محاولة ألمانية للتغلب على القوالب الفكرية الجامدة

التقى بدعوة من الرئيس الألماني يوأخيم غاوك عدة آلاف من المواطنين الألمان ومن أصول مهاجرة في قصر بيلفو في العاصمة الألمانية برلين من أجل تبادل الآراء. فابيان بيانكا يعرض لموقع قنطرة صورًا حيَّة حول المزاج السائد في ألمانيا تجاه المهاجرين وإمكانيات مساهمة الفنّ في حالات الصراع والحوار مع العالم الإسلامي.

الكاتبة ، الكاتب: Fabian Pianka

قال الرئيس الألماني في افتتاح كلمته بمناسبة مهرجان المواطنين البرليني لهذا العام 2013 الذي أقيم في الثلاثين من شهر آب/ أغسطس إنَّ ألمانيا يجب أن تكون "جسرًا يمتدّ بين الثقافات". وأكَّد أنَّ من الضروري لألمانيا من أجل ذلك "مساعدة المهاجرين بشكل أفضل على الاندماج" مشيرًا إلى ثقافة الترحيب "المتوتِّرة" من بعض النواحي في ألمانيا، مثلما ظهر ذلك مجدداً من خلال الجدالات التي دارت مؤخرًا حول كيفية التعامل مع قبول اللاجئين السوريين. وشدَّد الرئيس على أنَّ التغيير يجب ألا يمثِّل امتيازًا لعدد قليل من الناس.

لبَّى الدعوة إلى هذا اللقاء الذي عقد في قصر بيلفو المقر الرسمي لرئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية أكثر من عشرة آلاف مشترك يعمل الكثيرون منهم كمتطوعين، وذلك من أجل التواصل فيما بينهم وتطوير استراتيجيات جديدة. وبالإضافة إلى ذلك اختار مكتب الرئيس الاتحادي أكثر من عشرين منظمة لعرض أعمالها على جمهور واسع. على سبيل المثال فقد عرضت مؤسَّسة آنا ليند التي تعمل من أجل تعزيز حوار الثقافات بين أوروبا ودول جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسّط نشاطاتها في ثلاث وأربعين دولة.

وهذه الشبكة التابعة لمؤسَّسة آنا ليند والتي يشرف عليها كلّ من معهد غوته ومركز الدراسات الثقافية التطبيقة (ZAK) تعمل في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام. وأكَّدت البروفيسورة كارولين روبرتسون-فون تروتا، مديرة مركز الدراسات الثقافية التطبيقة في حوار أجراه معها موقع قنطرة على أهمية إشراك الشباب بصورة خاصة في التبادل بين الثقافات وفي الحوار. وقالت كارولين روبرتسون-فون تروتا إنَّ المحتويات والمدوَّنات المحرَّرة في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تبيِّن أنَّ العمل الشخصي مطلوب أيضًا في العالم الافتراضي.

نظرة على التنوّع الثقافي في ألمانيا - دعا الرئيس الألماني يوأخيم غاوك أكثر من سبعة عشر ألف مشارك في أعمال تطوّعية خيرية إلى مهرجان المواطنين في قصر بيلفو، حيث عرضوا مبادراتهم ومشاريعهم ومنها على سبيل المثال مجموعة الصور هذه.

وذكرت كارولين روبرتسون المولودة في أسكتلندا أنَّه وبالنظر إلى التطوّرات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط يتَّضح أنَّه لا يمكن الإسراع على المدى القصير في فرض تغييرات مستدامة. وأشارت إلى ضرورة الاستمرار وكذلك تكثيف الاتصالات وقبل كلِّ شيء فهم أوضاع الناس الذين يعيشون في مناطق النزاع بشكل معمَّق وذلك من أجل خلق إمكانيات تبادل جديرة بالثقة.

قدرة العروض الأدائية

يحظى تعزيز التبادل الثقافي بين الشباب بأهمية كبيرة جدًا خاصة إذا نظرنا إلى مناطق الصراع والأزمات. وبهذا المعنى يقول مايكل كريبس عضو مجلس إدارة منظمة "لقاءات 2005" التي تعمل على تعزيز التفاهم بين الشعوب إن الموضوع الأهم هو الوصول إلى الناس وإيجاد السبل للاتصال معهم. وأضاف أنَّ هذا سيتحقَّق بشكل أكثر فعالية عن طريق العروض الأدائية وتقديم عروض من أجل نقل المعرفة الجماعية، مثلاً من خلال المشاريع الفنِّية والموسيقية أكثر من استخدام ورش العمل والحلقات الدراسية.

ويقول كريبس إنَّ الموسيقى والفنّ يعملان على جمع الناس وفتح القلوب رغم اختلاف لغاتهم وأصولهم. ويضيف أنَّه من الممكن فيما بعد معالجة الموضوعات الأكثر تعقيدًا وإشكالية.

وخير مثال على هذه الفكرة جمعية "الديوان الغربي الشرقي - مهرجان فايمار" التي تقدِّم ضمن إطار مبادرة "الشرق في مرآة الشعر" قصائد من شعر نصر الدين وعمر الخيام وحافظ الشيرازي الذين ألهمت أعمالهم منذ عدة قرون الكثير من الشعراء الأوروبيين مثل الشاعر الألماني البارز غوته في مجموعته الشعرية: "الديوان الغربي الشرقي".

وفي هذا الصدد أوضح الدكتور كلاوس غالاس، المدير الفنّي لجمعية "الديوان الغربي الشرقي - مهرجان فايمار" أنَّ السياسة الثقافية تواجه في عصر العولمة تحديًا مستمرًا في التغلّب على "القوالب الفكرية" في الشرق والغرب. وقال إنَّ الأمر يتعلَّق "بالكشف عن مخاوف الطرفين من الاحتكاك والاتصال ببعضهما وكذلك تعرية الأحكام المسبقة والجهل وسوء التفاهم السائد لدى كلا الجانبين وجعلها شفافة". وأضاف غالاس أنَّ هذا هو السبيل الوحيد لتعزيز التقارب والتفاهم بين الناس من مختلف الثقافات.

محاربة المفهوم غير الصحيح للشرف - أحمد منصور فلسطيني مختص في علم النفس يبلغ عمرة ستة وثلاثين عامًا ويعدّ من مديري مشروع "أبطال" ويعمل باحثًا مشاركًا في جمعية الثقافة الديمقراطية وكاتبًا مستقلاً. كما يلتزم في مؤلفاته بمواجهة العنصرية ومعاداة السامية وبتبني أساليب التعليم الحديث.

مشروع "الأبطال": موضوع الشرف

وكذلك تسعى منظمة "أبطال" التي باتت معروفة خارج حدود ألمانيا، وقد تم منحها جائزة "بامبي" للاندماج، إلى تحقيق المساواة ومكافحة أعمال العنف التي يتم اقترافها باسم الشرف. ومنذ عام 2007 يتجوّل هؤلاء "الأبطال" الذين يعتبر معظمهم من الشباب ذوي الأصول التركية والعربية في برلين وفي مدن ألمانية أخرى من أجل محاربة القيم المفهومة فهمًا خاطئًا.

ويناقش هؤلاء الشباب في ندواتهم وحلقاتهم الدراسية بعض الموضوعات مثل الشرف والهوية ودور الجنسين بالإضافة إلى حقوق الإنسان. ويهدف عملهم هذا إلى التغلّب على البنى العائلية السلطوية ومفاهيم الشرف التي يتم نشرها من خلال التربية والتعليم والترابط الاجتماعي. إذ إنَّ الشباب ذوي الأصول المهاجرة، الذين يعيشون بين القيم التقليدية الخاصة بمجتمعاتهم الأصلية وبين متطلبات مجتمع الأغلبية الذي يقيمون فيه، كثيرًا ما يقفون بين عالمين متناقضين ويتحتَّم عليهم بالتالي تلبية متطلَّبات وتحقيق توقعات متناقضة. وتضاف إلى ذلك أيضًا الاضطرابات في ثقافتهم التي تشهد في الوقت الراهن تغييرات بسبب الثورات في بعض من أجزاء العالم العربي.

وفي الواقع فإنَّ مواجهة التفسير غير الصحيح لمفهوم "الشرف" تعني لهؤلاء "الأبطال" أكثر من مجرَّد التصدّي لفرض السيطرة على أسلوب حياة النساء "المخالف للآداب" أو محاربة ازدواجية المعايير الثقافية. إذ يدافع المشاركون في هذا المشروع عن حقّ تقرير المصير الجنسي للجميع ويحاربون الهوموفوبيا. ويعدّ الشاب الفلسطيني أحمد منصور الذي يبلغ عمره ستة وثلاثين عامًا أحد مديري مشروع "أبطال" كما أنَّه يعيش في ألمانيا منذ ثمانية أعوام.

ويقول أحمد منصور إنَّ الكثيرين من الشباب أبناء الأسر المهاجرة لا يفكِّرون بما يكمن خلف مفهوم "الشرف"، ولذلك فإن بدأ الشباب في التحقُّق من الأشياء يعدّ من أعظم النجاحات. ويضيف: "غالبًا ما يتم استخدام جملة "هكذا هي الحال" كتفسير حين لا يستطيع الشباب شرح شيء ما. ولذلك لا بد من إبعاد هذه الجملة من أذهان الناس".

 

 

فابيان بيانكا

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2013