معوقات التعاون ومحفزات الصراع...إلى أين المسار؟

يلقي الإعلامي البارز خالد الحروب في هذه المقالة نظرة على أهم معوقات قيام علاقات وصيغ تعاون إقليمي وروابط جوار عربية إيرانية التي تحكمها في الأساس السياسيات الإيرانية في المنطقة وطموحاتها فيها وما يقابلها من توجس عربي إزاء هذه التوجهات والمشروعات.

الصورة د.ب.أ
"ترى إيران الحالية نفسها ومستقبلها كقوة عظمى، وهي تريد من الآخرين القبول بهذا الطموح"

​​ تفيدنا التجربة التاريخية المعاصرة بأن المنظومات والكتل الإقليمية تنشأ إما لتعزيز التعاون أو تخفيض مستويات المخاطر والتهديدات أو لكليهما معاً. وليست ثمة حاجة ملحة هنا لإثبات أطروحة تحقيق المصالح التي تعود على الدول المنخرطة في أشكال التعاون الإقليمي المختلفة، فهذا أمر متفق عليه. ولكن من المفيد الإشارة إلى بعض الملاحظات ذات الدلالة الخاصة، والتي قد تلقي بعض الضوء على الحالة العربية وجوارها، وخاصة الإيراني. في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية يُنظر دوماً إلى الاتحاد الأوروبي والصيغ التي تطور عبرها على مدار أزيد من ستين سنة على أنه النموذج الأكثر نجاحاً والأكثف غنى بالتجربة والدروس المُستفادة.

وفي كل حالة من حالات التكتل الإقليمي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هناك دوماً تمثل واستئناس بالنموذج الأوروبي الذي أثبت نجاحاً كبيراً. وجوهر التحدي الذي يواجه المشروعات الاتحادية والتعاونية يكمن في كيفية ترويض المصالح المختلفة والمتناقضة للدول والوصول إلى صيغ مشتركة، تأخذ في التوسع التدريجي على حساب المصالح المتناقضة، وكل ذلك في ظل التقديس الدولي والنخبوي المدهش والصلد لفكرة السيادة وعدم التنازل عنها لأية صيغة من الصيغ.

عوامل نجاح النموذج الأوروبي

في الحالة الأوروبية هناك دوافع عديدة وراء تطور ونجاح صيغتها الاتحادية، بعضها خاص بالسياق الأوروبي والتجربة التاريخية التي مرت بها القارة، وبضعها الآخر عام يمكن أن يُستفاد منه ويتكرر في مناطق أخرى. وأول وأهم الدوافع التي ضغطت على الأوروبيين والأميركيين لإقامة تكتل أوروبي قوي كان الخوف الغربي العام من الاتحاد السوفييتي الصاعد ونموذجه الاشتراكي الجذاب. وتلي ذلك الحاجة الماسة إلى بناء سوق كبير يستوعب إنتاجات الرأسمال الأميركي. ومن تلك الدوافع أيضاً، وهو الأمر الذي يهمنا التوقف عنده هنا، مسألة ضرورة احتواء ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وقطع الطريق على أية إمكانية لعودة التوجهات النازية التوسعية التي ترى في الجوار الأوروبي ساحات معارك وغزو، ليس إلا.

الصورة د.ب.ا
"في الحالة الأوروبية هناك دوافع عديدة وراء تطور ونجاح صيغتها الاتحادية، بعضها خاص بالسياق الأوروبي والتجربة التاريخية التي مرت بها القارة، وبضعها الآخر عام يمكن أن يُستفاد منه ويتكرر في مناطق أخرى"

​​

على أن احتواء ألمانيا لم يكن رغبة خارجية فحسب، أي عند الأطراف الأوروبية أولاً، والأميركيين ثانيّاً. بل لقد سيطرت تلك الرغبة، بقوة كبيرة، على النخب الألمانية نفسها التي رأت كيف قاد الطموح النازي والجنون الهتلري إلى تحطيم ألمانيا ودمارها. وكانت نخب ألمانيا ما بعد الهزيمة تريد من العالم الخارجي أن يُساعدها على أن تدجن نفسها، وعلى إعادة تأهيل البلد نحو مستقبل مختلف، سلامي غير عسكرتاري، متصالح مع جواره وليس مستعديّاً له. وبشكل من الأشكال، وعلى رغم التبسيط الذي قد يبدو مخلاً، أرادت ألمانيا ما بعد الحرب أن تصرف كل طاقتها القادمة في مشروع الوحدة الأوروبية، حتى لا يتم تفريغ تلك الطاقة في مشروع حربي متجدد مع أوروبا. ونعلم جميعاً كيف أن ذلك التفكير وما انبنى عليه من سياسات جعل من ألمانيا في سنوات لاحقة حجر الزاوية في مشروع الاتحاد الأوروبي، والراعية الرئيسة له. فقد أصبحت ألمانيا مثقلة بمسؤوليات قيادة القارة، بعد أن كانت مثقلة بشهوات شن الحرب عليها.

وفي الوقت نفسه كانت هناك عوامل مهمة ساعد غيابها على نجاح مشروع الاتحاد الأوروبي، وأحد أهم العوامل هنا كان غياب أية أيديولوجيات بينية متناقضة داخل البيت الأوروبي. وكانت هناك بطبيعة الحال الأيديولوجية الرأسمالية التي خاضت حربها العقائدية ضد الاشتراكية، ولكنها كانت خياراً أيديولوجيّاً متوافقاً عليه أوروبيّاً وغربيّاً. ولم تتبن الدول الأوروبية القيادية، بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا وخلفها الولايات المتحدة، أيديولوجيات حادة مختلفة تكاد واحدتها تنزع الشرعية عن وجود الشركاء الآخرين. ومعنى ذلك، واستفادة من التجربة الأوروبية، يمكن أن نقول إن نجاح التكتل الإقليمي يحتاج إلى درجة عالية من تكاثف العوامل والدوافع الضاغطة على الأطراف المرشحة للانخراط فيه وتحقيقه: خطر مشترك خارجي، مصالح داخلية لا تتحقق إلا به، لجم نزوات التوسع لدى البعض، وجود نواة أولية صلبة من الدول التي تشكل قاعدة ذلك التكتل، وتوفر انسجام أيديولوجي عام أو على الأقل انتفاء التناقضات الأيديولوجية الحادة، وهكذا.

حالة النظام العربي

الصورة دويتشه فيله
هناك من يعتقد بأن بعض وسائل الإعلام قد خلقت حالة من التوجس إزاء إيران في المنطقة العربية

​​ وفي حالة النظام العربي وجواره تبرز إيران بكونها الطرف الأهم الذي يستدعي النقاش والتفكير واجتراح الصيغ المختلفة. وهنا وبالتأمل في وجود أو غياب الأسس الأولية للشراكة الإقليمية ندرك صعوبة تحقيق صيغة تعاونية حقيقية ومعقولة. يمكن بطبيعة الحال صوغ شكل فوق تحاوري واسمي، ولكن من ناحية جوهرية هناك افتراقات حادة وكبيرة. ففي علاقة إيران مع العرب هناك عمليّاً ندرة للأرضيات المشتركة، ووفرة في الشكوك المتبادلة، وهو تقرير واقع مُشاهد من قبل الجميع. ومن المفيد التوقف هنا، وفيما خص احتمالات تطور صيغ إقليمية عربية- إيرانية، عند مسألتي استمرار أو كبح السياسة التوسعية، والحمولة الأيديولوجية للمشروع الإيراني.

إن إيران الحالية ترى نفسها ومستقبلها كقوة عظمى، وهي تريد من الآخرين القبول بهذا الطموح. وفي الجوار العربي يتمثل هذا الطموح على شكل سياسات متنوعة، بعضها احتلالي كما هو الحال في مواصلة احتلال الجزر الإماراتية، وبعضها توسعي استراتيجي في النفوذ، كما هو الحال في دعم "حزب الله" و"حماس"، وبعضها آخر استراتيجي وسياسي وأمني كحال النفوذ الإيراني في العراق، وبعضها ديني عقائدي كما هو الحال في محاولة التأثير في الشيعة العرب في المنطقة وتحويل ولائهم. وكل هذه التعبيرات والتطلعات نحو الخارج هي تمظهر لاندفاعات أيديولوجية تقلق الجوار العربي الرسمي، الذي يتضاعف قلقه بسبب مستويات من التلقي للاندفاعات الأيديولوجية الإيرانية. ونعرف أن ذلك قائم في معظمه على خلفية فشل العرب أنفسهم وبعض أنظمتهم في التعبير عن مصالح شعوبهم والدفاع عنها بما قد يدفع بعض تلك الشعوب للتطلع نحو أطراف خارجية ضد الغطرسة الإسرائيلية تحديداً، وهنا تبرز إيران وتركيا.

والجانب الآخر المتعلق باندفاعات إيران الأيديولوجية هو أنها هي نفسها، وخاصة الرسمية، لا تستشعر ضرورة كبح جماح نفسها. ومعنى ذلك أن قيام علاقات وصيغ تعاون إقليمي وروابط جوار عربية- إيرانية، وبعيداً عن التفكير الرغبوي، يفتقد الشروط الأساسية البنيوية. وظروف وطبيعة السياسة الإيرانية الحالية، وضعف القوى المحلية التي قد تعي ضرورة صوغ منظومة إقليمية تكبح الاندفاعات المؤدلجة، تدفع نحو اتجاهات تعاونية، كل ذلك يضعف من احتمالات تطور صيغ تعاون إقليمي سياسي بين العرب وإيران.

خالد الحروب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

خالد الحروب ناقد وكاتب إعلامي معروف وأكاديمي ومحاضر في جامعة كامبردج

قنطرة

السياسة الألمانية والأوروبية تجاه إيران:
تعثّر التقدّم وصعوبة التغلب على عقدة انعدام الثقة عقدة انعدام الثقة
يرى الخبير المعروف في شؤون الشرق الأوسط ومدير المعهد الألماني للأمن والدراسات الدولية في برلين، فولكر بِرتس، أن على الغرب أن يمد يده ناحية إيران في المسألة النووية، غير أن عليه في الوقت ذاته أن ينتقد انتهاكات حقوق الإنسان هناك.

دول الخليج العربي والبرنامج النووي الإيراني:
خشية من جارة كبيرة تمتلك القنبلة النووية القنبلة النووية
تنظر دول الخليج العربي بقلق وريبة إلى جارتها إيران، وتخشى من أن تكون هذه الدولة المجاورة قد تسعى إلى فرض رغبتها في السيطرة على المنطقة من خلال امتلاكها القنبلة النووية، الأمر الذي لا يمكن للمرء تنبّؤ عواقبه. بتينا ماركس في قراءة لبعض ردود الفعل العربية على البرنامج النووي الإيراني وأبعاده على دول الخليج العربي.

تاريخ البرنامج النووي الإيراني:
"الفكر النووي الإيراني".....دروس التاريخ ومخاوف المستقبل
تعود فكرة البرامج النووي الإيراني إلى سبعينيات القرن الماضي وذلك على الرغم من أن فكرة الأسلحة الذرية كانت تعتبر لدى القيادة الإيرانية "غير إسلامية". بيد أن تجرب الحرب العراقية الإيرانية أدت إلى قناعة طهران السياسية بأن البلاد بحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة كنوع من الردع ولتحسين موقعها كقوة إقليمية. كتاجون أميربور تلقي الضوء على تطور تاريخ البرنامج النووي الإيراني.