بعيون الفن السابع...توثيق لنضال قرية بلعين السلمي وواقعها السريالي

يصور فيلم "خمس كاميرات مكسورة" للمخرجين الفلسطيني عماد برناط والاسرائيلي جاي دفيدي النضال السلمي لبلدة بلعين في الضفة الغربية ضد الجدار الفاصل ويوثق واقع الاحتلال وتداعياته على حياة الفلسطينيين اليومية. ابتسام عازم ترصد لموقع قنطرة من نيويورك ردود الفعل على عرض هذا الفيلم الذي حصد عدة جوائز عالمية مرموقة.



"نفذت التذاكر"، كُتب على شباك بيع التذاكر في سينما "فيلم فورم" في مدينة نيويورك لأحد العروض الافتتاحية للفيلم الوثائقي الفلسطيني "خمس كاميرات مكسورة" بحضور المخرجين الفلسطيني عماد برناط والاسرائيلي جاي دفيدي. وحتى هؤلاء، الذين اشتروا تذاكر مسبقة للعرض، وقفوا في الصف ليتمكنوا من الدخول قبل غيرهم ويختاروا المقاعد الأفضل، حيث التذاكر غير مرقمة في القاعة التي تتسع لمئتي مقعد تقريباً.

بدأ عماد برناط إبن مدينة بلعين التصوير عام 2005، ولم يكن يفكر آنذاك أن التصوير العائلي، الذي بدأه في البيت سرعان ما سيتحول ليصبح توثيقاً لكل ما يحدث في قرية بلعين، تلك البلدة الصغيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والتي إشتهرت بمقاومتها السلمية لبناء السلطات الإسرائيلية للجدار والمستوطنات على أراضيها، والتي أصبحت إستعارة لما يحدث في فلسطين عامة.

شهد عام 2005 ولادة جبريل، الابن الأصغر لعماد برناط، والذي يدور حوله جزء من أحداث الفيلم، الذي صور على مدار أكثر من خمس سنوات. وعماد الذي كان يعمل اساساً كمزارع وجد في التصوير ضالته بعدما إلتهم تخطيط الجدار أراضيه.

"كنت هاوياً في البداية، وبدأت أصور كل ما هو حولي. أصور عائلتي وأولادي وكل مرة يدخل فيها الجيش إلى البلدة. أصبحت مصور القرية وبدأت اعتاش من التصوير وبيع الصور لمحطات تلفزة مختلفة. وأصبحت هذه الكاميرا جزءً مني"، يقول عماد ابن 41 عاماً بنبرة صوت هادئة. هذا الجزء، أي الكاميرا، الذي كسر وضرب برصاص الجيش الإسرائيلي ونتيجته كانت "خمس كاميرات مكسورة"، هو عنوان الفيلم الذي يحاول إستعمال كسر الكاميرات الخمس كخيط يربط اجزائه المختلفة.

التصوير أولاً

الفيلم الفلسطيني الاسرائيلي
قرية بلعين الصغيرة تتحول رمزا للمقاومة السلمية: الفيلم الفلسطيني الاسرائيلي "خمس كاميرات مكسورة" يوثق واقع الاحتلال الاسرائيلس وتداعياته على حياة الفلسطينيين اليومية

​​

"عام 2009 قررت أن أقوم بإخراج فيلم من حوالي 700 ساعة تصوير كانت بحوزتي وأغلبها من تصويري وتوثق ما يدور في بلعين وكذلك فيها الكثير من لقطات لعائلتي. اتصلت بالمخرج الاسرائيلي جاي دفيدي، الذي تعرفت عليه من زياراته للقرية لكي نقوم بإخراج الفيلم سوياً"، يشرح لنا عماد نشأة فكرته لانتاج الفيلم حيث قرر بداية إخراج فيلم عن باسم أبو رحمة، وهو صديقه الذي قتل أمام عدسات الكاميرات، ويدور جزء من أحداث الفيلم حوله وحول أديب أبو رحمة الذي إعتقل واصيب أكثر من مرة كذلك.

توجه عماد الى المخرج الإسرائيلي جاي دفيدي والذي تعرف عليه عام 2005 حيث كان من نشطاء السلام الذين يدعمون النضال السلمي للقرية كما عاش فيها لأشهر ثلاث لعمل فيلم خاص به حول المياه.

 

فيلم "خمس كاميرات مكسورة"...مشروع سلام؟


أما عن السؤال، الذي طرحه أحد الحاضرين من الجمهور النيويوركي في مانهاتن، حول ما إذا كان هذا الفيلم والإخراج المشترك يجسدان "مشروع سلام" يقول جاي دفيدي: "لم نعمل مع بعضنا لأننا نريد أن نبني مشروع سلام. بل لأننا مقتنعان بهذه القضية والفكرة. في البداية ترددت في الانضماع للمشروع ولكن بعدما وافق عماد أن يكون الفيلم عنه وعن حياته وبعدما نظرت إلى المادة اقتنعت بأنه لدينا مادة قوية وشخصية جداً لعماد".

 

يصور الفيلم الإحتجاجات السلمية، التي تشهدها قرية بلعين ضد الجدار وكذلك المداهمات الليلية واعتقالات الأطفال والصراع مع المستوطنين والحياة اليومية في ظل الإحتلال بعيداً جزئياً عن عدسات التلفزة التي تغادر المكان بإنتهاء المسيرات السلمية والتي عادة ما تقام أيام الجمعة بدعم من ناشطين أجانب. كما يحتوي الفيلم على الكثير من اللحظات الهشة للحياة اليومية ومخاوف الأب، عماد برناط، وهو الراوي في الفيلم، الذي يرى إبنه جبريل يكبر وتكبر معه المستوطنات ويعلو الجدار.

واقع سريالي في قرية بلعين

 

مشهد من الفيلم في قرية بلعين، رمز المقاومة السلمية في فلسطين
المخرج الاسرائيلي جاي دفيدي يتوقع أن يثير الفيلم الكثير من الجدل في المجتمع الاسرائيلي عندما يعرض هذا الصيف ضمن فعاليات مهرجان السينما في القدس.

​​

ينجح الفيلم بشد المشاهد، حتى ذلك المتابع والعارف بالكثير من حيثيات الصراع. ويتنقل بين سرد ما يحدث في بيته ومع أطفاله ومراقبة الإبن جبريل وهو يكبر ويطرح الكثير من الأسئلة. ولا يخلو الفيلم من الكثير من اللقطات الساخرة والتي تبدو سريالية لو لم تكن واقعية ووثائقية. كأن يأتي الجيش في أحد الليالي إلى بيت عماد برناط ويطلب منه أن يتوقف عن التصوير وعندما يرد عماد بأن هذا بيته وأنه صحفي ومن حقه أن يصور داخل بيته يقول له الجندي إن هذا البيت منطقة عسكرية مغلقة، لكن هذا المشهد السريالي هو الواقع.


لا يحتوي الفيلم على الكثير من اللقطات الفنية التي نراها اليوم في عدد لا بأس به من الأفلام الوثائقية، ولكن يمكننا غض النظر، لأن عماد بدأ التصوير كهاوي وللضرورة. غير أن الفيم يبقى قوياً وينقل شحنة عاطفية تظهر الإحتلال ينشب أنيابه في أجساد الفلسطينيين وفي أراضيهم.

 

جوائز مرموقة وإقبال على العرض في نيويورك

لقي العرض في نيويورك إقبالاً، حيث خصصت سينما "فيلم فورم" له ست عروض يومية وعلى مدار أكثر من عشرة أيام. أما الأيام الخمس الأولى فشهدت عروض تخللها حضور المخرجين ونقاشات حول الفيلم مع الجمهور الأمريكي. وكانت بعض الصحف الأمريكية الصادرة في نيويورك كـ "نيويورك تايمز" ومجلة "تايم اوت نيويورك" والتي وصفته بأنه فيلم ”يفتح العيون ...ويتناول الكثير من الأمور والتفاصيل التي لم نسمعها عنها من قبل...“.


وشارك الفيلم في مهرجانات عديدة في أوربا والولايات المتحدة وحصد عدة جوائز من ضمنها جائزة مهرجان "ساندانس للسينما المستقلة"، الذي يقام في ولاية يوتاه غربي الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، إضافة إلى فوزه بجائزة الجمهور وجائزة التحكيم الخاصة في "مهرجان أمستردام العالمي للأفلام الوثائقية" في هولندا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.


لم يعرض الفيلم بعد في فلسطين أو في قاعات السينما الإسرائيلية. وتوقع جاي دفيدي أن يثير الفيلم الكثير من الجدل في المجتمع الاسرائيلي عندما يعرض هذا الصيف ضمن فعاليات مهرجان السينما في القدس.

 

ابتسام عازم /نيويورك
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2012