نخبة فلسطينية غير داعمة للمقاومة الشعبية السلمية

احتجاجات سلمية أسبوعية في قرية النبي صالح ضد مصادرة أراضي القرية من قبل مستوطنين في الضفة الغربية، لم تكن معروفة حتى ألقت إسرائيل القبض على عهد التميمي، فتاة فلسطينية ظهرت في فيديو -وهي تصفع جنديا إسرائيليا- انتشر في شبكة الإنترنت العالمية. لكن غياب دعم النخبة الفلسطينية للاحتجاجات اللاعنفية الفلسطينية -كما يرى محمود جرابعة في تحليله التالي- يُبْقي نموذج المقاومة السلمية من الأمور الهامشية.

الكاتبة ، الكاتب: Mahmoud Jaraba

غياب دعم النخبة الفلسطينية العملي للاحتجاجات اللاعنفية في فلسطين يجعل النموذج المحلي للمقاومة محكوما بالبقاء على الهامش. في حين أن الاحتجاجات السلمية الأسبوعية في قرية النبي صالح، شمال غرب رام الله، ضد مصادرة أراضي القرية من قبل المستوطنين من مستوطنة حلميش، كانت غير معروفة إلى حد كبير حتى ألقي القبض على عهد التميمي، إحدى المشاركات فيها في 19 كانون الأول/ديسمبر 2017 بعد ظهور شريط فيديو لها وهي تصفع جنديا إسرائيليا، والذي انتشر بشكل كبير. اعتقلت إسرائيل التميمي وتخضع منذ 13 شباط/فبراير للمحاكمة في محكمة عسكرية إسرائيلية.

 بحثًا عن رمز قوي عاطفياً لحشد المؤيدين، يحرص النشطاء والحركات الشعبية، مثل الاحتجاجات الأسبوعية في النبي صالح، على تشجيع التميمي، وأمثالها من الشباب، كشخصيات ملهمة يمكن أن تحفز الناس وتجذب الانتباه الدولي لاحتجاجات القرية وتصبح بالتالي جزءا من وجه جديد لما يشير إليه الفلسطينيون بـ"المقاومة الشعبية". ومع ذلك، فإن غياب دعم النخبة العملي لهذه الاحتجاجات اللاعنفية يجعل نموذج مقاومتها محكوماً بالبقاء على الهامش. 

عهد التميمي في رام الله قبل بدء إسرائيل بمحاكتها العسكرية. Foto: picture-alliance/AA
Ikone im Kampf gegen die israelische Besatzung: Die 17-jährige Palästinenserin Ahed Tamimi hat sich im März Strafverfahren wegen Angriffen auf israelische Soldaten mit der Staatsanwaltschaft auf eine Gefängnisstrafe von acht Monaten verständigt. Das israelische Militärgericht, vor dem der Prozess stattfand, stimmte der Vereinbarung zu. Vor der Zustimmung des Gerichts hatte Tamimi Reportern nochmals betont, dass es "keine Gerechtigkeit unter Besatzung" gebe.

"الفصائل الفلسطينية لم تعطِ أولوية للمقاومة الشعبية السلمية"  تدعم الفصائل السياسية الرئيسية، بما فيها حركتا فتح وحماس، المقاومة الشعبية من حيث المبدأ. اتفقت كلتا الحركتين في اتفاقيات المصالحة المختلفة التي جرت عبر السنوات الماضية على اعتماد المقاومة الشعبية. ومع ذلك، لم يقم أي من الفريقين بتطوير استراتيجية تعطي الأولوية لها أو تتبعها. سواء في غزة أو في الضفة الغربية، لا تزال حماس تعطي الأولوية للمقاومة المسلحة وتحاول إعادة بناءها.  العديد من سكان غزة، التي تخضع للحصار منذ أن سيطرت حماس على القطاع عام 2007، لم تعد ترى المقاومة الشعبية كخيار. وفي الضفة الغربية، تنظر حماس إلى المقاومة الشعبية وإسهامها المحتمل في القضية الفلسطينية بشك. فهي تعتقد أن المقاومة الشعبية لن تكون قادرة على وقف توسيع المستوطنات الإسرائيلية أو الرد على هجمات المستوطنين على الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، فإن حركة فتح يعوقها التداخل المؤسسي ما بين الحركة ومؤسسات السلطة الفلسطينية الرسمية ولا سيما الأجهزة الأمنية، التي لها مصلحة في احتواء كل نشاط سواء كان عنيفاً أو غير عنيف. استقبل الرئيس محمود عباس عائلة عهد التميمي بعد اعتقالها، واصفا المقاومة الشعبية بأنها "هي سلاح قوي بيد الشعب الفلسطيني يكشف زيف الاحتلال، ويظهر للعالم أجمع وحشية هذا الاحتلال".  ومع ذلك، لم يسخر عباس قوة هذا الجيل الجديد من الناشطين لبدء الاحتجاجات في أنحاء الضفة الغربية. وهذا يعكس موقف فتح الغامض والخوف من أن الاحتجاجات قد تتحول إلى انتفاضة شاملة يمكن أن تنقلب ضد الحركة، التي ينظر إليها كثير من الفلسطينيين كجزء من بنية قديمة وغير فعالة بل فاسدة."العسكرة أضعفت بشدة منظمات السلطة الفلسطينية" ففي حين أن الانتفاضة الأولى أعادت تنشيط منظمة التحرير الفلسطينية، التي بقيت باعتبارها المنظمة الوحيدة القادرة على الحكم في فلسطين، فإن انتفاضة الأقصى التي تحولت إلى العسكرة أضعفت بشدة منظمات السلطة الفلسطينية بعد أن دمرت إسرائيل أغلبية مؤسسات السلطة الفلسطينية عندما اجتاحت الضفة الغربية. وهذا ما يفسر الاستجابة المترددة لعباس لأي احتجاجات جديدة.  

الرئيس الفلسطيني محمود عباس. Foto: Reuters
Politisch ambivalent: Präsident Mahmud Abbas hatte zwar an die Familie Ahed Tamimis eine Grußbotschaft gesandt, in der er den gewaltlosen Widerstand als "eine machtvolle Waffe in der Hand des palästinensischen Volkes" bezeichnete. Dennoch hat er die Möglichkeiten dieser neuen Generation, im gesamten Westjordanland zu demonstrieren, nicht gefördert, da er die Folgen einer neuen Intifada befürchtet.

فعباس يخشى أن تؤدي موجة جديدة من المقاومة الشعبية إلى فقدانه للسيطرة على حركة فتح أو خلق قادة محليين ينافسون السلطة الفلسطينية الهشة أصلا كما حدث في انتفاضة الأقصى. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن المجلس المركزي الفلسطيني -وهو أعلى هيئة تشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد قرر في عام 2015 إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل- لا يزال عباس يحافظ على هذه الترتيبات، وبالتالي فهو ملزم بوقف أي احتجاجات شعبية في الضفة الغربية. تخشى السلطة الفلسطينية من أن يتم اختطاف الاحتجاجات السلمية من قبل جماعات أخرى عنيفة أو أن تتحول إلى احتجاجات عنيفة من تلقاء نفسها، مما يجعل إسرائيل والولايات المتحدة يحملان السلطة الفلسطينية المسؤولية.  ومع مشاعر غاضبة من الهجمات العنيفة الأخيرة، مثل تلك التي وقعت في كانون الثاني/يناير 2018 والتي قتلت فيها كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس حاخامًا في نابلس، تخشى السلطة الفلسطينية من أن الاحتجاجات يمكن أن تخرج عن السيطرة في انتفاضة مسلحة جديدة، على غرار انتفاضة الاقصى.  وعباس بالتالي مستعد لإجهاض الاحتجاجات حتى وإن كان ذلك يضعف شعبيته، عن طريق زيادة الاعتقاد السائد لدى الفلسطينيين بأن السلطة الفلسطينية مستعدة حتى لتقديم معلومات أمنية لإسرائيل لتنفيذ الاغتيالات ضد الناشطين الفلسطينيين.ونتيجة لذلك، فإن المقاومة الشعبية والاحتجاجات السلمية التي تمثلها التميمي لا تحظى بتأييد واسع بين الفلسطينيين. ففي استطلاع للرأي أجري في كانون الأول/ديسمبر 2017، أيد 44 في المائة من الفلسطينيين استئناف العمليات العسكرية باعتبارها "أكثر الوسائل فعالية لإقامة دولة فلسطينية"، مقارنة بنسبة 35 في المائة في استطلاع أُجري قبل ثلاثة أشهر.  بالمقارنة، فضل 27 في المئة المفاوضات و23 في المئة فقط فضلوا المقاومة الشعبية السلمية. ونظراً لعدم توفر الدعم الشعبي على نطاق واسع، فإن هذه الاحتجاجات اللاعنفية اقتصرت إلى حد كبير على المناطق المتأثرة بالجدار الفاصل أو المستوطنات، وفشلت في وضع خطة عملية متكاملة.  

 وقد دفعت اتهامات من قبل بعض فلسطينيين بأن هذه الاحتجاجات يديرها نشطاء أجانب وبتمويل أجنبي العديد من الفلسطينيين إلى رؤية الاحتجاجات بشك، خاصة عندما ينضم إليهم نشطاء إسرائيليون – بعضهم خدم سابقا في أجهزة الأمن الإسرائيلية. إن صغر حجم حركة المقاومة الشعبية يجعل قادتها غير قادرين على الجمع بين الفلسطينيين، ناهيك عن لفت الانتباه الدولي إلى القضية التي طال أمدها. يبدو أن هذا النوع من الاحتجاجات الشعبية محكوم بالبقاء على الهامش. وبدون دعم النخب السياسية الفلسطينية العملي، من غير المرجح أن تحظى المقاومة الشعبية اللاعنفية بتأييد شعبي واسع. وبما أن عملية السلام ميتة بشكل أساسي، فلا عجب أن يرى العديد من الفلسطينيين بأن المقاومة المسلحة هي الخيار الأفضل.   محمود جرابعةحقوق النشر: صدى 2018  محمود جرابعة، باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية، ألمانيا. لمتابعته عبر تويتر: MahmoudJaraba@  ar.Qantara.de