الحوار هو روح الفن!

عادل سلامة ملحن وعازف عود فلسطيني يقيم في أوروبا، أصدرعددا من الأعمال الموسيقية. ينتمي سلامة إلى الموسيقيين العرب الذين يتخذون من أوروبا مكانا لإيصال موسيقاهم إلى المتلقي العربي وغيره. صالح دياب أجرى معه الحوار التالي.

عادل سلامة، الصورة: adelsalameh.com
"منذ صغري وأنا أستمع إلى موسيقى العود، فأمي كانت تغني وأبي كان يعشق الاستماع إلى فريد الأطرش. "

​​عادل سلامة ملحن وعازف عود فلسطيني يقيم في أوروبا منذ عام 1990، أصدرعددا من الأعمال الموسيقية. ينتمي سلامة إلى الموسيقيين العرب الذين يتخذون من أوروبا مكانا لإيصال موسيقاهم إلى المتلقي العربي وغيره.عادل سلامة أيضا داعية فعال للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. صالح دياب أجرى معه الحوار التالي.

تحاول عبر سبعة أسطوانات أن تشق طريقا موسيقيا خاصا بك. هل تحدثنا عن الملامح الأساسية للموسيقى التي تتوسلها؟

عادل سلامة: أسطوانتي الأولى "صولو" صدرت في اليابان عام 1994، بعد ذلك أصدرت عام 1995 اسطوانة "متوسط" بمشاركة العازف ادواردوا نيباله، وقد مزجت فيها الموسيقى العربية بألحان الفلامنكو ثم "الطريق العربي إلى الهند" وفيه سافرت بعيدا في الموسيقى الهندية بصحبة شقيقتها العربية.

عملي الرابع "كنزة" جال في أكثر من أربعين دولة، كان بمشاركة المغنية الجزائرية نزيهة عزوز وعازف الكلارينيت التركي برباروس أروكسي وعازف الرق المغربي عبد الغني كريمة وقد ضمنته قصائد لنزار قباني وأبي القاسم الشابي وقد استخدمت فيها مقامات وإيقاعات عربية نابعة من التراث.

وقد أخذت طابعا صوفيا كونها تجمع كل الألوان الغامقة، وأقصد بالصوفية موسيقى تعتمد على النفس الطويل واخذ نوطة موسيقية والتحكم بها، حيث المغنية تغني نوطة واحدة مستمرة وصعبة بصحبة العود وأنغام الكلارينيت الدافئة.

أما عملي "حفلة" فقد استخدمت فيه الصوت كآلة موسيقية. هناك الإيقاع والكلارينيت والدرامز والكمنجة والآهات بصوت نزيهة عزوز. في هذه الاسطوانة كان هناك تركيز على الصوت لا الكلمة مثل يا ليل ويا عين والآهات. تعاملت في هذه الاسطوانة تعاملت مع الصوت كفلسفة موسيقية ولم أتعامل مع الكلمة.

كان هدفي هو التعبير موسيقيا خارج اللغة والتوجه إلى المستمع على تعدد لغاته وأذواقه الموسيقية. أسطوانتي الأخيرة عدت فيها إلى التراث ورجعت إلى الموسيقى الخالصة وأخذت من جذور الموسيقى العربية مقام الهذام وهو مقام نادر وقد رغبت بإعادة إحيائه. كما لحنت وألّفت السماعي وهو عبارة عن شكل من أشكال الموسيقى العربية القديمة.

تتخذ التراث الموسيقي العربي مرتكزا أساسيا في تجربتك.لكنك مع ذلك لا تتمترس به، بل تحاول دائما توسيعه ودفعه نحو آفاق أرحب؟

سلامة: موسيقاي منبثقة من الموسيقى العربية التقليدية: موشحات وقدود حلبية ومقامات عراقية والأسلوب الموسيقي المصري القديم. هذه هي مناهلي العامة التي تشبعت بها. وأنا أعتقد لا يمكن للموسيقي العربي أن يصل إلى العالمية بدون دراية وعلم بالموسيقى العربية وهذا من بديهيات العمل في الموسيقى العربية بل أيضا معرفة بالحضارة والثقافة العربيتين. هذا يدخل في تكوين الشخصية الموسيقية لكل موسيقي عربي. الإبداع الموسيقي يأتي من الأصل.

كيف يمكنني أن أستمع إلى موسيقي يصرح برغبته بتطوير الموسيقى العربي وإدخال الجاز عليها وهو غير ملم بالموسيقى العربية. هذا الكلام لا يؤخذ إطلاقا على محمل الجد ونتائجه ـ وما أكثرها ـ سراب في سراب. ولن يؤدي إلى إيصال الموسيقى العربية إلى العالم.

الانطلاقة الموسيقية الأولى لك كانت في ألمانيا، هلا حدثتنا عن ظروف وملابسات إقامتك لحفلتك الأولى؟

سلامة: منذ صغري وأنا أستمع إلى موسيقى العود، فأمي كانت تغني وأبي كان يعشق الاستماع إلى فريد الأطرش. ثم درست الموسيقى في الأردن، وليس في مصر، إذ لم تسمح السلطات المصرية لي بالدخول إلى مصر كوني أحمل جواز سفر فلسطيني. ومنعت من دخول أي بلد عربي.

وقد صقلت موهبتي بالدراسة الأكاديمية، بعد ذلك ذهبت إلى العراق وتابعت دراستي على يد الأستاذ منير بشير والأستاذ معتز البياتي في بغداد في معهد الفنون الجميلة حتى عام 1990. وقد خرجت من العراق قبل أيام معدودة من اجتياح الكويت.

كنت أريد أن أتعلم وآخذ ولم أكن أريد أن أعطي، إلى أن جاءتني دعوة لإقامة أمسية موسيقية في مدينة "سار بروكن" الألمانية، بوصفي عازف عود فلسطيني، وكان من المفترض أن تكون الدعوة إلى منير بشير وبسبب فشله في الخروج من العراق دعيت بوصفي تلميذا له. وكانت هذه أول انطلاقة لي وقد حققت الأمسية نجاحا مدهشا ، وأنا أتذكر ذلك دائما كونها التجربة الأولى لي في العزف أمام جمهور غربي .

تستخدام آلة العود في كل ألحانك و حفلاتك الموسيقية. ما هي الفضاءات الموسيقية التي يمكن أن ينفتح عليها العود في علاقته بالأنواع الأخرى من الموسيقى؟

سلامة: هذه الآلة هي الأقرب للعربي فمنها أصل موسيقاه. إنها حميمية كون العازف يحتضنها ويحنو عليها، أيضا بإمكانك أن تعزف بها مع الفلامنكو والجاز والموسيقى الهندية والاوركسترا الغربية. وإذا ما كان هناك من كلام على محدوديتها فالسبب يعود إلى من يعزف عليها وليس فيها. لقد عزفت مع كافة أصناف الموسيقى غير العربية بنجاح، بمشاركة سائر الآلات الموسيقية. إنها آلة تختصر شخصية العرب ووجدانهم الداخلي.

عملت مع موسيقيين ينتمون إلى ثقافات موسيقية غير عربية. مالذي أضافته لك تجارب العمل مع الآخر؟

سلامة: العمل مع الآخر لا يتطلب دائما الانفتاح الموسيقي فحسب بل أيضا الانفتاح الثقافي وحب التعرف على الآخر وعدم الانغلاق. إذ كيف يمكن أن تقبلني موسيقيا وأنت لا تقبلني ثقافيا، هذا يأتي أولا بعد ذلك تجيء الملاقحة الموسيقية. لقد عملت مع فرق جاز فيها موسيقيون مقتدرون، وأحب أن أقول هنا أن التفاهم أمر في غاية الأهمية بين الموسيقيين العرب حينما يعملون مع موسيقيين ينتمون إلى ثقافات أخرى.

فعندما أعزف برفقة البيانو أو الأكورديون أو الغيتار أكون منفتحا روحيا على هذه الآلة والخلفية الثقافية التي جاءت منها. لم أبحث عن إملاء موسيقي على الموسيقيين الآخرين الذين عملت معهم، كما أنهم أيضا لم يبحثوا عن إملاء أي شيء عليّ. كان هناك حوار موسيقي ما بيننا. والحوار هو روح الفن وهذا ما أسعى إليه في عملي في أوروبا موسيقيا وثقافيا.

تتكرر المقامات والقدود والموشحات في موسيقاك. وأحيانا نشعر بشبهة من موسيقى روحية في أعمالك. كيف تفسر ذلك؟

سلامة: أسعى في موسيقاي إلى وصل التراث الموسيقي مع الحاضر. لذلك أنطلق دائما من الموشحات والقدود والإيقاعات العربية البسيطة التي أستخدمها حين تعاملي مع موسيقيين أجانب لا المعقدة التي تتطلب دراسة وتمرين وعمل. أيضا المقامات التي هي شخصية الموسيقى العربية ولدينا مئات المقامات. وهي تحتاج إلى استيعاب وإحساس وفهم وهذا الشيء نابع من حضارتنا وثقافتنا ويحتاج إلى أذن قضت وقتا طويلا في السماع منذ الطفولة.

لذلك لا أعتقد إطلاقا أن أي أجنبي يمكنه أن يفهمها مهما كان ذكيا ودارسا. الموسيقى العربية جاءت من القرآن والتراتيل. وأنا اعتقد أن قراءة القرآن عمل موسيقي معقد، كان العربي يمارسه يوميا، عبر علوم التجويد.

ولفهم الموسيقى العربية يجب فهم القرآن وموسيقاه وعلوم التجويد. لا يمكنك أن تقرأ القرآن في شكل مستمر. الآذان لا يمكن أن تقوم إلا على الموسيقى والمقامات الموسيقية. صباحا يستخدم المؤذن مقام الحجاز لقوته كي يوقظ الناس، وظهرا مقام الرصد لأنه أقوى بقليل وهو يتناسب مع فترة النهار حيث الناس في ضجيج الحياة، أما مساء فيستخدم مقام الصبا الرقيق كي يبث الطمأنينة والهدوء.

كل ذلك جاء من العصور العربية القديمة. بالنسبة لي هذا ارث موسيقي عظيم علي ّالتشبع به للوصول إلى المستمع عربيا كان أم أجنبيا وهو ما أفعله في موسيقاي.

هل مازال بالإمكان الآن ـ برأيك ـ الاستفادة من المقامات الموسيقية القديمة، وتفعيلها في موسيقى حديثة؟

سلامة: المقامات والإيقاعات العربية باقية إلى الأبد. فهي تشكل عمق الأذن العربية، هي معقدة بالنسبة إلى الغرباء وليس بالنسبة لنا العرب. هي إيقاعات يمكن تعلمها عبر الزمن. أما بالنسبة لعملية تركيب الألحان في العالم العربي فيجب أن تكون نشأتك في العالم العربي، نحن نتعامل مع مئات المقامات أما الأوروبيين فعندهم عدد قليل من المقامات والأوروبي لا يمكنه أن يغني أو يلحن على طريقتنا. كلمة التطوير والإضافة تستخدم كاستعراض.

تتوجه في ألحانك إلى الجمهور الغربي. ما هي ردود فعل الجمهور على الموسيقى العربية التي تقدمها لهم خصوصا وأنه ينتمي إلى فضاءات ثقافية مغايرة؟

سلامة: تمتلك الموسيقى العربية حنانا شديدا نظرا لطراوتها وعدم فظاظتها أو تشنجها عندما يستمع الجمهور إليها تصيبه حالة من النشوة، ففيها الكثير من الطرب والعوامل الني تحرك الإنسان من الداخل أو ما يمكن تسميته بالشجن. لذلك فهي قابلة للوصول إلى العالمية. وأنا عزفت في أكثر من أربعين دولة وأمام جمهور متعدد الأذان الموسيقية وقد لاقيت نجاحا كبيرا.

ولكن كنت دائما أركز على العود وعلى أساسه أقيم حفلاتي. لا يمكن للموسيقي العربي أن ينجح إذا ما تخلى عن تراثه الموسيقي الأصيل. الانطلاق من التراث هو الشرط الأول للوصول إلى العالمية. عندما أعزف الموسيقى غير العربية لا يمكنني أن أدهش الآخر فعنده موسيقاه التي يتفوق بها علي ّأما عندما أعزف موسيقانا على طريقتنا الأصيلة، ينتشي الجمهور وسيرسل علامات الرضا والاستمتاع كما يحترمني أيضا.

لقد أقمت حفلات موسيقية في إسرائيل بعد اتفاقات السلام. هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتك في العزف أمام الجمهور الإسرائيلي؟

سلامة: في أواخر التسعينات اندفعت كأغلب الشعب الفلسطيني للسلام. وكنت منخرطا في الدفاع عن اتفاقيات السلام موسيقيا وتقريب وجهات النظر. لذلك أقمت عدة حفلات موسيقية مع موسيقيين إسرائيليين مثل اصف سركيس وإيال سلا، في أوروبا وإسرائيل. كان الجمهور الإسرائيلي متعطشا للموسيقى العربية.

والاستماع إليها عادة يومية، نشعر بوجودها عند عموم الإسرائيليين. وجدت أننا نتشارك معهم في كثير من الأشياء ونحن نجهل ذلك. لم أشعر أنني غريب بين الإسرائيليين لأنهم كانوا يعرفون الموسيقى العربية. وقد عزفت من ألحاني وألحان محمد عبد الوهاب وكانت تجربة جميلة وناجحة، لكنها محزنة أيضا.

تبدو منفتحا على الآخر بما فيه الإسرائيلي. كيف يمكنك أن تفعل ذلك الانفتاح عبر الموسيقى؟

سلامة: إنني أحب الآخر إسرائيليا كان أم غيره، ومنفتح على الفئة التي تريد السلام مع الفلسطينيين، وأنا ناشط فعال للسلام عبر موسيقاي الخالية من الحماسة والشعار. كما لا يمكنني أن أصف كل الإسرائيليين بمعاداة السلام. لكنني أحب أن أشير إلى عملية السطو المنظم على تاريخي وثقافتي وموسيقاي الفلسطينية وليس فقط على أرضي، وتقديمهم بوصفهم تراثا إسرائيليا.

أذكر أنني صعقت لتقديمهم موسيقى شعبية فلسطينية وأغان يومية طالما رددها عليّ جدي وجدتي وأمي وأبي منذ الطفولة، على أنها تراث إسرائيلي. الأمر نفسه يحدث بالنسبة للطعام وسائر الأطباق الفلسطينية. أذكر ذهبت إلى يافا مدينة أبي وأمي وجدي وجدتي كي أرى بيتنا، مستدلا عليه بخريطة دقيقة جدا رسمها لي والدي، واصفا البيت والحديقة والغرف ونوع الحجارة، وحين وصلت إلى المكان وجدت أنهم حولوا كل البيوت الفلسطينية إلى أماكن سياحية قائلين أن شخصيات يهودية توراتية أسطورية قد سكنت فيها، بما فيها بيتنا الذي بناه أبي بيديه.

فأجهشت بالبكاء .قال لي الموسيقيون الإسرائيليون الذين كانوا يرافقونني :إننا نتفهمك .لكنهم لم يضيفوا شيئا. تسمية المدينة القديمة في كل إسرائيل تعني واقعيا بيوت الفلسطينيين. إن أخذ الثقافة والتراث والموسيقى واللباس الفلسطيني والتزوير والادعاء بأنهم تراث يهودي، هو أخطر ما في الأمر وهذا ما أحزنني وآلمني كفنان وإنسان.

تخلو أعمالك من الحماس والشعار. وفلسطين نادرا ما تمر في أغانيك. كأنك تبدو موسيقيا غير فلسطيني. مارأيك؟

سلامة: في عملي الأخير مقطوعة اسمها أبواب القدس كتبتها عن أبواب المدينة الحزينة، يشارك فيها موسيقيون من بلدان مختلفة. أحب أن أمثل فلسطين عبر الموسيقى وليس عبر الشعارات الصاخبة.إنها في قلبي ودمي. من يتكلم عني هو ألحاني وموسيقاي وليس الشعارات والمواقف السياسية. وفي النهاية كل حفلاتي أقيمها بوصفي فلسطينيا. وفلسطين هي جزء لا يتجزأ من العالم العربي الذي أنتمي إليه موسيقيا وثقافيا.

أجرى المقابلة صالح دياب
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

المطربة الفلسطينية ريم بنا
تملك المطربة الفلسطينية ريم بنّا الكثير من المعجبين الفلسطينيين في إسرائيل وفي المناطق المحتلّة. ومع ذلك ظلت الى ما قبل فترة قصيرة غير معروفة تقريبًا على المستوى العالمي. ريم سجلت الآن ألبومها العالمي الأوّل "مرايا روحي". مارتينا صبرا تعرّفنا هنا على هذه الفنانة الفلسطينية

الفنانة كميليا جبران
"وميض" عنوان العمل الجديد لكميليا جبران، المغنية الفلسطينية التي تتخذ من أوروبا مكانا لنشاطها الغنائي. تحاول في أعمالها أن تمزج الموسيقى الشرقية مع موسيقى الجاز والموسيقى الإلكترونية. صالح دياب يعرفنا بالفنانة

عازف العود اللبناني ربيع أبو خليل
في عام 1978 غادر ربيع أَبو خليل لبنان ، هاربًا من الحرب الأَهلية إلى بافاريا حيث درس هناك الموسيقى. أما اليوم فيُعدّ عازف العود، ربيع أَبو خليل من أَنجح وأَشهر الموسيقيين العالميين. تقرير بقلم لويس كروب

www

عادل سلامة