هل يهب الربيع العربي على الجزائر؟

على الرغم من الإضرابات والاحتجاجات المستمرة في الجزائر منذ بضعة أعوام إلاَّ أنَّه لم تحدث هناك حتى الآن أية ثورة مشابهة للثورات في بعض الدول العربية الأخرى، وكذلك ما تزال النسبة العالية من المواطنين الشباب غير الراضين عن الحكومة لا تشكِّل شرطًا كافيًا لقيام احتجاجات شعبية واسعة وفق ماتراه الباحثة سيغريد فات في تحليلها التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Sigrid Faath



يتكهَّن البعض في الجزائر والخارج منذ بداية الاحتجاجات، التي أدَّت العام الماضي 2011 إلى تغيير السلطة في كلّ من تونس ومصر وأخيرًا أيضًا في ليبيا، بأن الجزائر تمثِّل حالة استثنائية وأنها ستنجو من قيام احتجاجات شعبية واسعة ضدّ النظام. وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي في شهر كانون الثاني/ديسمبر 2011 لمقارنة الجزائر مع بعض الدول العربية الأخرى التي من الممكن أن يشهد بعضها تغيّرات مؤلمة إنَّ الجزائر تعدّ في الواقع حالة استثنائية، وأشار كذلك إلى أنَّ بلاده تشهد منذ نحو عشرين عامًا فترة استقرار سياسي، على الرغم من النزاعات العنيفة التي شهدتها الجزائر في فترة التسعينيات.

ولكن مع ذلك كان مراد مدلسي محقًا في إشارته إلى أنَّ المغرب هي الأخرى من الممكن وصفها بأنَّها حالة استثنائية. وذلك لأنَّه لم تحدث لا في المغرب ولا في الجزائر منذ إسقاط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في الرابع عشر من شهر كانون الثاني/يناير 2011 أية احتجاجات شعبية واسعة النطاق كانت موجَّهة ضدّ الحكومة والنظام وهدَّدت النظام القائم أو الاستقرار السياسي.

إصلاحات لمواجهة الثورات


د ب ا
الجزائر حالة استثنائية - أشار وزير الخارجية مراد مدلسي إلى أنَّ بلاده تشهد منذ نحو عشرين عامًا فترة استقرار سياسي، على الرغم من النزاعات العنيفة التي شهدتها الجزائر في فترة التسعينيات

​​وفي ذلك تختلف كلّ من الجزائر والمغرب اختلافًا جوهريًا عن دول شمال أفريقيا المعروفة باسم دول التحوّل، أي تونس ومصر وليبيا. وهما تختلفان أيضًا عن الدول الشرق أوسطية مثل اليمن والبحرين وسوريا، حيث شجَّعت الأحداث في هذه الدول في شمال أفريقيا على إثارة الاحتجاجات العام الماضي 2011 ضدَّ أنظمة هذه الدول الشرق أوسطية وعلى انتشارها وثم أدَّت إلى صراعات عنيفة أخمدت من خلال عمل عسكري (مثلما حدث في البحرين) أو من خلال تنحي الرئيس (مثلما حدث في اليمن) ولكن من دون أن تتم تسويا أو أن تخلق أي استقرار سياسي، وأدَّت كذلك - مثلما هي الحال في سوريا - إلى مواجهات دامية ما تزال مستمرة بين معارضي النظام والأجهزة الأمنية.

سارع الملك المغربي في ربيع عام 2011 إلى إطلاق إصلاحات واسعة شملت أيضًا النظام السياسي وذلك كردة فعل على التطوّرات في تونس ومصر. وفي عام 2011 زاد الملك محمد السادس من سرعة عملية الإصلاح التي يقودها منذ توليه العرش عام 1999 وتضمن له أيضًا لدى قطاعات كبيرة من الشعب المغربي الاحترام والشرعية. من جانبها ردَّت القيادة الجزائرية على الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر وليبيا بزيادة كبيرة في المعونات المالية وبتقديم بعض التنازلات الصغيرة مثل القانون الجديد الخاص بالأحزاب السياسية والجمعيات والإعلام. كذلك تناولت الإعلانات المرتبطة بعملية التوزيع العادل للمساكن الاجتماعية أو بخلق فرص عمل جديدة وتقديم الدعم المادي للشباب العاطلين عن العمل وزيادة الأجور مطالب الشعب الاجتماعية التي تتم منذ عدة أعوام صياغتها والمطالبة بها مرارًا وتكرارًا من خلال الاحتجاجات الاجتماعية.

"حكَّام صمّ عفا عليهم الزمن"

الصورة رتيبا
لامبالاة وفقدان الثقة في القيادة السياسية - لم تشهد الجزائر حتى الآن ثورة ضدّ نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على الرغم من الاستياء المنتشر بين قطاعات كبيرة من المواطنين الجزائريين وخاصة الشباب

​​وفي الحقيقة يشكّ الكاتب كمال بن كسا في مقالة له نشرت في شهر آذار/مارس الماضي في صحيفة Algérie-Focus في أنَّ الجزائر ستشهد أي انفجار اجتماعي، وذلك حسب تعبيره لأنَّ "الشارع الجزائري ما يزال حديثًا" ولأنَّ الحكَّام "صمّ عفا عليهم الزمن" يسعون إلى الحفاظ على الوضع الراهن؛ كما أنَّ جيل الشباب لم يعد يستطيع حسب وصفه الوصول إليهم، بالإضافة إلى أنَّ مؤسَّسات الدولة قد فقدت كلَّ شرعيَّة خاصة لدى جيل الشباب. تعتبر علاقة الشعب الجزائري بالدولة وبمؤسَّساتها وخاصة بالمسؤولين علاقة متحفِّظة تصل حدّ العدائية وذلك على أبعد تقدير منذ الثمانينيات، أي بعدما أوصلت تداعيات الأزمة النفطية هذا البلد المصدِّر للنفط إلى محنة، وذلك لأنَّ الدولة لم تعد قادرة على تحقيق طموحات مواطنيها التي أيقظتها بنفسها لديهم.

وضمن هذا السياق الذي ازدادت حدته على المستويين الاجتماعي والاقتصادي مند الثمانينيات، أدَّى الفساد والمحسوبية والهياكل البيروقراطية غير الكفؤة إلى نزع الشرعية وبشكل متزايد عن المؤسَّسات التابعة للدولة. وهكذا صار ينظر إلى المؤسَّسات والمسؤولين على أنَّهم "أعداء" أكثر من ذي قبل. زد على ذلك أنَّ الثقة في المؤسَّسات العامة غير منتشرة بين الجزائريين - بغض النظر عن فئاتهم العمرية، وفي المقابل يتم توجيه انتقادات شديدة إلى السياسة السائدة.

استياء واسع النطاق

إنَّ المشكلات التي أثارت الاحتجاجات في تونس أو في مصر موجودة أيضًا في الجزائر. إذ إنَّ الاحتجاجات الاجتماعية التي تندلع مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2004 بسبب نقص البنية التحتية وانعدام الشفافية في توزيع المساكن الاجتماعية والبطالة ونقص المياه بالإضافة إلى انخفاض القوة الشرائية والمخالفات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية وانعدام الكفاءة وعدم الحيادية لدى الدوائر الرسمية وكذلك المحاباة والمحسوبية أو تهميش مجموعات من المواطنين والمناطق خير دليل على حدة المشكلات والاستياء المنتشر بين قطاعات كبيرة من المواطنين الجزائريين من الأوضاع والظروف المعيشية.

فشلت المعارضة السياسية في دعواتها لحشد الجماهير ضدَّ النظام على الرغم من الاستعداد العالي الذي من الممكن ملاحظته منذ عدة أعوام لدى الجزائريين للقيام بإضرابات والخروج في احتجاجات شاركت فيها دائمًا نسبة كبيرة من الشباب، وعلى الرغم من قيام العديد من الأشخاص في الجزائر أيضًا في عام 2011 بحرق أنفسهم احتجاجًا منهم على الفقر الاجتماعي. وبالتالي فإنَّ هذه النسبة العالية من المواطنين الشباب غير الراضين عن الحكومة وسياستها لا تشكِّل شرطًا كافيًا للخروج في احتجاجات شعبية واسعة. حيث توجد في كلّ من المغرب والجزائر تجارب محلية خاصة وتطوّرات وأوضاع ساهمت مجتمعة في عدم قيام حركة احتجاجية مشابهة لما حدث في كلّ من تونس ومصر ويمكن لها أن تفرض تغييرًا في السلطة أو حتى تغيير النظام.

ظلال الماضي

ا ب
إحباط جهود المعارضة السياسية - ردّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في شهر شباط/فبراير 2011 على التغييرات في الدول المجاورة برفع قانون الطوارئ المفروض منذ تسعة عشر عامًا في البلاد والإعلان عن إصلاحات.

​​ومن هذه الناحية لا تعدّ الجزائر في شمال إفريقيا الاستثناء الوحيد. وفيما يتعلَّق بالجزائر هناك أسباب متعدِّدة:

أوَّلاً: النتائج التي ترتبت على الاضطرابات التي وقعت في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر من عام 1988 وأدَّت إلى الانفتاح السياسي ونهاية حكم الحزب الواحد بالإضافة إلى إجراء انتخابات تعدّدية استفاد منها الإسلامويون المنتظمون في صفوف الجبهة الاسلامية للانقاذ (الفيس). حيث أعقب الصراع على السلطة بين الحكَّام السياسيين والعسكريين وبين الإسلاميين الذين صاروا يطالبون بالسلطة نزاع عنيف استمر عدة أعوام ودخل أخيرًا في عام 1999 في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حقبة حاسمة من المصالحة والتهدئة. ما تزال هذه التجارب وحوادث العنف تؤثِّر حتى يومنا هذا على الكثير من الجزائريين. وثانيًا: الصورة السيئة عمومًا الموجودة لدى المواطنين عن الأحزاب؛ إذ ينظر المواطنون لها على أنَّها تمثِّل المصالح الخاصة للمسؤولين الحزبيين ونخبة صغيرة. وليست التكتلات والخلافات الحزبية الداخلية التي أدَّت في الكثير من الحالات إلى انشقاقات حزبية إلاَّ دليل على هذه الآراء السلبية.

ثالثًا: إنَّ حالة التشتت التي تعيشها أحزاب المعارضة والخلافات بين الكوادر القيادية التي تؤدِّي مرارًا وتكرارًا إلى انشقاقات وتشكيل أحزاب جديدة بالإضافة إلى الحاجة إلى وجود أشخاص يبدو أنَّهم قادرون على تعبئة قطاعات واسعة من الناخبين لا تضعف الأحزاب وحدها بل تضعف أيضًا النشاطات المنظمة. وكان ذلك واضحًا في ربيع العام الماضي 2011 عندما فشلت بسرعة محاولات أحزاب المعارضة الليبرالية مثل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD توحيد الاحتجاجات المحتملة ضدّ قادة الدولة وتنظيم مظاهرات حاشدة على غرار النموذج التونسي أو المصري. لا توجد في الجزائر حركة معارضة مترابطة.

رابعًا: تؤكِّد الاستطلاعات العديدة وكذلك تدني نسبة المشاركة في الانتخابات أنَّ الكثير من الجزائريين الذين يحقّ لهم الانتخاب وقسم كبير من جيل الشباب لا توجد لديهم أية اهتمامات بالحياة السياسية وبالعمل السياسي الحزبي وبالانتخابات باعتبارها وسيلة من وسائل المشاركة السياسية. فقد بلغت نسبة الإقبال على الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تم أجراؤها في العام 2007 خمسة وثلاثين في المائة وفقًا للأرقام الرسمية وحتى أنَّ المراقبين السياسيين يعتقدون أنَّ هذه النسبة كانت أقل من ذلك بكثير. ويضاف إلى هذه الأسباب أيضًا عامل مهم آخر يتجلى في حقيقة أنَّ التغييرات القسرية التي حدثت عام 2011 لم تؤدِّ سواء في تونس أو مصر أو في ليبيا إلى عملية تحوّل منظمة وخالية من العنف. إذ تعتبر المخاطر المرافقة لعملية التحوّل كبيرة جدًا بالنسبة للمواطن سواء في مجال الأمن الداخلي أو فيما يتعلَّق بالسلم الاجتماعي ودور الإسلاميين في المستقبل، حيث تبدو النزاعات الداخلية التي تدور بين الجماعات الإسلاموية المختلفة وبين طيف المجموعات الدينية الإصلاحية وحتى العلمانية مثيرة للقلق، فهذه النزاعات تشلّ النمو الاقتصادي التونسي وتزيد كذلك من تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لدى المواطنين كما أنَّها تستخدم العنف كويسة من وسائل العراك السياسي في تونس البلد الذي كان حتى عام 2011 آمنًا يحب الجزائريون قضاء الإجازة فيه.

الخوف من تفكّك النظام

الصورة إسلام شانا
إنَّ الاحتجاجات الاجتماعية التي تندلع مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2004 بسبب نقص البنية التحتية وانعدام الشفافية في توزيع المساكن الاجتماعية والبطالة ونقص المياه وانخفاض القوة الشرائية والمخالفات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية خير دليل على حدة المشكلات والاستياء المنتشر بين قطاعات كبيرة من الجزائريين من الأوضاع والظروف المعيشية.

​​وكذلك لا يبدو مثال ليبيا حيث تدخَّل حلف الناتو وتوقَّفت المعارك المسلحة التي دارت من أجل السلطة السياسية وصار يتم في هذه الأثناء حسم الصراعات القبلية الداخلية بالقوة مناسبًا لحشد الواطنين في الجزائر (أو في المغرب) من أجل الخروج في احتجاجات شعبية واسعة لا يمكن تقدير عواقبها. فهل ستُمهِّد الانتخابات التشريعية التي سيتم إجراؤها في الجزائر في العاشر من أيَّار/مايو 2012 الطريق لإحداث تغيير جوهري؟ من غير المتوقَّع حدوث ذلك، لأنَّ العلاقة القائمة بين الناخبين المحتملين والأحزاب السياسية لم تتحسَّن منذ الانتخابات الأخيرة ولعدم زيادة اهتمام المواطنين بالانتخابات وتوقعاتهم منها. ويضاف إلى ذلك أنَّ العمل في السياسة محدود جدًا لدى جيل الشباب.

إنَّ الخوف من تفكّك النظام ومن وقوع نزاعات وأعمال عنف داخلية جديدة ومن التدخّل الأجنبي وكذلك من الآثار السلبية على الاقتصاد - الخوف من التطوّرات التي تمكن ملاحظتها في دول أخرى شهدت تغييرات قسرية، يشير أكثر إلى أنَّ الجزائر قرَّرت بقاء الوضع القائم ولم تقرِّر خوض التجربة.

 

سيغريد فات
ترجمة: رائد الباش

مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

تعد الباحثة في العلوم السياسية الدكتورة سيغريد فات زميلة مشاركة في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية DGAP في برلين. ومن مجالات اختصاصها السياسة الداخلية والخارجية في دول المغرب العربي وكذلك الشراكة الأورومتوسطية.