الإسلام أكثر الأديان التوحيدية تحرراً في قضايا الجنس!

تقربُ الاديان موضوعة الجنس من زاوية أخلاقية محضة، مفارقة بذلك حقيقة مفادها أنّ الجنس صناعة الحياة وتتباين نظرة الاديان التوحيدة إلى قضايا الجنس وأشكال ممارسته، خاصة علاقتها مع منظومتها الاخلاقية. ملهم الملائكة استطلع آراء رجال دين مسلمين ومسيحيين ويهود حول موقف الديانات  التوحيدية  من قضايا الجنس.

الكاتبة ، الكاتب: ملهم الملائكة

تقربُ الاديان موضوعة الجنس من زاوية أخلاقية محضة، مفارقة بذلك حقيقة مفادها أنّ الجنس صناعة الحياة، أو محاولة تقليدها في التجارب الأحادية- الاستمناء دون شريك- ، والمثلية- رجل لرجل- أمرأة لامرأة.


وربما كان رجال الدين عبر التاريخ يخشون المنافس الروحي الحسي الأخطر للدين ولفكرة التفاني للرب (وهو الجنس بمساحاته الغامضة)، وهم لذلك قد وضعوا على الجنس خطوطا حمراء ترسمها وثيقة (وريقة) الزواج بعقد نكاح شرعي (وكلمة نكاح بالعربية ترتبط حصرا بالعقد الشرعي سواء كان مكتوبا أو منطوقا بموافقة المشافهة من طرفي الاستمتاع الدائم بالغريزة التي منحها الله للمخلوقات لغرض التكاثر، فإن تمت المواقعة خارج إطار الزواج تسمى زنا ولا تكون نكاحا)، ويباركها الكاهن أو القس أو الشيخ أو رجل الدين في ديانات غير التوحيد.


العلم يعامل خلاصة روح الرجل (المني) باعتبارها ماء الحياة ، فيما تعتبره الاديان نجسا يسيء الى قداسة الرابطة بين الانسان وخالقه، وعلى الرجل بعد أن يمني أن يغتسل بالماء ليطهر.


أديان السماء عموما تقرن المرأة بالخطيئة، وتصوّرها منبعا لكل الخطايا، وأصل الشعوذة والشرور والسحر، وقد شنت أوروبا المسيحية في القرون الوسطى حربا شعواء على المرأة باعتبارها الشارة القرمزية، التي تسم الساحرات الطائرات فوق مقشاتهن ليغوين الرجال الى مستنقع الرذيلة فيخرجنهم من ملكوت العشق الالهي ليودين بهم الى سقر الجحيم، وليس غريبا بعد، أن توصف مكامن المواقعة الجنسية بالجحيم وفي ذلك استعارة من المعنى القديم واستلهام من بؤر الشوق، التي توصف باللهيب واخاديد النار بلغة العاشقين والمتضاجعين دون عشق.

 

" امتاع المرأة واجب في الديانة اليهودية وخلافه يقع الطلاق"

 

تقربُ الاديان موضوعة الجنس من زاوية أخلاقية محضة ، مفارقة بذلك حقيقة مفادها أنّ الجنس صناعة الحياة

​​يعتبر بعض المفكرين الليبراليين أنّ اليهودية هي الأبعد بين ديانات التوحيد عن المرأة، وهي تضعها -حسب زعمهم- في مرتبة صانعة الاطفال المجردة من كل عاطفة- كما هو قائم اليوم عند بعض اليهود الأرثوذوكس- حين تشرّع بحقها ( جنس الكوشر) وفيه يرتدي الزوج والزوجة جلبابا معتم اللون يخفي كل الجسد سوى من فتحة بحجم أجهزة التناسل لأداء وظيفة التكاثر التي يتطلبها إستمرار النوع البشري دون تلامس ودون شهوة- إن أمكن- ودون عاطفة.


أدوين شكر، رئيس مؤتمر يهود السفارديم العالمي، تحدث الى موقع قنطرة للحوار مع العالم الاسلامي، مدافعا عن رؤيا اليهود الارثوذوكس ومشيرا الى أنهم "يرون في الجنس طاقة خلّاقة ايجابية تنشط ضمن الحدود التي فرضها التوراة والحاخامات فيما بعد". ولفت شكر الى أن "عدد أطفال العائلة اليهودية الارثوذوكسية الواحدة قد يصل الى 18 طفلا( حتى في بريطانيا) ، وهذا يدل على أنهم لا يعدون الجنس قوة سلبية تحمل الخطيئة رغم ما يشاع عنهم، بل وعلى عكس الرهبان الكاثوليك في المسيحية، فإن حاخامات اليهود الاثوذوكس ينعمون بحياة زوجية هانئة ومثمرة". شكر في إجابته لم ينف أو يؤكد قضية جلباب الكوشر.
وفي معرض تأكيده لتكامل العملية الجنسية عند اليهود أشار شكر الى "أن أرضاء وامتاع المرأة أمر واجب في الديانة اليهودية، وإن لم يتم فإنه يمكن أن يكون سببا لالتماس المرأة الطلاق من بعلها".


لك النساء ولكن: " لا تبذل زرعك هباء"


تعرّف أسفار التوراة الزواج باعتباره إتحادا بين المرأة وبين الرجل يعيدهما الى خلقة الرب الاولى حين جبل أدم وحواء من جسد واحد. وقد شرح أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في القدس شامويل موريه لموقع قنطرة رؤية الديانة اليهودية لثيمة الجنس مشيرا الى "أن اليهودية تعتبر الجنس موضوعا مقدسا وفي النص التوراتي "لا تبذل زرعك هباء"، بمعنى أنه قد حدد المواقعة مع الزوجة حصرا .


ثم أشار موريه الى أن الزوج لا يقارب زوجته إذا كانت حائضا، بل أنه لا يجوز له أن يلمس يدها أو أن يأخذ الشاي من يدها. وأكد موريه أن حدود الحرية الجنسية عند اليهود الأرثذوكس تقف عند الرجل، الذي يحق له أن يواقع النساء خلاف زوجته على أن لا يكنّ يهوديات، "وفي القدس الشرقية يرى المرأة بسهولة يهودا ارثذوكس متدينين بلباسهم المميز وهم يعرضون على السائحات الاجنبية مواقعتهن" .


واعتبر موريه أنّ الارثذوكس هم اليهود المتزمتون بشأن تطبيق النصوص التوراتية وهم يعتبرون الزواج رباطا روحيا وليس مجرد تقاربا جسديا. البروفيسر موريه كشف عن شعيرة مفادها أنّ "الرجل الارثذوكسي إذا أراد أن يعرف هل طهرت زوجته من حيضها يرمي بقبعته على فراشها( فهولا يسألها) ، فإذا أعادت القبعة على فراشه فمعنى ذلك أنها لم تتطهر بعد، وعليه الأنتظار".


لكن موريه بدوره لم ينف أو يؤكد طقوس جنس الكوشر المتشددة، التي يقال إنها تحرّم التلامس بين الزوجين بقصد التمتع، وتحيل الجنس الى طقس قدسي لاحسّي يختصّ بالتكاثر.

 

البقية في الصفحة التالية...اِضغط على الرقم 2 في الأسفل



نشيد سليمان: " ها أنت جميل يا حبيبي وحلو وسريرنا اخضر"


هذا النص من العهد القديم ورد في سفرنشيد الانشاد، وهناك نصوص كثيرة أكثر جرأة منه في مقاربة قضية الجنس. رغم كل ذلك شاعت في المسيحية الرهبنة. ومع أن مجرد حمل السيدة مريم وهي عذارء دون مواقعة رجل كانت واقعة لابد أن تختص المرأة لسببها بمكانة سامية، ولكن المذهبين الارثوذوكسي والكاثوليكي نأيا بالمسيحية عن هذه الحقيقة، فحرّما على أحباب الله وخدمه ( الرهبان والقساوسة والراهبات) حق الزوج، ثم تطورت مساحات التحريم الى مديات أبعد.


البروفسور عادل ثيودور خوري أستاذ علوم الأديان في جامعة تورنغن بالمانيا ومؤلف كتاب (موسوعة القرآن) بدا متحفظا في حديثه مع موقع قنطرة رافضا مقاربة مفهوم الجنس في المسيحية طبقا للرؤية المعاصرة للجنس ولكنه أشار الى "أن عمر تاريخ المسيحية قد بلغ ألفين سنة، وقد برزت خلال هذا التاريخ ظواهر واتجاهات وآراء مختلفة، وإذا أردنا ان نعرف ما تقوله الكنيسة الكاثوليكية عن موضوع الخطيئة الاولى فعلينا أن نطّلع على كتاب ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ) ، ففيه رأي الكنيسة اليوم، وفي هذا الكتاب لا يوجد ما يشير الى أن الكنيسة تعتبر الجنس قضية مخالفة للطبيعة" .


ويقفز الى الذهن سؤال مفاده: أي أديان السماء أكثر انفتاحا في قضية الجنس؟ البروفسور عادل خوري رفض بشدة الاجابة عن هذا السؤال، مشيرا الى أن الحديث عن الجنس والمسيحية فيه تفاصيل خطيرة وكثيرة لا تكفي هذه العجالة للحديث عنها.

 

"المسيحية بنيت على أن الجسد فان و لم تعطه حقه"

 

بحثا عن الاجابة، حاورت قنطرة الباحث الاجتماعي المسيحي أسحق كنعو، الذي أشار الى أن المسيحية بنيت على أن الجسد فان وهي لم تعط الجسد حقه، وقد جعلت سنوات المسيحية الأولى من الجنس رجسا من عمل الشيطان، وركزت كثيرا على عفاف المرأة مستلهمة عفاف السيدة العذراء.
وذهب كنعو الى أن "المجتمعات القديمة ومنها حضارات وادي الرافدين كانت مجتمعات أمومية، وشاع فيها مثلا أنّ "أنانا" إلهة الخصب في الحضارة البابلية كانت تنجب دون أن يواقعها أي رجل. مبدأ الامومة هذا وجد له امتدادا في المسيحية ".
ولكن المسيحية لم تبق مجتمعا قائما على فكرة الأم، بل تغيرت مقاربتها لموضوعة الجنس بشكل كامل حسب مناطقها في الغالب، كما اشار كنعو.

"الواقي الذكري تشجيع للزنا"

وتطرق كنعو الى أن الديانات في المعابد القديمة، قبل ظهور ديانات السماء الابراهيمية، كانت تقوم على فكرة الخصوبة المشاعة، فالعاهرات المقدسات في معابد تموز وعشتار، كن يذهبن الى المعابد ويجامعن كثيرا من الرجال ليحملن ويضعن أولادهن في المعبد، فيتسم المولود بالقداسة لأن أباه غير معروف. "كل هذه المفاهيم تحولت بنزول ديانات الكتاب الى محرمات"، حتى تلاشت الحرية تماما في العصور المظلمة.


لكن شدة التحريم الكنسي دفعت بالمرأة الى الثورة تضامنا مع طبقات المجتمع الأضعف، فأضافت قضية حقوق المرأة مسمارا كبيرا في نعش سلطة الكنيسة السياسية.


وحين تحررت المرأة الاوروبية في القرن العشرين، ظلت الكنيسة بشقها المحافظ تسعى لوضع حدود تمنع ممارسة الجنس خارج حدود العلاقة الكنسية، ومؤخرا أكد بابا الفاتكيان تحريمه لاستخدام الواقي الذكري معتبرا إياه وسيلة تشجع على الزنا، ودعا المؤمنين الى تحصين انفسهم بالعفة في مواجهة وساوس الشيطان الجنسية، لكن فضائح اعتداءات الرهبان الكاثوليك الجنسية على رعايا الكنيسة القصّر ما زالت تتوالى وتهدد الكيان الكنسي في قلعته الحصينة اوروبا. وعلى العموم، فإن امتناع السيد المسيح عن الزواج كان سببا شجّع الرهبان والقساوسة على تبني مبدأ مفارقة الجنس تقرّبا للخالق .

 

البقية في الصفحة التالية...اِضغط على الرقم 3 في الأسفل



جزاء المؤمنين:" كواعب اترابا" و" ولدان مخلدون"


الأسلام في هذه المقارنة السريعة يبدو أكثرديانات التوحيد تحررا في مسألة الجنس، وقد يبدو في هذا مفارقة مثيرة للاستغراب في ظل تنامي قوة المد السلفي، الذي يضع المرأة خلف طبقات من الملابس والحجب السوداء لكي لا تبين تكورات الجسد الساحر فتغوي الرجال ، لكن علينا أن لا ننسى أنّ شعار السلفية الجهادية اليوم هو "فارق الحياة أيها المجاهد لتحضى بمعاشرة الحور العين" وهنّ حسب الروايات 72 صبية باكرة بيضاء اللون سوداء العين لا يفقدن عذريتهن مهما واقعهن الرجل، ويخلدن صبايا ما خلد الشهيد في الجنة.


وربما يرجع تسامح الاسلام في مسألة الجنس الى حقيقة أنّ نبي الاسلام تزوج بعدد غير متفق عليه من النساء فصار الزواج سنّة متبعة عند المسلمين عملا بقول النبي (تناكحوا وتكاثروا فإني مباه بكم الأمم )، كما أنّ النصّ القرآني أباح للرجل الزواج بأربعة والتسري بعدد لامحدود ممن يملكهنّ شراء أو استرقاقا ( وما ملكت أيمانكم) .


رغم هذا التسامح في قضية الجنس فإن المفكرين المحدثين يصفون الاسلام بأنه دين ذكوري يغلّب ويقدّم الرجل على المرأة اعتمادا على نصوص قرآنية عديدة .


هل الاسلام فعلا متشدد في قضية الجنس ويحث على وضع المرأة خلف نقاب؟ موقع قنطرة وضع هذه الاسئلة أمام المفكرغالب الشابندر، فنفى أن يكون الاسلام مشتددا، مشيرا الى أن "التشدد من المسلمين وليس من النصوص الاسلامية الاصيلة، وما نراه من عزل بين المرأة والرجل، وبين الخطيب وخطيبته ، ومن صعوبات في التعارف بين من يرومون الزواج جاء من التقاليد والعادات، وليس من نصوص القرآن وأحاديث الرسول.

 

"زيجات المستقبل بلا عقود وبمحض الاتفاق"

 

المفكر الشابندر نبّه الى أنّ " النص القرآني في قضية الجنس ينص على وجوب تسهيل طرق التواصل الجنسي الشرعي الى أبعد الحدود، وهو أمر غير موجود في الديانات الاخرى" وأضاف الشابندر" الزواج في الإسلام ليس أمرا مقدسا فقط، بل ميسّر ومحبب ".


ورغم خلافات المذهبين السني والشيعي، الا أنهما يسعيان بشكل عام الى تسهيل التعارف والتزاوج بين الذكور والاناث عملا بوصية النبي بتكثير الاسلام.


ويبدو المذهب الشيعي في قضية الجنس وحقوق المرأة أكثر تسامحا، ربما لإرتباط هذا المذهب بفكرة خلافة الائمة من نسل فاطمة الزهراء ( إبنة الرسول الوحيدة) وزوجها علي ابن أبي طالب. وفي هذا السياق يشير المفكر غالب الشابندر الى أنه" لا يشترط في الزواج وجود شهود، ولا يشترط رضا والد الزوجة ولا رضا والد الزوج أو حضورهم، بل يكفي الإتفاق بين المرأة وبين الرجل لصياغة العقد الشرعي".


ولفت الشابندر الى تطور ثوري في الارتباط الزوجي، متوقعا أن يكون هو النمط السائد في المجتمعات الاسلامية مستقبلا، وعرّف هذا التطور باسم "زواج المعاطاة، الذي يقره بعض الفقهاء، حيث يكفي الإتفاق بين الرجل وبين المرأة لصياغة العقد الشرعي دون الحاجة الى إنشاء عقد مكتوب من أي نوع، وهو يشبه عملية البيع والشراء، حين يشتري المرء شيئا من السوق ولا يحتاج أن يكتب مع البائع عقدا، بل هو أمر متفق عليه بينهما".

ولدى سؤاله عن الجنس خارج إطار الزواج فيما أشارت اليه الآية القرآنية "وما ملكت أيّمانكم" ، أعرب الشابندر عن اعتقاده وإيمانه بأنّ هناك نصوصا وقتية ونصوصا دائمة، و"هذا النص قد نزل في وقت عصيب لسبب الحروب، حيث تكاثر الاسرى والسبايا، فكان لابد من حل لمشكلة الحرمان الجنسي لهذه الالوف من الجنسين، من هنا نزلت الاية، ويذهب كثير من الفقهاء الى أن هذا النص إنتهى بنهاية عصر الفتوح الإسلامية الكبرى".

 

ملهم الملائكة

حقوق النشر: قنطرة 2013