العنف والاضطهاد في الأدب التركي

بلغ الكاتب التركي يشار كمال، الذي كرّس أعماله الأدبية لوصف الفقر والظلم في بلده، الثمانين من عمره. بورتريه بقلم سيمونه زيتة من الدويتشه فيلله

العنف والاضطهاد

ولد يشار كمال قبل ثمانين عاماً في قرية Hemite الصغيرة في إحدى ضواحيCukurova ليجعل من المرتفعات الممتدة بين البحر المتوسط وجبال طوروس محوراً ومحطاً لبلورة رواياته. كانت طفولة هذا الأديب الكبير مجبولة بالقسوة، إذ كانت أسرته هجرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من منطقة شرق الأناضول أو مايعرف بكردستان تركيا، وكانت الأسرة الوحيدة التي تتحدث في القرية باللغة الكردية.

وعندما بلغ يشار الخامسة من العمر، اغتيل والده أمام ناظريه طعناً بينما كان يؤدي الصلاة في أحد المساجد، مماأدى إلى إصابة الطفل بصدمة بالغة. وهكذا ظلت الحيرة والإرباك يعقدان لسانه سنوات طويلة، لكنه لم يفقد بهذا القدرة على الأنشاد بل بدأ بإجادة فن إلقاء قصائد أكثر الشعراء شهرة وشعبية والتي كان تتردد على ألسنة المنشدين من السياح ممن يمرون بقريته. ثم ساءت الأحوال المعيشية لأسرته بعد مقتل الوالد، وكانت أمه التي اضطرت إلى الإقتران بعمه لم تكن راضية بالهوايات الجديدة لابنها. ويتحدث كمال عن تجربة تلك الفترة فيقول:
"كنت بلغت حوالي التاسعة عندما بلغني نبأ مقتل أحد رجال العصابات المشهورين ممن كانوا يترددون أحياناً على منزل الأسرة، فقد نعيته بمقطوعة شعرية، أسمعتها في المساء ذاته لأمي، لتكون تلك المناسبة اليتيمة التي استمعت خلالها من أمي إلى إطراء ربما مبتور. لكن.. عندما استيقضت صبيحة اليوم التالي اكتشفت تبخر تلك القصيدة من ذهني، عاجزاً في الوقت نفسه عن استعادتها في الخاطر، ويبدو أن فرحتي بالإطراء الذي فاجأتني به الوالدة غمرني بحال من النشوة نسيت معها كل تلك القصيدة".

تعلم الكتابة والقراءة

وهكذا كانت البداية في تصميم يشار على تعلم اللغة قراءة وكتابة، حيث ذهب إلى المدرسة فكان بذلك الوحيد من بين أبناء القرية الذي يفعل. ثم انخرط فيما بعد بعدة أعمال منها العمل بأجرة يومية والرعي والسقاية إلى جانب العمل في المصانع، حيث انخرط فيما بعد بحرفة كاتب العرائض، وأيضاً الرسائل للفلاحين، والإلتماسات إلى جانب الوثائق بأشكالها، لكن ونتيجة لأسباب سياسية اضطر يشار للفرار إلى استانبول، حيث صدرت له العام 1951 أولى رواياته مصحوبة ببعض التعليقات الخاصة به.

ووصف في تلك الرواية طبيعة الحياة في الريف بلغة فلاحية صرفة، بالإضافة إلى وصفه الفقر والجوع والاضطهاد الذي يمارسه الإقطاعيون، والحيرة التي تواجهه أمام عنف الأجواء المحيطة.
وسهل هذا الواقع تقديمه بسرعة أمام أنظار الرأي العام التركي، لأسباب تتعلق بعدم معرفة الأدب التركي لمثل هذا النمط من الآداب. وعندما قدم يشار في العام 1955 روايته "محمد أيها الصقر" كان ذلك التاريخ شهد بداية ذيوع شهرته العالمية، حيث ترجم هذا العمل إلى أكثر من ثلاثين لغة، كما قطف العديد من الجوائز وشهادات التقدير.

محمد أيها الصقر

كانت رواية محمد نوعاً من أنواع الشخصية الانطباعية بنفس شرقي للكاتب روبين هود، حيث اعتبر رمزاً لأولئك المصادرة حقوقهم،كونه قتل الآغا الذي كان يجسد الإقطاعي الطاغية، ليقوم عقب ذلك بتوزيع الارض على الفلاحين، وكان مجموع ماكتب يشار عن شخصية الرمز محمد أربعة كتب، صدر الجزء الرابع منها بتركيا في عام 1987، كما صدرت ترجمته الألمانية في خريف العام الجاري تحت عنوان: "محمد.. رحلة الصقر الأخيرة" عن دار نشر Unions السويسرية.

صدرت العديد من الترجمات العربية لروايات يشار كمال في دور نشر لبنانية وسورية وعراقية.

سيمونة زيتة، دويتشه فيلله 2003، ترجمة حسن آل بلال