تزييف التاريخ والقنبلة الإيرانية

يرى وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي في هذه المقالة التحليلية أن التصريحات الإيرانية المعادية للسامية تشكل محاولة مكشوفة لخداع العرب المذعورين من ازدياد نفوذ إيران في المنطقة ومحاولة طهران تقديم نفسها وكأنها تشكل رأس الحربة في مواجهة إسلامية شاملة مع إسرائيل. كما يحذر الإسرائيليين والفلسطينيين من عواقب جعل الصراع بينهما يتمحور حول كابوسي المحرقة والنكبة.

الصورة د.ب.ا
"إسرائيل ليست على خطأ حين تلقي بظلال الشك على مدى فعالية التدابير التي تتظاهر الولايات المتحدة باتخاذها على أمل الحد من الطموحات النووية الإيرانية"

​​مع تشبع التاريخ اليهودي بالمآسي في أغلب عصوره، فإن اليهود يميلون إلى تبجيل الماضي إلى حدٍ كبير. ولكن الماضي، وخاصة إذا لم نتعامل معه بقدر عظيم من العناية والحرص، قد يكون عدواً للمستقبل وقد يشوه فهمنا لتحديات الحاضر. وهذه بكل تأكيد حال القياس الذي يصر قادة إسرائيل على تصويره بين الفتك بالشعب اليهودي في المحرقة النازية (الهولوكوست) والتهديد الذي تفرضه إيران المسلحة نووياً على الدولة اليهودية.

فمرة أخرى شهد إحياء ذكرى يوم المحرقة في القدس هذا العام تنافس قادة إسرائيل فيما بينهم على تغذية كآبة العقلية الوطنية والهستريا الشعبية المحيطة بنوايا إيران. حتى إن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الذي يبدي قدراً كبيراً من التشكك في جدوى الهجوم على المرافق النووية الإيرانية، خلافاً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تحدث عن "تهديد الإبادة" الذي يواجه إسرائيل. وحتى وزير الدفاع إيهود باراك الذي يتسم عادة بالتفكير العقلاني الهادئ، اختار ياد موردخاي، وهو الكيبوتز (مزرعة جماعية يهودية) الذي أطلِق عليه هذا الاسم تيمناً بزعيم انتفاضة جيتو وارسو موردخاي أنايلويتز، كمنبر لتأليب الرأي العام العالمي ضد "منكري المحرقة، وأولهم الرئيس الإيراني الذي يدعو إلى تدمير الشعب اليهودي".

المحرقة والرؤية الإيرانية

وبطبيعة الحال، كان نتنياهو أكثر قادة إسرائيل صراحة ووضوحاً في هذا السياق. فهو يرى في الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صورة من هتلر، ويزعم أن العالم يواجه الآن نفس التحديات التي كان يواجهها عشية وصول هتلر إلى السلطة. ولقد حذَّر نتنياهو من أن سعي إيران الحثيث إلى إنتاج الأسلحة النووية ليس من الممكن أن يُفهَم إلا في سياق "التعهدات المتكررة من جانب قادة إيران بمسح الدولة اليهودية من على وجه الأرض". والمفترض الآن، كما كانت الحال آنذاك، أن العالم غير مبالٍ إلى حد الإجرام.

صورة من معاناة اليهود إبان الحكم النازي معروضة في معرض تاريخي خاص في برلين ، الصورة: أ.ب
يرى نتنياهو في الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صورة من هتلر، كما يشير وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي.

​​كان قياس المحرقة الذي استخدمه نتنياهو ليظل مجرد شكلٍ من أشكال الغرابة الفكرية لو لم يكن الشخص الذي سوف يكون مسؤولاً عن اتخاذ القرار بشأن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وبالتالي دفع الشرق الأوسط إلى مواجهة مأساوية. والواقع أن التاريخ المهني لمعلمه السياسي مناحم بيجين دلَّل على أن عقد القياسات المشوهة بين الماضي والحاضر من الممكن أن يؤدي إلى سياسات غير مسؤولة.

ففي غزوه المأساوي للبنان في عام 1982، كان بيغين ينظر إلى نفسه وكأنه نصير مخلص أرسله الرب لصيانة عقيدة الهولوكوست. فقد اختار تصوير التحالف المشئوم بين إسرائيل وحزب الكتائب اللبنانية المسيحي باعتباره درساً للإنسانية وتوبيخاً لأوروبا المسيحية المنافقة التي خانت اليهود أثناء المحرقة. وكأنه كان يريد أن يبين لأوروبا كيف سارعت الدولة اليهودية، التي أسسها أحد الناجين من المحرقة والتي يقودها الآن أحد الناجين منها، إلى إنقاذ الأقلية المسيحية المهددة بالدمار.

وفي نظر بيغين فإن عرفات في بيروت كان نظير هتلر حين كان يلوذ بغرفته المحصنة تحت الأرض في برلين. حتى أن أبا إيبان سخر من بيغين لتصرفه "وكأن إسرائيل كانت كوستاريكا المنزوعة السلاح ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت نابليون بونابرت والإسكندر الأكبر وأتيلا الهوني في كيان واحد". كان بيغين بمثابة أفضل دليل على أن منتقدي إسرائيل كانوا يتمنون لو تفشل الثورة الصهيونية، رغم نجاحها في خلق دولة من رماد المحرقة، في استئصال الصورة الذاتية الجمعية لليهود والإسرائيليين كضحية. والآن يختم نتنياهو صورة إسرائيل كدولة عاجزة تماماً عن الخروج من سجن الماضي.

البرنامج النووي الإيراني

إن إسرائيل ليست على خطأ حين تلقي بظلال الشك على مدى فعالية التدابير التي تتظاهر الولايات المتحدة باتخاذها على أمل الحد من الطموحات النووية الإيرانية. ولن تنجح العقوبات المخطط لها ولا تقرير مراجعة الموقف النووي الذي نُشِر مؤخراً (وهو عبارة عن وثيقة أقل ثورية مما كان متوقعا) في كبح جماح شهية إيران النووية. وبدلاً من إيمان العالم بقدرته على وقف البرنامج النووي الإيراني فإنه يجهز نفسه الآن للتعايش مع إيران المسلحة نووياً.

شلومو بن عامي، الصورة ويكيبيديا
"يبدو أن التاريخ لم يتم دورته بالكامل، إذ يتعين على إسرائيل الآن أن تقرر ما إذا كانت تشكل قوة عظمى إقليمية أو مجرد جيتو يهودي في انتظار مذبحة وشيكة"، وفق شلومو بن عامي

​​ولكن هذا لن يكون بمثابة مشكلة لإسرائيل وحدها، بل إن الانهيار المدوي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية على هذا النحو من شأنه أن يفرض تحدياً هائلاً على المجتمع الدولي بالكامل، وخاصة على منطقة الشرق الأوسط. إن التصريحات الإيرانية الشرسة المعادية للسامية تشكل محاولة مكشوفة لخداع جيرانها العرب المذعورين من خلال عرض قوتها العسكرية باعتبارها رأس الحربة لمواجهة إسلامية شاملة مع إسرائيل. والحقيقة أن وجود إيران نووية من شأنه أن يدفع المنطقة بالكامل إلى حالة من الفوضى النووية. فسوف تسعى المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا إلى امتلاك قنبلة نووية "سُنّية" لمواجهة تهديد الإمبراطورية النووية الشيعية على أعتابها.

مقارنات تاريخية

وحين لم يستشعر إيهود باراك الحاجة إلى استغلال هيبة احتفالات إحياء ذكرى المحرقة، فقد ساعد بذلك في نقل الرسالة الصحيحة إلى القوة الإيرانية الصاعدة. فقبل عامٍ واحدٍ، ورغم علمه التام بأن إيران كانت تسلك مساراً لا رجعة فيه نحو الحصول على القنبلة النووية، ذهب عن كامل إدراك إلى تحدي تشويه نتينياهو الخطير للتاريخ. وفي ذلك الوقت قال إيهود باراك: "إن إسرائيل ليست شعباً يهودياً في أوروبا، ونحن دولة قوية ينسب إليها العالم بأسره امتلاك قدرات نووية، كما نشكل قوة عظمى في السياق الإقليمي". ثم أعرب عن كراهيته لمقارنة التهديد الإيراني بالمحرقة قائلاً: "إن هذه المقارنة تهون من شأن المحرقة وتمط التحديات الحالية إلى ما هو أبعد من مكانها المناسب. فلن يتجرأ أحد على محاولة تدمير إسرائيل".

يبدو أن التاريخ لم يتم دورته بالكامل، إذ يتعين على إسرائيل الآن أن تقرر ما إذا كانت تشكل قوة عظمى إقليمية أو مجرد جيتو يهودي في انتظار مذبحة وشيكة. والتاريخ بين أيدي الساسة المتلاعبين والعقائديين غير القابلين للإصلاح إما أن يتحول إلى سلاح مُسكِر خطير لتعبئة وتحريك الجماهير، أو أن يتحول إلى "كابوس يتعذر الإفاقة منه" على حد تعبير جيمس جويس في كتابه "الإلياذة".

إن ترشيح الإسرائيليين والفلسطينيين للصراع فيما بينهم عبر كابوس المحرقة وكابوس النكبة على هذا النحو المهووس من شأنه أن يقضي على كل فرص التسوية السلمية للنزاع. وإذا نظرنا إلى الصراع الحالي بين قوتين عسكريتين عاتيتين مثل إسرائيل وإيران عبر عدسة مماثلة فلن يقودنا هذا إلا إلى كارثة لا توصف.

شلومو بن عامي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت/2010
ترجمة: مايسة كامل
مراجعة: هشام العدم

شلومو بن عامي، عملا وزيرا للخارجية الإسرائيلية ويعمل الآن نائبا لرئيس مركز طليطلة الدولي للسلام

قنطرة

تاريخ البرنامج النووي الإيراني:
"الفكر النووي الإيراني".....دروس التاريخ ومخاوف المستقبل
تعود فكرة البرامج النووي الإيراني إلى سبعينيات القرن الماضي وذلك على الرغم من أن فكرة الأسلحة الذرية كانت تعتبر لدى القيادة الإيرانية "غير إسلامية". بيد أن تجرب الحرب العراقية الإيرانية أدت إلى قناعة طهران السياسية بأن البلاد بحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة كنوع من الردع ولتحسين موقعها كقوة إقليمية. كتاجون أميربور تلقي الضوء على تطور تاريخ البرنامج النووي الإيراني.

أزمة الاقتصاد الإيراني:
إيران واقتصاد الملالي الفاشل
مع استمرار المواجهة بين الحكومة والمعارضة في إيران، يتجلى عامل قد يحدد نتائج هذه المواجهة والذي يتجلى في الحالة البائسة التي بلغها الاقتصاد الإيراني. ولكن تُرى هل يكون الأداء الضعيف للاقتصاد سبباً في قلب المعادلة هناك في نهاية المطاف؟ الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة ميمار سنان التركية كنان مورتان يسلط الضوء على هذه القضية.

تحالف استراتيجي لمواجهة الملف النووي الإيراني:
إسرائيل وأمريكا- رفض للنووي الإيراني واختلاف حول عملية السلام
يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، بيتر فيليب، في تعليقه الآتي أنه على الرغم من التوترات الأخيرة التي تشهدها العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، إلا أن البلدين يتفقان على نقطة أساسية تتمثل في رفض البرنامج النووي الإيراني رفضا قاطعا.