المجتمع المدني في الكويت: نقابة الاعلاميين الكويتيين

صلاح الساير، صحفي كويتي
12 نوفمبر/تشرين الثاني 2005

هل تمخض الجبل فولد فأرا؟ أم ولد تنينا ينفث من منخاره نارا؟ هذا السؤال الذي ينبغي البحث عن اجابته في همروجة ماسمى ب " تاسيس نقابة للصحافيين والمراسلين في الكويت " فبعد أن اجتمع نفر من أعضاء جمعية الصحافيين الكويتية ودون العودة الى الجمعية العمومية، قرروا فيما بينهم تأسيس أول نقابة للصحافيين!

هكذا... وبهذه البساطة، والخفة، والتسطيح، والاقصاء، والخش والدس، والالغاء، والانكفاء تولد في بلادنا مؤسسات المجتمع المدني اليفترض بانها مسؤولة عن رصف دروب المستقبل للاجيال المقبلة.

ان مولد هذه النقابة المزعومة يفضح الملامح الشرسة للمعوقات (الباطنية) التي تعترض طريق تحديث المجتمع المدني الكويتي الذي يتجرع السموم على أيدي ابنائه، قبل خصومه.

فالمعوقات الحكومية التي تعيق تطور المجتمع المدني "غير الحكومي" في الكويت وغيرها من الدول تبقى مسألة منطقية يمكن فهمها. فالحكومات المهيمنة على حياة الافراد لن تتقبل بسهولة انحسار مواقعها، وتوسعة الفضاء المدني. وعلى هذا النحو يمكن فهم الموقف المرتبك لوزارة العمل الكويتية من اشهار النقابات في البلاد.

ان الموقف الحكومي، ومثلما يبدو، لن يتغير في القريب المنظور. فالخطاب الاميري الذي القاه سمو رئيس الحكومة في افتتاح الدور الرابع (الحالي) من الفصل التشريعي العاشر لمجلس الامة، لم يتطرق الى تنظيم العمل النقابي في البلاد، بل أشار الى (جمعيات النفع العام) التي عرفتها الكويت منذ عقود طويلة.

فالنقابات وان كانت تتزامل تحت السقف المدني مع جمعيات النفع العام والاندية الرياضية، والجمعيات السياسية، والمسارح، والمؤسسات الوقفية، وغيرها من منظمات أهلية، الا ان النقابات المهنية تختلف عن "جمعيات النفع العام " كجمعية مكافحة السرطان أوجمعية حماية المال العام، او جمعية رعاية الاطفال المرضى التي تفتح ابوابها لجميع الراغبين بالاشتراك فيها.

أما النقابة فمقصورة على المشتغلين في مهنة محددة ( الطب، المحاماة، الاعلام، التعليم، الخ ) وعلى كواهل هؤلاء، وحدهم، مسؤولية تأسيس النقابة المهنية. فلا يجوز لاحد غير المهنيين التصدي لهذه المسؤولية، باستثاء (الجهاز الحكومي) في حال اقتنعت الحكومة باهمية تحديث المجتمع المدني وتطوير مؤسساته. فتعمل على حث المهنيين ومساعدتهم على تنظيم انفسهم.

ومثلما أسلفنا، تبقى المعوقات الحكومية أمرا منطقيا يمكن فهمه. غير ان ما يشكل على العقل فهمه فانه يكمن في التخبطات التي يمارسها المهنيون، ابناء (الكار) انفسهم.

ففي وقت تحتاج فيه البلاد الى تعزيز المفاهيم العصرية، والانفتاح، والتعددية، والشفافية، وتنمية الديمقراطية، يصر بعض المنتمين لمهنة الاعلام على (المخامط) والتسابق على الكعكة، بالولادات القيصيرية خفية.

ان الحياة الاعلامية في بلادنا بحاجة الى اصلاح وتحديث. فماعاد تأسيس نقابة للاعلام ( او غيرها من المهن) خيارا أو ترفا. فالعمل الاعلامي بحاجة الى تنظيم، وسن القوانين العصرية المنظمة له، والنهوض بالاعلاميين، وحماية حقوقهم، وتحصين المهنة من الدخلاء، وكذلك حماية المهنة من شطط بعض أبنائها عبر ميثاق مهني صارم. وذلك أمر لن يتحقق دون اطلاق نقابة تنظم علاقة الاعلام بالمجتمع.

(...)
ان بلادنا صغيرة. ويمكن للجنة التأسيسية معرفة الهوية الحقيقية للشخص ان كان ينتمي وظيفيا الى الجسم الاعلامي ام انه ناشط في مجال الاعلام. وان ضاق الواقع المعيش عن مكان للاجتماع، فالواقع الافتراضي في شبكة الانترنت يوفر نطاقا لمنتدى الكتروني يحقق الاتصال والتواصل.

اما هذه النقابة المزعومة فانها اشبه بعملية سطو نقابي خيبت آمال المهتمين بالمجتمع المدني الكويتي. كما اوجعت " ابناء الكار " من المهنيين الحقيقيين. ومع احترامنا للزملاء الذين وردت اسماؤهم في "مجلس ادارة " هذه النقابة المزعومة، يتوجب علينا مواجهتم بالحق، ومكاشفتهم بالحقيقة، ومطالبتهم بالتراجع، والعودة الى الحق فضيلة.

لقد اقدمت النقابة المزعومة على ممارسة سياسة الامر الواقع، فحسب الخبر المنشور، ان " مجلس الادارة " باشر بالاتصال بالمنظمات الدولية والاقليمية التي تعنى بالصحافة والدفاع عن الحريات !!

فماذا لو ان مجموعة اخرى من الصحافيين، اجتمعوا وأعلنوا عن ولادة نقابة اخرى (!) واتصلت هذه النقابة الاحدث بالمنظمات الدولية والاقليمية لتنازع النقابة الاولى التمثيل الشرعي. فيختلط الحابل بالنابل، وتنتشر عدوى القرصنة في المهن الاخرى، ويكثر في حارة( كل من نقابتو الو ) قطاع الطرق !

(...)
اخلص الى مناشدة مجلس ادارة (جمعية الصحافيين الكويتية) تنقية حلمنا المهني من شبهة التسييس والنأي به عن ( لعبة المخامط الكويتية ) وذلك باستعادة المبادرة ومواصلة المساعي القديمة الرامية الى تحويل الجمعية الى نقابة للاعلاميين الكويتيين، وعدم انتظار موافقة وزارة العمل. فالاعتراف بالنقابة يستدعي ( وجودها ) اولا.

ان تاسيس نقابة للاعلاميين الكويتيين خطوة ترمي الى تحديث الحياة الاعلامية في الكويت. وهذه قضية وان كانت تخص الاعلاميين (المهنيين) فانها ايضا تهم جميع المهتمين بالاصلاح وتحديث البلاد وتطوير المجتمع المدني. خاصة من ابناء المهن الاخرى (الناشطين في مجال الاعلام) من الذين يخاطبون الرأي العام عبر وسائط الاعلام.

فالاعلام المريض لن يسهم بشفاء المجتمع. لذلك ينبغي البدء بتحديث العمل الاعلامي واصلاحه ليتمكن الاعلام في الكويت من القيام بمهمته الرسالية.

مقال منشور في صحيفة الانباء الكويتية

قنطرة

المجتمع المدني في المغرب العربي
تم قبل قرابة 20 عاما تأسيس أول منظمات غير حكومية مستقلة في شمال أفريقيا. وقد نجحت في إبراز نفسها كأصوات معبرة عن مجتمع مدني قائم على التعددية. على الرغم من ذلك فإنها ما زالت -لا سيما في تونس- تعاني من قيود عديدة.