العلاج في ألمانيا

استفاد القطاع الصحي في ألمانيا من الأزمة العربية الأمريكية. إذ صار العرب يفضلون التوجه إلى العيادات والمصحات الطبية الألمانية أكثر من الأمريكية

العلاج في ألمانيا

أصبح ما يسمى "بالسياحة الطبية" أو "سياحة المرضى" عملاً تجارياً يقدر حجمه بالملايين. وتعد شركات تقديم الخدمات الصحية في ألمانيا، إلى جانب المستشفيات والأطباء، من بين المستفيدين من الأزمة العربية الأمريكية. إذ صار العرب يفضلون التوجه إلى العيادات والمصحات الطبية الألمانية أكثر من الأمريكية، نظراً للشروط والإجراءات المشددة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية لمنح تأشيرات الدخول إليها منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وفي هذا الإطار يتطور تنظيم ورعاية هذه الرحلات العلاجية إلى عمل تجاري مغر. تقرير كلاوس أولريش من الدويتشه فيلله

تقوم شركة الخدمات غيرميديك Germedic ومقرها مدينة كولونيا، بتوفير الرعاية للمرضى القادمين من الخارج بغرض العلاج الطبي في ألمانيا. إلا أن مدير شركة غيرميديك، أكسل هولاندر لا يفضل سماع مصطلح "السياحة الطبية" الذي تتداوله وسائل الإعلام بمفهوم معين: "السياحة الطبية مصطلح لا يخلو تعميمه من مشكلة؛ لأنه يوجد عدد كبير جداً من المرضى الذين يأتون من بلاد أخرى إلى المستشفيات الألمانية لحاجتهم إلى العلاج الطبي. كما أن هذا المصطلح صحيح من جهة أخرى لأن للموضوع جانب سياحي بالطبع. غير أنه لا يجب على المرء تصور أن هؤلاء المرضى يقدمون إلى ألمانيا لمجرد قضاء عطلتهم، فلدينا بالفعل أناس حالتهم المرضية حرجة تماماً، ولا تتوفر في بلادهم إمكانية مناسبة لعلاجهم، ولهذا يأتون إلى المستشفيات الألمانية، وخاصة تلك التي تحظى بمكانة طبية مرموقة."

ويعد المرضى من العالم العربي بشكل خاص، منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة الأمريكية، من بين عملاء وكالة أكسل هولاندر. إن أحكام تأشيرات الدخول والسفر المشددة، التي تطبق الآن كإجراءات لمنع الإرهاب في الولايات المتحدة لها أثر منفـّر: فمن هو مريض لا يود علاوة على معاناته أن يبرر سبب وجود مقص أظافر في أمتعته.

سمعة جيدة

يتمتع القطاع الصحي الألماني بلا شك بسمعة طيبة على المستوى العالمي. هذا فضلاً عن توافر قدر كاف من الطاقات والإمكانات بحيث يمكن استقبال المرضى الأجانب للعلاج. وهو أمر مرغوب من قبل المستشفيات هنا لأسباب اقتصادية وتشغيلية. ويتوفر عدد كبير نسبياً من المستشفيات الجامعية والعيادات الضخمة. يقول أكسل هولاندر: "الجانب الثاني الشيق هو أنه نظراً لكثافة الأطباء الكبيرة في ألمانيا، فإن لدينا أطباء متخصصون في كافة المجالات الطبية، وهم يتمتعون بمكانة معترف به دولياً، يمكن بلا ريب مقارنتها بمثيلاتها في مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية. وتتوفر في ألمانيا بالتأكيد الكفاءات المتخصصة في كافة المجالات الطبية."

أما على المستوى السياسي، فإن أنشطة العلاقات العامة عالمياً هي من مهام "هيئة تشجيع الطب الألماني في الخارج" ومقرها في بون. تقول المتحدثة باسم الهيئة كيرستن آداميك: "إننا نعمل على زيادة شهرة الطب الألماني وجودة الخدمة الصحية الألمانية في الخارج، مع التركيز على العالم العربي بشكل خاص خلال العامين الماضيين."

لا توجد إحصائيات عن عدد المرضى العرب الذين يأتون إلى ألمانيا كل عام بغرض العلاج. كما أن الهيئة لا يمكنها سوى الاستناد إلى آراء الخبراء في هذا الصدد. الشيء المؤكد هو تراجع عدد المرضى الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول. تعلق كيرستن آداميك قائلة: "من الصعب هنا إعطاء أرقام دقيقة، ولكن استناداً إلى تقديرات المراقبين، فقد تراجع حجم الأعمال البالغ 1,4 مليار دولار أمريكي منذ ذلك الوقت بمقدار 50 في المائة. وهذا يعني أن جزءاً من خدمات علاج المرضى من العالم العربي، يقدر ما بين 500 إلى 700 مليون دولار أمريكي لم يتم أو انتقل إلى دول أخرى. وهذا يعني أيضاً أن جزءاً من ذلك كان من نصيب ألمانيا بالتأكيد."
يلمس مدير شركة الخدمات الطبية جيرميديك، فولفغانغ هولاندر، هذا التطور بشكل أوضح، نظراً لزيادة الطلب إلى خدماته: "هناك زيادة في الطلب خلال العام ونصف السابقين من 100 في المائة إلى 150 في المائة تقريباً."

تكاليف باهظة

تقفز تكاليف العلاج الطبي والإقامة بالمستشفيات، في حالات العمليات الجراحية أو علاج أمراض السرطان، إلى عدة عشرات آلاف يورو بسرعة شديدة. بينما تبلغ تكاليف خدمة الرعاية التي توفرها وكالة هولاندر، بناء على قوله، مجرد 2.000 – 2.500 يورو في المقابل. ويتوقف حساب المبلغ بالضبط على مدة بقاء المريض للعلاج في ألمانيا طبعاً: "نحن نحاول سد الفجوة بين المرضى في بلادهم وحتى السفر للعلاج في إحدى المستشفيات الألمانية. هناك عوامل عديدة تلعب دوراً في هذه المرحلة، حيث يجب قبل السفر تحديد الطبيب الأخصائي المناسب وترتيب إجراءات دفع تكاليف العلاج للمستشفى الألماني، وهي بالمناسبة خطوة لازمة لكي يحصل المريض على تأشيرة دخول إلى ألمانيا. حتى إجراءات وشروط السفر إلى أوربا أصبحت صعبة. وهذا يشمل أيضاً تأشيرات الدخول للمرضى من العالم العربي التي لم تعد تُمنح ببساطة كما كان عليه الحال قبل عشر سنوات مثلاً. كل هذه الأشياء يجب الترتيب لها والانتهاء منها قبل السفر. كذلك يحتاج المرضى رعاية مكثفة بعد وصولهم ألمانيا طبعاً؛ فكثير منهم لا يتحدثون سوى العربية أو الإنكليزية بقدر ضئيل نسبياً، وهذا يعني أن علينا توفير أحد المترجمين العرب ليتواجد مع المريض بصفة دائمة من أجل توضيح مسائل العلاج الطبي في المستشفى بين الأطباء والمريض."

لحسن الحظ لم يتوف حتى الآن أحد من المرضى العرب الذين ترعاهم وكالة غيرميديك Germedic. غير أنه لا يمكن دائماً تجنب التطورات الخطرة التي قد تطرأ بشكل أو بآخر على الحالة الصحية لبعض المرضى، على حد قول مدير الشركة أكسل هولاندر: "كان لدينا أحد المرضى، الذي قدم إلى ألمانيا من أجل عملية زرع عظام مفصل الفخذ، غير أنه تعرض لأزمة قلبية بعد أيام قليلة. وكان أول ما فعله مباشرة بعد أن استرد وعيه هو تدخين سيجارة بول مول دون فلتر، وهو مازال في عنبر العناية المركزة. وقد سببت هذه الظروف بعض الاضطراب، وفي نهاية الأمر لم يمكن للأسف إجراء العملية الجراحية المرتقبة أصلاً."

كلاوس أولريش، الدويتشه فيلله 2003
ترجمة حسن الشريف