ناتان الحكيم يوجه رسالة تسامح للجمهور المصري

مسرحية "ناتان الحكيم" للكاتب الالمانى غوتهولد افرايم ليسنغ عرضت على مسرح الجمهورية فى القاهرة لاول مرة، قدمتها فرقة المسرح المتمرد وذلك في إطار المهرجان الألماني. نيللي يوسف حضرت العرض وتحدثت مع المخرج والجمهور

مشهد من المسرحية، الصورة: نيللي يوسف
مشهد من المسرحية

​​مسرحية "ناتان الحكيم" للكاتب الالمانى غوتهولد افرايم ليسنغ عرضت على مسرح الجمهورية فى القاهرة لاول مرة بعد ان ترجمتها للعربية الدكتورة فوزية حسن وقدمتها فرقة المسرح المتمرد تحت قيادة المخرج هانى غانم وذلك في إطار المهرجان الألماني. نيللي يوسف حضرت العرض وتحدثت مع المخرج والجمهور

"حرروا انفسكم من قيود الاحكام المسبقة وابحثوا فيما بينكم عن الحب الخالص" بهذه العبارة التى وجهها الممثلون الستة معا فى صوت واحد للجمهور اسدل الستار وسط تصفيق الجمهور.

تدور المسرحية حول ناتان التاجر اليهودى المقيم فى القدس والذي يتبنى الفتاة المسيحية ريشا. فارس المعبد المسيحي الذي ينقذ الفتاة من الحريق يقع فى حبها سرا. وفي هذه الأثناء يطلب القائد صلاح الدين الذي يعاني من ضائقة مالية المساعدة من ناتان ويسأله عن أفضل الاديان الثلاثة. فيقص عليه ناتان حكاية رمزية عن ثلاثة خواتم متطابقة فى الشكل مما يجعل التفرقة بينهم مستحيلة اي انه لا افضلية لديانة على اخرى والبشر يميزهم افعالهم فقط.

مسرحية مجهولة ولكن

هذه المسرحية الشهيرة التي كتبها ليسنغ (1729-1781)فى عصر التنوير في القرن الثامن عشر والتي عرضت لأول مرة في ألمانيا عام 1783 تتمحور بشكل أساسي حول التسامح بين اليهودية والمسيحية والاسلامية جديدة على الجمهور المصري.

اغلب المتفرجين لم يسمعوا عنها من قبل. عدد قليل فقط من الحاضرين المتخصصين فى الادب الالماني او طلاب الجامعة الذين حضروا خصيصا لكونها مقررة عليهم هذا العام فى دراستهم بأحد اقسام اللغة الالمانية بالجامعة قرأ المسرحية.

رغم ذلك لمست المسرحية مشاعر الجمهور. احدى المشاهدات أكدت فى حوار مع قنطرة على اهمية المسرحية فى هذا الوقت بالتحديد وخاصة ان عرضها جاء بعد يوم واحد من التفجيرات الارهابية فى طابا.

قطع الشطرنج

وصرح متفرج آخر أن المسرحية تناسب مفهموم التسامح المتوارث لدى المصريين حيث ان المجتمع المصري منذ القدم بؤرة يعيش فيها المسلم والمسيحي واليهودى فى سلام واخوة، الا ان قلة من الاشخاص من الديانات الثلاثة هى التى اشعلت الصراع لتحقيق مكاسب شخصية.

وهذا ما عبر عنه مخرج المسرحية في معالجته الجديدة بتصميمه لخشبة المسرح على شكل رقعة شطرنج يتحرك فوقها ابطال المسرحية وكأنهم قطع شطرنج التى تحركهم ايادى خفية على كراهية بعضهم البعض.

وأثنى الكثيرون على تفسير المخرج هاني غانم الذي لم يبقي على شخصية ناتان الحكيم على أنها الشخصية المحورية، بل جعل الشخصيات الثلاثة التى ترمز للأديان تتساوى في اهميتها وحجم ادوارها لتصل المسرحية للجمهور المصري دون حساسية على عكس النص الاصلي الذى يظهر اليهودي على انه صاحب الحكمة وفى مركز الاحداث.

كما انه لم يجعل صلاح الدين شخصية مرئية على خشبة المسرح بل جعله صوتا فقط. وذلك لرغبته في تفاعل الجمهور المصري الذى يعشق صلاح الدين ليعيد اليهم رمز التسامح والعدل مع اصحاب الديانات الاخرى.

تفاصيل مفقودة وعيوب تقنية

بداية المسرحية أثارت بعض البلبلة لدى الجمهور. فقد ظهر ستة أصدقاء يتناولون الطعام ويتسامرون معا متحدثين اللغة العامية ثم تحولوا فجاة لتمثيل المسرحية باللغة الفصحى. كما كانت هناك عدة عيوب تقنية فى الاضاءة والهندسة الصوتية.

ورد هاني غانم على ذلك فى حوار لقنطرة بأن الجزء الاول من المسرحية هو رؤيته الخاصة حيث يرمز بها لعائلة النبى ابراهيم التى تجمع الاديان الثلاثة والوفاق الذي كان بينهم ثم التحول لاعداء.

وانتقد آخرون قصر مدة المسرحية حيث استغرقت ساعة واحدة جعلتهم يشعرون بفقدان تفاصيل هامة أظهرت الحبكة الدرامية مهلهلة الى حد ما. على العكس قال البعض الآخر ان قصر مدة المسرحية يعد شيئا ايجابيا لسرعتها وسهولة ادراكها دون ملل.

وعن مدة المسرحية قال المخرج إن النص الاصلي اذا تم تمثيله باللغة العربية الفصحى كان سيستغرق اكثر من 5 ساعات وذلك سيكون مخالف لطبيعة الجمهور المصري الذي لم يألف مشاهدة مسرحيات طويلة. بالإضافة إلى أن اغلب المشاهدين اعتاد على وجود فقرات رقص وغناء على خشبة المسرح.

وأشار المخرج الى انه قرأ المسرحية بلغتها الاصلية لإجادته الالمانية منذ سنوات وكان يحلم بتقديمها للجمهور المصري. ثم علم برغبة معهد غوته في عرض المسرحية بعد ترجمتها.

وأسس هاني غانم فرقة المسرح المتمرد عام 1994 وهي تتبع منهجا مسرحيا جديدا وذلك بناء على ما تسمعه من ردود افعال الجمهور بعد العرض. وينوي غانم ادخال تعديلات على مسرحية ناتان فى العرض التالي للمسرحية بالاسكندرية.

وبرغم العيوب المذكورة الا ان رسالة ليسنغ عرفت طريقها في الوصول إلى الجمهور المصري الذى استفاد ايضا بالتعرف على ثقافة مختلفة ورسالة من زمن بعيد لم تفقد صلاحيتها للوقت الحالى.

نيللي يوسف، قنطرة 2004