المسلمون في ألمانيا.....خطوات إيجابية في الاندماج المؤسساتي والمحلي

قد يصعب تصور الأمر وذلك بسبب الجدل الدائر حاليا حول ما تم ادعاؤه مؤخرا عن غياب الرغبة لدى المسلمين الشباب في الاندماج في بقية المجتمع. ولكن فيما يتعلق باندماج المسلمين في ألمانيا فإن الأمور أفضل بكثير من المتوقع، كما ما يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بوسطن جوناثان لاورنس.

الكاتبة ، الكاتب: Jonathan Laurence



بالملخص الانتقائي للغاية الذي قدمه لتقرير الاندماج المؤلف من 700 صفحة، والذي ركز على نقطة معينة؛ وهي أن ربع المسلمين غير الألمان يرفضون الاندماج في أغلبية المجتمع، بهذا الملخص أكد وزير الداخلية الألماني هانز بيتر – فريدريش موقفه المشكك بشأن اندماج المسلمين في ألمانيا. وبهذا تبنى فريدريش الشعار المحافظ الذي يعود لتسعينات القرن الماضي، ولكن بنسخة حديثة، والذي يقول إن "ألمانيا ليست بلد هجرة"، وذلك عندما حاول الآن أن يفهم الآخرين بأن الإسلام، كما يدّعي الوزير، لا ينتمي فعليا لألمانيا. إنه بالتالي يدرج نفسه، بلا أدنى شك، في التقليد المتبع منذ عقود طويلة من السياسيين المحافظين في إنكار التنوع العرقي والديني في البلاد.

إن ألمانيا تفتقر إلى سياسيي الوسط، ممن يمتلكون القدرة في التأثير على المواطنين وإبعادهم عن لعبة التعصب القومي، وبنفس الوقت العمل على توضيح الواقع للرأي العام الألماني بأن ألمانيا هي الآن مجتمع متنوع. قانون الجنسية ساري المفعول منذ عام 2000، ورغم أنه يقر لمعظم الأتراك – الألمان، المولودين في ألمانيا، بحق الحصول على الجنسية الألمانية، ولكن السياسيين الألمان لم يفهموا بعد جميع مقاصد هذا القانون وتشابكاته، ومنها أن هناك تنوعا ثقافيا موجود في البلاد، ولا يمكن تجاهله.

إنكار التنوع

د ب ا
"وزير الداخلية الاتحادي هانز بيتر – فريدريش هو الأحدث في سلسلة السياسيين المحافظين الألمان، اللذين يريدون إنكار التنوع الثقافي والديني لألمانيا"، يقول لاورنس منتقدا.

​​وزير الداخلية الألماني فريدريش هو واحد من بين شخصيات كثيرة ممن يلجأون للانتقائية. وبدلا من إخبار جمهور الناخبين في ألمانيا بمثل هذا الخبر حول تنوع المجتمع، فإن هؤلاء الساسة متفقون في رفضهم المبدئي للاعتراف بأن "المسلمين" و"الألمان" ليسوا بالضرورة فئتين منعزلتين عن بعضهما البعض. وجهات نظر هانز بيتر – فريدريش جزء من تقليد طويل، تجاوز الحدود الحزبية. لأنها لا تبدو مختلفة كثيرا عن تلك التي عبر عنها تيلو زاراتسين، العضو السابق في مجلس إدارة البنك الاتحادي الألماني، الذي جادل وادّعى بأن المهاجرين مسؤولون عن "تجهيل" ألمانيا، ثم شعر زاراتسين بأن الدراسة الأخيرة تثبت صحة نظره.

وبالمقابل فإن زاراتسين متفق في كثير من النقاط مع وزير الداخلية السابق لولاية بافاريا غونتر بيكشتاين (حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي)، والذي تبع هو الآخر، في أرائه، وزير داخلية ولاية براندنبورغ يورغ شونبوم. هذه المسرحيات الوطنية السخيفة حول مكانة الإسلام في ألمانيا، تم تكذيبها على نحو متزايد من جانب عدد من الاتجاهات المشجعة.

تطورات إيجابية

تحولت عملية نقل أحد السجناء الألمان الأتراك إلى دوسلدورف، بشكل مثير للاهتمام، لكي تكون حدثا هاما بالنسبة لمستقبل الألمان الأتراك في جمهورية ألمانيا الاتحادية. عائلة مراد كايا، وهو ألماني – تركي حكم عليه بالسجن لأربع سنوات في صربيا، توجهت إلى السلطات الألمانية لتطلب المساعدة، من أجل أن يمضي مراد كايا محكوميته في سجن ألماني، وبشكل مفاجئ تم قبول الطلب وتلبية هذه الرغبة.

وعند توجهها بطلب المساعدة كانت عائلة كايا شبه يائسة من الحصول على مساعدة لأن مسار السلطات الألمانية كان متفاوتا، عندما يتعلق الأمر بتوفير الرعاية القانونية للمواطنين الألمان – الأتراك. ولعل أبرز قضية مازالت عالقة في الأذهان هي قضية "محمد" (14 عاما)، الحدث الجانح الذي ترعرع في ألمانيا، ولم يكن يتكلم سوى اللغة الألمانية، ولكن تم ترحيله إلى "الوطن الأصلي"، تركيا. هذا الترحيل أوضح العلاقات المتناقضة التي تسود في ألمانيا عندما يتعلق الأمر بهذه الأقلية.

"أسطورة كورناز"

ا ب
ألقي القبض على الألماني – التركي مراد كورناز عام 2001، وذلك خلال إقامته في باكستان. وبقي، لقرابة خمسة أعوام، معتقلا في سجن غوانتانامو في كوبا.

​​وبعد عقد على قضية "محمد" تلك، عاد الألمان – الأتراك ليعايشوا ملحمة جديدة حول مراد كورناز، الذي ولد ونشأ في مدينة بريمن، والذي أمضى خمس سنوات في السجون الأميركية (ومعظمها في معتقل غوانتانامو)، بعد القبض عليه بشبهة الإرهاب، ولكن لم توجه إليه تهمة ولم يخضع للمحاكمة. بعد وقت قصير من إطلاق سراح كورناز في عام 2006، التقى رئيس حزب الخضر جيم أوزدمير مع المواطن الذي رد إليه اعتباره، وتسائل في تصريح لمجلة دير شبيغل: "هل كان من الممكن أن يحدث هذا سابقا: إخراج كورناز من غوانتانامو؟"

بعد أن عاشت أجيال منهم كـ "أجانب مولودين" في ألمانيا، تعزز شعورهم دائما ودائما، بأن الحياة المؤسساتية العادية بعيدة المنال بالنسبة لهم، وتطور هذا الأمر بالتالي إلى عقبة متنامية أمام تحقيق الاندماج السياسي للمسلمين في أوروبا. ولكن السنوات الست الأخيرة، منذ عودة مراد كورناز إلى ألمانيا، شهدت تغييرات واسعة فيما يتعلق في الاندماج المؤسساتي للألمان – الأتراك: من توسيع نطاق التمثيل القنصلي الكامل إلى تفاعل وتلبية أكبر للطلبات الدينية الإسلامية، الأمر الذي تطلب مساواة المسلمين بغيرهم من أتباع الأديان الأخرى.

وفي القضية الحالية كافحت السلطات الألمانية جاهدة من أجل حمل صربيا على الموافقة على نقل مراد كايا إلى ألمانيا. وأحد التبريرات التي ساقتها هو أن كايا بحاجة إلى عناية طبية خاصة. وساهمت حملة دعائية نظمتها صحيفة محلية كبرى في زيادة ضغط الرأي العام. جماعة "ميلي غوروش" الإسلامية الخاضعة لمراقبة هيئة حماية الدستور الألمانية، والتي تسعى لتحسين علاقاتها مع السلطات الألمانية، حيّت الأمر وعبرت، باسم السيد كايا، عن الامتنان لجهود المسؤولين: "وزارتا العدل والخارجية أرسلتا إشارة قوية وإيجابية للناس اللذين لديهم خلفية أجنبية. هذه الإشارات تساهم في بناء الثقة وتعزيز الشعور بالانتماء الجماعي".

خطوات حكومية إيجابية

د ب ا
خطوة هامة باتجاه الاندماج: في جامعة توبنغن جرى، في شهر يناير الماضي، افتتاح أول مركز ألماني لدراسة العلوم الإسلامية، من أجل تأهيل مدرسي الدين الإسلامي وأئمة المساجد.

​​كان ذلك مجرد الحلقة الأحدث من سلسلة إشارات دللت على أهمية الدور الذي تلعبه عملية الاندماج المؤسساتي من جانب الحكومة الألمانية الاتحادية وكذلك حكومات الولايات التي تعهدت بها خلال السنوات الست الماضية. وهذا يشمل "قمة الاندماج" التي أطلقتها المستشارة الألمانية ميركل، مرورا بـ "مؤتمر الإسلام" الذي تنضمه وزارة الداخلية، وكذلك بالمدارس المحلية التي بدأت تفسح المجال للإسلام ليكون جزءا من منهجها الدراسي الديني، وصولا إلى بعض الجامعات التي بدأت بإعداد علماء الدين الإسلامي ومدرسيه.

وبما أن الشؤون الدينية تخضع للاختصاص المحلي، وليست من اختصاص الحكومة الاتحادية في برلين، فإن التقدم الذي يتحقق في هذا المجال يكون أكثر وضوحا على المستوى المحلي. ونهاية العام الماضي، خاصة، كان حافلا بالأحداث. فقد أعلنت مؤخرا ولاية شمال الراين – وستفاليا، أكبر الولايات الألمانية من حيث عدد السكان، أنها ستقوم بتدريس الدين الإسلامي في 130 مدرسة، إلى جانب الدروس الدينية القائمة، وذلك لما يقرب من 320.000 تلميذا مسلما في المدارس العامة.

وفي أربع جامعات بدأت، في الخريف الماضي، أول دفعة من علماء الدين الإسلامي الألمان دراسة الدكتوراه. وأطلقت جامعة توبنغن برنامجا جديدا لتأهيل مدرسي الدين الإسلامي، فيما عززت جامعة أوزنابروك جهودها لتوفير التدريب التكميلي لأئمة المساجد، ضمن السياق الألماني.

جهود محلية

وخارج الجامعات أيضا بدأت هذه الجهود تحصد الثمار الأولى. ففي ولايتين تم عقد منتديات لمناقشة العلاقة بين الدولة والمساجد، وتم استيحاء ذلك من مؤتمر الإسلام الألماني. وفي المنتدى الأول ناقش 40 مشاركا، في أول "مائدة مستديرة حول الإسلام" في ولاية بادن – فورتمبيرغ، صورة الإسلام العامة، وتحدثوا حول التعليم، والحريات الأساسية، ودور كل من الجنسين في المجتمع، وحول "تدابير محددة لتحسين اندماج المسلمين في ولاية بادن – فورتمبيرغ".أما الثاني، فتم تنظيمه، برئاسة وزير الاندماج في حكومة ولاية شمال الراين – وستفاليا، تحت عنوان "منتدى الحوار حول الإسلام"، من أجل "تكثيف وتحسين الحوار والتعاون مع المسلمين والمنظمات الإسلامية". وتناول هذا اللقاء، إلى جانب مسألة الاندماج، قضايا التعليم وحوار الأديان.

د ب ا
تنادي بإصلاح قانوني الجنسية واللجوء السياسي: وزيرة الاندماج في حكومة ولاية بادن – فورتمبرغ بلكاي أوني (الحزب الاشتراكي الديمقراطي).

​​وعلى مستوى الولايات هناك الآن ما لا يقل عن ثلاث وزيرات ألمانيات من أصل تركي هن: بلكاي أوني في ولاية بادن – فورتمبيرغ، وأيغول أوزكان في ولاية سكسونيا السفلى وديليك كولات في ولاية برلين. المسيرة المهنية لتلك النجمات السياسيات الصاعدات شكلت انتكاسة قوية لكل من راهن على أن نجاح جيم أوزدمير كان مجرد ومضة في السياسة الألمانية بشأن "التنوع العرقي". (ومما يدعو المشهد الألماني – التركي للفخر هو أن صحيفة (Foreign Policy) قد اختارت مؤخرا أوزدمير في قائمة أهم 100 مفكر في العالم).

ومن كان يتصور أن يحدث كل ذلك خلال وقت قصير جدا من صدور كتاب تيلو زاراتسين المعادي للمهاجرين "ألمانيا تلغي نفسها"، وبعد النقاشات التي لا نهاية لها حول ما إذا كان الإسلام ينتمي لألمانيا أم لا، وقبل كل شيء بعد الكشف مؤخرا عن السلسلة الرهيبة من جرائم القتل ذات الدافع النازي الجديد والتي استهدفت مواطنين ألمانا – أتراك، من كان يتصور، بعد كل هذا، أنه يمكن للاندماج السياسي أن يحقق تطورا إيجابيا؟

"أجل، إنه رئيسنا"

الحكومة الاتحادية وكذلك حكومات الولايات، من جهة، والمنظمات الإسلامية، من جهة أخرى، تتعرف على بعضها البعض بشكل أفضل. الأطراف المحلية الفاعلة ترى نفسها مرتبطة بشكل متزايد بسياق أكبر يشجع هذا الأطراف على التكيف المستمر مع الحياة كأقلية في أوروبا. وربما لاعجب في أن المسلمين الألمان عبروا عن أسف كبير لأن الرئيس الألماني كريستيان فولف اضطر مؤخرا لتقديم استقالته، فهو الذي تحدى زملاءه في الحزب الديمقراطي المسيحي من خلال الإعلان أن "الإسلام ينتمي إلى ألمانيا". ولأول مرة تمكنت الجماعات المسلمة من مختلف الانتماءات السياسية أن تقول، وعن قناعة كاملة: "أجل، إنه رئيسنا!".

 

جوناثان لاورنس
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم