"ميريت" - قبلة المثقفين في القاهرة وشبه مركز للثوار

رغم حداثة عمرها تعتبر دار ميريت أحد أهم دور نشر الأدب الجديد والطليعي في مصر، كما قامت الدار بدور مهم في دعم الحركات السياسية. وقبل أسابيع، ولقربها من ميدان التحرير، تحولت "ميريت" إلى ما يشبه "مركز قيادة ثورة 25 يناير".

دار نشر ميريت. الصورة: دويتشه فيله
ميريت - دار نشر شكلت مركزا لثوار 25 يناير

​​لا شيء يلفت النظر إلى البناية رقم ستة في شارع قصر النيل. عمارة عادية، تدهور بها الحال وترك عليها الزمن آثاره، مثل معظم عمارات هذا الشارع الذي كان في مطلع القرن العشرين يشكل قلب القاهرة الأنيقة الأوربية الطابع. لافتة صغيرة على باب البناية تشير إلى وجود دار "ميريت للنشر". بضع خطوات فحسب تفصل بين البناية وميدان التحرير، الذي ذاع صيته في العالم كله منذ الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني.

عندما تدخل إلى "ميريت" تستغرب أن هذه الدار – التي تقع في شقة صغيرة متواضعة في الطابق الأول من البناية - هي التي أحدثت هزة في سوق الكتاب وحرّكت كثيراً من مياه النشر الراكد في مصر في السنوات الأخيرة. علاء الأسواني وميرال الطحاوي ومنتصر القفاش وحمدي أبو جليل وإيمان مرسال وياسر عبد اللطيف وأحمد العايدي: هذه بضعة أسماء فحسب من الأسماء الكثيرة، التي نشرت أول أعمالها في هذه الدار، لينالوا فيما بعد الشهرة والتقدير والجوائز الأدبية.

محمد هاشم: نسيج وحده

محمد هاشم. الصورة: دويتشه فيله
محمد هاشم شخصية تزاوج السياسية بالثقافة والأدب

​​عندما تراه لا تفكر أنه ناشر. تستغرب أنه مدير هذه الدار المشهورة. يبدو محمد هاشم مثل موظف مطحون، لا يجد وقتاً لتناول الطعام، نحيفاً كأنه يعاني من الأنيميا؛ كما يبدو فوضوياً، قلقاً، كثير الحركة والكلام. ولا يتوقف المتعاملون معه عن الشكوى بسبب عدم التزامه بمواعيده، ولأنه يعدك في الغالب بما لا يفي به. ورغم ذلك تدهش من حب الكُتّاب له، وأنهم رغم كل المشاكل حريصون على النشر عنده، وأنهم وهم في قمة غضبهم منه، يسارعون إلى تقديم مخطوطاتهم الجديدة له. محمد هاشم، شخصية فريدة. إنه ناشر ثائر، وسياسي حتى النخاع. ربما تشهد داره نقاشات أكثر سخونة مما تشهده كل مراكز الأحزاب السياسية في مصر. وهو معارض دائم للحكومة والرئيس والفساد، ونصير قوي للمجتمع المدني والعلمانية في مصر.

أسس محمد هاشم دار ميريت عام 1998، حينها كان يبلغ من العمر 40 عاما. قبلها بنحو عشرين عاماً كان هاشم قد تعرض للملاحقة والسجن "بتهمة الشيوعية وقلب نظام الحكم وإهانة رئيس الجمهورية". كان ذلك أيام الرئيس الأسبق أنور السادات، وكان هاشم منخرطاً في الحركة الشيوعية المصرية. وبعد خروجه من السجن شهدت المنطقة أحداثا تاريخية مثل تدخل إسرائيل العسكري في لبنان ردا على عمليات منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982. وعلى إثر هذه الأحداث أصيب الشيوعي ب"اكتئاب"، وفق تعبيره، وقرر مغادرة مصر إلى الأردن. وفي عمان بدأ يعمل في مختلف المهن، كما شرع في كتابة قصص قصيرة.

"عدت إلى مصر في نهاية 1986"، يقول هاشم في حديثه إلى دويتشه فيله. "كنت مفلساً وآسفاً وحزيناً. كل ما جنيته في سنوات الغربة كان عدة محاولات فاشلة للانتحار." وبعد عودته عمل 12 عاماً في دار "المحروسة للنشر"، وفي عام 1998 قرر الانفصال عن الدار وتأسيس داره على اسم "ميريت"، تلك الأميرة الفرعونية الجميلة.

من "كفاية" إلى "ثورة 25 يناير"

"أول مرة نتظاهر ضد مبارك كان في 4 ديسمبر/كانون الأول عام 2004"، يقول هاشم متذكراً مولد حركة "كفاية". في ذلك اليوم تجمع نحو 300 كاتب ومثقف وسياسي من كافة التيارات الثقافية والسياسية والدينية، جمعهم مطلب واحد: أن يقولوا كفى لمبارك. "آنذاك هتفنا لأول مرة يسقط حسني مبارك". وقد انضمت للحركة شخصيات شهيرة، مثل الأديب بهاء طاهر والروائي علاء الأسواني والصحفي عبد الحليم قنديل والناشط السياسي جورج اسحق والفنان التشكيلي عادل السيوي.

محمد هاشم في مظاهرة. الصورة: دويتشه فيله
من حركة كفاية وُلدت حركة أخرى تحت شعار "أدباء وفنانون من أجل التغيير"

​​

ومن حركة كفاية وُلدت حركة أخرى تحت شعار "أدباء وفنانون من أجل التغيير"، التفت فيما بعد – في مطلع عام 2010 – حول محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد عودته إلى مصر. "في تلك الفترة قاومنا تدجين المثقف في عهد وزير الثقافة فاروق حسني. حركة "كفاية" كسرت حائط الخوف فسقط"، يقول هاشم. غير أن الحركة انحسرت وتآكلت من الداخل، ثم بدأت في الاحتضار منذ 2006، مفسحة المجال أمام حركة احتجاجات عمالية واسعة، أنجبت حركة شباب 6 أبريل في عام 2008.


"ميريت" - أكثر من مجرد دار نشر

دار ميريت. الصورة: دويتشه فيله
لم ينتهِ دور "ميريت" بتنحي الرئيس مبارك ورحيله عن القاهرة. ولا يزال عدد من المثقفين يجتمعون في دار "ميريت" لمناقشة مطالب المرحلة الانتقالية،

​​ويؤكد هاشم أنه "لولا حركة كفاية واعتصامات 2008 لما كان هذا التراكم، الذي أفرز ثورة 25 يناير". في تلك الثورة كانت "ميريت" منذ اليوم الأول ملتقى مهماً للثوار، بل أضحت "مركز قيادة الثورة"، مثلما يقول البعض مبتسماً. "هناك عوامل كثيرة لذلك"، يقول هاشم في تواضع، "ليس بينها شخصي".

ومن بين أهم تلك العوامل قرب الدار من قلب الأحداث في ميدان التحرير، كما أن الدار كانت منذ سنوات ملتقى كافة التيارات الفكرية والسياسية، بل إنها توصف بأنها تشكل محطة استقطاب مهمة للمثقفين في قلب القاهرة.

في تلك الأيام كان بعض الثوار يتناول طعامه وينام في "ميريت". الشقة كلها والممر الواقع أمامها تحولا إلى ما يشبه المخيم، كما أصبحت ميريت عنواناً يستقبل التبرعات والهبات للثوار، من بطاطين وأطعمة ومشروبات ومبالغ نقدية. "كانت تأتينا تبرعات من كافة التيارات، مثلاً من أحد الآباء الجزويت في القاهرة، وكذلك من لواء شرطة سابق كان طلبه الوحيد ألا أذكر اسمه".
ولم ينتهِ دور "ميريت" بتنحي الرئيس مبارك ورحيله عن القاهرة. ولا يزال عدد من المثقفين يجتمعون في دار "ميريت" لمناقشة مطالب المرحلة الانتقالية، ولوضع تصورات عن مستقبل مصر، وما زالت المظاهرات تخرج من الدار إلى ميدان التحرير، لإدانة "المذابح التي تحدث في ليبيا" وللمطالبة بحكومة جديدة "تخلو من وجوه أتباع النظام القديم وبإلغاء قانون الطوارئ والمادة رقم 2 من الدستور"، وكذلك للمطالبة بإقالة وزير الثقافة الجديد محمد الصاوي لأنه – على حسب وصف هاشم – "ليس مثقفاً بل رجل أعمال".


سمير جريس - القاهرة
مراجعة: شمس العياري
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011

قنطرة

مصر بعد مبارك:
"يجب على الغرب أن يتراجع عن سياسة النفاق"
دقت ساعة الحقيقة بالنسبة للجميع في مصر، وعلى الرغم من أن المشاكل الكبرى مازالت قائمة رغم رحيل مبارك، إلا أن ثورة ميدان التحرير من شأنها أن تؤسس لحقبة جديدة، والآن يتوجب على الغرب أن يدعم بقوة الديمقراطية الوليدة في الشرق الأوسط كما يقول الخبير المعروف رودولف شيميلي في هذا التعليق.

من ثورة الياسمين إلى ثورة النيل:
"العرب الجدد" وملامح المرحلة المقبلة
يرى الباحث في جامعة كامبردج والإعلامي المعروف خالد الحروب في هذه المقالة أن جوهر التغيير الذي جلبته ثورتا تونس ومصر يكمن في إعادة الشعوب ورأيها العام إلى قلب المعادلة السياسية، مؤكدا أن هذه التغيير غير مؤدلج قادته أجيال الشباب الذين تجاوزت علومهم وخبراتهم أجيال آبائهم وحكوماتهم الشائخة التي لا تدرك أساساً كيف يفكر هؤلاء الشباب وما هي طموحاتهم.

الدين والسياسة في الثورة المصرية:
"يجب على واشنطن أن تفهم الدور البنّاء للدين في مصر"
ترى داليا مجاهد المديرة التنفيذية لمركز غالوب للدراسات الإسلامية أن انخفاض معدل التسامح مع الظلم والذي ولد في بعض الحالات من رحم الصحوة الدينية وفر الوقود للثورة المصرية، مؤكدة أن المصريين يفضلون الديمقراطية على كافة أشكال الحكم مع اعتقادهم في الوقت ذاته بأن الدين يلعب دوراً إيجابياً في السياسة.