الرياض وواشنطن......صداقة متينة تتفتت وعلاقات تتصدع

تدعم المملكة العربية السعودية إنشاء دولة فلسطينية دعماً واضحاً، وتبدي تفهماً للموقف الإيراني، كما أن مشتريات الأسلحة السعودية لم تعد محصورة على الأسلحة الأمريكية الصنع. وبالرغم من عقد صفقة أسلحة مع واشنطن تتعدى قيمتها الستين ملياراً من الدولارات الأمريكية فإن عُرى الشراكة السعودية الأمريكية – التي كانت يوماً لا تنفصم – قد بدأت في التفتت. تقرير رودولف شيميلي.

الكاتبة ، الكاتب: Rudolph Chimelli



عندما يقدم نفسه يقول إنه لا يتحدث إلا باسمه الشخصي فحسب. الوظيفة الرسمية الوحيدة التي يقرؤوها المرء على بطاقته هي مدير مركز الملك فيصل للبحث والدراسات الإسلامية في العاصمة السعودية الرياض. غير أن الأمير تركي الفيصل، البالغ من العمر خمسة وستين عاماً، هو ابن شقيقة الملك عبد الله، ولذلك فإن كافة المهتمين بشؤون الشرق الأوسط يصغون بانتباه إلى أي حرف ينطق به سمو الأمير.

قبل أن يصبح الأمير – وهو الأوسع ثقافةً بين أمراء العائلة المالكة في السعودية - سفيراً لبلاده في لندن وواشنطن، كان تركي الفيصل لمدة ربع قرن تقريباً مدير جهاز الاستخبارات السعودية. ويعتبر الفيصل المهندس الأساسي للعملية التي قامت خلالها المملكة السعودية بتقديم الدعم للمجاهدين الأفغان ضد الروس. وفي الوقت الحالي فإن الفيصل يُنظر إليه على أنه الخليفة المُرتقب لشقيقه المريض، سعود الفيصل، الذي يشغل منذ سنوات طويلة منصب وزير الخارجية.

في الشهر الماضي تحدث الأمير أمام ضباط أمريكيين وبريطانيين في القاعدة الإنكليزية الجنوبية مولسورث التابعة لسلاح الطيران الملكي عن "برنامج الأمن السعودي للعقد القادم" الذي الحلول لما يمثله الوضع المتغير في المنطقة من تحديات، مثل الصراعات الداخلية في دول المجاورة كاليمن وسوريا والبحرين، وموقف إسرائيل الذي لا يلين في الصراع مع الفلسطينيين، وغياب الدعم الأمريكي لصديق قديم مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وكذلك التطلعات السيادية لدولة إيران.

ويعتبر مشروع شراء مئتي دبابة من طراز "ليوبارد" من ألمانيا جزءاً من التوجه الجديد للسياسة السعودية، فالمملكة تتفاوض منذ عام 2009 لتنويع مصادر أسلحتها، مثلما فعلت مع روسيا عندما استوردت منها نُظم دفاع صاروخية ومركبات مصفحة وأجهزة ملاحة جوية، وهو ما أكدته مؤخراً الوكالة الحكومية لتصدير الأسلحة في موسكو.

الأمير تركي، الصورة ا ب
وصف الأمير تركي في خطابه إيران بأنها "نمر من ورق بمخالب من حديد"

​​غير أن الولايات المتحدة تظل الموّرد الرئيسي للسلاح بالنسبة للسعوديين. وكانت آخر صفقة أبرمتها السعودية مع الولايات المتحدة في الخريف الماضي، حيث تعاقدت المملكة على استيراد طائرات ومروحيات مقاتلة وسفن حربية صغيرة ونُظم دفاع جوية بما قيمته 60 مليار دولار. غير أن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، إذ إن الثقة القديمة التي كانت العائلة الملكية الحاكمة في السعودية تضعها في الولايات المتحدة، واعتقادها بأن واشنطن ستدافع عن الرياض في حالة التهديد الخارجي مثلما حدث في حرب الكويت، هذه الثقة قد تزعزعت.

وبعد زيارة له لدى الملك السعودي عبد الله في نهاية الأسبوع الماضي صرح توماس دونيلون، المستشار الأمني للرئيس الأمريكي، أنه كانت هناك "فترات توتر" في العلاقة بين الشريكين، غير أن العلاقات السعودية الأمريكية هي بصفة عامة "في حالة جيدة نسبياً". ووفق بعض التقارير فإن الملك السعودي "غير سعيد" بالموقف الأمريكي من الربيع العربي، بالرغم من ذلك فما زالت المصالح المشتركة تربط بين الطرفين، مثلاً الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب والتخلص من أسلحة الدمار الشامل.

أما الرجل السعودي الذي لا يتحدث سوى بصورة شخصية فقد كان أكثر صراحةً من الدبلوماسي الأمريكي، وذلك في مقالته التي نُشرت في مطلع يونيو / حزيران في صحيفة "واشنطن بوست" حول الموضوع ذاته. لقد تنبأ الأمير بـ"عواقب كارثية" بالنسبة للعلاقات السعودية الأمريكية في حالة ما إذا استخدمت الولايات المتحدث حق الفيتو في سبتمبر / أيلول المقبل عندما يتم إعلان تأسيس الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
ومن جانبه أعرب الملك عبد الله أيضاً أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية عن عدم رضاه بالموقف الأمريكي الموالي لإسرائيل. غير أن النقد الذي وجهه الأمير تركي الفيصل وصلت إلى مستوٍ غير مسبوق من الحدة.

"لقد طفح بنا الكيل"

الصورة د ب ا
"هناك قوى أخرى في منطقة الشرق الأوسط –ومنها جماهير الشارع العربي – التي ربما تكون أكثر أهمية بالنسبة لواشنطن"

​​

"لقد طفح الكيل بالأمير تركي وبالمملكة العربية السعودية": هكذا كتب ريتشارد كوهين معلقاً على مقالة الأمير السعودي في الصحيفة نفسها. لقد اعتبر الأمير خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه قبلها بخصوص الشرق الأوسط خطاباً "مثيراً للجدل"، كما أنه شعر بـ"الضيق" عندما وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي في الكونغرس الأمريكي، واضعاً ¬ وسط تصفيق أعضاء الكونغرس - الحقوق الأساسية للفلسطينيين موضع تشكك. "لقد حان الوقت بالنسبة للفلسطينيين لكي يبحثوا عن الدعم الدولي لقيام دولتهم بعيداً عن الولايات المتحدة وإسرائيل"، يقول الأمير تركي في مقالته. "إن المملكة العربية السعودية ستستخدم في سبتمبر / أيلول المقبل كل ما لديها من سلطة دبلوماسية لكي تدعم مطالب الفلسطينين الخاصة بالاعتراف بدولتهم. واستطرد الأمير قائلاً إنه يتوقع أن تلقى المملكة دعماً لجهودها من الدول العربية الأخرى ومن الجزء الأعظم من المجتمع الدولي.

إذا ظلت الولايات المتحدة على موقفها الحالي فإن الطرفين سيصلان إلى "حضيض" علاقاتهما القائمة منذ عقود عديدة، كما أن عملية السلام وصورة أمريكا في العالم العربي ستصاب بضرر لا يمكن إصلاحه، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الهوة الإيديولوجية بين العالم الإسلامي والغرب، مما قد يقضي على فرص الصداقة والتعاون بين المعسكرين."

وفي مقابل الموقف التقليدي لكبار الساسة الأمريكيين في معاملة إسرائيل كـ"حليف لا غنى عنه"، أشار الأمير تركي إلى أفق آخر بالنسبة للسياسة الأمريكية، فهناك قوى أخرى في منطقة الشرق الأوسط – "ومنها جماهير الشارع العربي" – التي ربما تكون أكثر أهمية بالنسبة لواشنطن. "سوف يدحض التاريخ وجهة النظر التي تقول بأن مستقبل فلسطين سترسمه الولايات المتحدة وإسرائيل." في الماضي قال العرب "لا" للسلام فجاءتهم على حرب 67 رداً على موقفهم، يقول الأمير. أما اليوم فإن الإسرائيليين هم الذين يقولون "لا"، ولا يريد الأمير أن يرى إسرائيل تدفع ثمن موقفها هذا.

وسائل الإعلام لم تلتقط من بين ما قاله الأمير في خطابه المهم في القاعدة الجوية سوى نقطة واحدة سُلطت عليها الأضواء، وهي أن السعودية سترى نفسها مجبرة هي أيضاً على تصنيع قنبلة ذرية في حالة ما إذا فعل الإيرانيون ذلك. غير أن هذا الإعلام ليس جديداً، إذ سبق وأشار إليه الملك عبد الله في عام 2008 عندما قال: "إن كل دولة من دول المنطقة، ومنها السعودية، ستفعل مثل إيران." وبالمساعدة التقنية التي يقدمها الباكستانيون – والسعودية هي التي موّلت تطوير المشروع الباكستاني لتصنيع قنبلة ذرية بنسبة تُقدر بنحو 50 في المئة - سيكون باستطاعة السعودية أن تقوم، على الأرجح قريباً، بخطوة مشابهة.

مزيد من التعاون مع أصحاب الرؤية المتشابهة

الصورة ا ب
"سوف يدحض التاريخ وجهة النظر التي تقول بأن مستقبل فلسطين سترسمه الولايات المتحدة وإسرائيل"

​​التحذير الذي وجهه الأمير تركي كان أقل مباشرةً من كلام الملك عبد الله. المطلب الأساسي الذي يطالب به الأمير، والذي وجهه إلى إسرائيل، كان إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط. تركي يؤكد أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران تأتي بنتائجها. ووصف الأمير في خطابه إيران بأنها "نمر من ورق بمخالب من حديد"، معتبراً أنها تتدخل في كل مكان لكي تنشر عدم الاستقرار في المنطقة.

غير أن إيران نفسها، يضيف الأمير، تتعامل بحساسية تجاه التدخل الخارجي. واعتبر تركي أن الضربات العسكرية على المنشآت الإيرانية "ستأتي بنتائج عكسية"، وهي نقطة يتفق حولها قادة الجيش الأمريكي أيضاً. وكان الأمير تركي في العام الماضي قد اعتبر إمكانية القيام بهجوم مسلح على إيران "كارثة"، أما الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان فقد اعتبرها آنذاك "مُضَلَلة". وتكاد كل التقارير السرية الواردة من المملكة العربية السعودية وكذلك معظم التحليلات الغربية وآراء الدبلوماسيين العرب أن تتفق في هذه النقطة مع رؤية الأمير تركي المتشائمة.

أما بخصوص التطورات في سوريا فلم يكد حتى الآن يصدر تعليق رسمي من الرياض. وقد اعتبر الأمير تركي تعامل القيادة السورية مع الوضع ينم عن تقصير بائس، وتنبأ تركي قائلاً: "سوف يتمسك الرئيس السوري بشار الأسد بالسلطة إلى أن يرى آخر سوري ميتاً."

وتلاحظ كافة الأطراف تحولاً في التوجه السعودي، وترى في هذا التحول أساساً للسياسة السعودية الخارجية الجديدة التي ترتكز في المقام الأول على التعاون بشكل كبير مع القوى السياسية في الشرق الأوسط التي تتفق في الرؤية مع المملكة السعودية. وهكذا زار الملك الأردني عبد الله الرياض مؤخراً لكي يتباحث مع العاهل السعودي عن الوضع في الشرق الأوسط.

 

رودولف شيملي
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2011

رودولف شيملي خبير بشؤون الشرق الأوسط، وهو يعمل منذ سنوات طويلة مراسلاً لصحيفة "زود دويتشه" الألمانية.