انتصار العقل على الجهل

قرار مجلس بلدية مدينة كولونيا موافقته على بناء المسجد الكبير في المدينة الذي تدور حوله خلافات ونقاشات منذ فترة طويلة يشكل انتصارا للعقل على الجهل والغباء وتأكيدا على حرية العبادة في مجتمع ديمقراطي تعددي وفق تعليق بيتر فيليب.

صورة المهندس المعماري  للمسجد، الألماني باول بوم
"بناء المسجد انتصار للعقلانية ورفض للغوغائية"

​​انتصر العقل مع موافقة مجلس بلدية مدينة كولونيا يوم الخميس الـ28 من آب/سبتمبر على بناء مسجد دارت حوله في الأشهر الماضية جدالات شديدة وخلافات حادة. والآن يمكن أخيرًا أن يختفي هذا الموضوع من المداولات وجداول الأعمال. ومن الممكن أيضًا أن يثبت المرء أنَّ اندثار "الغرب المسيحي" الذي كثيرًا ما تم الإشارة إليه لن يتم تسريعه أو دعمه على الإطلاق من خلال بناء بيت العبادة هذا.

ولكن إن توخينا الصدق فإنَّ مثل هذا الهدوء بعد العواصف التي شهدتها الأشهر الأخيرة ربما سيكون جميلاً أكثر مما ينبغي؛ لاسيما وأنَّ جماعات يمينية تخطِّط - وبدعم من قبل مناصرين عقائديين من هولندا وبلجيكا وفرنسا وكذلك النمسا - لإقامة فعالية كبيرة في مدينة كولونيا بعد بضعة أسابيع ضدّ بناء المسجد الذي يصفونه بأنَّه تعبير عن عملية "أسلمة خفية" لأوروبا. وستحاول هذه الجماعات إبقاء هذا الموضوع حيًا في حماسهم الغوغائي.

صور مشوَّهة

والمواطنون الجهلة سوف يرون في الحجج التي ستسوقها هذه الجماعات مصدر خوف، لاسيما في ضوء المنشورات التي قام هؤلاء اليمينيون بنشرها وتظهر فيها أبراج كاتدرائية مدينة كولونيا صغيرة جدًا خلف مسجد كبير. وكذلك تم في نشرات الأخبار الخاصة بالتلفزة الألمانية عرض المسجد والكاتدرائية بصور متساوية في الحجم بجانب بعضهما بعضًا، كما دار الحديث عن قرب المسجد من الكاتدرائية.

ولا داعي للتأكيد على عدم صحة تلك الصور والأحاديث؛ فالمسجد المزمع بناؤه يبعد كيلومترات عن الكاتدرائية ولن يبلغ ارتفاعه حتى ثلث ارتفاع الكاتدرائية، كما أنَّه سيبقى خلف المباني الخدمية والمكتبية التي تحيط به.

جانب من الشعارات المعارضة للمسجد الصورة: د.ب.ا
بناء المسجد كان ذريعة لليمينيين للتخويف من الإسلام في أوروبا

​​فما الذي يحرِّك إذن الغوغائيين والمواطنين الخائفين؟ يبدو أنَّ الجماعة الأولى اكتشفت الآن ضحية مُجدية من أجل كره الأجانب. وهؤلاء يدَّعون أنَّهم ليسوا ضدّ الأجانب، وليسوا كذلك ضدّ إيمان الأجانب بشيء آخر؛ ولكن رجاءً - بحسب رأيهم - يجب على الأجانب أن لا يظهروا إيمانهم أمام الناس. يجب عليهم أن يظلوا متوارين في أقبية وسراديب ومخازن وعنابر مصانع ومعامل مهجورة وقديمة، حيث يمكن للمرء علاوة على ذلك اتِّهامهم بنوايا وأهداف سرية ترمي إلى تأسيس "مجتمع موازٍ".

التنوير كان وما يزال ضروريًا

ومن حسن الحظّ أنَّ أغلبية واسعة من المواطنين في ألمانيا يفكِّرون منذ فترة طويلة تفكيرًا مختلفًا عن تفكير مثل هؤلاء الجهلة ومحرِّضيهم المتعصِّبين. ومن حسن الحظّ أيضًا أنَّ معظم وسائل الإعلام تحوَّلت منذ فترة طويلة إلى دعم مشاريع بناء المساجد - ليس فقط في مدينة كولونيا - وإلى دعم ممارسة المواطنين المسلمين لحقوق الدينية بحرية.

إنَّ مثل هذا التنوير كان وما يزال ضروريًا. وربما سوف يساهم أيضًا في القضاء على الشكّ والريبة من مركز إسلامي يقام على أرض المسجد. ومن الممكن أيضًا أن يتم استخدام المتاجر والحوانيت والمقاهي والمحلات الأخرى التي سيتم تشييدها على أرض المسجد كمكان للحوار وللقاء؛ للقاء كان يحدث حتى الآن في حالات نادرة جدًا - وبطبيعة الحال ليس في بيوت عبادة مخفية في أفنية خلفية.

ومثلما ذكرنا أعلاه فإنَّ مدينة كولونيا لا تعتبر حالة منفردة، حيث دارت في مدن ألمانية أخرى جدالات حول بناء مساجد - وبالحجج والبراهين نفسها. وفي أغلب الحالات وافقت الدوائر المختصة على بناء المساجد. وفي هذا الصدد "جاءت العقلانية من الجهات العليا" - الأمر الذي يمكن اعتباره جديدًا.

بيتر فيليب
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

بيتر فيليب خبير في شئون الشرق الأوسط ورئيس طاقم مراسلي دويتشه فيله وعمل مراسلا لدويتشه فيله في القدس لفترة طويلة.

قنطرة

جدل حول بناء مسجد مدينة كولونيا الكبير:
"نعم لبناء المسجد...لا لليمين المتطرف "
ترى النائبة في البرلمان الألماني البوندستاغ ومفوّضة الشؤون الإسلامية عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، لاله أكغون أن غالبية مواطني مدينة كولونيا يؤيدون من دون تحفّظ بناء مسجد كولونيا الكبير . بناء هذا المسجد رسالة تسامح وتعبير عن رفض "للمؤتمر المعارض للإسلام" المزمع عقده في كولونيا والذي هو تعبير عن شعبوية غوغائية. لؤي المدهون حاور البرلمانية لاله أكغون.

نزاع على مسجد كولونيا
"المسلمون ليسوا ضيوفا بل جزء من المجتمع الألماني"
تشييد مسجد في مدينة كولونيا يحظى بتأييد الكنائس ومعظم الأحزاب السياسية الألمانية. مظاهرات يمينية متطرفة تندد ببناء المسجد والسكان ينقسمون بين مؤيد ومتحفظ ومسؤولة تؤكد:" لن نسمح بتجريدنا من مبادئ التسامح والانفتاح."

حركات تنشر الكراهية باسم الدفاع عن "رب المحبة":
المسيحيون الأصوليون يعادون الإسلام
ثمة موجة في ألمانيا الآن لمعارضة الإسلام واعتباره خطرا على المجتمعات المسيحية، باسم الدفاع عن المسيحية. كلاوديا منده تكشف أبعاد هذه الظاهرة.