فيلم ''الأطواق الذهبية''...رقص على إيقاع النظام الإيراني

يعرض فيلم "الأطواق الذهبية" الثورة الخضراء وما شملها من احتجاجات شعبية في ايران عام 2009 ضد إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد على أنها انطلقت بدعم من الغرب بمساعدة جواسيس تلاعبوا بعقول وعواطف المحتجين بهدف إسقاط النظام. الكاتب والصحفي الألماني شتيفان بوخِن يرى أن الفيلم لا يعدو عن كونه دعاية سياسية لطهران.

في ظل الصراع الحالي على برنامج إيران النووي، نسي الكثيرون الموجة الاحتجاجية أو "الحركة الخضراء"، التي انطلقت سنة 2009 اعتراضاً على انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لولاية ثانية. وباتت كلمات مثل "انتفاضة" أو "ثورة" تذكِّر أكثر بالربيع العربي الذي انطلق عام 2011 بدلاً من الصيف الإيراني الساخن عام 2009.

فقد خنق النظام الإيراني كل دعوات التغيير، ووضع قادة حركة الإصلاح قيد الإقامة الجبرية، إضافة إلى تشديد الرقابة على الصحافة والإنترنت والفن. أما السينما الإيرانية، التي فازت بجوائز النقاد في العديد من المهرجانات الدولية خلال السنوات الماضية ومثلت صوتاً إيرانياً معارضاً للنظام، فقد باتت مدمَّرة؛ في حين يحاول صناع الأفلام الإيرانيين الذين فروا إلى الخارج بناء كواليس وطنهم في المنفى، وبالتالي رواية "التاريخ الإيراني".

لكن ذلك يأتي على حساب الأصالة، لأنه لا توجد أية إمكانية لسينما مستقلة داخل إيران، خاصة وأن النظام منع مخرجين بارزين مثل جعفر بناهي ومحمد رسولوف من ممارسة عملهم.

عملاء ومتآمرون

وفي الوقت نفسه، قام النظام بإنتاج فيلم باهظ الثمن يهدف إلى احتكار التفسير للأحداث التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية عام 2009 والسيطرة على هذا المجال الفني في إيران، ولو تحت تهديد السلاح.

الرئيس الإيراني: أحمدي نجاد. غيتي إميجيس
الفيلم يصوّر الاحتجاجات على إعادة انتخاب أحمدي نجاد كمؤامرة غربية: "لقد أنتج النظام فيلماً باهظ الثمن يسيطر فيه على هذا الشكل من أشكال الفن ويحتكر تفسير الأحداث التي وقعت على هامش الانتخابات الرئاسية سنة 2009"، كما يرى شتيفان بوخِن.

​​الآلة الدعائية الحكومية مدحت فيلم "الأطواق الذهبية" لعبد القاسم طالبي، ووصفته بأنه "أهم فيلم سياسي في تاريخ السينما الإيرانية". وفي دُور السينما الإيرانية تُعرض مقاطع دعائية للفيلم منذ شهور، بالإضافة إلى توفر الفيلم حالياً على أسطوانات ليزر مدمجة. وإذا أراد المرء معرفة التاريخ الذي يريد النظام أن يرويه لشعبه، والذي أهداه عشرات الآلاف من التذاكر المجانية لحضور الفيلم، فلا يوجد مثال أفضل من ذلك.

تدور أحداث الفيلم حول "الثورة الخضراء"، وفيه يتم تصوير الاحتجاجات ليس على أنها حركة احتجاج عفوية شاركت فيها كل طبقات الشعب ضد الثقافة السياسية الشمولية في الجمهورية الإسلامية، وبالأخص ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد المثيرة للجدل، بل على أنها احتجاجات انطلقت بدعم من الغرب وبمساعدة جواسيس تلاعبوا بالمحتجين بهدف إشاعة الفوضى في البلاد وإسقاط النظام بالقوة.

وفي هذه الاحتجاجات، بحسب الفيلم، تولت بريطانيا المكروهة من النظام قيادة الاحتجاجات، بينما يظهر ضباط المخابرات ورجال الشرطة الإيرانيين وكأنهم لا يقمعون الشعب، بل وكأنهم يريدون إنقاذه.

الشرير في الفيلم هو عميل للمخابرات البريطانية (إم آي 6)، ومن وجهة نظر النظام فإن هذا العميل ذو الأصول الإيرانية يمثل "الشر" بكل معانيه، فهو ينحدر من عائلة لاجئة، و"والداه ضلّا الصراط المستقيم بالهروب إلى المنفى في أوروبا"، كما يُروَى للمشاهد، وبالتالي قرر الانضمام إلى حركة مجاهدي خلق المعارضين للنظام والمتعاونين مع عدو إيران اللدود صدام حسين. وبعد ذلك يقوم البريطانيون باستقطابه وتعليمه كيفية يقود أعداءَه في الاتجاه الذي يريده، بواسطة "أطواق ذهبية".

وفي أعقاب ذلك يتم تهريب هذا العميل إلى داخل إيران قُبيل الانتخابات الرئاسية، وهناك يتولى قيادة خلية سرية للغاية وعديمة الضمير تهدف إلى إسقاط النظام وتسعى لاستغلال المعركة الانتخابية بين أحمدي نجاد ومرشح الحركة الإصلاحية موسوي لخدمة أهدافها.

الجاسوس وأعوانه

وبعدما انتهت الانتخابات بفوز واضح لأحمدي نجاد، بحسب الفيلم، اندسّ العميل وأعوانه كمحرضين بين المتظاهرين، وقاموا بإلقاء القنابل الحارقة على السيارات والمباني، وبالتالي تحويل المظاهرات إلى موجة من العنف. وكشعار للهتافات، يقوم أعضاء الخلية بتبني كلمة "تغلب"، التي تعني بالفارسية "تزوير".

جانب من مظاهرات عام 2009 ضد ما يعتبره المحتجون تزويراً للانتخابات الرئاسية في إيران. أ ب
"المتظاهرون عبارة عن مجموعة من المضلَّلين الساذجين ذوي النوايا الحسنة، الذين سقطوا ضحية لخلية من العملاء الإمبرياليين". هذه هي رسالة الفيلم الدعائي الإيراني "الأطواق الذهبية"، كما يرى شتيفان بوخِن.

​​كما لا يخشى العملاء القتل في سبيل تحقيق هدفهم، إذ يقومون بإطلاق النار على امرأة من المتظاهرين كانت على اتصال بالسفارة البريطانية، وإلقاء اللوم على قوات الأمن التابعة للنظام، في تلميح لحادثة مقتل الطالبة نداء آغا سلطان، التي تحولت إلى شعار لـ"الثورة الخضراء" بعد أن انتشرت صورة جسدها المضرج بالدماء والممدد في أحد شوارع طهران في جميع أنحاء العالم في شهر يونيو سنة 2009، وتحولت إلى رمز لقمع حركة الاحتجاج الخضراء بالقوة من قبل النظام.

لكن الفيلم يقلب الأحداث ويصور المظاهرات الحاشدة على أنها نتيجة لخطة تجسس حاكها الغرب، والمتظاهرين على أنهم مجموعة من المضلَّلين الساذجين رغم نواياهم الحسنة، وقد سقطوا ضحية لخلية من جواسيس الإمبريالية.

وفي نهاية الفيلم، بالطبع، يتم اعتراض خطة الغرب من قبل بطل الفيلم، وهو موظف مثالي في جهاز مكافحة التجسس الإيراني، الذي يقوم بمطاردة عميل المخابرات البريطانية ودفعه للفرار، وفي نفس الوقت ينجح في تطهير جهاز المخابرات الإيراني من عملاء الغرب، وبالتالي وضع حد لكل الرعب.

إن الانقلاب المزعوم الذي خطط له جهاز المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) سنة 1953 للإطاحة برئيس الوزراء القومي مصدق مجرد أسطورة. وبناء على هذه الأسطورة التي تجذرت في وعي الإيرانيين، قامت الجمهورية الإسلامية بإنتاج فيلمها الدعائي.

ومن السخرية أن طريقة تصوير الفيلم تشبه أرخص الأفلام في هوليود في صخبها وحبكتها المباشرة، واحتوائها على كل الأحكام المسبقة. وبالتالي جاء هذا الفيلم نقيضاً للأفلام الإيرانية الناجحة دولياً، التي تروي الأحداث بهدوء وبكثير من المجاز، ولذلك يسعى أصحاب السلطة في إيران إلى دفنها.

في فيلم "الأطواق الذهبية"، يُظهِر الرئيس الإيراني السابق خاتمي، الذي تبنى سياسة إصلاحية، على أنه ألعوبة في يد الغرب. كما يتعلم المشاهد مخاطر استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي دون أية رقابة حكومية، ذلك أن عميل المخابرات البريطانية في الفيلم يبحث عن أعوان له ضمن أسوأ الأعداء في صفوف المعارضة الإيرانية في الخارج، وهم الموالون للشاه وأيضاً مجاهدو خلق.

"رجوي في كل مكان"​​

العميل رجوي المؤيد للملَكية وصديق إنكلترا يستمتع بوقته على متن يخته الفاخر في مضيق البوسفور وينسق من هناك خطط الانقلاب عبر هاتفه الخلوي، وذلك أثناء استمتاعه بالطعام الفاخر والنبيذ الذي تقدمه له امرأة غير متحجبة. وفي الفيلم أيضاً تظهر عميلة تذكر من خلال مظهرها وتصرفاتها بمريم رجوي، زعيمة مجاهدي خلق، التي أطلق عليها موالوها قبل سنوات في باريس لقب "رئيسة إيران". في الفيلم يتم تجنيد عدد من العناصر لنزع المصداقية عن الحركة الاحتجاجية التي قامت عام 2009.

الرئيس السوري بشار الأسد لن يتاح له إنتاج مثل هذا الفيلم لنشر وجهة نظر نظامه حول الانتفاضة السورية بين أفراد الشعب. أما أصحاب السلطة في إيران، فإنهم يقدمون نموذجاً عن الثقافة في ظل نظام دكتاتوري يقمع انتفاضة شعبية - ثقافة رمادية وضحلة وساخرة أكثر من أي وقت مضى.

حول هذا الفيلم يقول أحد المخرجين الإيرانيين في المنفى: "ما يثير الفزع هو أن الكثير من الأشخاص في إيران يصدقون رسالة الفيلم". لكن ليس الجميع، أو على الأقل ليس أولئك الذي نزلوا إلى الشوارع سنة 2009. ولا يجرؤ أمين حيائي، الذي لعب دور عميل المخابرات البريطانية في الفيلم، على النزول إلى تلك الشوارع دون أن يُنظَر إليه بعداوة.

فكثيرون من الإيرانيين غاضبون على أشهر نجم سينمائي وممثل في البلاد لأنه قبل المشاركة في مثل هذا الفيلم الدعائي. وفي هذا الخبر نوع من المواساة، لأن حركة الاحتجاج لا تبدو وكأنها خمدت بشكل تام.

 

شتيفان بوخن
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012