حرب صعدة وصنعاء...تحالف "الشيطان" ومعركة رأس النظام

يبدو من النظرة الأولى أنَّ الحرب الأهلية في شمال اليمن هي حرب شيعية سنِّية تدور رحاها بالوكالة بين طرفين متنافسين وهما المملكة العربية السعودية وإيران. بيد أنَّ جبهات القتال ليست بهذه البساطة؛ فهذه الحرب تدور أيضًا من أجل السيطرة على السلطة في صنعاء. كلاوس هايماخ يلقي الضوء على هذه الحرب.

جندي يمني، الصورة: هايماخ
صراع غامض - منذ نحو شهرين تشهد الحرب الدائرة بين المتمرِّدين الشيعة والقوَّات الحكومية في محافظة صعدة دينامية جديدة

​​ عندما يتحدَّث الحكَّام في صنعاء حول المتمرِّدين في منطقة صعدة الحدودية التي تحدّ المملكة العربية السعودية، يبدو حديثهم وكأنما الشيطان هو الذي يقاتل شخصيًا هناك؛ مزوَّدًا بأسلحة من إيران، وعلى خطّ واحد مع إرهابيي تنظيم القاعدة، وضمن تحالف مع الاشتراكيين السابقين الذين يقاتلون من أجل الانفصال في جنوب اليمن - حيث يبدو أنَّ المتمرِّدين الشيعة يشكِّلون خطرًا لا يمكن تقدير عواقبه على الاستقرار والأمن في جنوب شبه الجزيرة العربية.

غير أنَّ الحكومة اليمنية لا تورد الأدلة التي تثبت وجود هذا التحالف الشيطاني الذي تدَّعيه. وحتى إنَّها لا تحاول على الإطلاق تقديم تفسير معقول لهذا التكاتف المزعوم بين الأصوليين السنَّة والشيعة والاشتراكيين السابقين.

تعتيم إعلامي شديد

كما أنَّها فرضت تعتيمًا إعلاميًا شديدًا على العمليات القتالية التي بدأت قبل خمسة أعوام في محافظة صعدة؛ إذ إنَّ الصحفيين الذين يتحدَّثون إلى قادة المتمرِّدين ينتهي بهم المطاف إلى السجن. ولهذا السبب يظلّ ما يريده المتمرِّدون والحكومة على حدّ سواء في شمال اليمن غير واضح. والشيء الوحيد الذي لا شكّ فيه هو أنَّ جذور هذا الصراع عميقة وتمتد إلى الماضي. وربما تمتد حتى إلى مطلع فترة الثمانينيات، وذلك عندما قامت المملكة العربية السعودية بإبعاد الفقيه السلفي، الشيخ مقبل بن هادي الوادعي عن أراضيها وإعادته إلى وطنه اليمن؛ إذ كان ذلك إشارة لإطلاق نشاطات الدعوة السلفية في محافظة صعدة اليمنية.

حرب صعداء، الصورة دويتشه فيله
منذ أن بدأت الحكومة هجومها السادس على المتمرِّدين الحوثيين تم قتل الكثير من المدنيين. وطبقًا لتقديرات الأمم المتَّحدة هرب نحو مائة وخمسون ألف شخص يمني نتيجة هذه الحرب

​​ وأغلبية السكَّان الذين يعيشون هناك من الشيعة الزيديين الذين يمتد نسبهم حتى النبي محمد - مثلما هي الحال مع قبيلة الحوثيين. وهم يشعرون بأنَّهم مضطهدون من قبل السنِّيين الأصوليين ومهملون من قبل الحكومة المركزية في صنعاء. وأخيرًا تصاعدت في العام 2004 احتجاجاتهم على زيادة الفقر والتنافس الديني وسياسة الحكومة اليمنية المؤيِّدة للولايات المتَّحدة الأميركية وتحوَّلت إلى معارك مسلحة. والرئيس اليمني علي عبد الله صالح يتَّهم المتمرِّدين بأنَّهم يسعون إلى إلغاء الجمهورية وإعادة تنصيب إمام على رأس الدولة، مثلما كانت الحال في السابق وحتى قيام الثورة التي قضت على حكم الزيديين في العام 1962.

شبح إيران

ويعترض يحيى الحوثي على ذلك بقوله: "نحن نريد فقط انتخابات حرة". ويحيى الحوثي الذي يبلغ عمره خمسين عامًا يعتبر الممثِّل السياسي للمتمرِّدين الحوثيين في المنفى، حيث يعيش الآن في ألمانيا. وشقيقه عبد الملك يقود المعارك التي تدور في المناطق الجبلية في محافظة صعدة - بأسلحة من إيران، مثلما يزعم الرئيس، علي عبد الله صالح.

ويقول الحوثي: "هذه مجرَّد دعاية"، ويضيف أنَّ "علي عبد الله صالح يُدخل إيران في هذه اللعبة من أجل إثارة المخاوف في الخارج. والنظام يواصل الحرب لأنَّه يريد بذلك الحصول على مساعدات خارجية والمال". وكذلك يرى غريغوري د. جونسن Gregory D. Johnsen، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة برنستون، أنَّ ذلك يعتبر "محاولة من قبل الحكومة اليمنية لوضع مشاكلها المحلية ضمن سياق أوسع". وهذا يمثِّل أيضًا دعوة من أجل كسب الاهتمام الدولي، مثلما كتب هذا الخبير في شؤون اليمن في مدوِّنته:

"اليمن يخشى من أن يتم إهماله ونسيانه، مثل باكستان وأفغانستان في فترة التسعينيات. وفي حين تقوم الحكومة اليمنية بربط الحوثيين بإيران أو بتنظيم القاعدة، فإنَّ هذه الحكومة تخلق لنفسها مجالاً أوسع من أجل محاربتهم - فهي تستطيع القول إنَّها تتصدَّى للتهديد الشيعي أو إنَّها تحارب تنظيم القاعدة".

وفي ذلك لا تشكِّل هذه الحرب في شمال البلاد على المدى البعيد الجبهة الوحيدة التي تقاتل عليها الحكومة في صنعاء. وعلى الرغم من أنَّ الرئيس علي عبد الله صالح نجح خلال حكمه منذ واحد وثلاثين عامًا في الحفاظ على تماسك البلاد أفضل من أي حاكم آخر في صنعاء، إلاَّ أنَّ سلطته تنهار.

خطر الانفصالات والإرهاب

خارطة اليمن، الصورة دويتشه فيله
تقع محافظة صعدة الشمالية على الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث تخوض القوَّات الحكومية والمتمرِّدون الشيعة منذ عدة أشهر قتالاً عنيفًا.

​​

وفي جنوب اليمن الذي كان اشتراكيًا في السابق تزداد الأصوات التي تدعو إلى إعادة الانفصال عن الشطر الشمالي المتفوِّق والأكثر قوة. وتنظيم القاعدة الذي كان يستخدم هذا البلد لفترة طويلة كمعقل ینسحب إليه، أعلن الآن وبصراحة عن استهدافه الأجانب والمنشآت والمؤسَّسات الغربية. ونظرًا إلى تضاؤل احتياطيات النفط وانخفاض الصادرات فإنَّ هذا البلد الفقير على وشك الانهيار من الناحية الاقتصادية.

ولهذا السبب ينظر الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جونسن، إلى هذه الحملة الجديدة في شمال اليمن أيضًا على أنَّها رسالة واضحة للمعارضة في عدن، ويقول: "الحكومة اليمنية تبيِّن بذلك أنَّها رسمت خطوطًا حمراء معيَّنة. وبدلاً من أن تتَّخذ إجراءات مباشرة ضدّ الجنوب، ترسل له من المقدِّمة طلقة تحذيرية قاتلة ومدوية".

الرئيس علي عبد الله صالح ، الصورة: ا.ب
حكومة الرئيس علي عبد الله صالح تتَّهم المتمرِّدين بأنَّهم يسعون إلى إقامة دولة ثيوقراطية شيعية

​​ غير أنَّ الآخرين يشكّون في ما إذا كان سيكون لهذا التحذير أثر فعَّال. فعلى الرغم من تلويحه بقوَّته العسكرية، إلاَّ أنَّ الرئيس علي عبد الله صالح لم يتمكَّن حتى الآن من هزيمة المتمرِّدين. ويقول الباحث في مجال العلوم السياسية، عبد الله الفقيه من جامعة صنعاء: "هذه الحرب تبيِّن بوضوح، كيف ستضطر الحكومة في النهاية للاستسلام. فالمتمرِّدون يسيطرون في الواقع على محافظة صعدة. والحكومة لا تستطيع فعل أي شيء ضدّهم".

وهكذا فإنَّ الغارات الجوية التي تشنَّها الحكومة وتؤدِّي إلى تدمير القرى وسقوط الكثير من الضحايا بين المدنيين، تدفع دائمًا بالكثيرين إلى تأييد المتمرِّدين. وطبقًا لتقديرات الأمم المتَّحدة فقد هرب نحو مائة وخمسين ألف شخص نتيجة هذه الحرب، في حين لم يقم أي أحد بإحصاء القتلى الذين تقدَّر أعدادهم بالآلاف.

ولم ينجح الطرفان من خلال اتِّفاقية السلام التي تم إبرامها قبل عامين بوساطة قطرية في إعادة بناء الثقة المفقودة بين الحوثيين والحكومة. والآن يطالب المتمرِّدون بإقالة الرئيس. ويقول يحيى الحوثي: "مع علي عبد الله صالح لن تكون هناك أي إصلاحات". ويضيف: "يجب أن يذهب". وبعد ذلك فقط ستكون البداية السياسية الجديدة ممكنة.

صعوبة توزيع مساعدات الإغاثة

يحيى الحوثي ، الصورة: دويتشه فيله
يحيى الحوثي الممثِّل السياسي للمتمرِّدين الحوثيين في المنفى يطالب باستقالة الرئيس صالح وبتجميد مساعدات التنمية لكي تكون هناك بداية سياسية جديدة في اليمن

​​ وهكذا يختلط الدين مع السياسة والقبلية والاحتجاجات الاجتماعية. ويعاني من ذلك المدنيون. وتعتبر منظمة الإغاثة الإسلامية واحدة من بين منظمات الإغاثة القليلة التي تحاول وعلى الرغم من العمليات القتالية توزيع المواد الغذائية والخيام والأدوية. ويقول خالد المولد، مدير منظمة الإغاثة الإسلامية في اليمن والذي يقوم لصالح برنامج الغذاء العالمي بتوزيع المواد الغذائية هناك: "من الصعب للغاية مواصلة العمل هنا".

ومنذ فترة طويلة لم يعد يدور القتال فقط في محافظة صعدة وحدها، بل كذلك في المحافظات الثلاثة المجاورة. ويقول خالد المولد: "هناك لاجئون في كلِّ مكان، والكثيرون منهم لا يحصلون على الماء والغذاء". ويضيف أنَّه لم يعد من الممكن تقريبًا التمييز بين المدنيين والمقاتلين، كما أنَّ العمل يزداد خطورة بالنسبة لعمَّال الإغاثة.

وفي بعض المناطق القبلية لم يعد الآن من الممكن تقديم أي مساعدة لأسباب أمنية - ولذلك يبقى المشرَّدون واللاجئون الذين فقدوا بيوتهم يواجهون مصيرهم من دون إعانات. ولا تبدو نهاية الحرب متوقَّعة. فقد أكَّد الرئيس علي عبد الله صالح في خطابه الذي ألقاه بمناسبة الاحتفالات بعيد الثورة في السادس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر قائلاً إنَّه لن يتراجع - "حتى لو استمرَّت المعركة خمس أو ست سنوات". وكذلك الحال مع المتمرِّدين المصمِّمين على مواصلة القتال؛ إذ يقول الحوثي: "شعبنا لا يدع أحدًا يقمعه". ويضيف أنَّ الزيديين قاوموا العثمانيين طيلة أربعمائة عام وكذلك "سيقاومون ويصمدون فترة أطول" في هذا الصراع.

ويقول الحوثي إنَّ ألمانيا التي تعدّ من أهم الدول التي تمنح مساعدات لليمن تشارك في تحمّل المسؤولية عن هذه الحرب، عندما تستمر في تقديم الدعم ومساعدات التنمية لعلي عبد الله صالح؛ ويضيف أنَّ "صالح يستخدم المساعدات من أجل قمع شعبه. أوقفوا مساعدات التنمية!" ولا يجوز استئناف تقديم المساعدات المالية، إلاَّ عندما يصبح اليمن دولة دستورية حرة وديمقراطية، حسب قوله: "وعندما لا يعد هناك ديكتاتور".

كلاوس هايماخ
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

يعمل كلاوس هايماخ صحفيًا حرًا في اليمن. صدر له العام الماضي كتاب بعنوان "صندوق بريد صنعاء" Post Box Sanaa.

قنطرة

الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن:
بلد على شفير الهاوية
المعارك المستعرة في شمال اليمن واحتجاجات الفقراء، بالإضافة إلى ظاهرة الزواج المبكر تلفت حاليًا أنظار وسائل الإعلام إلى هذا البلد الذي يبدو غير مستقر والذي يتَّجه منذ عهد ليس بقريب نحو التدهور. فيليب شفيرس من صنعاء في تحليل للأوضاع التي يعيشها اليمن.

حوار مع البرلماني اليمني المستقل أحمد سيف حاشد:
"البرلمان اليمني مظلة للفساد والمفسدين"
يؤكد النائب المستقل وعضو لجنة الحقوق والحريات في البرلمان اليمني؛ أحمد سيف حاشد، أن مستقبل اليمن ووحدته في خطر في ضوء الممارسات التي ينتهجها النظام اليمني وتفشي الفساد في كافة أجهزة الدولة وضعف النظام القضائي وغياب الدور الرقابي لمجلس النواب الذي يعد في كثير من الأحيان بوابة للفساد ومظلة للمفسدين. ساره ميرش حاورت البرلماني اليمني حاشد.

حرية الصحافة والإعلام في اليمن
"اليمن في حد ذاته كوكب من نوع خاص"
نادية السقاف رئيسة تحرير صحيفة "اليمن تايمز" اليومية المستقلة الصادرة باللغة الإنجليزية التي تأسست عام 1990 وتعتبر من الناشطات أيضا في مجال الدفاع عن حقوق المرأة اليمنية ومحاربة الفساد والدعوة إلى تعزيز مؤسسات المجتمع المدني. ألفريد هاكنسبرغر تحدث إلى الإعلامية السقاف حول الإعلام وحرية الصحافة، وكذلك أيضا حول ثقافة العشائر في اليمن.