الجماعات المسلحة بين الاستقلالية والولاء لتنظيم "القاعدة"

جاءت الاعتداءات التي وقعت مؤخرا في الجزائر العاصمة بمثابة دليل جديد على وجود تجمع إسلاموي في شمال أفريقيا يشكل مزيجا بين الإرهاب المطعم سياسيا وأشكال الجريمة العادية. مقال بقلم إيريك غوير

إطفائي يحاول إطفاء سيارة مشتعلة بعد الاعتداءات في الجزائر العاصمة في 11 أبريل/نيسان 2007، الصورة: د ب أ
إطفائي يحاول إطفاء سيارة مشتعلة بعد الاعتداءات في الجزائر العاصمة في 11 أبريل/نيسان 2007

​​

عندما تم احتجاز 32 سائحا كرهائن في الصحراء الكبرى في ربيع عام 2003 من بينهم أربعة سويسريين بدأ جانب كبير من الرأي العام الأوروبي يولي للمرة الأولى اهتمامه بمنظمة انبثقت عن حالة التخبط والفوضى التي خلّفتها الحرب الأهلية في الجزائر. هذه المنظمة هي "الجماعة السلفية للدعوى والقتال".

لقد أعطت عملية الاختطاف التي انتهت بدفع فدية دليلا جديدا وواضحا على أن الإرهاب المنطلق من أرضية إسلاموية يملك وجوها وأشكالا متعددة بحيث لا يمكن اعتباره مقتصرا على "علامة" منظمة القاعدة الناشطة على مستوى عالمي.

صحيح أن "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" تعتبر نفسها تابعة لشبكة أسامة بن لادن. من ناحية أخرى تتسم أعمال "أمراء" هذه الجماعة الذين ينشطون في مناطق الجزائر المختلفة وبصورة مستقلة منفردة بصفة الجريمة الاعتيادية.

انعدام المراقبة على حدود الدول

ظهرت هذه المنظمة في نهاية التسعينيات وجاء ذلك أثناء اندلاع نيران الإرهاب الأعمى الذي شنته "الجماعة الإسلامية المسلحة" ضد كل من قوى الأمن والأشخاص المدنيين في الجزائر. وكانت هذه الهجمات قد خلقت لدى السكان أحاسيس الرفض والاستياء بصورة متزايدة. نجم عن ذلك انفصال "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" عن "الجماعة الإسلامية المسلحة" وإعلانها بأن قتالها سيستهدف مؤسسات الدولة فقط.

رهائن ألمان يغادرون الطائرة العسكرية التي أقلتهم من الجزائر إلى مطار كولن/بون في 14 مايو/أيار 2003، الصورة: أ ب
بعض الرهائن الألمان الذين كانوا في قبضة الإسلاميين في الصحراء الجزائرية لدى رجوعهم إلى ألمانيا

​​اقتصرت عمليات هذه الجماعة في البداية على الجزائر، لكن نشاطها اتسع تدريجيا ليشمل دول شمال أفريقيا المجاورة ودول منطقة الساحل التي تم فيها تعبئة مقاتلين جدد وأنشئت عليها قواعد لانسحاب المقاتلين.

في موريتانيا هاجم تنظيم تابع لهذه الجماعة في عام 2005 موقعا عسكريا مما تسبب في مقتل 15 جنديا. فيما تتسم قوات الأمن الجزائرية بالمقدرة نسبيا على التصدي بحدة لمثل هذه الاعتداءات فإن الحال مغاير لذلك بالنسبة لكل من مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر.

فالمناطق الحدودية في تلك الدول تحيط بها طرق وعرة مما يجعل من الصعب مراقبتها وهذا يسهل بالتالي على المجرمين والإرهابيين القيام بأفعالهم.

ولاء لتنظيم "القاعدة"

سبق لقائد "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" يومها أن أقسم اليمين في أكتوبر/تشرين الأول 2003 تجاه القاعدة برهانا عن ولائه لها.وكانت هذه الجماعة أول منظمة إرهابية تقوم بعملياتها على نحو مستقل وتعتبر نفسها في آن واحد منظمة إقليمية تابعة للقاعدة.

في نفس الوقت لم يكن واضحا على الإطلاق مدى وحدة الصف القائمة لدى الإسلاميين عامة كتنظيم. وكانت قوات الأمن الجزائرية قد قامت في ذلك الحين بقتل عدد كبير من قادة الجماعة أو باعتقالهم. ورافق ذلك أن "الأمراء" المحليين كانوا يتبنون ويدافعون عن مصالح شخصية لهم.

فقائد الجماعة عماري سيفي الذي يعتقد بأنه كان وراء عملية اختطاف أل 32 سائحا نشط بالإضافة إلى الإرهاب في مجال التهريب وحقق ربحا ماليا فائقا من وراء متاجرته بالسلاح. هذا النمط من استقلالية القرار كان بالنسبة للسياح بمثابة "الحظ" ضمن أجواء يخيم عليها سوء الطالع، ذلك أن منظمة القاعدة كانت سترفض إطلاق سراح المختطفين لقاء دفع مبالغ فدية.

مقاتلون في العراق

خلّف تعقب أفراد "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" من قبل قوات الأمن واندلاع الصراعات داخل صفوفها أثارا كبيرة على مركزها. ففي دراسة صادرة عن مؤسسة العلم والسياسة (برلين) يشير غيدو شتاينبيرغ وإزابيل فيرينفيلز إلى الجدل الذي دار في أوساط أجهزة الإعلام الجزائرية في غضون العام الماضي عما إذا كانت مظاهر الضعف قد بدأت تهيمن على بنيان الجماعة.

مما يجيب على التساؤلات في هذا السياق أن الجماعة غيرت تسميتها لتصبح "القاعدة في المغرب الإسلامي" وكذلك قيامها بالهجمات مؤخرا في الجزائر العاصمة. ويلاحظ بصورة عامة تزايد الهجمات المسلحة الواقعة منذ بضعة شهور.

لكن أجهزة المخابرات الغربية تختلف فيما بينها إزاء تقييم القدرات القتالية المتوفرة لهذه المنظمة. تتم الإشارة في أغلب الحالات إلى وجود بضع مئات من المقاتلين والمؤيدين التابعين لهذه المنظمة مع التشديد على أن مجموع عدد هؤلاء الأفراد يقل عن 1000 فرد. هذا وتدل المؤشرات على أن منظمة القاعدة في دول المغرب العربي تسعى بصورة دؤوبة للاتساع على مستوى دولي.

فبعد أن وسعت نطاق أنشطتها سواء الإجرامية أو الإرهابية بحيث تخطت حدود الجزائر أصبحت اليوم تطرح الإطاحة بالأنظمة الحاكمة في الدول المجاورة كهدف رسمي معلن لها. بالتالي فإن الدول المستهدفة هي بجانب الجزائر المغرب وتونس وليبيا.

شبكات اتصال بين المقاتلين

عندما ننظر إلى عالم الخلايا الإرهابية الإسلاموية فإنه من الصعب علينا معرفة من يتعاون مع من وكيفية مجرى العمليات سواء المتعلقة بنقل الأموال أو بهرمية الأوامر. هذا وتستبعد أجهزة المخابرات قيام ما تبقى من بؤر لتنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان بمد المنظمة التي انبثقت عن الجماعة السلفية للدعوى والقتال بالأموال أو بإعطائها التعليمات المتعلقة بالعمليات الميدانية.

كذلك فإن هذا التنظيم الذي بات يشكل أكبر حركة إرهابية في الجزائر يضع نفسه قاعدة لتعبئة المقاتلين من أجل الجهاد على مستوى عالمي. ويقال إن عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب في العراق اليوم ينحدرون من أصل جزائري.

الرئيس الجزائري بوتفليقة ، الصورة: أ ب
الرئيس الجزائري بوتفليقة خلال لقاء مع أنصار له أثناء المعركة الإنتخابية في أبريل/نيسان 1999

​​وكان عدد كبير من الجزائريين قد تدربوا قبل أحداث عام 2001 في معسكرات القاعدة. هذا وتوجد شبكات اتصال بين المقاتلين الجزائريين ومقاتلين آخرين يتفقون معهم في النهج من دول المغرب العربي الأخرى. والمعروف أن الإسلامويين الناشطين في المغرب يتسمون منذ وقت طويل بكبر عدد المندرجين في صفوفهم وبتهيئهم لاستخدام العنف الأمر الذي اتضح في العملية التي وقعت في الدار البيضاء حيث فجر بعض الإسلاميين أنفسهم بعد تطويق قوات الشرطة لهم.

لكن الأمر يبقى غامضا حيال كيفية ومدى التعامل القائم بين الإسلاميين العاملين على مستوى محلي ورفقائهم الناشطين دوليا.فبينما عمد خبراء أجهزة المخابرات الغربية في الماضي إلى التشديد على وجود شبكة دولية في هذا السياق أصبحوا اليوم يرون بأن محاور العمل الإرهابي تتمركز على الخلايا المحلية. هنا لا تعني التسمية المثيرة للأنظار لتلك المنظمة بكونها "القاعدة في المغرب الإسلامي" بالضرورة وجود قوة دولية موحدة وذات برنامج منسق.

أصبحت أوروبا نفسها ضحية للإرهاب النابع من شمال أفريقيا منذ أن قام متطرفون جزائريون بعمليات داخل فرنسا.لكن ظهور الكادر الإسلاموي في الطرف الشمالي من البحر المتوسط لا يشكل ظاهرة جديدة فقد سبق ذلك فرض تنظيم القاعدة لنفسه على مستوى عالمي.

كما أن لكل من "الجماعة السلفية للدعوى والقتال" والتنظيم الآخر الذي انبثق عنها فروعا تنشط في أوروبا. وقد تم في السنوات الماضية على نحو دوري اعتقال أنصار هذا التنظيم في فرنسا والمغرب. وكان قد اتضح بأن هؤلاء الأشخاص على اتصال مع جهات مقربة منهم في ألمانيا وهولندا وبلجيكا والدانمارك وبريطانيا.

اعتقالات في دول الاتحاد الأوروبي

جاء في تقرير صادر مؤخرا عن مؤسسة "يوروبول" بأن معظم الأشخاص الذين تم اعتقالهم في العام الماضي في دول الاتحاد الأوروبي بتهمة التورط بأعمال إرهابية والبالغ عددهم 260 شخصا من الجزائر وتونس والمغرب. تقتصر التهمة الموجهة لمعظم هؤلاء الأفراد على الانتماء لمنظمات إرهابية، علما بأنهم يستخدمون الدول الأوروبية قواعد لانسحابهم.

أما في بعض الحالات الأخرى فالتهمة تنص على قيامهم بتقديم المساعدة اللوجستية كنقل الأفراد المعنيين أو توفير المبالغ اللازمة من خلال تهريب المخدرات أو تزوير بطاقات التسليف أو بتهمة شراء المتفجرات. وقد دلت الاعتداءات التي قام بها مهاجرون مغاربة في مدريد عام 2004 على قدرة أوساط الإسلامويين المقيمين في أوروبا والمنحدرين من دول المغرب العربي على القيام بأعمال عنف.

وفيما ما زال الاتحاد الأوروبي يبحث عن موقف موحد للتصدي في وجه الخطر الإرهابي النابع من دول شمال أفريقيا بدأت الولايات المتحدة تعتمد خطا ثابتا في هذا المجال. فقد عززت واشنطن أواصل تعاونها العسكري مع دول المغرب العربي حيث سمحت الجزائر للقوات المسلحة الأمريكية باستخدام أحد موانئها الجوية وتجهيزات مراقبة المكالمات الهاتفية.

هذا وقد وسعت الولايات المتحدة مجال هذا التعاون بحيث أصبح يشمل في إطار مبادرة محاربة الإرهاب في طرفي الصحراء موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد. يتضمن هذا التعاون في المقام الأول تدريب قوات الشرطة والجيش وتحسين القدرات المتعلقة بمراقبة الحدود والمجال الجوي.

بقلم إيريك غوير
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
صدر المقال في صحيفة نيوه تسورشر تسايتونغ

قنطرة

دولة خزانتها مليئة وشعبها فقير
حالة الفقر تتفاقم لدى الشعب الجزائري، على الرغم من الأرباح الكبيرة التي تجنيها الدولة من خلال الارتفاع المتواصل لأسعار النفط. وهو ما يجعل الكثير من الجزائريين يتساءلون عمَّا يحصل في الواقع بالدولارات النفطية. تقرير من يوسف بوفجلين وحسّن زنيند

غياب الحوار وفراغ عقائدي
تطالب العديد من الجهات السياسية تمديد العفو الذي يفتح المجال أمام أعضاء في منظمات إسلاموية تستعمل العنف في الجزائر للرجوع إلى الحياة العادية

ترويض الإسلامويين من خلال إشراكهم بالحياة السياسية بالحياة السياسية
يمثل الإسلامويون جزءا هاما من مجتمعات بلادهم. إبعادهم عن المشاركة في الحياة السياسية سيكون على المدى البعيد وخيم العواقب، حيث سينجم عن ذلك جمود إصلاحي وما يترتب عليه من ظهور طاقات نزاعية، كما تبين إزابيل فيرينفيلس في تحليلها التالي