تحالف دولي هش ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"

أعادت مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" التقارب بين الشرق والغرب كعدو مشترك، ووحدت في الوقت نفسه كلمة العرب لا سيما وأن هناك خمس دول عربية مشاركة في الضربات الجوية ضد الجهاديين في سوريا والعراق. لكن هذا التحالف قد لا يصمد طويلا، كما ترى الصحفية الألمانية بيرغيت سفينسون من بغداد في تحليلها التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Svensson

لا يمكن أن يكون هناك تناقض أشدّ من هذا التناقض. ففي حين أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي يستخدم أفلام الرعب الحماسية من أجل جذب المقاتلين من جميع أنحاء العالم إلى الشرق الأوسط، تُروّج دول الخليج العربي باستخدام صور طيَّاريها من أجل محاربة الجهاديين: مقاتلون ملثّمون جميعهم من الرجال فقط، يواجهون جنودًا نظاميين مجهَّزين بأعلى التكنولوجيا.

"سيدة الحرية" والأمير السعودي

أرسلت المملكة العربية السعودية أميرًا إلى المعركة، بينما أرسلت دولة الإمارات العربية المتَّحدة امرأة جذَّابة، تظهر في صورة وهي جالسة في قمرة قيادة طائرتها مبتسمة ورافعة إبهامها في إشارة إلى أنَّ كلّ شيء سيسير على ما يرام. يطلق على هذه المرأة لقب "سيدة الحرية"، ولا يُقصد بهذا اللقب فقط تحرير المنطقة من تنظيم الدولة الإسلامية الإجرامي، بل يقصد به أيضًا تحرير المرأة التي تمت إعادتها في عهد الجهاديين إلى العصر الحجري. حيث يعتبر الحجاب على كامل الجسم، وقفَّازات اليدين السوداء وكذلك المعاطف الطويلة من التعليمات المفروضة على النساء في خلافة تنظيم الدولة الإسلامية. ومَنْ يخالف هذه التعليمات يتم قتله رميًا بالرصاص أو رجمًا مثلما يحدث في مدينة الموصل.

يمثّل كلّ من "سيدة الحرية" والأمير السعودي وكذلك الطيَّارين العرب الآخرين الظاهرين على صور الدعاية جزءًا من التحالف ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنَّهم يساندون الولايات المتَّحدة الأمريكية في ضرباتها الجوية في سوريا. وحتى النهاية لم يكن من المؤكّد إن كانت دولة قطر والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية والأردن ستشارك بالفعل في عملية مشتركة ضدّ هذه الميليشيا الإرهابية. فقد حاول وزير خارجية الولايات المتّحدة الأمريكية، جون كيري، طيلة أيَّام من دون كلل أو ملل كسب أكبر عدد ممكن من الدول لصالح هذا التحالف.

لم يجد جون كيري في محاولته هذه أية معارضة لدى الأوروبيين. إذ تشارك فرنسا منذ بداية شهر أيلول/ سبتمبر بطائرات مقاتلة في المعركة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، كذلك تشارك بريطانيا منذ نهاية شهر أيلول/ سبتمبر بالضربات الجوية - أيضًا في العراق. وبالإضافة إلى ذلك تقوم سبع دول غربية بإرسال الأسلحة، خاصة إلى الأكراد. وحتى ألمانيا تعدّ واحدة من هذه الدول.

US-Außenminister John Kerry am 11.09.2014 im Golfkooperationsrat in Jidda; Foto: AFP/Getty Images/Brendan Smialowski
Gemeinsam gegen den dschihadistischen Feind: US-Außenminister John Kerry drängt am 11.09.2014 die Mitglieder des Golfkooperationsrates zu Militärschlägen gegen den "Islamischen Staat" (IS) in Syrien.

ولكن الأهم من هذا هو وجود العرب مع الغرب في قارب واحد. فمن دون مشاركتهم يعتبر التغلب على تنظيم الدولة الإسلامية أمرًا مشكوكًا في نجاحه. والآن أكّد حتى المتحدّث باسم وزارة الخارجية السورية في دمشق أنَّ واشنطن أبلغت السفير السوري لدى الأمم المتّحدة حول الضربات الجوية في وقت مبكر وأنَّ دمشق مستعدة للتعاون. لم تكن الأمور ستسير بشكل أفضل بالنسبة لجون كيري. ولكن مع ذلك يتم في الوقت الراهن رفض التعاون مع بشار الأسد رفضًا تامًا من قبل جميع الأطراف.

نقطة تحوّل مهمة

تمثّل هذه المعركة ضدّ جماعة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي فوق الأراضي السورية نقطة تحوّل مهمة في صراعات الشرق الأوسط. ولذلك فإنَّ "الوحوش الإسلامويين"، مثلما وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، لا يرون أنفسهم فقط محاصرين من الناحية العسكرية. إذ إنَّ توسيع العمليات العسكرية إلى سوريا لم يعد يترك منذ الآن وصاعدًا أي "ملاذ آمن" لتنظيم الدولة الإسلامية.

فقد أضحت مهاجمتهم أمرًا ممكنًا في كلّ مكان. صحيح أنَّ رئاسة هذا التنظيم الإرهابي تسعى باستمرار إلى اتّخاذ التدابير والاحتياطات الضرورية من أجل تأمين أهم معدّاتها وأسلحتها ونقلها بعيدًا عن الهجمات الجوية. بيد أنَّ قصف مدينة الرقة التي تعدّ في الواقع عاصمة إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية من قبل طائرات الحلفاء يزيد من صعوبة التنسيق فيما بين مقاتلي هذا التنظيم.

ولكن في الواقع فإنَّ ما يمكن أن يحسب حسابه أكثر من ذلك هو التركيبة السياسية والنفسية المكوّنة لهذا التحالف الدولي. وذلك لأنَّ توجّه دول إسلامية عربية أيضًا ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية يعتبر أهم بكثير من مجرّد عملية عسكرية يقوم بها الغرب المكروه على أية حال من قبل العديد من المسلمين. فالأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون لن يثيروا وحدهم في المنطقة سوى المزيد من الكراهية، التي ازدادت على أية حال منذ الحرب الأخيرة على العراق في عام 2003. ومنذ ذلك الحين أصبح الشعار السائد هو الغرب ضدّ الشرق. وعلى هذا المنوال يعزف تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الإسلاموية المتطرّفة حتى يومنا هذا. ولكن هذه الشرعية أمست الآن أمرًا قد عفا عليه الزمن.

IS-Kämpfer in Raqqa; Foto: picture-alliance/AP
Gegenwind für die Dschihadisten aus der arabischen Staatengemeinschaft: "Der gemeinsame Feind heißt ab jetzt nicht mehr Israel, sondern IS."

"داعش" وحّد ما فرقته الثورات

غير أنَّ هذا التحالف الواسع ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لا يقرّب فقط بين الشرق والغرب من جديد، بل يعمل أيضًا على توحيد الدول العربية بالذات. وهذا هو في الواقع الأمر الجدير بالملاحظة. وذلك لأنَّ الثورات في بعض البلدان العربية قد فرّقت بين الشركاء السابقين. فقد شاركت قطر في العمليات العسكرية ضدّ معمر القذافي في ليبيا ودعمت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بالكثير من المال، ما أثار استياء المملكة العربية السعودية.

وكذلك لم تحظَ استضافة الدوحة لزعيم حركة حماس خالد مشعل بأي ترحيب أو استحسان في الرياض. لقد كانت قطر تندفع بكلّ قوّتها إلى الساحة الدولية. وكان لهذا العمل الانفرادي من طرف دولة قطر عواقب دبلوماسية: حيث سحبت دول الخليج الأخرى سفراءها من الدوحة. ولم يكن الخليجيون يتعاونون إلاَّ في سوريا فقط. وكان هناك شيوخ أثرياء من المملكة العربية السعودية وقطر والكويت يقدّمون المال إلى المتمرّدين من أجل شراء الأسلحة ضدّ نظام الأسد.

تم استغلال هذا "الدعم المالي" من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ظهر من داخل جبهة المتمرّدين وبدأ منذ ذلك الحين متابعة أهدافه الخاصة. واليوم نعرف ما يعنيه ذلك: حيث تم تأسيس دولة خلافة خاصة بهذا التنظيم. أمَّا أنَّ دول الخليج قد عملت ضمن هذا السياق على زيادة سرعة اشتعال الأوضاع، فهذا ما يمكن اتهامها به عن حقّ. وبما أنَّ دول الخليج باتت تخشى الآن من اندلاع حريق واسع، لن يبقى محصورًا في العراق وسوريا، بل من الممكن أيضًا ألاَّ يتوقّف أمام أبواب دول الخليج، فهذا ما دفع هذه الدول في نهاية المطاف إلى التعاون العسكري مع الولايات المتّحدة الأمريكية. ومنذ هذا الحين لم يعد اسم العدو المشترك إسرائيل، بل صار اسمه تنظيم الدولة الإسلامية.

جهاديون ملثَّمون وجنود نظاميون

لكن في الواقع من غير المعروف إلى متى ستبقى الحال على هذا النحو. فتذبذبات الحلفاء العرب وتحوّلاتهم معروفة خير معرفة في واشنطن. وكذلك يتساءل المرء في برلين حول استدامة المشاركة العربية. وفي حين أنّ استراتيجية السياسة الخارجية الألمانية تسير تمامًا على مسار الأمريكيين، تزداد الشكوك التي تفيد بأنَّ انحراف المملكة العربية السعودية ودولة قطر عن هذا المسار بعد الحدّ من توسُّع تنظيم الدولة الإسلامية ودحره سوف يكون أمرًا ممكنًا.

وعلى الرغم من أنَّ الجهاديين الملثَّمين باللون الأسود قد تجاوزوا في نظر دول الخليج كلّ الحدود، لكن هذه الدول تطبّق الإسلام هي الأخرى تطبيقًا أصوليًا صارمًا للغاية. إذ لا تزال الإعدامات العلنية في المملكة العربية السعودية من الأمور الشائعة. زد على ذلك أنَّ الوهابية المُطبَّقة هناك تتطابق في الكثير من النواحي مع ممارسات السلفيين، الذين خرج من صفوفهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية.

ولذلك من المثير أكثر للدهشة أنَّ دعاية دول الخليج من أجل الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية توحي بوجود انفتاح على العالم، بيد أنَّ هذا الانفتاح لا يزال في الحقيقة بعيدًا كلّ البعد عن الحياة اليومية هناك. ففي حين أنَّ "سيدة الحرية" تقود طائرة حربية مقاتلة ضدّ الجهاديين، لا يُسمح لها في المملكة العربية السعودية حتى بقيادة سيارة.

 

 

بيرغيت سفينسون

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014