العراق والثورة السورية...حسابات طائفية وتوازنات إقليمية

تتعرض بعثة الجامعة العربية إلى سوريا لسهام النقد الذي ينصب كذلك على العراق الذي ساهم بشكل أو بآخر في لعب دور الوسيط بين النظام السوري والجامعة العربية بخصوص تلك البعثة. مزيد من التفاصيل من قلب بغداد مع بيرغيت سفينسون.



حتى قبل أن تبدأ بعثة الجامعة العربية مهمتها في سوريا وجهت سهام الانتقاد عليها. والآن، وبعد شهر من بدء البعثة عملها هناك، أخذت الأصوات تتعالى مطالبة بقطع البعثة لعملها وسحب المراقبين، بحجة أن البعثة أخفقت في تحقيق الأهداف التي شكلت من أجلها وتحولت إلى مجرد أداة بيد النظام، كما يرى المعارضون السوريون. أما حكومة بشار الأسد فتنظر إلى المراقبين العرب، الذين تجولوا في معظم أرجاء البلاد والذين يقفون في وسط التظاهرات، بعين الريبة والتوجس. والأسد لن يمانع فيما لو تم سحب هؤلاء "المزعجين". ولكن أغلبية وزراء الخارجية العرب مددوا عمل البعثة لشهر آخر في اجتماعهم الأخير.

وبهذا تمكن الأمين العام للجامعة نبيل العربي من تمرير فكرته، ومع أنه أقر بوجود أخطاء، إلا أنها المرة الأولى في تاريخ الجامعة العربية، على الإطلاق، ولذلك دعا العربي إلى تفهم تلك الأخطاء. ويفترض أن يقوم المراقبون بتنفيذ خطة تسعى لفرض السلام، بحيث تسحب حكومة دمشق كافة المظاهر العسكرية من الشوارع، وتوقف العنف ضد المدنيين. ولكن الواقع الراهن يشير إلى عكس ذلك حتى الآن. وكلما ظهر المراقبون العرب في مكان ما في سوريا تتدفق الجموع للتظاهر. ومابرح عدد الناس المنخرطين في المظاهرات يزداد؛ ويخرج أولئك للتعبير عن ضيق ذرعهم بما يجري وليحكوا للمراقبين عن معاناتهم.

تصويب النار على الجموع

د ب ا
"يُخشى من أن يكون لحمام الدم في سوريا آثارا شنيعة على الدول المجاورة"

​​آلة القتل التي يمارسها النظام لم تتوقف، وأحد المراقبين تحدث لقناة الجزيرة عن أنه شاهد قناصا بأم عينه وهو يطلق النار عن جمهرة كبيرة من الناس. وبعد هذا التصريح تم تحذير ذلك المراقب وطلب منه أن يلتزم الصمت. وسيبقى عمل اللجنة غامضا لحين صدور التقرير النهائي لنتائج عمل بعثة المراقبين، عندها ستتضح بعض الأمور والخطوات. أما الحكومة السورية فتنتظر أن يثبت المراقبون روايتها حول وجود جماعات مسلحة.

بالإضافة إلى ذلك فإن بعثة المراقبين أعطت شهادة على تطبيق سوريا الجزئي لواجباتها بموجب خطة العمل العربية، كما ترى صحيفة الوطن غير الحكومية (والمقربة من النظام). وخلال وجود البعثة حصل تفجير إرهابي آخر، نجم عنه سقوط قرابة 30 قتيلا. وسارعت الحكومة السورية إلى اتهام "إرهابيين إسلاميين" بالمسؤولية عن التفجير، بينما اتهمت المعارضة، من جانبها، قوات الأمن السورية بتنفيذ الانفجار لكي تثبت فرضيتها حول التدخل الخارجي وحول الحرب الأهلية وشيكة الاندلاع. وهكذا يصبح الوضع مبهما أكثر.

تأثيرات استقطابية على المنطقة

وبالإضافة إلى كل هذا يأتي العراق أيضا. فالقلق على مستقبل البلد الجار يحرك حاليا كل المجموعات الدينية والعرقية في العراق، البلد الذي يجب أن يخشى قبل كل شيء على نفسه من أن يتحول إلى كرة تلعب بها الأقطاب الإقليمية الكبرى مثل إيران والعربية السعودية وتركيا. الأزمة في سوريا تدفع المنطقة إلى التكتل في أقطاب متصارعة ويُخشى من أن يكون لحمام الدم في سوريا آثارا شنيعة على الدول المجاورة. وتقف على الجانب الأول دول أغلبية سكانها من السنة مثل تركيا والسعودية، بينما يضم القطب الآخر إيران الشيعية وحليفها الحاكم في لبنان حزب الله.

محمد سليمان الحمد الصورة الجزيرة
المعارض محمود سليمان حاج حمد يؤكد أن بغداد قامت بتحويل 28 مليون يورو إلى دمشق وبذلك يتمكن الأسد من دفع أجور ميليشيات الشبيحة

​​وتمتلك بغداد بعدا ارتداديا هائلا في نطاق التوتر بين القوى المتنافسة، وهذا البعد الارتدادي يعتبر مدهشا بالنسبة للكثيرين. وبينما كانت الحكومة العراقية لا تمل من تكرار توجيه اللائمة طوال الوقت للحكومة السورية، متهمة إياها بالمسؤولية الجزئية عن الإرهاب في العراق، اتخذ العراق قرارا غير متوافق مع ذلك، حيث امتنع عن التصويت على قرار تجميد العضوية وفرض العقوبات الاقتصادية على سوريا في الجامعة العربية. ثم جاءت تصريحات مفتش مالي انشق مؤخرا عن النظام السوري وانضم إلى المعارضة، وهو محمود سليمان حاج حمد، ليؤكد فيها أن بغداد قامت بتحويل مبلغ ملياري ليرة سورية (ما يعادل حوالي 28 مليون يورو) إلى دمشق. وبذلك يتمكن الأسد من دفع أجور ميليشيات الشبيحة التي تخرج جنبا إلى جنب مع الجيش لتقمع المحتجين.

وزير الخارجية العراقي برر موقف حكومته بأن سقوط نظام الأسد سيحمل عواقف وخيمة على بلده، وأن ذلك قد يؤدي إلى سيطرة متطرفين على مقاليد الأمور في دمشق. وبذلك فهو يتبع نفس تبريرات الأسد. هذا الأمر أثار حفيظة الجامعة العربية، لأن قرار العراق جاء في وقت كانت فيه القوات الأمريكية تستعد لسحب آخر جنودها من العراق. ورأى دبلوماسيون من الجامعة في ذلك تنازلا عراقيا لطهران، وربطا لسوريا بشكل أكبر، ومنعطفا في السياسة الخارجية لبغداد. "بينما يلاحق رئيس الوزراء العراقي أعضاء حزب البعث في بلده، يدعم في الوقت ذاته حزب البعث في سوريا"، هذا ما يسمع في أوساط الدبلوماسيين في أروقة المقر الرئيسي للجامعة العربية في القاهرة وذلك في تناقض صارخ لايمكن تجازوه.

صفقات مع نظام الأسد

الصدر د ب ا
تتهم جماعات المعارضة السورية مقتدى الصدر بأنه يرسل آلافا من ميليشيات المهدي التابعة له إلى سوريا لتشارك إلى جانب القوات الحكومية في قمع المحتجين

​​وأشارت وسائل إعلام عراقية إلى أن الأسد قد أعطى المالكي قائمة بأسماء أعضاء في حزب البعث العراقي، يدعي أنهم كانوا يخططون لانقلاب على رئيس الحكومة عقب انسحاب الأمريكيين من العراق. وبدأت بعدها موجة منقطعة النظير من عمليات الاعتقال لأعضاء سابقين في حزب البعث، غالبهم من السنة. ووعد الأسد بأنه سيسلم قريبا مزيدا من القيادات البعثية العراقية الموجودين عنده كلاجئين في سوريا إلى العراق وبهذا تم ضمان مساندة المالكي. وسافر المستشار الأمني الخاص بسوريا فالح الفياض إلى دمشق وحث الأسد على القبول ببعثة الجامعة العربية. أما قبل ذلك فقد رفض الأسد أي شكل لللتعاون مع المنظمة.

وفي غضون ذلك ظهر للعلن أن بغداد منحت دمشق قرابة 28 مليون يورو. هذا ما رواه مفتش مالي انشق مؤخرا عن النظام السوري وانضم إلى المعارضة، وهو محمود سليمان حاج حمد، الذي ادعى بأن هذه المساعدة جاءت ليتمكن الأسد من دفع أجور ميليشيات (الشبيحة) التي تخرج جنبا إلى جنب مع الجيش لتقمع المحتجين.

وهذا الأمر يعد عملية صعبة للغاية، لأن كل مجموعة من مكونات الشعب العراقي لها مصالح مختلفة عن الأخرى في البلد الجار (سوريا). ويمكن فهم ذلك بشكل أوضح من خلال نظرة على الطيف الإثني والديني هناك. فالزعيم الشيعي الموالي لإيران مقتدى الصدر، الحليف المهم للمالكي، أعلن بشكل واضح عن دعمه للأسد، ووصف الجامعة العربية بأنها "راعية للظلم"، متهما المنظمة بأنها تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

الخوف من هيمنة سنية في سوريا ما بعد الأسد

وتتهم جماعات المعارضة السورية مقتدى الصدر بأنه يرسل آلافا من ميليشيات المهدي التابعة له إلى سوريا لتشارك إلى جانب القوات الحكومية في قمع المحتجين، إلا أن الصدر نفى ذلك بشدة. أما بقية الأحزاب الشيعية فلا تدعم نظام دمشق، بل وتتهم الأسد بدعم الإرهاب السني بعد دخول القوات الأمريكية العراق عام 2003. ومثل هذا الانقسام حيال هذه المسألة موجود أيضا في صفوف أكراد العراق. فمن ناحية يتوقون لرؤية نهاية الاضطهاد "لإخوتهم" الأكراد في سوريا. ولكنهم يتخوفون، من ناحية أخرى، من أن يمسي حال أولئك في ظل حكومة سنية، أسوأ مما هو في ظل حكم الأسد العلوي.

وحدهم العرب السنة في العراق يرون في سقوط الأسد فرصة لتعزيز قوتهم في المنطقة. ولكنهم يرون في نفس الوقت خطرا قادما على العراق، ليس في عودة مايزيد على مليون لاجئ عراقي من سوريا إلى وطنهم فحسب، وإنما في تدفق أعداد كبيرة من السوريين بحثا عن ملجأ لهم في العراق.

 

بيرغيت سفينسون
ترجمة: فلاح آل ياس

مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012