احتجاج الفلسطينيين بنصب الخيام...غصة في بلعوم الاستيطان الإسرائيلي

يلجأ الناشطون الفلسطينيون إلى استراتيجيات المقاومة السلمية، ناصبين خيامهم على أراضٍ يُفترض أن تُبنى عليها مستوطنات إسرائيلية في أراضي "ب" و"ج" بالضفة الغربية، وحتى إن لم تصمد هذه الخيام لفترة طويلة، فإن الفلسطينيين يلفتون من خلالها نظر العالم إلى ابتلاع إسرائيل المستمر لأراضي الضفة الغربية، كما تبين إنغريد روس.

الكاتبة ، الكاتب: Ingrid Ross

وقعت في الأشهر الأخيرة العديد من المصادمات بين فلسطينيين وجنود إسرائيليين ومستوطنين، على هامش مظاهرات في الضفة الغربية، لدرجة حذّر فيها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتز مؤخراً من اندلاع "انتفاضة ثالثة".

لقد باتت المواجهات جزءاً من الحياة اليومية في الضفة الغربية المحتلة، سواء عبر المظاهرات المنطلقة بعد انتهاء صلاة الجمعة على طول الجدار الإسرائيلي الفاصل، كما وثقها الفيلم الوثائقي "خمس كاميرات مكسورة"، الذي رُشّح لنيل جائزة الأوسكار، أو خطابات تضامنية مقرونة بإضراب عن الطعام قبالة سجن عوفر قرب مدينة رام الله.

في بداية الأمر، تكون تلك عبارة عن تظاهرات سلمية، إلا أنها تتحول فيما بعد إلى مواجهات يرمي خلالها الفلسطينيون الحجارة ويرد عليهم الجيش الإسرائيلي بقنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المغطى بالمطاط، في محاولة لفض التظاهرة.

إن الإفراط في استخدام هذه السبل، المسماة "السيطرة على الجماهير"، تم انتقاده بشدة من قبل مؤسسة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، في تقرير صدر عنها.

وتفاقُم التوترات إلى مستوى جديد في الشهور الماضية توضحه الإحصاءات. فمنذ التصعيد الذي وقع بين قطاع غزة وإسرائيل في نوفمبر 2012، أصيب حوالي 1500 فلسطيني بجروح في الضفة الغربية، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتز. أ ب
خوف من اندلاع "انتفاضة ثالثة": يرى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتز، بالنظر إلى تنامي المصادمات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، علامات على مواجهة قريبة.

​​صراع على مناطق "ب" و"ج"

لقد اتخذت مقاومة الفلسطينيين اللاعنفية منذ يناير الماضي شكلاً جديداً يذكّر بما تقوم به حركات "احتلوا"، وهو إقامة خيام على أراض فلسطينية ذات موقع استراتيجي، بدأ بمخيم "باب الشمس"، الذي أقيم على الطرف الشرقي خارج مدينة القدس.

الحكومة الإسرائيلية، من جانبها، قررت، بعد رفع تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة إلى "دولة مراقب غير عضو"، تطوير منطقة إي واحد شرقي القدس، والمتنازع عليها منذ سنوات، من أجل البناء.

رد فعل المجتمع الدولي على قرار نتنياهو جاء بالتنديد على أعلى مستوى دبلوماسي. أما الفلسطينيون، فقد قاموا بتأسيس مدينة من الخيام فوق نفس الأرض وأسموها "باب الشمس".

سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية تركت هذه الخطوة تمر، بل وقدمت لها الدعم وصورتها بشكل إعلامي محترف. والنتيجة كانت المزيد من تلك المدن الرمزية، التي حملت أسماء مثل "باب الكرامة" و"باب القمر".

تلك المخيمات والاعتصامات ترمز إلى الصراع المستمر على مناطق "ب" و"ج" في الضفة الغربية. في الماضي كان المستوطنون المتدينون القوميون هم من يقيمون المساكن المتنقلة دون إذن حكومي فوق الأراضي المحتلة. وبمجرد إقامتهم لهذه المساكن، فإن عملية إخلائهم منها عادة ما تكون صعبة للغاية وقد تمتد لسنوات.
​​فلسطين في حاجة إلى دعم دولي

لكن إسرائيل لم تنتظر طويلاً بالنسبة لناشطي "باب الشمس" و"باب الكرامة" و"باب القمر". فبالرغم من أن الخيام أقيمت على أراض فلسطينية مملوكة لأفراد في مناطق إي واحد، تم إخلاء المخيم في غضون 48 ساعة دون أي غطاء قضائي من محكمة العدل الإسرائيلية العليا، ما يثبت أن الاستراتيجية الفلسطينية الجديدة تعزف على وتر حساس لدى الجانب الإسرائيلي.

وحتى إن لم تصمد تلك القرى لفترة طويلة، فإن الفلسطينيين حققوا من خلال "باب الشمس" هدفين هامين، أولهما لفت نظر العالم إلى ابتلاع إسرائيل المستمر لأراضي الضفة الغربية، وثانيهما تعاون أطراف مختلفة لإنجاز نفس الهدف.

فقد تم بناء تحالف يضم مجموعات من المجتمع المدني والأحزاب السياسية، من بينها بعض لجان المقاومة وحركة فتح والمبادرة الشعبية. وتم تنظيم هذه المبادرة بموافقة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية.

أما السلطة، الملزمة بالتعاون الأمني مع إسرائيل، فقد قامت في العام الماضي بتهدئة الاحتجاجات الشعبية لمؤسسات المجتمع المدني بدلاً من دعمها. لكن التعاون بين الرئيس عباس ونظرائه الإسرائيليين وصل إلى أدنى مستوى له بعد توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة.

وحتى الآن، لا يمكن الحديث عن انتفاضة ثالثة بعد، إذ على العكس من الانتفاضتين الأولى والثانية، لم تتحول المظاهرات إلى تحرك شعبي عارم تشارك فيه قطاعات واسعة من الشعب.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس. أ ف ب
فوز دبلوماسي بالنقاط للرئيس الفلسطيني عباس: رفعت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي 2013 تمثيل فلسطين فيها إلى "دولة مراقب غير عضو".

​​استراتيجيات لاعنفية ضد الاحتلال

وبالإضافة إلى ذلك، فإن القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية حريصة على عدم تصعيد
. فبعد أن وُصم الفلسطينيون لعقود كإرهابيين، باتت السلطة الفلسطينية تعي أنها ستخاطر بفقدان الدعم الدولي إذا لجأت إلى الكفاح المسلح، ولذلك فإنها تنتهج درب المقاومة اللاعنفية.

لكن دولة ضمن حدود 1967 لا يمكن أن تتحقق بمفردها، ولهذا فإن دعم الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لا يمكن الاستغناء عنه.

وكان كلما اقترب موعد زيارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى المنطقة بات واضحاً للفلسطينيين أن انتظارهم لحافز أمريكي من أجل استئناف المفاوضات حول حل الدولتين سيذهب سدى.

ومن وجهة نظر فريق المفاوضين بقيادة الرئيس محمود عباس، فإن تقديم الحكومة الإسرائيلية لتنازلات ضروري من أجل إجراء محادثات سلام جدية، كالإفراج عن المعتقلين مثلاً.

وهو أمر من شأنه أن يخفف ضغط الشارع ويهدئ الأوضاع. لكن الاعتراف بحدود 1967 كأساس للمحادثات ووقف بناء المستوطنات يشكلان بالنسبة للقيادة الفلسطينية شرطين أساسيين لاستئناف المفاوضات.

وفي ذات الوقت، يتضاءل عدد داعمي حل الدولتين في المشهد السياسي الإسرائيلي، ولهذا لا يُتوقع أن ترضخ حكومة نتنياهو الجديدة لهذه المطالب.

وإذا لم ينشط المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، من أجل عودة قريبة إلى المفاوضات المباشرة، فإن على الفلسطينيين أن يتخذوا قراراً مصيرياً لمستقبلهم - إما الإعراض عن حل الدولتين والكفاح من أجل حقوق متساوية مع الإسرائيليين ضمن دولة واحدة، أو المقاومة المسلحة لتحرير الأراضي المحتلة من الاحتلال الإسرائيلي.

 


إنغريد روس
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013

إنغريد روس مديرة مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في القدس الشرقية.