الثورات العربية نقطة تحول في مسار الحركة الحقوقية النسوية

رغم مظاهر النكوص التي شهدتها الحركات الحقوقية النسوية في بلدان الثورات العربية، إلا أن نشاطات التنسيق والتعاون العابر للأقاليم العربية لمست تحسنا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة. الألمانية يوليانه ميتسكر تطلع موقع قنطرة على كيف أنّ الانتفاضات شكلت منعطفاً في مسار الحركة الحقوقية النسوية العربية.

الكاتبة ، الكاتب: Juliane Metzker

وضعت الثورات العربية الأخيرة المنظمات النسائية الحقوقية أمام تحد كبير يتمثل في رفع مطلبي المساواة والديمقراطية السياسية في آن واحد. وقد توصلت الجمعية غير الحكومية "كرامة" التي مقرها في القاهرة إلى تأسيس أرضية تمكن العناصر الناشطة في مختلف بلدان المنطقة من تبادل التجارب والآراء.

كانت الناشطة حباق عثمان، الصومالية الأصل، قد أسست هذه الجمعية سنة 2005 . "أدركنا أن النساء قد تم إقصاؤهن إلى مواقع مهملة في المجتمع، لأنهن ما زِلن يقاسين من التمييز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ووضع حد لهذا النوع من الاضطهاد البنيوي هي المهمة التي وضعتها "كرامة" على عاتقها، كما توضح حباق عثمان.

منذ تأسيسها وسّعَت الجمعية شبكة نشاطها وما فتئت تساند حركات نسائية في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية. وتقدم الجمعية هناك مساعدتها لمجموعات تشمل نشاطاتها من بينها العمل على تفعيل الإجراءات التشريعية. غالبا ما يبدأ التعاون بدعوة الناشطات إلى القاهرة. وهكذا تأسست عل سبيل المثال منتديات المرأة السورية، والليبية واليمنية، والتي تضم في صفوفها ناشطين حقوقيين من الرجال أيضا.

الثورات العربية...منعطف في مسار الحركة الحقوقية النسوية

"فتحت الثورات التي اندلعت في البلدان العربية أفق إمكانيات جديدة عديدة للمرأة. ومنذ فترة من الزمن قبل اندلاع الثورات كانت للنساء تجارب في أشكال متنوعة من الاحتجاج وأصبحن عارفات بالطريقة التي يطرحن بها مطالبهن. فكفاحهن مستمر بشكل أطول من كفاح المجتمع عامة"، بحسب ملاحظة حباقي عثمان في حديثها عن دور المرأة في الثورات العربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. "الحكومات التي تم لها الاستقرار في الحكم منذ سنوات لها نزوع إلى مزيد من الجمود والإقصاء في تعاملها مع وضع القوانين. ومن خلال الثورات الحالية نشأت حركية جديدة، وهو ما يمنح فرصة للمرأة كي تنخرط في السعي إلى تحقيق مطالبها".

Hibaaq Osman, Gründerin der Nichtregierungsorganisation "Karama"; Foto: Karama
"فتحت الثورات التي اندلعت في البلدان العربية أفق إمكانيات جديدة عديدة للمرأة"، الناشطة حباق عثمان.

إلا أن الطريق لا تزال طويلة أمام الناشطات داخل البلدان التي تعصف بها حركة التغيرات حتى يرين حقوقهن مجسدة في قوانين مكتوبة وفي الممارسة العملية. وهذا الأمر تدركه جيدا الناشطات في صفوف "منبر المرأة الليبية من أجل السلام".

فقبل ثلاث سنوات بدأ عمل التعاون بين المجموعات الحقوقية النسائية الليبية و جمعية "كرامة"، وقد اجتمعت آنذاك 25 ناشطة من بينهن أكاديميات وعاملات في المجال الصحفي من مختلف الجهات للالتقاء في القاهرة. وقد نشأ عن ذلك اللقاء تكوين شبكة ذات تأثير فعال، "تشجع وتطالب بإشراك المرأة في مسارات اتخاذ القرارات السياسية بالبلاد"، كما تصرح زهرة لنقي رئيسة "منبر المرأة الليبية من أجل السلام".

وقد مكنت نشاطات الحركة من أن تحصل النساء الليبيات، عن طريق الانتخابات الديمقراطية الأولى التي عرفتها البلاد بعد 52 سنة، على 33 مقعدا في المؤتمر الوطني العام، السلطة التشريعية العليا للبلاد. إلا أنهن، وإلى اليوم ما زِلنَ لا يتمتعن إلا بتأثير سياسي ضعيف مع ذلك. "والبعض منهن يتلقين التهديدات من نواب في المجلس لهم علاقات بالتنظيمات المتشددة، ويجدن أنفسهن مقصيات من الجدال السياسي"، كما تعتقد لنقي.

"أوضاع أسوأ مما كانت عليه تحت حكم القذافي"

يتدخل "منبر المرأة الليبية من أجل السلام"  اليوم بقوة  من أجل تجريد الميليشيات من الأسلحة وتسريح أعضائها من العمل العسكري، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في الحياة الاجتماعية المدنية، وذلك بهدف إعادة تركيز الاستقرار الأمنى في البلاد. "إن الأوضاع غدت أسوأ اليوم مما كانت عليه تحت حكم القذافي: نساء يتم اختطافهن بانتظام، والمجال العمومي قد أصبح غير آمن بالنسبة إليهن"، كما تقول لنقي. بل إن النساء أصبحن، أمام تكاثر عدد المتشددين في ليبيا، يخشين حتى على ذلك الجزء من الحقوق اللاتي كانت لهن في عهد نظام القذافي. "إننا نريد تأسيس السلام، ولذلك نرى أنه لابد أن تصادر الأسلحة فوق كامل تراب البلاد"، تضيف لنقي.

Im November 2011 organisierte Karama und die LWPP ein Seminar zu Frauen in politischen Entscheidungsprozessen im Corinthia Hotel in Tripoli; Foto: Dominique Margot
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 نظمت منظمة "كرامة" في العاصمة الليبية طرابلس ورشة عمل لمشاركة النساء في عملية صناعة القرار السياسي، شاركت فيها أكاديميات وناشطات نسوية وممثلات عن المجتمع المدني.

وإلى اليوم مازالت مواضيع مما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة من المسائل التي لا يأتي ذكرها في جلسات المؤتمر الوطني العام، وهو ما يجعل لنْقي ترى الآن أن هناك تقصيراً قد شاب عمل "منبر المرأة الليبية من أجل السلام" عندما ركز سنة 2011 أكثر مما ينبغي على إعداد القانون الانتخابي.

على نحو مختلف تطرح المسألة نفسها في سوريا: فهناك يتركز اهتمام "منتدى المرأة السورية من أجل السلام" على المطالبة بتطبيق المعاهدات الدولية حول حقوق المرأة، ذلك أن سوريا قد وقعت هي أيضا على "اتفاقيات الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" أو ما يعرف بـمختصر CEDAW. وضمن هذا الإطار يتابع المنتدى مراقبة سياسة تطبيق المساواة داخل البلاد. "إنْ لم يتم تدعيم وضع المرأة في المجتمع، فإنه لن يكون هناك مسار ديمقراطي": تلك هي القناعة الراسخة لمنى غانم رئيسة الجمعية السورية للشؤون العائلية سابقا والعضو المنسق داخل منتدى المرأة السورية من أجل السلام، التي تتخذ مقرا لها في دمشق.

 نشاط حقوقي نسائي في ظل الحرب

بالرغم من الحرب المتواصلة منذ ثلاث سنوات ظل "منتدى المرأة السورية من أجل السلام" متمسكا بضرورة مواصلة عمله. "أعتقد ألا أحد يستطيع من خارج سوريا أن يفهم حقيقا الوضع الذي تعيشه البلاد. ولا يمكن للمرء وهو في الخارج أن يكون على ثقة من أنه يقدم دعمه للجهة الصحيحة. لذلك يجب علينا أن نقوم بعملنا هنا"، كما توضح منى غانم.

Logo der Frauenrechtsorganisation "Karama"
منظمة "كرامة" هي منظمة غير حكومية مقرها في مصر تعمل على النضال لوضع حد للعنف ضد النساء. وللمنظمة مكاتبها في لبنان وسوريا والأردن والبلدان المغاربية.

خلال سنة 2011 كانت هذه النقطة بالذات محل خلافات وآراء عديدة، فقد اتجه عدد كبير من الناشطات في البداية نحو فكرة مساندة المعارضة في حركتها الاحتجاجية ضد النظام. وكان لابد أن ننتظر سنة 2011 حتى نراهن يقتنعن أخيرا بأن مصالح المرأة السورية هي التي ينبغي أن تحتل مقدمة اهتمامات الناشطات. ومنذ ذلك الوقت أصبح محور النقاش لديهن يدور حول مواضيع مثل المساواة بين الجنسين والمعاهدات الدولية لحقوق المرأة. كما اتجهن إضافة إلى ذلك إلى تقديم حصص للتكوين المستمر للفتيات من النساء على وجه الخصوص واللاتي مازلن في بداية مسارهن في مجال الحياة المهنية. وأصبحت فعاليات المنتدى تضم نساء يأتين إليها من حلب واللاذقية وحمص ودرعا ومدن سورية أخرى كثيرة. ومن خلال التعاون مع جمعية "كرامة" استطاع المنتدى بكل تأكيد أن يتعلم الكثير من تجارب الحركات النسائية في ليبيا، وفي اليمن أيضا.

تهديدات من طرف المتشددين

في اليمن تجد الحركة النسوية نفسها في مواجهة مع القوى المتطرفة بسبب مطالبتها بدولة مدنية ديمقراطية وحديثة وعلمانية. مدى الخطر الذي ينطوي عليه هذا العمل في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية هو ما تثبته الدراسة التي قامت بها منظمة نسائية يمينية مؤخرا، والتي تسجل عددا من أعمال الاعتداء والعنف السياسي ضد المرأة قد بلغ في الفترة الواقعة بين ديسمبر/ كانون الأول 2013 ويناير/ كانون الثاني 2014 وحدها 59 حالة، منها خمس حالات أسفر عنها وفاة الضحايا.

ويؤكد عماد الجراش، عضو "منظمة الدفاع عن الحقوق الديمقراطية والحريات في اليمن: "المتشددون يهددوننا، لأننا نعبر عن موقفنا المنادي بإلغاء عقوبة الإعدام والمساند لحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. يدعي هؤلاء أننا نعمل بما ينافي الشريعة وأننا كفار. وبالتالي فإن عملنا في غاية الخطورة". وبالرغم من المخاطر الكبيرة تحاول المنظمة توسيع مجال عملها على المناطق الداخلية للبلاد، هناك حيث تأثير المنظمات الإسلامية المتطرفة على قدر كبير من القوة.

أثناء مؤتمر الحوار الوطني الذي تلا استقالة علي عبد الله صالح الذي ظل زمنا طويلا متربعا على كرسي الحكم، تم الاتفاق على أمور من  بينها مشاركة نسوية في مسارات القرارات السياسية المهمة بنسبة 30 في المئة. وهو نجاح كبير في الحقيقة، كما يرى الجراش، أما كيف سيوضع هذا الالتزام حيز التطبيق على أرض الواقع، فذلك ما يظل سؤالا مفتوحا على كل الاحتمالات.

وبالرغم من كل التراجعات فإن الناشطات الحقوقيات العربيات مصرات على أن لا يدعن عزائمهن تصاب بالإحباط. "لقد اكتشفت النساء موقعن السياسي والاقتصادي والاجتماعي المهم"، تقول حباق عثمان. وهن على أية حال لم ينتظرن موجة التحولات العربية الأخيرة  كي يصبحن ناشطات في الدفاع عن حقوقهن، إلا أن أعمال التنسيق والتعاون بين مختلف التنظيمات هو الذي عرف تطورا منذ اندلاع الثورات العربية، ومعها تطور أيضا تبادل التجارب بين مختلف الناشطات، وهو ما سيساعدهن بكل تأكيد على أن يصبحن أكثر قوة في نضالهن من أجل الحرية والمساواة بين الجنسين.

 

يوليانه ميتسكر

ترجمة: علي مصباح       

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014