يبدأ القسم الخاص بـ "المدينة اليهودية" مع نشأتها وينتهي بدمار الهيكل على يد الرومان عام 70 ميلادي. ويتم تقديم هذا القسم موسيقياً عبر تشكيلة من أجمل مزامير الملك داود كما تم حفظها في التقاليد الموسيقية القديمة ليهود جنوب المغرب، مع مقطوعة للحاخام أكيبا من القرن الأول، وهو واحد من أهم آباء اليهودية الحاخامية.

يبدأ الجزء المسيحي بوصول الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الأول عام 326 ميلادي وينتهي عام 1244 ميلادي. يتم افتتاح هذه الحقبة بترنيمة قاتمة تأمّلية لمريم العذراء، تعود إلى الإمبراطور ليو السادس (886 – 912) وتنتهي بتوزيع جديد متواضع هادئ لترنيمة "السلام باسم الرب إلهنا". ومن بين المقاطع الأخرى في الجزء العربي من الألبوم، نسخة عن سورة الإسراء في القرآن، تصف في أغنية صعود النبي محمد (ص) إلى السموات من الحرم الشريف.

موسيقى بألحان تاريخية

غلاف الألبوم
ألبوم "القدس مدينة السلامين"....رحلة تاريخية في عوالم موسيقى مدينة القدس عبر أزمان وعهود دينية متعددة

​​ أكثر قطع الألبوم الموسيقية إثارة للمشاعر تسجيلاً تاريخياً لشلومو كاتز، وهو يهودي روماني الأصل. قبل إعدام كاتز في محرقة اوشويتز عام 1941، طلب الإذن بإنشاد الترنيمة "الله رحيم". سمح الضابط النازي المسؤول، بعد أن حرّكت مشاعره عظمة الموسيقى وعمقها وشدّتها، سمح لكاتز أن يهرب. في العام 1950 قام بتسجيل الأغنية كشهادة أزلية وترنيمة لضحايا أوشويتز. تصبح القطعة وثيقة موسيقية مدمّرة لدى معرفة تاريخها، حيث تنقل شعوراً مثيراً بالمأساة والرحمة بحد ذاتها.

"تصبح الموسيقى" حسب قول سافال، "الأسلوب الذي لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق حوار حقيقي عبر الثقافات وبين بني البشر في شعوب وديانات مختلفة جداً، والذين مع ذلك يتشاركون بلغة موسيقية وروحانية وجمال مشتركة." يشكّل ألبوم "القدس" لسافال وفيغيراس خليط ذكي من الأديان والثقافات. فكل أغنية وكل مجموعة من كلمات الأغاني تشكّل نقطة انطلاق محتملة لاستكشاف التاريخ المثير والتقاطع للشرق والغرب في العصور الوسطى، والنقاط التي تشترك فيها.

لويس غروب
مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

الموسيقار الفلسطيني عادل سلامة:
الحوار هو روح الفن!
"منذ صغري وأنا أستمع إلى موسيقى العود، فأمي كانت تغني وأبي كان يعشق الاستماع إلى فريد الأطرش. " عادل سلامة ملحن وعازف عود فلسطيني يقيم في أوروبا منذ عام 1990، أصدرعددا من الأعمال الموسيقية. ينتمي سلامة إلى الموسيقيين العرب الذين يتخذون من أوروبا مكانا لإيصال موسيقاهم إلى المتلقي العربي وغيره.عادل سلامة أيضا داعية فعال للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. صالح دياب أجرى معه الحوار التالي.

المطربة الفلسطينية ريم بنا:
الموسيقى والحفاظ على الهوية
تتحدّث معظم أغاني ريم بنّا عن معاناة الفلسطينيين - بشكل ملحّ وعاطفي وأحيانًا بصورة قاسية تبلغ حدّ الابتذال. تملك المطربة الفلسطينية ريم بنّا الكثير من المعجبين الفلسطينيين في إسرائيل وفي المناطق المحتلّة. ومع ذلك ظلت الى ما قبل فترة قصيرة غير معروفة تقريبًا على المستوى العالمي. ريم سجلت الآن ألبومها العالمي الأوّل "مرايا روحي". مارتينا صبرا تعرّفنا هنا على هذه الفنانة الفلسطينية.

ألبوم "سيوان" ليون بالكه وأمينه علوي:
روح الأندلس الحرة ورائحة الموسيقى العذبة
مقارنة مع أوروبا في العصور الوسطى كانت الفنون الإسلامية في إسبانيا تتمتع بقدر أكبر من الحرية. الألبوم الموسيقي "سيوان" يحتفي بموسيقى الأندلس وروحها ويؤكد أن الحضارة الإسلامية هي أحد أسس الثقافة الغربية، مثلما يبين ريتشارد ماركوس في هذه القراءة.