تدخل الغرب المحدود لن يحد من وحشية لا تعرف الحدود

تؤكد الصحفية الألمانية كيرستن هلبيرغ في تعليقها التالي لموقع قنطرة على ضرورة تدخل الغرب تدخلاً عسكرياً حاسماً غير محدود في سوريا ودعم الثوار لتحقيق نصر حاسم على النظام والمتشددين وإلا فإن النتيجة ستكون حصد المزيد من أرواح السوريين قبل اجتماع الفرقاء على طاولة المفاوضات.

الكاتبة ، الكاتب: Kristin Helberg

ما الذي يجب أن يحصل أكثر؟ لماذا ننتظر؟ هناك نظام يدمر منذ عامين ونصف وبعنف لا متناه بلاده ويذبح شعبه، وكل ما يخطر على بالنا في ألمانيا هو التحذير لا شعورياً من حريق يعم المنطقة بأسرها وإشاعة الخوف من تنظيم القاعدة والمطالبة بحل سياسي. لكن الرغبة في التفاوض منعدمة، لدى السوريين وغير السوريين.

لقد أشعل الأسد منذ فترة الحريق الذي سيأتي على المنطقة، كما أعلنها، وإيران وحزب الله يقاتلان إلى جانب النظام، بينما تدعم السعودية وقطر وتركيا المعارضة. إلى جانب ذلك، يتدفق أعضاء فرع تنظيم القاعدة في العراق إلى سوريا دون انقطاع. لقد بدأت سيناريوهات الرعب تتحقق واحداً وراء الآخر في سوريا، وكل ذلك لأننا لا نحرك ساكناً ولأن المجتمع الدولي شلّه الخوف من هذه السيناريوهات.

لكن استخدام غاز الأعصاب على نطاق واسع على أعتاب مدينة دمشق شكل نداء إيقاظ للساسة الغربيين، الذين باتوا يعرفون بأن موت مئات الأطفال بالأسلحة الكيماوية موتاً فظيعاً ومنظرهم وهم يتلوون ويحاولون التقاط أنفاسهم ويرتعشون ارتعاشاً تتفطر له القلوب، إذا تُرك دون أي عواقب، فلن تخسر الأمم المتحدة وحدها مصداقيتها، بل وسيخسر العالم بأسره كل ذرة أخلاقية لديه.

إن العزم الذي تبديه واشنطن ولندن وباريس هو مجرد تمثيلية، وفي الحقيقة لا يرغب أي منهم في التورط في حرب، بل يريد فقط إرسال رسالة واضحة إلى الأسد. ولذلك سينتهي الأمر عند ضربات عسكرية محدودة لن تغير من ميزان القوى في البلاد، وهذا يختلف تماماً عن مفهوم "مسؤولية الحماية".

بعد هجوم بغاز الأعصاب في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب 2013، قُتِلَ أكثر من 1300 شخص على الأقل. الأسلحة الكيماوية محظورة منذ سنة 1925 من خلال اتفاقية جنيف التي تعتبر سوريا من الدول الموقعة عليه. لكن سوريا لم توقع على معاهدة الأسلحة الكيماوية لسنة 1992، والتي تنظّم التسليح الكيماوي.

ما هي العبر التي يمكننا استخلاصها بعد عامين ونصف من الثورة وعامين من الانتفاضة المسلحة وعام ونصف من الحرب بالوكالة؟ أولاً: إن وحشية نظام الأسد لا تعرف حدوداً. فالجيش والشبيحة مستعدون لارتكاب أية جريمة. ثانياً: كلما طال أمد الصراع، ازداد تطرف المعارضين للأسد. فالثوار السوريون يشعرون بأن الغرب قد تخلى عنهم ولذلك فهم مستعدون لقبول الدعم من المجموعات القريبة من تنظيم القاعدة، التي تمدهم بالسلاح والمال وتؤثر عليهم أيديولوجياً.

تدخل غير مُقنِع

ثالثاً: إن مجتمعاً بأكمله يزداد وحشية، إذ يتم ارتكاب جرائم وحشية على كافة الأصعدة وينزلق السوريون ببطء إلى حلقة مفرغة من الانتقام والمقابلة بالمثل. رابعاً: الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم الناشطون الذين خرجوا في بداية الثورة، فهم واقعون بين قنابل النظام وعنف الثوار والأوضاع المزرية بعد اتساع دائرة نفوذ الإسلامويين المتطرفين.

خامساً: إن الرابح الأكبر هم الجهاديون القادمون من خارج سوريا، الذين يعتبرونها ساحة قتال جديدة ومكاناً لنشر مفهومهم المتحجر عن الإسلام، والذين يهدفون إلى إقامة دولة إسلامية إقليمية، وهي أهداف لا تتفق وأهداف الثورة السورية.

أزمة إنسانية متصاعدة: يوجد أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري حتى الآن، منهم مليونان فقط مسجل حتى الآن لدى منظمة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. هؤلاء اللاجؤون يعيشون حالياً بشكل مؤقت في مخيمات مثل مخيم الزعتري في الأردن.

هذه العبر الخمس نستخدمها في الغرب كي نبرر عدم تدخلنا في سوريا، وبدلاً من ذلك نقوم بإرسال بعض المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى بعض البنادق الآلية والهواتف النقالة المزودة بكاميرات. كما سمحت الحكومة الألمانية باستقبال خمسة آلاف من أصل ستة ملايين لاجئ سوري! إضافة إلى إطلاق الولايات المتحدة وحلفائها بعض الصواريخ. وهذا كفيل بإراحة ضميرنا المثقل.

لكن المشكلة تكمن في أن هذا التدخل غير المُقنِع يزيد من حدة الصراع، ذلك أن جميع أطراف الصراع يتلقون دعماً من الخارج يمكّنهم من مواصلة الصراع، إلا أنه لا يمنحهم النصر.

ترى كيرستن هلبيرغ أنه "بدلاً من التدخل بأقل قدر ممكن، يتوجب على الغرب أن يتخذ موقفاً واضحاً".

لن يكون السوريون وحدهم قادرين على السيطرة على مسار هذه الحرب، ناهيك عن إنهائها بأنفسهم. فقد تحولت سوريا إلى مسرح لحرب دولية وإقليمية بالوكالة لن تنتهي بانتصار فريق على الآخر، ذلك أن العديد من الأطراف المتداخلة لها مصالح مختلفة. وبذلك سيتحول الصراع السوري إلى صراع دموي ينتهي به الأمر على طاولة المفاوضات. لكن قبل ذلك، يجب أن تشتد حدة الصراع للأسف، وليس فقط على حساب السوريين، بل على حساب كافة الأطراف المشاركة.

التصعيد سيجعل التفاوض حتمياً

حين تصبح أزمة اللاجئين والسيارات المفخخة وإطلاق الصواريخ واستخدام الغاز السام خطراً على المنطقة بأسرها، وعندما يخشى الجميع – من القدس إلى طهران ومن أنقرة إلى الرياض ومن موسكو إلى واشنطن – انعدام الاستقرار والأمن، فإن ضرورة المفاوضات والجاهزية لتقديم تنازلات ستصبح كبيرة بما فيه الكفاية لحل الأزمة السورية سياسياً. لكن قبل ذلك، ستكون كل دعوة إلى المحادثات بمثابة محاولة لكسب الوقت من أجل المزيد من القتل ولإرضاء الضمير.

وبدلاً من التدخل بأقل قدر ممكن، يجب على الغرب أن يعلن موقفاً واضحاً. ففي كل مكان بسوريا هناك أشخاص يحلمون بدولة ديمقراطية وحرة. وهناك آلاف الناشطين الذين يعملون يائسين من أجل تحقيق هذا الحلم. وفي المناطق التي سيطر عليها جهاديون من خارج سوريا، هناك من ينزل إلى الشوارع للتظاهر ضد مفاهيمهم وطرقهم المتطرفة.

لماذا تخلينا عن هؤلاء الأشخاص؟ لماذا نحكم على جميع السوريين بأنهم يسعون لإقامة خلافة إسلامية وطرد الأقليات؟ الأفكار المتطرفة تنتشر لأن المتطرفين يمتلكون اليد الطولى عسكرياً، بينما لا يحظى الثوار المعتدلون في الجيش السوري الحر بدعم كاف.

مقاتلو كتيبة حمزة: لقد تحول الصراع السوري منذ فترة طويلة إلى حرب مدوّلة تسعى فيها مجموعات متطرفة إلى إقامة دولة إسلامية. وفي هذا الصراع لا يقاتل الثوار السوريون ضد الجيش النظامي فقط، بل وضد مجموعات منتمية إلى تنظيم القاعدة وعناصر حزب الله اللبناني وغيره من المجموعات المحلية الإسلامية المتطرفة.

ضرورة تدخل حاسم من قبل الغرب

ما الذي يمكن فعله، إذاً؟ أفضل ما يمكن تحقيقه هو ما نتمناه، أي حماية المدنيين في شمال البلاد وجنوبها من خلال إقامة منطقة حظر للطيران، بالإضافة إلى تزويد الناشطين والثوار بكل ما يحتاجونه من أجل تحقيق نصر على النظام وحسم المواجهة مع الجهاديين المتطرفين. من الهراء القول بأنه لا يوجد شريك للغرب في سوريا، فعدم إيجاد شريك في سوريا هو ذنب الغرب. قد يكون صحيحاً أننا لا يمكن أن نكون متأكدين من أن الأسلحة لن تقع في الأيدي الخاطئة، لكن هذا الخطر مقبول في ظل البديل، المتمثل في دولة فاشلة تستخدمها القاعدة معقلاً لها.

إن إقامة منطقة حظر للطيران أمر مكلف ولا يحظى بشرعية دولية دون تفويض من الأمم المتحدة. لكنها تقترب مما نريده في سوريا. فهذه المناطق ستحمي المدنيين من القنابل التي يلقيها عليهم النظام وستشكل منطقة آمنة يلجأ إليها الفارون من منازلهم، علاوة على منحها اللاجئين في دول الجوار فرصة العودة إلى سوريا ومعارضي الأسد فرصة تنسيق المقاومة السياسية والعسكرية بشكل أكثر فعالية.

لقد احتملنا الوضع في سوريا لمدة عامين ونصف قدر الإمكان، والنتيجة كانت كارثة على المستوى الإنساني والسياسي والجيوستراتيجي. والآن نحن في حاجة إلى الشجاعة والتدخل الجاد على كافة الأصعدة كي لا يتحول حلم الحرية وحق تقرير المصير في سوريا إلى مسلسل لا ينتهي من القتل.

 

 

كيرستن هلبيرغ

ترجمة: ياسر أبو معيلق

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2013

 

عاشت الصحفية المستقلة كيرستن هلبيرغ منذ سنة 2001 وحتى 2009 في دمشق. صدر لها في العام الماضي كتاب بعنوان "سوريا: بؤرة توتر. نظرة في عمق بلد منغلق" عن دار هيردر للنشر.