فيلم ''جيل قندوز''........رحلة واقعية داخل الشخصية الأفغانية

استطاع فيلم ''جيل قندوز'' للمخرج الألماني مارتن غيرنر أن يصور واقع حياة الناس في إقليم قندوز، حيث تشكل الحياة مزيجا بين حيوية الشباب ونشاطهم وتفاؤلهم من جهة، وبين واقع مرير في بلد مدمر من جهة أخرى. ماريان بريمر وعرض للفيلم الوثائقي "جيل قندوز".

الكاتبة ، الكاتب: Marian Brehmer



على الشاشة يظهر ميرويس. وميرويس هذا هو صبي صغير يعمل في تلميع الأحذية في مدينة قندوز. نتتبع ذا الأعوام العشرة عبر شوارع مدينته، التي لا نعرف عنها سوى القليل. أصبح ميرويس دليلا لنا، وفي نفس الوقت فتح لنا الفتى الصغير نافذة كبيرة كي نصحح نظترنا المحدودة حول ما نسمعه من أخبار الحرب. هنا نتعرف على منظور الطفل للأمور. يشرح لنا ميرويس حربا، لم يعد الكثير من الناس يفهمونها.

وببداهة تشبه تقريبا بداهة الخبير السياسي يروي الصبي حكايات عن الطائرات والموتى، وعن "الناتو أو مايشبه ذلك". بالنسبة للطفل، الذي لم يتبق من طفولته سوى النذر اليسير، فإن ما يجري في الخارج هي "حرب الآخرين"، وهذا هو العنوان الفرعي للفيلم من إخراج مارتن غيرنر. ويقول المخرج غيرنر عن فيلمه: "لقد فعلت أقصى ما يمكن فعله. لقد سافرت إلى الناس العاديين هناك". قوة الفيلم تكمن في حياديته؛ فلا يتم فيه التقييم ولا التعليق. أبطال الفيلم يتحدثون عن أنفسهم، محتلين كامل المساحة. أفكارهم وأمنياتهم هي كالخيط الأحمر الذي يسحبونه طوال الفيلم.

من النظرة الموضوعية الشاملة إلى النظرة الشخصية

مشهد من الفيلم
عبر هذا الفيلم تنتقل النظرة من عمومية شاملة إلى نظرة تتعرف على الأفغان كأفراد لهم شخصيات مستقلة: ميرويس أحد شخصيات فيلم "جيل قندوز" لمارتن غيرنر.

​​بالنسبة لمارتن غيرنر فإن هذه الطريقة تسمح برؤية الأفغان بنظرة شخصية، بدلا من النظرة الموضوعية الشاملة. وهذا ينجح بشكل رائع: على سبيل المثال، هناك منتجة الراديو الشابة، التي تحكي عن التقدم في مجال حقوق المرأة، والطالب حسيب، الذي يعمل كمتطوع في مراقبة الانتخابات في قندوز. يشكو حسيب، أثناء تناوله وجبة الإفطار، من ارتفاع الأسعار ومن ارتفاع معدلات البطالة بشكل سريع، رغم ملايين اليوروهات التي تدفقت إلى بلاده من الخارج. وفي المشهد التالي يعترف حسيب بأنه من محبي جاكي شان؛ فهو مكافح، كما يقول حسيب، يقاتل في نهاية المطاف بكل ما يتوفر بين يديه، حتى بالملاعق. هذا الاهتمام العبثي الواضح يضع أمامنا هذا الشاب الأفغاني على حقيقته، فهو يستمتع منتشيا بفنان يجيد أدوار القتال، تماما كما يستمتع به عشاق السينما في ألمانيا مثلا. فحسيب ليس مجرد ذلك الأفغاني الذي يعيش على خط المواجهة مع القوات الألمانية.

ثم يأتي المشهد في السيارة. يتحدث حسيب عن السيارات السريعة لحلف شمال الأطلسي، التي تصدم أحيانا سيارات الناس وتثير رعبا في أوساط السكان. الحديث عن الحرب هو موضوع حاضر دائم في النقاشات. مارتن غيرنر يعرف كيف ينقل للمشاهد ذلك التوتر الموجود بين الاعتيادية والصراع في حياة أبطاله. الأمر كذلك أيضا مع غلام وخطيرة، اللذان يصوران، وسط أتون الحرب، فيلما سينمائيا. يريد غلام أن يظهر للعالم بأن هناك شبابا في قندوز نجحوا في صنع فيلم سينمائي. وكان على خطيرة أن تتغلب على معارضة أسرتها، فقط لتتمكن في أخذ مكان لها وراء الكاميرا. وأحداث الفيلم الذي يصورانه تتمحور حول المواضيع الكبرى كالعائلة والحب.

نظرة ثاقبة على النفس الأفغانية

غلاف دعائي للفيلم
احتفل "جيل قندوز" بعرضه الأول في مهرجان الدولي للأفلام في مونتريال، وفاز بعدها بعدد من الجوائز كأفضل فيلم وثائقي.

​​في واحدة من أكثر مشاهد الفيلم غوصا في الحياة الخاصة تتحدث خطيرة مع المخرج حول الصعوبة التي تواجهها الفتاة في أفغانستان للعثور على شريك الحياة. تبتسم بخجل وتقول: "في الوقت الراهن يكاد يكون من المستحيل أن تعرف حقيقة الناس الواقعية. إنه أمر صعب جدا أن تثق بالآخرين. كل من فعل ذلك في السنوات الثلاثين الماضية، لم يحصد إلا خيبة الأمل. لذلك لم يعد هناك أي ثقة". لو افترضنا أن هناك شيء ما من قبيل النفس الأفغانية، فإن خير من يعطينا نظرة عما في داخلها هي خطيرة. كل من لديه بعض الاطلاع على الوضع في أفغانستان يعلم مقدار الصعوبة التي يواجهها من يريد إقناع النساء بإجراء مقابلات أمام الكاميرا. في مشهد آخر يصور غيرنر الشرطيات. يسأل النساء بلغة الداري، إن كن يحملن أسلحة أيضا. "كلا"، تجيب إحدى الشرطيات، لو حدث شيء ما، فإنهن أول من يصيبه ذلك. في وقت لاحق سمحت إحداهن لغيرنر أن يزور بيتها.

أفغانستان ليست بالأمر الجديد بالنسبة لمارتن غيرنر. فمنذ عام 2004 وهو يبث تقاريرا، كصحفي إذاعي، من هندوكوش. كما ساهم، كمدرب إعلامي، في تطوير الصحافة الأفغانية. ومن خلال معرفته لللغات المحلية، حاز على ثقة أبطال فيلمه الوثائقي. وهكذا، وعن طيب خاطر، فتح له الأشخاص اللذين التقاهم عوالم حياتهم الخاصة، الأمر الذي مكّن غيرنر من إلقاء نظرة عميقة، لم ينجح في الوصول إليها سوى عدد قليل جدا من الصحافيين الأجانب.

مخرج الفليلم مارتن غيرنر
"لقد فعلت أقصى ما يمكن فعله": وبدلا من التقييم والتعليق بفسح المخرج مارتن غيرنر المجال لأبطال فيلمه ليتحدثوا عن أنفسهم.

​​وكذلك الأمر يتم توثيق الانتكاسات: مذيعة الراديو الشابة لم تعد ترغب بالتحدث إلى المخرج، لأن خطيبها منعها من ذلك. وهي التي كانت قبل لحظات قد انتقدت واقع القضاء في أفغانستان بسبب هيمنة الرجال عليه. الواقع صعب؛ فعلى الطرف الأول تقف حيوية الشباب ونشاطهم. ولكن التفاؤل يصطدم مرارا وتكرارا بالواقع المرير في بلد مدمر. ومع هذا المزيج من الأمل واليأس، ينتهي الفيلم ويتم توديع المشاهدين، ليصبحوا أقرب إلى الواقع في أفغانستان بفضل الفيلم، الذي لم يقدم أي وثائقي تلفزيوني آخر حول منطقة هندوكوش ما قدمه "جيل قندوز".

ماريان بريمر
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012