إسرائيل وفلسطين في كتاب قصص مصورة

يحتاج المرء في بعض الأحيان إلى كتاب قصص مصورة كي يضع بعض الكليشيهات الإعلامية موضع التساؤل. الصحافي جو ساكّو قام بذلك في كتابه المصور "فلسطين" الذي كتب إدوارد سعيد مقدمة له. بيترا تابلينغ اطلعت على الكتاب وتقدمه لنا

مشهد من الكتاب المصور

​​يحتاج المرء في بعض الأحيان إلى كتاب قصص مصورة كي يضع بعض الكليشيهات الإعلامية التي تختزل الأمور في لوني الأبيض والأسود موضع التساؤل. الصحافي جو ساكّو قد قام بذلك في كتابه المصور "فلسطين" الذي كتب إدوارد سعيد مقدمة له. بيترا تابلينغ اطلعت على الكتاب وتقدمه لنا

إسرائيل وفلسطين، هذا النزاع الذي لا يريد أن ينتهي وفقا للصورة التي تقدمها عنه وسائل الإعلام دوما، وفي أغلب الأحيان بطريقة سطحية. نادرا ما يقع التعرض للمصائر الفردية، ونادرا ما توجد تحقيقات عن الأوضاع التي يجد الفلسطينيون على وجه الخصوص أنفسهم مجبرين على العيش في ظلها.

الصحافي جو ساكو الذي ترعرع مغتذيا بدفق الصور الذي لا يتغير للإعلام التلفزيزني الأميركي قد غدا شيئا فشيئا على قناعة بأنّ هذه الأخيرة لم تكن لتنقل الحقيقة دوما بطريقة ذات مصداقيّة. ولكي يتقصى الحقيقة قام الصحافي الشاب سنة 1991 برحلة دامت عدة أشهر في إسرائيل وداخل الأراضي المحتلة حتى يتمكن من أن يكوّن لنفسه صورة عن الوضع. وفي مضمار البحث عن "الحقيقة الأخرى" نشأت تسع مجلدات مصورة نشرت الآن باللغة الألمانية تحت عنوان "فلسطين" عن دار 2001(Zweitausendeins) للنشر.

صور بالأبيض والأسود، لكن دون تفكير منمّط

صور بالأبيض والأسود لكنها لا تجاري التصنيف المتداول الذي يقسم الأطراف إلى خير وشر بتلك الطريقة التي لا ترى غير الأبيض والأسود. فلسطينيون عنيفون واستعمال الإرهاب من أجل الإرهاب؟

يلتقي ساكو بالعديد من الفلسطينيين الذين يقدمون له صورة عن ظروف حياتهم منذ بداية الانتفاضة. يطلعونه على مساكنهم وعن العالم الذي يجدون أنفسهم مجبرين على العيش داخله؛ مرعبون تحت وطأة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، مصدومون بوقائع الإيقافات وعمليات الإذلال في بلاد أصبح التدمير فيها وسلب الممتلكات واقعا يوميا.

يتحدث ساكو مع فلاحين فلسطينيين يحتاجون إلى ست تأشيرات من أجل أن ينقلوا بضاعتهم إلى السوق، يزور محلات تجارية ومخيمات لللاجئين في الضفة الغربية ويستمع إلى ضحايا عمليات التعذيب وإلى المناضلات من أجل حقوق المرأة والأمهات اللاتي يعشن الحداد ومدرسين ورجال شرطة وشبان وشابات. إنه عالم مجهول تماما جعله يشعر شخصيا بالتأثر، كما يقول ساكو.

وسيكون ذلك واضحا من خلال طريقته السردية: بشيء من المسافة والتشكك، وأحيانا ببرودة الصلف يستمع ساكو إلى قصص الأشخاص الذين يلتقي بهم. ثم يصور كل ذلك تماما بالطريقة التي يستمع بها وبكثير من الولع بالتفاصيل والجزئيات، وهذا وحده يجعل المرء لا يستشفّ فقط المقدرة الفنية لساكو بل أيضا ذلك الوله الذي تطور لديه تجاه الناس وقصص مسيرتهم الحياتية الخاصة.

كما أنه خلّد نفسه أيضا كشخصية رئيسية وبطريقة ساخرة: شاب باهت الحضور، نحيف وبنظارات ذات زجاج ثخين وشعر أسود أشعث يتسلل بين الوقائع والأماكن ويبدو كما لوكان يصطدم بالأحداث على سبيل الصدفة.

صحافة القصص المصورة: وسيلة إعلام جديرة بالاعتبار

ساكو من الأوائل، لكنه ليس الوحيد الذي يلتقط مواضيع سياسية ويعيد صياغتها بطريقة مدهشة وأخاذة عن طريق قصص مصورة. فقد سبق للأميركي سبيغلمان أن حاز في بداية التسعينات على جائزة بوليتزر الشهيرة عن طريق سلسلته المصورة "Maus". والإيرانية مرجان سترابي قد قدمت مؤخرا صورة ذات طابع شخصي حميم عن طفولتها في إيران عبر قصصها المصورة "برسيبوليس" منجزة بذلك صورة مجسدة عن التطورات السياسية في إيران قبل وبعد ثورة 1979. و في هذا الإطار غدا البعض يتحدث عن نوع صحافي جديد وهو "صحافة القصص المصورة ".

لقد كان ساكو مولعا بهذا النوع من الرسوم منذ طفولته، لكن التصور بأنه سيكون بإمكانه الربط في الآن ذاته بين مهنته المستقبلية كصحافي وهوايته لم يأت إلا في ما بعد وبمحض صدفة. فقد درس ساكو الصحافة ثم كان عليه من بعدها، كما صرح بذلك في حوار صحفي، " أن يتحمل سنتين بأكملهما من الضجر في تحرير مجلة خاصة بكتاب العدل."

نقيض جدير بالاعتبار

في عالم متخم بوسائل الإعلام وما تقدمه من صور مهزليّة فإنّ كتاب القصص المصورة "فلسطين" لساكو يعتبر نقيضا جديرا بالاعتبار، يقول الكاتب إدوارد سعيد في مقدمته للطبعة الألمانية الكاملة.

إن ساكو حسب سعيد قد اتخذ موقفا إلى جانب مهضومي الحقوق وقد جاءت قصصه المصورة تأكيدا لما كتبه شهود آخرون من قبله من أمثال أميرة هاس. إنه عمل، كما يقول سعيد "ذا أهمية فنية وسياسية وطاقة إبداعية خارقة للمألوف." ولقد كانت كتابات إدوراد سعيد بالنهاية هي التي استوحى منها ساكو مشروع بحثه دون أن يكون بإمكانه أن يتكهن آنذاك بأن الكاتب الفلسطيني الشهير سيكتب ذات يوم مقدمة مفصلة لكتابه المنجز.

في سنة 1996 حصل ساكو على جائزة الكتاب الأميركي للتحقيقات المصورة. وإلى اليوم ما تزال صور ساكو محتفظة بطراوتها الحدثية في زمن الانتفاضة الثانية أيضا: ففي إسرائيل وفلسطين لم يتغير شيء في مصائر الناس الذين ما زالوا يعانون من مضاعفات العنف.

بقلم بيترا تابلينغ، قنطرة 2004
ترجمة علي مصباح