المحامي والعسكر.....دولة القانون ودولة الجنرالات

لا يتورع جمال عيد من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن الدخول في صراعات المرة تلو الأخرى مع المجلس العسكري في مصر في الدفاع عن الحريات العامة والمدنية. كلاوديا مينده والمزيد من التفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Claudia Mende



ما زال طريق مصر طويلاً حتى تصل إلى دولة القانون. المحامي جمال عيد من الشبكة العربية لبيانات حقوق الإنسان يتهم المجلس العسكري في مصر بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ولكن على العكس من زمن مبارك فإن وسائل الإعلام تتحدث اليوم بكل صراحة عن الانتهاكات التي تحدث وكذلك عن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان.

لا يتحفظ جمال عيد في حكمه على المجلس العسكري في مصر، وهو عندما يقيم الفترة الانتقالية التي حكم فيها جنرالات الجيش يقول إن "المجلس العسكري أكثر وحشية من مبارك". ويرى عيد في سياسية المجلس العسكري تحت قيادة المشير حسين طنطاوي محاولةً لإعادة إنتاج نظام مبارك لتأمين امتيازات للجيش بوسائل غير نظيفة خلال عملية التحول التي تشهدها مصر. ويدير المحامي الشبكة العربية لبيانات حقوق الإنسان التي تأسست عام 2004، مواجهاً مشكلات كبيرة مع رجال الجيش الذين ما زالوا يمسكون بخيوط السياسية المصرية في أياديهم، ولا ينوون أن يسلموا السلطة إلى أيادٍ مدنية إلا في الثلاثين من يونيو (حزيران)، أي بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية. ولكن السؤال الذي يشغل الجميع في بلاد النيل هو: هل سيفعلون ذلك بالفعل؟ وهل ستسير عملية انتقال السلطة بشكل سلس؟

هل ستسير عملية انتقال السلطة بشكل سلس؟

المحامي المصري جمال عيد من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: الصورة كلاوديا مينده
"المحامي جمال عيد من الشبكة العربية لبيانات حقوق الإنسان يتهم المجلس العسكري في مصر بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"

​​والسبب الرئيسي الذي يدفع عيد إلى تقييمه هذا هو عدد القضايا الجنائية المعروضة أمام محاكم عسكرية والذي ارتفاعاً كبيراً. خلال ثلاثين عاماً من حكم مبارك شهدت المحاكم العسكرية نحو 1200 قضية، في حين عُرضت أمام تلك المحاكم منذ سقوط الديكتاتور حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير (شباط) وحتى يناير (كانون الثاني) 2012 نحو 14 ألف قضية، الجزء الأعظم منها في الشهور الأولى التي تلت سقوط الطاغية، بينما قل عدد القضايا المرفوعة أمام محاكم عسكرية في الشهور الأخيرة. وفي حين تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من عهد مبارك، كما أنه لم يعد يدخل أحد السجون بدون محاكمة قضائية، فإن الجيش يتعامل بوحشية مع المتظاهرين، ويعتقلهم، ثم يواجههم بتهم واهية، مثل التهمة التي أُدخلت مؤخراً إلى قانون العقوبات، وهي "السلوك غير المسؤول"، وهي التهمة التي وجهت في الرابع من مايو (أيار) إلى نحو ثلاثين صحفياً تم إلقاء القبض عليهم خلال مظاهرة أمام وزارة الدفاع في حي العباسية بالقاهرة.

وحسب تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" فقد قُتل شخص في ذلك اليوم وأُصيب أكثر من 370 آخرين. وهناك حالات أخرى حدثت في الآونة الأخيرة ولم تلاحق قضائياً وعلى خلاف ما أعلنه رجال الجيش. "إننا نكافح ضد ستين عاماً من حكم الدولة المتسلطة"، يقول عيد. هذا الكفاح يحتاج إلى نفس طويل.

وينتمي جمال عيد (مواليد 1964) إلى طراز من المحامين الذين يمارسون المهنة بكل جوارحهم. نشأ عيد في ظروف متواضعة، ثم درس في كلية الحقوق بجامعة عين شمس بالقاهرة. وبالنسبة له ليس هناك ما هو أجمل من إنقاذ بريء من العقوبة. وقد خَبِر عيد السجن في عهد مبارك أربع مرات، كما أنه يعتبر أحد ممثلي القوى المدنية التي مهدت لحركة الاحتجاجات في مصر عندما شارك في تأسيس حركة "كفاية"، غير أنه دافع أيضاً خلال عهد مبارك عن أعضاء مُلاحقين في جماعة الإخوان المسلمين. حتى اليوم لم يُعاقب الشرطي الذي ضربه في السجن. ويعتبر عيد أحد دوافع عمله هو أن يدفع مثل هؤلاء ثمن جرائمهم.

الشبكة العربية لبيانات حقوق الإنسان


الصورة رويتر
هل ستسير عملية انتقال السلطة في مصر بشكل سلس؟

​​خلال السنوات الثماني التي مرت منذ تأسيسها تحولت الشبكة العربية لبيانات حقوق الإنسان إلى إحدى أهم منظمات المجمتع المدني في مجال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. وتقدم الشبكة التي يعمل فيها 25 شخصاً، من بينهم ثمانية محامين، مساعدات قضائية للنشطاء، كما تدافع عن حرية التعبير عن الرأي، وتسجل انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي بأكمله. وتُعد صفحة الشبكة أكثر الصفحات التي يتردد عليها الزائر الباحث عن معلومات في مجال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط.

وقد نشرت الشبكة في الربيع تقريراً توثيقاً لضحايا مظاهرات ميدان التحرير، وهو يضم أسماء نحو 850 مصرياً لقوا حتفهم خلال الاحتجاجات التي استمرت من يناير (كانون الثاني) إلى فبراير (شباط) 2011، ويتحدث التقرير بالتفصيل عن ظروف مقتلهم والمسؤول عن قتلهم. ويدرس التقرير أيضاً السؤال التالي: لماذا انتهت القضايا القليلة المرفوعة ضد أعضاء الجيش بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم؟ وبعد نشر التقرير صدر حكم بإدانة رجال شرطة في أول قضية تُرفع ضدهم. وفي شهر مايو (أيار) أصدر قاض في القاهرة حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات على خمسة رجال شرطة بسبب ما ارتكبوه من جرائم ضد المتظاهرين، وقد بُرئ عشرة آخرون في القضية نفسها، بينما صدر حكم بإيقاف شرطيين عن العمل لمدة عام واحد.

ملاحقات قضائية

وتعد الملاحقة القضائية للجرائم التي ارتكبت بحق ضحايا حركة الاحتجاجات من أكثر الموضوعات السياسية حساسيةً في مصر. آنذاك أطلقت قوات الأمن النار على جموع المتظاهرين في ميدان التحرير. ومن الأهداف الرئيسية للمجلس العسكري قبل نقل السلطة إلى أيد مدنية تأمين حماية للضباط من الملاحقة القضائية، والحصول على ضمانات بشأن الامتيازات الاقتصادية التي يتمتع بها الجيش.

وتتحدث وسائل الإعلام بحرية حول هذه القضايا المثيرة للجدل، كما أن التوثيق الذي قام به المركز لقي صدى كبيراً لدى الصحف المستقلة، مثل صحيفة "المصري اليوم" و"الشروق"، وحتى تلفزيون الدولة نفسه تناول هذا التقرير. وهكذا دُعي جمال عيد إلى عدة مقابلات تلفزيونية، غير أن المحامي المعروف بلسانه السليط لا يقبل أن يذهب إلى استديوهات التلفزيون إلا إذا كانت الحلقة ستبث على الهواء مباشرة، أي لا يمكن التلاعب في محتواها عن طريق المونتاج. وشعار عيد في ذلك هو أن "الثورات لا يقودها المهذبون". هذا الحضور الإعلامي يمنحه نوعاً من الحماية، تماماً مثل الشهرة التي يحظى بها على المستوى الدولي. في عام 2011 حصلت الشبكة على جائزة مؤسسة رولاند برغر التي تبلغ قيمتها المادية 500 ألف يورو. ولذلك فإن القضايا الثلاث المرفوعة في الوقت الحالي ضد مدافعين عن حقوق الإنسان لا تخرج المحامي عن طوره.

في الدفاع عن المدونة أسماء محفوظ

اسماء محفوظ رويتر
من أشهر النشطاء الذين دافع عنهم جمال عيد المدونة أسماء محفوظ التي حصلت في عام 2011 على جائزة زاخاروف التي يمنحها البرلمان الأوروبي

​​ومن أشهر النشطاء الذين دافع عنهم جمال عيد المدونة أسماء محفوظ التي حصلت في عام 2011 على جائزة زاخاروف التي يمنحها البرلمان الأوروبي. وكانت أسماء محفوظ، العضو في الحركة الشبابية المعروفة باسم "6 أبريل"، قد شاركت في تنظيم الاحتجاجات في ميدان التحرير. ومنذ ذلك الحين انتقدت المرة تلو الأخرى المجلس العسكري وكبار السياسيين في مصر. وفي مطلع مايو (أيار) أصدرت محكمة قاهرية حكماً ببرائتها من تهمة السب والقذف على شبكة التوتير. وكانت تلك هي المرة الأولى في مصر التي يكون فيها التعبير عن الرأي باستخدام التوتير موضوعاً للمحاكمة أمام القضاء.

وكان طارق زيدان، رئيس حزب "الثورة المصرية"، قد رفع ضدها قضية بسبب "تغريدة" نقدية لها على التوتير. غير أن هناك قضايا أخرى مرفوعة على أسماء محفوظ. كما صدر حكم غيابي ضدها بالحبس لمدة عام بسبب قيامها – حسب الإدعاء – بضرب رجل خلال مظاهرة، وهو الحكم الذي أكدته محكمة الاستئناف. وتهدف هذه الأحكام ذات الدافع السياسي المرفوعة ضد مدونين وصحافيين ومتظاهرين في المقام الأول إلى إدخال الخوف إلى قلوب المنتقدين وتكميم أفواههم.

في طريق الديموقراطية

إذا كانت مصر تريد بالفعل المضي على طريق الديمقراطية، فلا مناص من إعادة هيكلة جهازي الشرطة والقضاء بشكل كامل. هذا هو السبيل الوحيد لكي يسود الأمن القانوني يوماً ما على ضفاف النيل. ولهذا يطالب عيد بأن "يعتذر وزير الداخلية عما ارتكب من جرائم تعذيب وقتل". غير أن ذلك لا يمثل سوى الخطوة الأولى فحسب، إذ يجب، بشكل جذري، إعادة هيكلة وتخفيض عدد العاملين في وزارة الداخلية وجهاز الشرطة والأمن المتضخم التابع لها الذي يضم نحو مليون وربع مليون موظف.

ينبغي أن يكون بمقدور كل مواطن التعرف على هوية أي شرطي عبر بطاقة الاسم المعلقة على صدره، كما يجب إنشاء مركز لتلقي شكاوى المواطنين تلفونياً. كذلك يجب على كل المتقدمين لجهاز الشرطة أن يعرفوا على الأقل الكتابة والقراءة. أما عملية اختيار المرشحين إلى الأكاديمة العسكرية فينبغي أن تتمتع بالشفافية لكي لا يحصل أبناء كبار الضباط على امتيازات ويكتفي النظام بنفسه. إن من حق الرأي العام أن يكون على علم بما تفعله الوحدات الخاصة وفرق الأمن.

وبالرغم من موقفه المبدئي المتشكك والمرتاب في الجيش فإن جمال عيد يعتقد أن قادة الجيش لن يستطيعوا التشبث بالسلطة على المدى البعيد. فالمجلس العسكري في مصر يختلف عن الطغمة العسكرية الحاكمة في دول أمريكا اللاتينية. سيحاول المجلس أن يعزز مركزه الرفيع في المجتمع المصري، غير أنه عندئذ سينتحى جانباً. وتتردد في مصر بين الحين والآخر شائعات حول صفقات تُعقد بين الجيش والإخوان المسلمين الذين يسيطرون على مجلس الشعب. "ربما يكون ضغط الشارع مطلوباً"، يقول جمال عيد. وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد اعترضت على محاولة المجلس العسكري إصدار إعلان دستوري قبل تسليم السلطة، يحد فيه المجلس من سلطات منصب الرئيس. بالرغم من كافة الصعوبات فإن جمال عيد يشعر بالتفاؤل الحذر، فهو يعتقد أن بإمكان مصر أن تتطور وفق النموذج الإندونيسي. وكان الإسلاميون قد حكموا إندونيسيا بعد نهاية الحقبة الديكتاتورية، وهو ما أدى إلى أن يفقد الإسلاميون هالتهم، وهكذا بدأت البلاد تتطور نحو الديمقراطية.

 

كلاوديا منده
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012