رسالة من بلاد الخِيام

تم في رام الله العرض الافتتاحي لشريط سينمائي صوّرته هيلينا فالدمان في قطاع غزة ورام الله مع مجموعة من الراقصات الفلسطينيات. يستعرض الشريط وقائع الحياة اليومية في بلاد محكوم على سكانها بعدم التحرك. تعرفنا دوروتيا ماركوس بالمخرجة البرلينية.

هيلينا فالدمان، الصورة: بيتينا شتوس
المخرجة الألمانية فالدمان تهتم بمواضيع شائكة وتقدم عروضا في بلاد تعيش ضروفا سياسية حرجة.

​​تم في رام الله العرض الافتتاحي لشريط سينمائي صوّرته هيلينا فالدمان في قطاع غزة وفي مخيم لللاجئين برام الله مع مجموعة من الراقصات الفلسطينيات من مجموعة "سريّة الفنون" للرقص. يستعرض الشريط وقائع الحياة اليومية لراقصين من بلاد محكوم على سكانها بالحبس وعدم التحرك. تعرفنا دوروتيا ماركوس بالمخرجة البرلينية هيلينا فالدمان.

امرأة في قميص للمجانين تتسلل متلوّية داخل منطقة الموت أمام مركز المراقبة، على مقربة من القدس. تأتي سيارة إسعاف لنجدتها، لكنها تنصرف مجددا وتتركها لوحدتها. إلا أن هيلينا فالدمان قد صورت أيضا مشاهد أخرى لراقصين من الأطفال في مخيم لللاجئين، أو امرأة وراء زجاج نافذة مخرب بالرصاص:

"عندما تموت أمك في ظرف لحظات أقصر مما يتطلب الأمر من جندي إسرائيلي لإطلاق 14 رصاصة، عندها يتكون لديك إحساس بما يعتمل في روحك"، تقول فالدمان. إنها واحدة من الحكايات الفظيعة التي استمعت إليها خلال لقائها بـ25 راقصا من سريّة الفنون أثناء الإعداد لمشروعها الذي اقترحه عليها مدير عهد غوته برام الله.

اللقطة التي تعود باستمرار مثل لازمة في هذا الفيلم تجسدها سيارة إسعاف يجلس داخلها رجلان يقدمان القهوة وهما في حالة تنقل دائم في مهمة "نجدة عاطفية"؛ عمليات إنقاذ معنوية للأرواح المدمّاة داخل الأراضي المحتلة.

ليس بالعمل السهل أن تتجسد تلك الجراح في رقصات مؤثرة مثل تلك التي تؤديها الراقصة الشابة ربى داخل برج المراقبة المدمر لمطار غزة وهي تروي بجسدها قصة حياتها: كيف أعدت لشهادة باكالوريا دولية كانت ستمكنها من الدراسة في الخارج، وكيف لم يسعفها ذلك كثيرا بسبب منعها من السفر.

سجن في الهواء الطلق

"بعد مروري بغزة، وبعد أن ذهبت إلى رام الله قضيت ليلتين كاملتين لا أستطيع فيهما النوم؛ إن ما يحدث هناك فعلا فظيع. الناس هناك يفترسون أنفسهم، ولم يسبق لي البتة أن رأيت أظافر مقضومة قضما لا يعرف هوادة؛ مدمّاة حتى اللحم، وعندما لا يقضم الناس أظافرهم فإنهم يقضمون أي شيء آخر.

إنهم مرهقون إلى حد الانهيار، ذلك أن الأوضاع في قطاع غزة المحاصرة لا تحتمل، داخل هذا السجن الشاسع في الهواء الطلق. الكثيرون لا يملكون جوازات للمغادرة وليس بإمكانهم الخروج من هناك بكل بساطة. إنها بالفعل حالة يأس تبعث على الجنون."

الرغبة في التحليل

ومع ذلك حاولت هيلينا فالدمان في عملها هذا أن تتفادى تقديم عرض أحادي الجانب للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

"على المرء أن يظل حذرا من أن لا يخلط كثيرا بين الأمور. ولو أن دعوة توجه إلي الآن لزيارة إسرائيل من قِبل معهد غوته هناك، فإنه سيكون بإمكاني أن أستمع بنفس الطريقة إلى قصصهم وأن أصور فيلما عن ذلك.

إن الأمر يتعلق بطبيعة الحال بإسرائيل، ذلك أن الآلام التي يرويها الراقصون إنما هي من نتائج ذلك الوضع. لكنني لا أنوي أن أواجه بين آلام الفلسطينيين والإسرائيليين، بل أن أحقق فيها: أين يحيا هؤلاء الراقصون، وماذا يواجهون في حياتهم؟ وما الذي يجعلهم غير قادرين على الحركة في بلادهم؟ أين تكمن المشكلة، وأين تكمن أوجاعهم؟"

الفنانة المختصة في إنجاز الأعمال المركّبة (بيرفورمانس) ومصممة عروض الرقص هيلينا فالدمان من مواليد برلين سنة 1962 غالبا ما تعمل داخل مناطق التأزمات أو الأماكن ذات الأوضاع السياسية الشائكة.

وتحاول في أعمالها أن تمنح فرصة لنشأة انفعالات بناءة يمكنها أن تكون في بعض الأحيان ذات طابع استفزازي عنيف أيضا. في شهر يناير/كانون الثاني الماضي قدمت في مهرجان "الفجر" الإيراني العرض الافتتاحي لعملها "رسائل من بلاد الخيام" وذلك بعد مصاعب كثيرة.

ويتمثل العمل في عرض مسرحي راقص مع نساء إيرانيات من المفترض أنه لا يحق لهن الرقص في إيران. ولكي تراوغ هذه الصعوبة ألبست فالدمان النساء الراقصات خياما حقيقية يمكن للمرء أن يراها في كل مكان في إيران.

إنها إحالة فنية على "التشادور"، أو الحجاب الذي يسمى أيضا "خيمة" وينبغي على كل امرأة في إيران ارتداءه. نوع من الاستثارة باتجاه الجمهور، ذلك أن المشاهد لا يرى نساء، لكنه يسمع أصواتهن فقط.

وبالنهاية لم يكن ليسمح سوى للنساء بالمرور إلى ماوراء الركح من أجل الحديث إلى الراقصات؛ فصل بين النساء والرجال متداول في الحياة اليومية الإيرانية، بينما وراء الكواليس كان يجري العمل على منع العرض.

مسرحية مثيرة للجدل، وقد انطلقت على إثر ذلك العرض نقاشات حادة بشأنه في إيران؛ الكثيرون من الإيرانيين شعروا بأنفسهم مصدومين من طرف المخرجة الألمانية. واليوم فإن العروض ممنوعة في إيران، وبالمقابل يجوب العمل مختلف بلدان العالم.

المسرح منبر صغير لا غير

ماهي الدوافع التي تقف وراء هذا المسرح التي تنجزه هيلينا فالدمان في مناطق التأزمات في العالم؟

"هذا العمل ليس بمستطاعه أن يغير العالم، ذلك ما لا أعتقد فيه بكل تأكيد، لكنني أعتقد ببساطة أنه يفتح أعيننا. هناك بطبيعة الحال أقلية فقط من الناس هي التي تشاهد هذا العمل، لكن لا بد أن أقول بأن كل من شاهدوا "رسائل من بلاد الخيام" إلى حد الآن يردون الفعل بحسب ما يجري وراء هذا الحجاب.

كيف تتكلم النساء مع بعضهن ، وكيف يقرّعن بعضهن البعض، كيف يعدن إلى أفكارهنّ المسبقة مجددا، ثم كيف يتخلصن منها ثانية دفعة واحدة، وكيف يحصل التقارب بينهن. إنني أعتبر ذلك خطوة ذات أهمية قصوى.

والمسرح لا يمثل اليوم سوى منبر صغير لذلك. لكن إذا ما عمل كل من جهته وبطريقته الخاصة على إيجاد منبر يمكن للتواصل أن يتم من خلاله فسيكون ذك حقا خطوة رائعة إلى الأمام!"

بقلم دوروتيا ماركوس
ترجمة علي مصباح
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005

قنطرة

المركز الثقافي الالماني الفرنسي في رام الله
قبل عام تقريبا تم افتتاح المركز الثقافي الألماني الفرنسي المشترك في رام الله. في الحوار التالي يتحدث مديرا المعهد عن النشاطات التي قاما بها وعن صعوبات العمل الثقافي في الأراضي الفلسطينية

مهرجان "فجر" المسرحي في طهران
قدم مهرجان "فجر" المسرحي في طهران مسرحية من إنتاج ألماني-إيراني مشترك. وقد حازت مسرحية "المناطق المحتلة" للمخرجة هيلينا فالدمان على اعجاب جمهور النساء بصفة خاصة. مارتين إبنغ شاهد المسرحية