البحث عن صيغة واقعية للتعايش السلمي في العراق

"التعايش السلمي هدف الأديان والتسامح وسيلتها"، هو الشعار الذي رفعه المؤتمر الوطني الأول للتقريب الديني في العراق، الذي انعقد في بغداد يوم الاثنين (23 أيار/ مايو 2011). المؤتمر سعى الى إيجاد قواسم مشتركة للتعايش السلمي بين الأديان وتفعيل ثقافة النقاش ورفض التعصب الديني. مناف الساعدي حضر المؤتمر في بغداد واستطلع آراء المشاركين فيه.

 

عقد المؤتمر برعاية مجلس محافظة بغداد والمركز الوطني للتقريب الديني، وبحضور أكثر 500 شخصية سياسية، وأخرى دينية، مثلت مختلف الطوائف والأديان في بلاد الرافدين. ويعتبر العراق من أكثر البلدان حاجة لخلق أجواء التسامح والتقارب الديني بين مكوناته، بحكم طبيعته التي تختلف بشكل كبير عن أغلب الدول العربية، إذ ينتمي سكانه إلى ديانات ومذاهب مختلفة. هذا التنوع الديني والمذهبي بدا واضحاً للعيان بعد عام 2003 في خضم احتقان طائفي ومذهبي بين أطيافه، كان يحصد عشرات العراقيين يومياً على خلفية الخطاب الطائفي الذي اعتمده العديد من رجال الدين آنذاك وظهور جماعات متطرفة.

التقارب الديني يحقن الدماء

ويشير رئيس المجلس الوطني للتقريب الديني في حوار مع دويتشه فيله إلى "ضرورة التأكيد على القواسم المشتركة بين الأديان السماوية في العراق، من خلال خلق حوار يهدف إلى فتح صفحة جديدة من المصالحة بين الطوائف والأديان العراقية". ويضيف الشيخ غيث التميمي الكاظمي "إن الهدف الأساسي من إقامة المؤتمر هو إيجاد صيغة من التقارب بين مختلف الأديان والمذاهب في العراق"، داعياً إلى "نبذ كل أشكال العنف الديني والمذهبي واللجوء إلى لغة الحوار لحسم الخلافات بين الشركاء العراقيين وحلها". ويؤكد الكاظمي على ضرورة التقارب الديني في العراق من أجل حقن الدماء "فغياب هذا التقارب جعل الكثيرين يقعون ضحية للاقتتال الطائفي".
دعوة لإرجاع حقوق اليهود
لطالما كان الحديث عن التقارب الديني في العراق مقتصراً على الديانتين الإسلامية والمسيحية، في شبه تغييب للمكونات الأخرى، وتغييب تام ليهود العراق، الذين كانوا يشكلون أقلية حاضرة في المجتمع العراقي، وهجروا العراق تحت وطأة صراعات سياسية تعصف بالمنطقة منذ عقود طويلة. لكن المؤتمر بدأ في تجاوز هذه النظرة القاصرة القائمة على أسس سياسية إيديولوجية، وهيمنت على العراق لعقود من الزمن.
فقد دعا المشاركون للمرة الأولى منذ هجرة يهود العراق إلى إرجاع حقوقهم، باعتبارهم مكوناً عراقيا لا يمكن تهميشه أو إلغاؤه، ودعا الكاظمي المسؤولين في الحكومة العراقية إلى "ضرورة العمل لإعادة جميع المهجرين العراقيين من الأديان والطوائف الأخرى إلى العراق، وبالأخص أبناء الديانة اليهودية الذين قمعوا خلال العقود الماضية من قبل الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت العراق"، داعياً إلى إعادة حقوقهم.

غياب ثقافة الحوار الديني

لكن مثل هذه الأهداف التي حددها المؤتمر، لا يمكن الوصول إليها بسهولة في ظل غياب ثقافة الحوار الديني في العراق، كما يرى رئيس طائفة الأرمن الكاثوليك في العراق، الذي يقول"إن غياب ثقافة الحوار الديني وتفشي الخطاب الطائفي كان السبب الأكبر في إشعال فتيل الفتنة في العراق"، مطالباً الحكومة العراقية بـ"ضرورة حماية أبناء الطائفة المسيحية والكنائس لكي لا تتكرر الهجمات ضدهم".
ويضيف المطران عمانؤيل دباغيان في حوار مع دويتشه فيله: "إن الحوار خطوة مهمة وإيجابية جداً لخلق روح التعايش السلمي بين مكونات البلد الواحد من خلال تفعيل ثقافة النقاش ورفض التعصب الديني الذي لا ينتمي إلى أي ثقافة دينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية".
ويرى دباغيان ضرورة إقامة مثل هذه المؤتمرات "لكي لا نعود إلى الأوضاع التي عاشها العراق خلال السنوات القليلة الماضية في فترة اقتتال طائفي، انعكست سلباً على الأوضاع السياسية والتعايش السلمي بين أبناء الطوائف في العراق".
عبارات "التعايش السلمي" و"قبول الآخر" في كلام دباغيان أكثر ما يحتاجه العراق اليوم، نظراً إلى تزايد الهجمات ضد المسيحيين في العراق في الأشهر القليلة الماضية وخاصة في بغداد ونينوى، منذ الهجوم الدامي الذي شنه مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة على كنيسة "سيدة النجاة" في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم.

"استحداث كتاب للتربية الدينية"

أما رئيس طائفة المندائية فيشير إلى "أن مشروع التقريب الديني في العراق ضرورة في غاية الأهمية لبناء مجتمع موحد تسوده العدالة والسلام"، داعياً في الوقت ذاته إلى ترسيخ وشائج المحبة والأخوة والسلام "وهي الرسالة التي جاءت بها كل الأديان". ويضيف الكنزبرا ستار جبار حلو أن "لغة الحوار هي الرسالة النبيلة التي نادت بها كل الأديان السماوية". ومن أجل تحقيق هذه الغاية يشدد حلو على أهمية استحداث كتاب مدرسي يهتم بشؤون التربية الدينية لمذاهب وأطياف العراق، "لكي يتعلم الفرد العراقي منذ الصغر أن هناك مكونات أخرى في بلده، يتقاسم معها روح الوئام والسلام وحقوق المواطنة والمشاركة في بناء البلد."
لكن هذه الأهداف تبقى بعيدة المنال مع غياب الزخم السياسي، الذي يمكن أن يمنحها قوة. فالمؤتمر لم يحظ حتى بحضور الرئاسات الثلاث شخصياً، والمتمثلة برئاسة البرلمان والجمهورية والوزراء، فعلى الرغم من توجيه الدعوة لحضور فعالياته، اكتفوا بإرسال ممثليهم.

مناف الساعدي/ بغداد
مراجعة: منى صالح
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011