الطريق الثالث نحو السلام؟

يحاول حزب العمال الكردستاني الدخول في حوار مع الحكومة التركية، لكن الأخيرة تتمهل في إجراء إصلاحات جريئة تعد ضرورية لحل المعضلة الكردية في تركيا. في هذه الأثناء تمهد حركة للمجتمع المدني طريقاً ثالثاً ترفض استخدام العنف بقوة وتطالب بحق استخدام اللغة الكردية. عائشة كارابات تستعرض أهداف هذه الحركة وفرص نجاحها.

مقاتل كردي، الصورة كومونس
"يوجد تحول اجتماعي راديكالي في المجتمع الكردي. وهذا التحول ينعكس في العدد الكبير من الأشخاص الذين يعتقدون أن العنف ليس حلاً"

​​ بين عرض حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح من جانب وبين المساعي الإصلاحية للحكومة التركية الهادفة إلى تمهيد الطريق إلى حل سلمي للمشكلة الكردية من جانب آخر، توجد قوة ثالثة في السياسة الموالية للأكراد، وفي سياسة نابعة من المجتمع المدني.

ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت هذه القوة الجديدة في وضع يمكنها من تجاوز كل العقبات لتصبح حركة سياسية قوية، لكن على الرغم من ذلك فإنها باتت اليوم تؤخذ على محمل الجدية من قبل الشعب التركي ووسائل الإعلام. وأظهر أنصار هذه الحركة بشكل واضح أنهم يؤمنون بقوة في أنه لا يمكن التوصل إلى حل إلا أذا سكت السلاح، وهم يعملون بحزم للوصول إلى هذا الهدف.

عثمان بايديمر، عمدة ديار بكر والعضو في حزب السلام والديمقراطية المؤيد للأكراد، وهو حزب أُتهم مراراً بعدم قدرته على الخروج من سطوة حزب العمال الكردستاني، يقول عن ذلك: "إن السلاح لا يعد وسيلة لحل الصراع، ففي القرن الواحد والعشرين فقد السلاح أهميته". ويضيف بايديمر مؤكداً بالقول إن العنف لا يمثل سبب المشكلة الكردية، وإنما نتيجة من نتائجه

محادثات بين الحكومة وأوجلان

هجمات طالت أهدافا عسكرية تركية، الصورة دزب.ا
"إن السلاح لا يعد وسيلة لحل الصراع، ففي القرن الواحد والعشرين فقد السلاح أهميته"

​​

وعلى تصريحات باديمير هذه أبدى زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان رد فعل طالب فيه الأول إما بالاستقالة أو مراجعة تصريحاته بشكل نقدي أو الانضمام لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم. وبحسب آراء الخبراء فإن أوجلان يعتريه قلق شديد من إمكانية بروز شخصية قيادية أخرى في إطار السياسة الموالية للأكراد.

إن تصريحات باديمير أتت بالتحديد بعد يوم واحد من إعلان حزب العمال الكردستاني تمديد الهدنة من جانب واحد حتى الانتخابات البرلمانية المزمع أجراؤها في حزيران/ يونيو 2011. وأتى في البيان أن حزب العمال الكردستاني سوف يتوقف عن شن الهجمات، طالما لا تتم مهاجمته. وأوضح الحزب في بيانه أنه يريد إيجاد إمكانية ما لمناقشة مفتوحة لتغييرات دستورية ضرورية ولاستمرار الحوار الذي يُزعم أن بدأ بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان. لكن يبقى من غير الواضح حتى الآن طبيعة هذه المحادثات التي تُثار حولها الكثير من التكهنات.

وقبل يوم واحد من تمديد الهدنة حصل مجدداً هجوم بالقنابل في ساحة تقسيم في مدينة اسطنبول، جُرح فيه مدبره وثلاثون شخص آخر. في ضوء ذلك نفى حزب العمال الكردستاني بشكل قاطع أي ضلوع له في هذا الهجوم، لكن بعد وقت قصير من ذلك أعلنت مجموعة تابعة للحزب عن مسؤوليته عن الهجوم. وفي بيان آخر حث حزب العمال الكردستاني كل المجاميع المرتبطة به على إنهاء الهجمات أو تحمل عواقبها، وهذا يعني أن هذه المجاميع المعنية ستتعرض للمساءلة.

حقبة جديدة من الصراع

وبحسب المحلل السياسي التركي سيدات لاجينر من منظمة الأبحاث الإستراتيجية الدولية فإن المعضلة الكردية دخلت حقبة جديدة، تسعى فيها الحكومة التركية إلى حل سلمي ويدعم فيها جزء كبير من الأتراك والأكراد عملية الإصلاح، حتى أن بقي من غير الواضح أي نوع من الإصلاحات يجب القيام به.

ويضيف لاجينر بالقول: "إن هذه العملية تعد أصعب من الصراعات المسلحة لأنه يجب على جميع الأطراف التكيف مع هذا الوضع الجديد، وهذا الأمر يسري على الحكومة والمجتمع التركيين وعلى حزب العمال الكردستاني. لكن توجد قوى داخل هذا الحزب لا تريد إلقاء السلاح. إضافة إلى ذلك بدأت هناك هوة تتسع بين الأوساط الموالية للأكراد، فعدد الذين لا يريدون دعم العنف آخذ في التزايد. ويعرف أوجلان تمام المعرفة أن هذه الهوة آخذة في الأتساع لأن الحكومة تتخذ إجراءات ضرورية، ولذلك فإنه يرى من الضروري الإسراع في التوصل إلى نتائج في حواره مع الحكومة. وفي حالة عدم تحقق ذلك سيفقد كل قدرة له على التفاوض".

وفي هذا السياق يشير الرئيس السابق لمنظمة ديار بكر المعنية بحقوق الإنسان، سيزكن تانريكولو، إلى أن تأثير حزب العمال الكردستاني أو نفوذ حزب السلام والديمقراطية في السياسة الموالية للأكراد ما زال كبيراً بفضل الذهنية المتجذرة للولاء المتبادل في الثقافة الكردية. ويضيف تانريكولو قائلاً: "طالما لا يوجد حل لمشكلة الناس الذين يعيشون على الجبال، ستبقى هذه القوة الثالثة تفتقر إلى التأثير الكافي. يجب في البدء إنهاء مرحلة الصراعات المسلحة".

حصار حكومي

الصورة د.ب.ا
هناك تحول في عقيدة حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان

​​

وفي ضوء القمع الذي تقوم به الحكومة تميل الكتل الكردية إلى الاتحاد. في القضية المرفوعة حالياً ضد حزب "اتحاد المجتمع الكردستاني" تم توجيه الاتهام لـ151 شخصاً، من بينهم عمد بعض المدن وسياسيون موالون للأكراد، بكونهم أعضاء في التنظيمات المدنية لحزب العمال الكردستاني. عن ذلك يعلق تانريكولو مضيفاً بالقول: "إن الدولة تمتلك موهبة كبيرة في توحيد الأكراد، فبسبب هذه القضية يتضامن الشخص الكردي العادي مع الآخرين بغض النظر عن كل الاختلافات في الآراء".

خلال مرافعات القضية المرفوعة ضد اتحاد المجتمع الكردستاني قال المتهمون أنهم يريدون الدفاع عن نفسهم باللغة الكردية، لكن المحكمة رفضت هذا الطلب. وحين أصر المتهمون على الحديث باللغة الكردية وصفت المحكمة الوضع بالشكل التالي: "يصر المتهمون على الحديث بلغة غير معروفة"، الأمر الذي يمثل إهانة للكثير من الأكراد.

إن حرية الحديث باللغة الكردية تعد مطلب رئيسي لحركة الطريق الثالث. ويوصي تقرير صدر مؤخراً عن مركز ديار بكار للأبحاث السياسية والاجتماعية ومؤسسة هاينريش بول الألمانية بدعم من غرفة التجارة والصناعة في ديار بكر، يوصي بضرورة إيجاد نظام مدرسي ثنائي اللغة.

ومن الأمور المثيرة للاهتمام إشارة التقرير إلى أن من أول التعبيرات التي يتعلمها الطفل الكردي في نظام التعليم باللغة التركية هو "أصمت". وعلى الرغم من دعوة كلا الحزبين والاهتمام الإعلامي الكبير بهذه المناسبة لم يظهر أي نائب عن حزب السلام والديمقراطية أو حزب العدالة والتنمية لتقديم التقرير.

"العنف ليس حلاً"

يرى شاه إسماعيل بدرخانوغلو، رئيس رابطة رجال الأعمال والصناعة في جنوب شرق الأناضول، إن التدريس باللغة الكردية يعد هدفاً مركزياً لجميع الأكراد بغض النظر عن وجهات نظرهم السياسية. ويضيف بدرخانوغلو قائلاً إن الأكراد يطمحون أيضاً إلى تقوية الإدارة المحلية في المنطقة الجنوب شرقية، لكن ليس جميع الأكراد يريدون "حكم ذاتي ديمقراطي" مجهول، كما يطالب حزب العمال الكردستاني وحزب السلام والديمقراطية. إن الفكرة الأساسية "للقوة الثالثة" هي تخفيض عقبة العشرة بالمائة في الانتخابات، والتي يجب على الأحزاب تخطيها لدخول البرلمان.

ويختم بدرخانوغلو حديثه بالقول: "إن الأكراد لا يشكلون مجتمعاً متجانساً، فلديهم آراء سياسية متباينة. ولا يمكن إنكار هيمنة حزب السلام والديمقراطية، لكن يوجد تحول اجتماعي راديكالي في المجتمع الكردي. وهذا التحول ينعكس في العدد الكبير من الأشخاص الذين يعتقدون أن العنف ليس حلاً، والذين يرون أيضاً أنه من غير المقبول الامتناع عن منح الأكراد حقوقهم باعتبارهم مجموعة. وهم بذلك أشخاص من الطبقة المتوسطة أو الطبقة العليا من المجتمع، مفكرون وتجار وخبراء في مجالات مختلفة. ويمكن في المستقبل القريب أن يزداد عددهم وقوتهم.

عائشة كارابات
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

سياسة الحكومة التركية تجاه الأكراد:
خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء
السياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية حيال الأكراد تختلف جذريا عن مواقف الأحزاب الأخرى. ومع ذلك لا بد من لوم رئيس الوزراء إردوغان لتوقفه عن متابعة سياسة المصالحة مع الأكراد تحت ضغط القادة العسكريين وأصحاب النزعات القومية. مقال كتبته سوزانه غوستن.

المشكلة الكردية في تركيا:
بين القمع والحل الديمقراطي
مظاهرة كردية في اسطنبول بمناسبة عيد نوروز تقف تركيا أمام العديد من الخيارات الصعبة تجاه القضية الكردية: إما اللجوء الى الإصلاح او انتهاج سياسة قمعية ضد الأكراد في تركيا والعراق في نفس الوقت، وهو خيار قد يؤدي الى إشعال حرب إقليمية. بقلم مسعود يكن

تركيا والاتحاد الأوروبي:
عضوية الاتحاد الأوروبي محرك السياسة الخارجية التركية
أثار التوجّه السياسي الخارجي التركي الجديد نحو الشرق الأوسط مخاوف من احتمال ابتعاد تركيا عن الغرب. ولكن مع ذلك تبقى الولايات المتَّحدة الأمريكية ودول الاتِّحاد الأوروبي الشريك الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا، مثلما يرى في هذه المقالة الدكتور حسين باجي، أستاذ السياسة الدولية في الجامعة التقنية في أنقرة.